إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صعود التيار اليميني المتطرف في القارة العجوز.. "زلزال سياسي" قد يطيح بـ"الاتحاد الأوروبي"

 

*أستاذ العلاقات الدولية طارق الكحلاوي لـ"الصباح": هذه عوامل صعود اليمين المتطرف في أوروبا

نزار مقني

تونس-الصباح

بات الاتحاد الأوروبي يواجه تحديات كبيرة، مع الصعود المدوي لأحزاب اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي التي شكلت زلزلا سياسيا في القارة العجوز، قادت حتى رئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى إطلاق صيحة فزع وتحذير من أن "أوروبا قابلة للفناء".

ولا يبدو أن صعود التيار اليميني المتطرف في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، وليد اللحظة، بل هو نتاج مسار كامل من صعود هذه الأحزاب على المستوى الوطني في الدول الأوروبية، و"تتوسع" بعد ذلك لتشمل مؤسسات البناء الاتحادي الأوروبي، وتصبح لها كتلة وازنة فيها.

هذه الكتلة الوازنة قد تشكل فارقا في القرارات المتعلقة بسياسات الجوار والخارجية في عديد الملفات الوازنة والثقيلة التي يعيشها "محيط" القارة الأوروبية وخصوصا في ما يتعلق بالحرب الروسية على أوكرانيا، وكذلك تصاعد وتيرة الهجرة غير النظامية من دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، ودول الشرق الأوسط نحوها.

فيما يبقى أكبر خطر يواجه البناء الاتحادي الأوروبي، الذي انطلق منذ سنة 1992 بمعاهدة ماستريخت، نزوع تيار اليمين المتطرف نحو "السيادوية" و"الانغلاق الوطني"، وهو عكس الاتجاه الاتحادي الذي يتطلب من دول الاتحاد "التخلي" عن بعض السيادة السياسية والقانونية والاقتصادية لصالح هذا المشروع، الذي أخذ يتوسع شرقا وجنوبا، مما جعل حدوده متاخمة لبعض بؤر التوتر والصراعات سواء في شرقها (أوكرانيا) أو جنوبها (غزة باعتبار قرب قبرص منها).

ولهذه الرهانات مثلت انتخابات البرلمان الأوروبي، في بعض الدول الأوروبية، "استفتاءات" حول مقبولية سياسات الحكومات الوطنية داخلها، وهو ما لوحظ جيدا في فرنسا التي مثل اختراق اليمين المتطرف للانتخابات فيها، منعرجا في المشهد السياسي الفرنسي، قاد ماكرون الى حل البرلمان الفرنسي والإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة، قد تقفز برئيس حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا إلى منصب رئيس للوزراء، و"تحشر" ماكرون في زاوية "التعايش غير المستقر" مع مطالب اليمين المتطرف، وتمر به إلى "عزلة سياسية" قبل نهاية ولايته سنة 2027.

في هذا السياق، يقول أستاذ العلاقات الدولية طارق الكحلاوي أن "هناك توجها موجودا منذ 5 سنوات في أوروبا نحو اليمين المتطرف، أبرز تمثلاته وصول زعيمة التجمع الوطني الفرنسي اليمينية مارين لوبان للدور الثاني للانتخابات الرئاسية الفرنسية السابقة.

وأضاف الكحلاوي أن "هذا التوجه نحو اليمين ليس جديدا، وله عديد العوامل، أهمها عودة الشعور السيادي للدول الأوروبية مع الصعوبات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، خصوصا مع توسعه وكذلك تصاعد "الكراهية الثقافية" خصوصا مع تصاعد الهجرة غير النظامية".

ويشير الكحلاوي أن هذا التوجه له أسباب اقتصادية واجتماعية حيث أن "الوضع الاقتصادي الاستثنائي الذي تمر به أوروبا بعد أزمة وباء كورونا وكذلك الحرب الروسية على أوكرانيا زادا في العوامل الهيكلية لصعود اليمين، وتسببت في تغييرات في القواعد الانتخابية الأوروبية والفرنسية وتوجهها إلى أقصى اليمين".

وأكد الكحلاوي أن صعود التيار اليميني المتطرف ستكون له تداعيات على علاقة أوروبا بجنوب المتوسط، وأن هذه الدول قد تكون على موعد مع "النموذج الإيطالي" فيما يخص ملف الهجرة غير النظامية.

وهنا يشير الكحلاوي أن أوروبا قد تتجه للتعامل مع دول الضفة الجنوبية للمتوسط، ومنها تونس، وفق "النموذج الإيطالي الذي يتعامل معنا بمنطق القبول بالسياسة الأوروبية لمواجهة الهجرة غير النظامية مقابل المعونات أو التمويلات الاقتصادية"، حسب تعبيره.

وأردف قائلا "سيصبح هذا النموذج سياسة عامة على مستوى الاتحاد الأوروبي ويجعل أيّة مساعدات أو هبات أو قروض، مرتبطة بمدى قبول دول جنوب المتوسط بالسياسة الأوروبية وخصوصا في الهجرة غير النظامية".

وأكد أن محور هذا النموذج يقوم على "قبول دول الجنوب بمبدأ تصدير أزمة أوروبا في الهجرة غير النظامية لدول جنوب المتوسط، بما يعني قبول دول الجنوب بفرز طالبي اللجوء على أراضيها".

وأقر بأن "النموذج الإيطالي سيكون له صدى في الاتحاد الأوروبي".

وكانت حكومة جورجيا ميلوني زعيمة حزب "أخوة إيطاليا" قد أقرت جملة من الاتفاقيات مع دول جنوب المتوسط والدول الإفريقية للحد من الهجرة غير النظامية، مقابل تعاون اقتصادي –وخصوصا طاقي- ضمن ما عرف بـ"خطة ماتي" (اسم مؤسس مجموعة الطاقة الإيطالية "إيني" إنريكو ماتي)، التي أعلن عنها في "قمة إيطاليا-إفريقيا" في شهر جانفي الماضي.

صعود التيار اليميني المتطرف في القارة العجوز..   "زلزال سياسي" قد يطيح بـ"الاتحاد الأوروبي"

 

*أستاذ العلاقات الدولية طارق الكحلاوي لـ"الصباح": هذه عوامل صعود اليمين المتطرف في أوروبا

نزار مقني

تونس-الصباح

بات الاتحاد الأوروبي يواجه تحديات كبيرة، مع الصعود المدوي لأحزاب اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي التي شكلت زلزلا سياسيا في القارة العجوز، قادت حتى رئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى إطلاق صيحة فزع وتحذير من أن "أوروبا قابلة للفناء".

ولا يبدو أن صعود التيار اليميني المتطرف في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، وليد اللحظة، بل هو نتاج مسار كامل من صعود هذه الأحزاب على المستوى الوطني في الدول الأوروبية، و"تتوسع" بعد ذلك لتشمل مؤسسات البناء الاتحادي الأوروبي، وتصبح لها كتلة وازنة فيها.

هذه الكتلة الوازنة قد تشكل فارقا في القرارات المتعلقة بسياسات الجوار والخارجية في عديد الملفات الوازنة والثقيلة التي يعيشها "محيط" القارة الأوروبية وخصوصا في ما يتعلق بالحرب الروسية على أوكرانيا، وكذلك تصاعد وتيرة الهجرة غير النظامية من دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، ودول الشرق الأوسط نحوها.

فيما يبقى أكبر خطر يواجه البناء الاتحادي الأوروبي، الذي انطلق منذ سنة 1992 بمعاهدة ماستريخت، نزوع تيار اليمين المتطرف نحو "السيادوية" و"الانغلاق الوطني"، وهو عكس الاتجاه الاتحادي الذي يتطلب من دول الاتحاد "التخلي" عن بعض السيادة السياسية والقانونية والاقتصادية لصالح هذا المشروع، الذي أخذ يتوسع شرقا وجنوبا، مما جعل حدوده متاخمة لبعض بؤر التوتر والصراعات سواء في شرقها (أوكرانيا) أو جنوبها (غزة باعتبار قرب قبرص منها).

ولهذه الرهانات مثلت انتخابات البرلمان الأوروبي، في بعض الدول الأوروبية، "استفتاءات" حول مقبولية سياسات الحكومات الوطنية داخلها، وهو ما لوحظ جيدا في فرنسا التي مثل اختراق اليمين المتطرف للانتخابات فيها، منعرجا في المشهد السياسي الفرنسي، قاد ماكرون الى حل البرلمان الفرنسي والإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة، قد تقفز برئيس حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا إلى منصب رئيس للوزراء، و"تحشر" ماكرون في زاوية "التعايش غير المستقر" مع مطالب اليمين المتطرف، وتمر به إلى "عزلة سياسية" قبل نهاية ولايته سنة 2027.

في هذا السياق، يقول أستاذ العلاقات الدولية طارق الكحلاوي أن "هناك توجها موجودا منذ 5 سنوات في أوروبا نحو اليمين المتطرف، أبرز تمثلاته وصول زعيمة التجمع الوطني الفرنسي اليمينية مارين لوبان للدور الثاني للانتخابات الرئاسية الفرنسية السابقة.

وأضاف الكحلاوي أن "هذا التوجه نحو اليمين ليس جديدا، وله عديد العوامل، أهمها عودة الشعور السيادي للدول الأوروبية مع الصعوبات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، خصوصا مع توسعه وكذلك تصاعد "الكراهية الثقافية" خصوصا مع تصاعد الهجرة غير النظامية".

ويشير الكحلاوي أن هذا التوجه له أسباب اقتصادية واجتماعية حيث أن "الوضع الاقتصادي الاستثنائي الذي تمر به أوروبا بعد أزمة وباء كورونا وكذلك الحرب الروسية على أوكرانيا زادا في العوامل الهيكلية لصعود اليمين، وتسببت في تغييرات في القواعد الانتخابية الأوروبية والفرنسية وتوجهها إلى أقصى اليمين".

وأكد الكحلاوي أن صعود التيار اليميني المتطرف ستكون له تداعيات على علاقة أوروبا بجنوب المتوسط، وأن هذه الدول قد تكون على موعد مع "النموذج الإيطالي" فيما يخص ملف الهجرة غير النظامية.

وهنا يشير الكحلاوي أن أوروبا قد تتجه للتعامل مع دول الضفة الجنوبية للمتوسط، ومنها تونس، وفق "النموذج الإيطالي الذي يتعامل معنا بمنطق القبول بالسياسة الأوروبية لمواجهة الهجرة غير النظامية مقابل المعونات أو التمويلات الاقتصادية"، حسب تعبيره.

وأردف قائلا "سيصبح هذا النموذج سياسة عامة على مستوى الاتحاد الأوروبي ويجعل أيّة مساعدات أو هبات أو قروض، مرتبطة بمدى قبول دول جنوب المتوسط بالسياسة الأوروبية وخصوصا في الهجرة غير النظامية".

وأكد أن محور هذا النموذج يقوم على "قبول دول الجنوب بمبدأ تصدير أزمة أوروبا في الهجرة غير النظامية لدول جنوب المتوسط، بما يعني قبول دول الجنوب بفرز طالبي اللجوء على أراضيها".

وأقر بأن "النموذج الإيطالي سيكون له صدى في الاتحاد الأوروبي".

وكانت حكومة جورجيا ميلوني زعيمة حزب "أخوة إيطاليا" قد أقرت جملة من الاتفاقيات مع دول جنوب المتوسط والدول الإفريقية للحد من الهجرة غير النظامية، مقابل تعاون اقتصادي –وخصوصا طاقي- ضمن ما عرف بـ"خطة ماتي" (اسم مؤسس مجموعة الطاقة الإيطالية "إيني" إنريكو ماتي)، التي أعلن عنها في "قمة إيطاليا-إفريقيا" في شهر جانفي الماضي.