إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالبنط العريض.. "حرب السرديات"

 

منذ بداية معرفة الإنسان بالنزاع العنيف، والصراع على احتلال الأراضي، أي منذ المجتمعات الزراعية الأولى التي عرفها العالم ما قبل "بداية التاريخ"، لم تكن الحرب لتحقق مكاسبها دون أن يكون هناك إعلان من قبل أطراف الصراع على ماهية الحرب وأسبابها (وان كانت الأسباب في الغالب محددة بالتمدد زيادة السيادة الامبريالية عليها)، وفي النهاية نتائج تلك الحرب، وخصوصا هوية المنتصر فيها (أو المنتصرين)، وأثرها على الامتداد الجغرافي والسياسي في إقليم جغرافي معين.

فلا معنى لحرب دون إعلان عن منتصر، ولا معنى لها دون معرفة تبعاتها من قبل الممالك والإمبراطوريات المحيطة بالصراع، والتي يمكن أن تكون لها مطامع في إيقاف هذا الصراع أو استمراره.

ولطالما كانت الحرب، مرتبطة في الأدبيات العسكرية بمفهوم شديد الالتصاق بالمعنى الحربي، وهو الأثر النفسي لها، وهذا الأخير مرتبط بمدى مصداقية الرسالة الموجهة من قبل أطراف الحرب في النفسية الجماعية للطرف المقابل، ومدى تطابق حججه مع انتظارات "الجمهور" الواسع، والذي تطور مفهومه إلى مفهوم أكثر اتساعا وهو الرأي العام، الذي أصبح توجهه يساهم في صناعة القرار، بل ويؤثر عليها، لا فقط في الدول الديمقراطية بل حتى في الدول الديكتاتورية.

ولعل مفهوم الرأي العام أصبح أكثر أهمية مع تطور آليات صناعته وسرعتها مع الطفرة التكنولوجية الكبيرة التي أخذت تتحقق منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، وظهور مفهوم "القرية الكونية"، والتي أضحى العالم خلالها مشكلا من آراء عامة جماعية وذات ردات فعل تؤثر على مسارات سياسية وانتخابية وحتى حربية.

لقد أصبحنا نتحدث عن "حرب سرديات"، في معظم النزاعات الجيوسياسية التي يعرفها العالم، وأهمها حرب السرديات التي نعيشها اليوم في الحرب على غزة، هذه الحرب التي أخذت تغير الملامح الاجتماعية للعالم، وغيرت عديد المفاهيم السياسية التي كانت تؤثر على مراكز "صناعة العقول" و"أصحاب القرار" في المستقبل، بحكم المشاهد الدامية والمجازر التي تأتي من غزة، بل وكذلك ما تصوره المقاومة من مشاهد حرب الكر والفر التي يدك فيها مقاوم حافي القدمين دبابة ميركافا إسرائيلية بملايين الدولارات.

تلك الصورة التي تشكل معطى اتصاليا هاما جوهره بأن الإنسان المقاوم وصاحب القضية، يستمد قوته من عدالة قضيته وأن التفوق العسكري والتكنولوجي للطرف الآخر، لا يمكن أن يثنيه عن الاستمرار في السير حافي القدمين لتحقيق غايته وهدفه في الانعتاق من الاحتلال ومغتصب الأرض من أصحابها التاريخيين.

إن الحرب الدائرة في غزة، على أهميتها العسكرية وتكتيكاتها واستراتيجياتها، تبقى امتداداتها وأهدافها السياسية والإستراتيجية رهينة كسب "حرب السرديات"، تلك الحرب المرتبطة بمدى قوة الرسائل الإعلامية والاتصالية التي ترسلها أطراف الحرب ومدى استجابة الرأي العام لها، وهذا ما دفع عديد الحكومات لتغيير مساراتها ومواقفها، فمنهم من ذهب للاعتراف بدولة فلسطين، ومنهم من عدل موقفه الداعم لكيان الاحتلال وأضحى يضغط للبحث عن مخرج لحكومة الكيان يضمن لها "نصف الهزيمة".. لكن في غزة لا.. "الهزيمة كاملة".

نزار مقني

 

بالبنط العريض..   "حرب السرديات"

 

منذ بداية معرفة الإنسان بالنزاع العنيف، والصراع على احتلال الأراضي، أي منذ المجتمعات الزراعية الأولى التي عرفها العالم ما قبل "بداية التاريخ"، لم تكن الحرب لتحقق مكاسبها دون أن يكون هناك إعلان من قبل أطراف الصراع على ماهية الحرب وأسبابها (وان كانت الأسباب في الغالب محددة بالتمدد زيادة السيادة الامبريالية عليها)، وفي النهاية نتائج تلك الحرب، وخصوصا هوية المنتصر فيها (أو المنتصرين)، وأثرها على الامتداد الجغرافي والسياسي في إقليم جغرافي معين.

فلا معنى لحرب دون إعلان عن منتصر، ولا معنى لها دون معرفة تبعاتها من قبل الممالك والإمبراطوريات المحيطة بالصراع، والتي يمكن أن تكون لها مطامع في إيقاف هذا الصراع أو استمراره.

ولطالما كانت الحرب، مرتبطة في الأدبيات العسكرية بمفهوم شديد الالتصاق بالمعنى الحربي، وهو الأثر النفسي لها، وهذا الأخير مرتبط بمدى مصداقية الرسالة الموجهة من قبل أطراف الحرب في النفسية الجماعية للطرف المقابل، ومدى تطابق حججه مع انتظارات "الجمهور" الواسع، والذي تطور مفهومه إلى مفهوم أكثر اتساعا وهو الرأي العام، الذي أصبح توجهه يساهم في صناعة القرار، بل ويؤثر عليها، لا فقط في الدول الديمقراطية بل حتى في الدول الديكتاتورية.

ولعل مفهوم الرأي العام أصبح أكثر أهمية مع تطور آليات صناعته وسرعتها مع الطفرة التكنولوجية الكبيرة التي أخذت تتحقق منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، وظهور مفهوم "القرية الكونية"، والتي أضحى العالم خلالها مشكلا من آراء عامة جماعية وذات ردات فعل تؤثر على مسارات سياسية وانتخابية وحتى حربية.

لقد أصبحنا نتحدث عن "حرب سرديات"، في معظم النزاعات الجيوسياسية التي يعرفها العالم، وأهمها حرب السرديات التي نعيشها اليوم في الحرب على غزة، هذه الحرب التي أخذت تغير الملامح الاجتماعية للعالم، وغيرت عديد المفاهيم السياسية التي كانت تؤثر على مراكز "صناعة العقول" و"أصحاب القرار" في المستقبل، بحكم المشاهد الدامية والمجازر التي تأتي من غزة، بل وكذلك ما تصوره المقاومة من مشاهد حرب الكر والفر التي يدك فيها مقاوم حافي القدمين دبابة ميركافا إسرائيلية بملايين الدولارات.

تلك الصورة التي تشكل معطى اتصاليا هاما جوهره بأن الإنسان المقاوم وصاحب القضية، يستمد قوته من عدالة قضيته وأن التفوق العسكري والتكنولوجي للطرف الآخر، لا يمكن أن يثنيه عن الاستمرار في السير حافي القدمين لتحقيق غايته وهدفه في الانعتاق من الاحتلال ومغتصب الأرض من أصحابها التاريخيين.

إن الحرب الدائرة في غزة، على أهميتها العسكرية وتكتيكاتها واستراتيجياتها، تبقى امتداداتها وأهدافها السياسية والإستراتيجية رهينة كسب "حرب السرديات"، تلك الحرب المرتبطة بمدى قوة الرسائل الإعلامية والاتصالية التي ترسلها أطراف الحرب ومدى استجابة الرأي العام لها، وهذا ما دفع عديد الحكومات لتغيير مساراتها ومواقفها، فمنهم من ذهب للاعتراف بدولة فلسطين، ومنهم من عدل موقفه الداعم لكيان الاحتلال وأضحى يضغط للبحث عن مخرج لحكومة الكيان يضمن لها "نصف الهزيمة".. لكن في غزة لا.. "الهزيمة كاملة".

نزار مقني