إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

اسرائيل وهاجس العزلة الدولية القاتلة

 

 

السردية الكاذبة والمغشوشة لإسرائيل هي الوجبة اليومية التي يتناولها المتلقى

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

لم يكف إسرائيل قتلها أكثر من أربعين ألف مدني وأكثر من مائة وخمسين صحفيا في غزة، في جرائم يومية متكررة ، فارتكبت جريمة أخرى تمثلت في قتل أكثر من خمسين من النازحين كانوا نائمين في العراء تحت الخيام نهاية ماي 2024 في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، مما أثار موجة تنديد واسعة عبر العالم زادت في عزلة إسرائيل.

وإذا كان رئيس الحكومة الإسرائيلية ناتنياهو قد اعترف بأن القصف كان "على وجه الخطإ" وقد " فتح تحقيقا وكون لجنة في الغرض"، فإن انعدام الإنسانية لم يأت هذه المرة من ناتنياهو وأزلامه، بل من الديمقراطيات الأوروبية ومن أمريكا صاحبة مقولات الحريات وحقوق الانسان التي تريد تصديرها للعالم. فقد أعلنت كل من امريكا وفرنسا عن " ابتهاجها وترحيبها" بفتح إسرائيل تحقيقا في الغرض. وانبرت كل وسائل اعلامها تناقش أبعاد هذه الحركة القانونية من اسرائيل التي قالت إحدى المحطات التلفزيونية وهي " أل سي إي"إن اسرائيل هي " دولة قانون ومؤسسات ودولة ديمقراطية مقارنة بالدول العربية المحيطة بها". وقامت تلك القناة الإخبارية التابعة لقناة "تي أف أن" المملوكة لرجل الصناعات الحربية الفرنسي وصديق إسرائيل سارج داسّو، بإجراء حوار تلفزيوني في تلك الليلة مع الوزير الأول الإسرائيلي ناتنياهو،أجراه معه الصحفي داريوسروشبين المعروف بدفاعه عن إسرائيل. وكانت الأسئلة في ذلك الحديث الصحفي الدعائي محضّرة لفسح المجال أمام ناتنياهو ليكرر المزاعم التي يرددها ولكيل الاتهامات إلى المدنيين الذين كما قال "يأوون المقاومة فوجب قتلهم مع المقاومة التي تتخذهم دروعا بشرية"، والحال أن التقارير الصحفية والأممية تؤكد إمعان الجيش الإسرائيلي في التقتيل والتهجير والترويع حد الإبادة الجماعية، وهو ما اقرت به محكمة العدل الدولية التي ادانت إسرائيل وتستعد لإصدار بطاقة جلب دولية وايداع بالسجن في حق ناتنياهو باعتباره مجرم حرب. وهي خطوة لم تكن إسرائيل تتوقعها رغم مسارات الحرب الوحشية التي جعلت من قادة إسرائيل مجرمي حرب وجب تقديمهم للعدالة الدولية، كما جرى لمجرمي الحرب النازيين في نهاية الحرب العالمية الثانية في محكمة نورمبارغ الشهيرة.

وفي حربها ضد الفلسطينيين تستعمل إسرائيل كل أدوات التضليل الإعلامي ومنها نزع الصفة الإنسانية عن الضحايا وتبرير العنف الجماعي وبث الشكوك والأخبار الزائفة وأخبار الفايك نيوز والإفك،إلى جانب إسكات مصادر الحقيقة وتحريك التجويق الإعلامي لتلهية الرأي العام بقضايا هامشية واستخدام الاعلام كسلاح أفتك من السلاح النووي أو النيتروني.

ورغم المكابرة ووقوف الأنظمة الاوروبية والامريكية إلى جانب إسرائيل بالدعم الإعلامي والسياسي والعسكري، فإن هذه الأنظمة الحاكمة وجدت نفسها في التسلل بعد أن أصبحت شعوبها ونخبها السياسية والعلمية والأكاديمية، متقدمة عليها ومتضامنة طوال الأشهر الاخيرة مع الشعب الفلسطيني ومع أطفال غزة، مع تكرر المجازر التي يشاهدونها على هواتفهم النقالة دون تعتيم أو تضليل أو رقابة تعودت عليه الماكنة التضليلية للإعلام التقليدي الأورو أمريكي التي ظلت منذ انشاء إسرائيل عام 1948 تأتمر بأوامر الرقابة العسكرية الإسرائيلية التي وضعت لها إسرائيل أطرا صارمة وكيانات تضليلية على أكثر من صعيد، جعلت السردية الكاذبة والمغشوشة لإسرائيل هي الوجبة اليومية التي يتناولها المتلقي للرسالة الدعائية حد البروباغندا التي بها خُدّر العقل الغربي طوال العشريات السابقة دون نقاش. ومن يناقش او يخرج عن السرب الببّغاوي يدخل إلى المارسْتانا ويعطّل أو يُطرد من المهنة أو الجمعية، سواء كان صحفيا أو مؤرخا أو كاتب حقيقة.

عزلة قاتلة

بعد حرب غزة الحالية لعام 2024 سقطت السردية الاسرائيلية بفضل الاعلام البديل لمواقع التواصل الاجتماعي الصينية "تيك توك"والروسية "تلغرام " التي تخرج عن نطاق سيطرة القوى الغربية بأنترناتها ومواقعها التواصلية مثل "فايسبوك"أو "تويترإكس" التي تفرض رقابة على أحداث غزة وغيرها. وقد سبق ان أغلقت مواقع الكترونية تونسية لأشخاص أو مؤسسات إعلامية منها، موقع إذاعة المنستير بدعوى "نشر أخبار العنف" .

ويرى الملاحظون أن إسرائيل بدأت تعيش العزلة الدولية من حكام العالم بعد أن عاشت العزلة الشعبية من شعوب العالم قاطبة خلال الأشهر الأخيرة، وانقلب سحر السردية الإسرائيلية القائمة على المظلومية والتباكي التاريخي على أصحابها من سحرة المعبد الصهيوني الذي حوّل مصطلح معاداة السامية إلى معاداة الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية شوفينية منبوذة من كل الشعوب والأمم عبر العالم.

ورغم بقايا المساندة من بقايا أزْلام إسرائيل في العلاقات الدولية وفي كواليس السياسة والاعلام التضليلي، فان إسرائيل التي هي بلد صغير، تبقي بلدا هشّا غير قابل للحياة. وهي كالمريض المزمن الذي يوجد إكلينيكيا في حالة تبعية للإنعاش والآلات الطبية، ودونها يكون طريقه إلى عزرائيل أقرب وأسرع من إسرائيل.

فحسب الدراسات الاستراتيجية، وخلافا لما يشاع دعائيا وتضليليا حول قوتها العسكرية والاقتصادية، تبقى إسرائيل مثل الزائدة الدودية في المنطقة الشرق أوسطية، تابعة عسكريا ودفاعيا للحلف الأطلسي واقتصاديا وثقافيا لنفس منطقة التحالف.

فعلى سبيل المثال وعلى الصعيد الثقافي والشعبي،فرغم توقيع اتفاقية السلام كامب دافيد بين إسرائيل ومصر منذ عام 1979، فإن العلاقات الشعبية والثقافية لازالت منعدمة رغم جهود التسويق والأموال الطائلة التي صرفتها إسرائيل للترويج للسلام في مصر. وقد باءت بالفشل الذريع كل محاولات التقرب في اتجاه الراي العام المصري الذي لازال يعتبر إسرائيل "عدوة وقوة احتلال" لسيناء وفلسطين . وكتبت إحدى الصحف المصرية تقول إن اليهود كانوا محبوبين ومندمجين في المجتمع المصري الذي يضم المسلمين والأقباط المسيحيين قبل ان يلتحقوا بإسرائيل ويصبحوا أعداء مصر. بل ان العلاقات الدبلوماسية الثنائية ظلت باردة برودة ثلج أوروبا. وهي لاتخضع حتى للحدود الدنيا في العلاقات الدبلوماسية المعتادة. وقد جسم هذا الرفض المصري عدة أعمال صحفية وسينمائية تبرز الرفض الشعبي لتلك العلاقات الباهتة جسمها شريط سينمائي بعنوان " السفارة في العمارة" بطولة عادل امام يطالب فيه بإخراج السفارة الإسرائيلية من العمارة المنبوذة وسط القاهرة.

وتشير نفس الدراسات الإستراتيجية إلى أن إسرائيل، رغم الدعم المستمر الذي تلقته من حكام أوروبا وأمريكا، ليس لديها إمكانيات الصمود في وجه العزلة الدولية التي تترصدها وتزحف عليها من كل مكان، بعد حرب غزة الرابعة وضد سكانها وخاصة بعد قرارات محكمة العدل الدولية التي تهدد بعزل إسرائيل في المحافل الدولية وتوقيف قادتها باعتبارهم مجرمي حرب.

وخلال الأسابيع الأخيرة من حرب غزة نشر المحلل السياسي الإسرائيلي جون هوفمان مقالا تحليليا في مجلة "فورين بوليسي" القريبة من وزارة الخارجية الأمريكية قال فيه ان إسرائيل لن تقدر على الصمود في وجه العزلة الإقليمية والدولية المتزايدة لأن اقتصادها هش وقائم على الاستثمارات الأجنبية وعلى التجارة الخارجية التي تمثل ستين بالمائة من دخلها القومي الخام. وقال إن إسرائيل أصبحت عبءا استراتيجيا على أمريكا تجعلها تتحمل الدعم المالي والعسكري الذي ظل عنصرا ثابتا في السياسة الامريكية منذ قيام إسرائيل عام 1948 حيث تلقت منها ثلاثمائة مليار دولار، وتواصل تزويدها بنحو ثلاثة فاصل ثمانية مليار دولار سنويا. كما تقدم إلى دول مثل مصر والأردن مساعدات سنوية مقابل الحفاظ على علاقات طبيعية مع إسرائيل حتى زمن الأزمات والحروب الإقليمية مثل حرب غزة الجارية. ويعتقد الكثيرمن المحللين الامريكان " أنه حان الوقت لإعادة تقييم جوهري لهذه العلاقات وجعلها طبيعية والتعامل مع تل أبيب بالطريقة نفسها التي ينبغي أن تتعامل بها مع أية دولة أجنبية أخرى".

ولعل ذلك أحد مظاهر سقوط مزيد التابوهات التي قامت عليها إسرائيل ومنها تزايد عدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وتجذّر مطالب محاكمة قادة إسرائيل وفرض عقوبات اقتصادية عليها إذا تمادت في أعمالها العسكرية. وهي إجراءات دولية تدق مسمارا إضافيا في نعش إسرائيل مع زوال المشروع الصهيوني التوسعي والإنكفاء لحدود الشرعية الدولية وإعادة الحقوق المغتصبة إلى أصحابها الشرعيين.

 

 

 

 

 

اسرائيل وهاجس العزلة الدولية القاتلة

 

 

السردية الكاذبة والمغشوشة لإسرائيل هي الوجبة اليومية التي يتناولها المتلقى

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

لم يكف إسرائيل قتلها أكثر من أربعين ألف مدني وأكثر من مائة وخمسين صحفيا في غزة، في جرائم يومية متكررة ، فارتكبت جريمة أخرى تمثلت في قتل أكثر من خمسين من النازحين كانوا نائمين في العراء تحت الخيام نهاية ماي 2024 في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، مما أثار موجة تنديد واسعة عبر العالم زادت في عزلة إسرائيل.

وإذا كان رئيس الحكومة الإسرائيلية ناتنياهو قد اعترف بأن القصف كان "على وجه الخطإ" وقد " فتح تحقيقا وكون لجنة في الغرض"، فإن انعدام الإنسانية لم يأت هذه المرة من ناتنياهو وأزلامه، بل من الديمقراطيات الأوروبية ومن أمريكا صاحبة مقولات الحريات وحقوق الانسان التي تريد تصديرها للعالم. فقد أعلنت كل من امريكا وفرنسا عن " ابتهاجها وترحيبها" بفتح إسرائيل تحقيقا في الغرض. وانبرت كل وسائل اعلامها تناقش أبعاد هذه الحركة القانونية من اسرائيل التي قالت إحدى المحطات التلفزيونية وهي " أل سي إي"إن اسرائيل هي " دولة قانون ومؤسسات ودولة ديمقراطية مقارنة بالدول العربية المحيطة بها". وقامت تلك القناة الإخبارية التابعة لقناة "تي أف أن" المملوكة لرجل الصناعات الحربية الفرنسي وصديق إسرائيل سارج داسّو، بإجراء حوار تلفزيوني في تلك الليلة مع الوزير الأول الإسرائيلي ناتنياهو،أجراه معه الصحفي داريوسروشبين المعروف بدفاعه عن إسرائيل. وكانت الأسئلة في ذلك الحديث الصحفي الدعائي محضّرة لفسح المجال أمام ناتنياهو ليكرر المزاعم التي يرددها ولكيل الاتهامات إلى المدنيين الذين كما قال "يأوون المقاومة فوجب قتلهم مع المقاومة التي تتخذهم دروعا بشرية"، والحال أن التقارير الصحفية والأممية تؤكد إمعان الجيش الإسرائيلي في التقتيل والتهجير والترويع حد الإبادة الجماعية، وهو ما اقرت به محكمة العدل الدولية التي ادانت إسرائيل وتستعد لإصدار بطاقة جلب دولية وايداع بالسجن في حق ناتنياهو باعتباره مجرم حرب. وهي خطوة لم تكن إسرائيل تتوقعها رغم مسارات الحرب الوحشية التي جعلت من قادة إسرائيل مجرمي حرب وجب تقديمهم للعدالة الدولية، كما جرى لمجرمي الحرب النازيين في نهاية الحرب العالمية الثانية في محكمة نورمبارغ الشهيرة.

وفي حربها ضد الفلسطينيين تستعمل إسرائيل كل أدوات التضليل الإعلامي ومنها نزع الصفة الإنسانية عن الضحايا وتبرير العنف الجماعي وبث الشكوك والأخبار الزائفة وأخبار الفايك نيوز والإفك،إلى جانب إسكات مصادر الحقيقة وتحريك التجويق الإعلامي لتلهية الرأي العام بقضايا هامشية واستخدام الاعلام كسلاح أفتك من السلاح النووي أو النيتروني.

ورغم المكابرة ووقوف الأنظمة الاوروبية والامريكية إلى جانب إسرائيل بالدعم الإعلامي والسياسي والعسكري، فإن هذه الأنظمة الحاكمة وجدت نفسها في التسلل بعد أن أصبحت شعوبها ونخبها السياسية والعلمية والأكاديمية، متقدمة عليها ومتضامنة طوال الأشهر الاخيرة مع الشعب الفلسطيني ومع أطفال غزة، مع تكرر المجازر التي يشاهدونها على هواتفهم النقالة دون تعتيم أو تضليل أو رقابة تعودت عليه الماكنة التضليلية للإعلام التقليدي الأورو أمريكي التي ظلت منذ انشاء إسرائيل عام 1948 تأتمر بأوامر الرقابة العسكرية الإسرائيلية التي وضعت لها إسرائيل أطرا صارمة وكيانات تضليلية على أكثر من صعيد، جعلت السردية الكاذبة والمغشوشة لإسرائيل هي الوجبة اليومية التي يتناولها المتلقي للرسالة الدعائية حد البروباغندا التي بها خُدّر العقل الغربي طوال العشريات السابقة دون نقاش. ومن يناقش او يخرج عن السرب الببّغاوي يدخل إلى المارسْتانا ويعطّل أو يُطرد من المهنة أو الجمعية، سواء كان صحفيا أو مؤرخا أو كاتب حقيقة.

عزلة قاتلة

بعد حرب غزة الحالية لعام 2024 سقطت السردية الاسرائيلية بفضل الاعلام البديل لمواقع التواصل الاجتماعي الصينية "تيك توك"والروسية "تلغرام " التي تخرج عن نطاق سيطرة القوى الغربية بأنترناتها ومواقعها التواصلية مثل "فايسبوك"أو "تويترإكس" التي تفرض رقابة على أحداث غزة وغيرها. وقد سبق ان أغلقت مواقع الكترونية تونسية لأشخاص أو مؤسسات إعلامية منها، موقع إذاعة المنستير بدعوى "نشر أخبار العنف" .

ويرى الملاحظون أن إسرائيل بدأت تعيش العزلة الدولية من حكام العالم بعد أن عاشت العزلة الشعبية من شعوب العالم قاطبة خلال الأشهر الأخيرة، وانقلب سحر السردية الإسرائيلية القائمة على المظلومية والتباكي التاريخي على أصحابها من سحرة المعبد الصهيوني الذي حوّل مصطلح معاداة السامية إلى معاداة الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية شوفينية منبوذة من كل الشعوب والأمم عبر العالم.

ورغم بقايا المساندة من بقايا أزْلام إسرائيل في العلاقات الدولية وفي كواليس السياسة والاعلام التضليلي، فان إسرائيل التي هي بلد صغير، تبقي بلدا هشّا غير قابل للحياة. وهي كالمريض المزمن الذي يوجد إكلينيكيا في حالة تبعية للإنعاش والآلات الطبية، ودونها يكون طريقه إلى عزرائيل أقرب وأسرع من إسرائيل.

فحسب الدراسات الاستراتيجية، وخلافا لما يشاع دعائيا وتضليليا حول قوتها العسكرية والاقتصادية، تبقى إسرائيل مثل الزائدة الدودية في المنطقة الشرق أوسطية، تابعة عسكريا ودفاعيا للحلف الأطلسي واقتصاديا وثقافيا لنفس منطقة التحالف.

فعلى سبيل المثال وعلى الصعيد الثقافي والشعبي،فرغم توقيع اتفاقية السلام كامب دافيد بين إسرائيل ومصر منذ عام 1979، فإن العلاقات الشعبية والثقافية لازالت منعدمة رغم جهود التسويق والأموال الطائلة التي صرفتها إسرائيل للترويج للسلام في مصر. وقد باءت بالفشل الذريع كل محاولات التقرب في اتجاه الراي العام المصري الذي لازال يعتبر إسرائيل "عدوة وقوة احتلال" لسيناء وفلسطين . وكتبت إحدى الصحف المصرية تقول إن اليهود كانوا محبوبين ومندمجين في المجتمع المصري الذي يضم المسلمين والأقباط المسيحيين قبل ان يلتحقوا بإسرائيل ويصبحوا أعداء مصر. بل ان العلاقات الدبلوماسية الثنائية ظلت باردة برودة ثلج أوروبا. وهي لاتخضع حتى للحدود الدنيا في العلاقات الدبلوماسية المعتادة. وقد جسم هذا الرفض المصري عدة أعمال صحفية وسينمائية تبرز الرفض الشعبي لتلك العلاقات الباهتة جسمها شريط سينمائي بعنوان " السفارة في العمارة" بطولة عادل امام يطالب فيه بإخراج السفارة الإسرائيلية من العمارة المنبوذة وسط القاهرة.

وتشير نفس الدراسات الإستراتيجية إلى أن إسرائيل، رغم الدعم المستمر الذي تلقته من حكام أوروبا وأمريكا، ليس لديها إمكانيات الصمود في وجه العزلة الدولية التي تترصدها وتزحف عليها من كل مكان، بعد حرب غزة الرابعة وضد سكانها وخاصة بعد قرارات محكمة العدل الدولية التي تهدد بعزل إسرائيل في المحافل الدولية وتوقيف قادتها باعتبارهم مجرمي حرب.

وخلال الأسابيع الأخيرة من حرب غزة نشر المحلل السياسي الإسرائيلي جون هوفمان مقالا تحليليا في مجلة "فورين بوليسي" القريبة من وزارة الخارجية الأمريكية قال فيه ان إسرائيل لن تقدر على الصمود في وجه العزلة الإقليمية والدولية المتزايدة لأن اقتصادها هش وقائم على الاستثمارات الأجنبية وعلى التجارة الخارجية التي تمثل ستين بالمائة من دخلها القومي الخام. وقال إن إسرائيل أصبحت عبءا استراتيجيا على أمريكا تجعلها تتحمل الدعم المالي والعسكري الذي ظل عنصرا ثابتا في السياسة الامريكية منذ قيام إسرائيل عام 1948 حيث تلقت منها ثلاثمائة مليار دولار، وتواصل تزويدها بنحو ثلاثة فاصل ثمانية مليار دولار سنويا. كما تقدم إلى دول مثل مصر والأردن مساعدات سنوية مقابل الحفاظ على علاقات طبيعية مع إسرائيل حتى زمن الأزمات والحروب الإقليمية مثل حرب غزة الجارية. ويعتقد الكثيرمن المحللين الامريكان " أنه حان الوقت لإعادة تقييم جوهري لهذه العلاقات وجعلها طبيعية والتعامل مع تل أبيب بالطريقة نفسها التي ينبغي أن تتعامل بها مع أية دولة أجنبية أخرى".

ولعل ذلك أحد مظاهر سقوط مزيد التابوهات التي قامت عليها إسرائيل ومنها تزايد عدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وتجذّر مطالب محاكمة قادة إسرائيل وفرض عقوبات اقتصادية عليها إذا تمادت في أعمالها العسكرية. وهي إجراءات دولية تدق مسمارا إضافيا في نعش إسرائيل مع زوال المشروع الصهيوني التوسعي والإنكفاء لحدود الشرعية الدولية وإعادة الحقوق المغتصبة إلى أصحابها الشرعيين.