المجلس الوطني للجهات والأقاليم فرصة للمواطنين لطرح القضايا الجوهرية في الجهات
طالب التونسيّون ببرلمان وطني خلال مظاهرات التاسع من أفريل1938 ضدّ المستعمر الفرنسي.وقد شكّل انتخاب أعضاء مجلس النواب سنة 1959تجسيد الحلم الوطني في إرساء أوّل برلمان تونسي تميّز باختيار المشرّع آنذاك لنظام الغرفة الواحدة.
وتبعا لتطوّر الحياة السياسية في تونس تمّ إحداث مجلس المستشارين في سنة 2005 ليصبح البرلمان التونسي ذا غرفتين. وبعد اندلاع الثورة سنة 2011 اختار المجلس الوطني التأسيسي المنتخب آنذاك نظام الغرفة الواحدة تماشيا مع النظام السياسي البرلماني الذي اختارته الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.
وقد مثّلت تدابير 25 جويلية 2021 التي أعلنها رئيس الجمهورية قيس سعيّد منعرجا في المشهد السياسي الذي عاشته تونس طيلة عشر سنوات في ظل نظام برلماني معدّل أدّى إلى صراع حاد على الحكم وتنازع للصلاحيات.
وإثر الإجراءات الاستثنائية رسم رئيس الجمهوريّة مسارا سياسيا مغايرا لما كانت تعيشه تونس بتعليق العمل بدستور 2014 واستفتاء التونسيّين على دستور جديد في شهر جويلية من سنة 2022، أرسى بموجبه نظاما سياسيا جديدا يقوم على وظيفة تشريعيّة بنظام الغرفتين: مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والاقاليم . ويعتبر المجلس الثاني الأول من نوعه في تاريخ تونس السياسي المنبثق من قانون انتخابي يعتمد التصويت على الأفراد بدل القائمات.
ولئن يتمّ انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب لمدّة خمس سنوات (الفصل 52 من الدّستور) فإنّ المجلس الوطني للجهات والأقاليم يتكوّن من جانبه من نواب منتخبين عن الجهات والاقاليم، إذ ينتخب أعضاء كلّ مجلس جهوي ثلاثة أعضاء من بينهم لتمثيل جهتهم بهذا المجلس وينتخب الأعضاء المنتخبون في المجالس الجهويّة في كلّ إقليم نائبا واحدا من بينهم يمثّل هذا الإقليم (الفصل 81 من الدّستور) .علما بأنّه لا يمكن الجمع بين عضويّة مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والاقاليم.
وطبقا لما ينصّ عليه دستور 25 جويلية 2022 تعتبر الوظيفة التشريعية والرقابية أبرز مهام مجلس نواب الشعب، في حين يختص المجلس الوطني للجهات والاقاليم بالنظر في مشاريع التخطيط والتنمية. ومن جهة ثانية،تتمثّل الصلاحيات المشتركة بين الغرفتين في النظر في المشاريع المتعلّقة بميزانية الدّولة وتوجيه لائحة لوم ضدّ الحكومة إن تبيّن لهما أنّها تخالف السياسة العامّة للدّولة والاختيارات الأساسيّة المنصوص عليها بالدّستور.
أية رهانات لهذه التجربة البرلمانيّة الوليدة ؟
ينص الفصل 61 من الدستور على أنّ وكالة النائب قابلة للسحب وفق الشروط التي يحدّدها القانون الانتخابي، في حين يمنع الفصل 62 تنقل نواب البرلمان بين الكتل النيابية.
وينصّ الفصل 66 على أنّ النائب لا يتمتع بالحصانة البرلمانية بالنسبة إلى جرائم القذف والثلب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس، كما لا يتمتع بها أيضا في صورة تعطيله للسير العادي لأعمال المجلس.
ويمنح الفصل 68 رئيس الجمهوريّة الحق في عرض مشاريع قوانين على البرلمان على أن تحظى بأولويّة النّظر، ويفرده بالحقّ في تقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين المالية.
ومن جهة أخرى ينصّ الفصل 112 على أن الحكومة مسؤولة عن تصرفها أمام رئيس الجمهوريّة، ووفق الفصل 115، لا يمكن للبرلمان حجب الثقة عنها إلا إذا وقعت المصادقة على لائحة اللوم بأغلبيّة الثلثين لأعضاء المجلسين مجتمعين.
أما الفصل 116 من الدستور فيشير إلى أنه في صورة توجيه لائحة لوم ثانية للحكومة خلال نفس المدّة البرلمانية، يمكن لرئيس الجمهوريّة قبول استقالة الحكومة أو حلّ المجلسين أو أحدهما والدعوة لإجراء انتخابات جديدة في مدّة لا تتجاوز الثلاثين يوما.
وقد انطلق مسار الانتخابات المحلية لأول مرة وفق النظام الانتخابي الجديد في تونس لاختيار أعضاء الغرفة الثانية للبرلمان التونسي (المجلس الوطني للجهات والاقاليم) وقد طرح هذا المسار تساؤلات لدى المراقبين حول المزايا المنتظرة منها، فضلا عن الإضافة المرجوة من هذا المجلس على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
علما أنّ الاقتراع يتمّ على الأفراد في دوائر ضيقة تسمى العمادات لتشكيل مجالس محلية ثم يتمّ تصعيد ممثلين عن هذه المجالس إلى مجالس جهوية. وينتخب بعد ذلك كل مجلس جهوي ثلاثة ممثلين عنه في هذا المجلس إضافة إلى ممثّلي الأقاليم.
فضاء لطرح القضايا الجهوية وإبلاغ مشاغل المواطن
سيمثّل المجلس الوطني للجهات والأقاليم فرصة للمواطنين لطرح القضايا الجوهرية في الجهات على غرار التشغيل والتنمية وتردّي جودة الخدمات الأساسية مثل النقل والصحة والتعليم.
ويمكن الجزم أنّ هذا المجلس سيشكّل فضاء مخصّصا لطرح القضايا الجهوية ونقل مشاغل المواطنين في مختلف المناطق بصفة ملموسة وواقعية.
وتتمثّل الحاجة إلى إرساء المجلس الوطني للجهات والأقاليم في أنّه يمثّل آلية كفيلة بمعالجةالتفاوت الجهوي على مستوى التنمية والاستثمار، وإنجاز المشاريع التنموية في الجهات الداخلية.
والأمل يحدونا في أن يكون هذا البناء الجديد قادرا على الاستجابة لمطالب وانتظارات الشعب التونسي، من خلال ما سيقوم به من دور محوريّ في تحقيق النقلة النوعيّة على مستوى تحقيق التقدّم الاجتماعي وضمان جودة الحياة وتكريس العدالة الاجتماعيّة المنشودة وتحقيق التنمية الاقتصاديّة وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني.
كريمة خليفي مستشارة بمجلس نواب الشعب
المجلس الوطني للجهات والأقاليم فرصة للمواطنين لطرح القضايا الجوهرية في الجهات
طالب التونسيّون ببرلمان وطني خلال مظاهرات التاسع من أفريل1938 ضدّ المستعمر الفرنسي.وقد شكّل انتخاب أعضاء مجلس النواب سنة 1959تجسيد الحلم الوطني في إرساء أوّل برلمان تونسي تميّز باختيار المشرّع آنذاك لنظام الغرفة الواحدة.
وتبعا لتطوّر الحياة السياسية في تونس تمّ إحداث مجلس المستشارين في سنة 2005 ليصبح البرلمان التونسي ذا غرفتين. وبعد اندلاع الثورة سنة 2011 اختار المجلس الوطني التأسيسي المنتخب آنذاك نظام الغرفة الواحدة تماشيا مع النظام السياسي البرلماني الذي اختارته الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.
وقد مثّلت تدابير 25 جويلية 2021 التي أعلنها رئيس الجمهورية قيس سعيّد منعرجا في المشهد السياسي الذي عاشته تونس طيلة عشر سنوات في ظل نظام برلماني معدّل أدّى إلى صراع حاد على الحكم وتنازع للصلاحيات.
وإثر الإجراءات الاستثنائية رسم رئيس الجمهوريّة مسارا سياسيا مغايرا لما كانت تعيشه تونس بتعليق العمل بدستور 2014 واستفتاء التونسيّين على دستور جديد في شهر جويلية من سنة 2022، أرسى بموجبه نظاما سياسيا جديدا يقوم على وظيفة تشريعيّة بنظام الغرفتين: مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والاقاليم . ويعتبر المجلس الثاني الأول من نوعه في تاريخ تونس السياسي المنبثق من قانون انتخابي يعتمد التصويت على الأفراد بدل القائمات.
ولئن يتمّ انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب لمدّة خمس سنوات (الفصل 52 من الدّستور) فإنّ المجلس الوطني للجهات والأقاليم يتكوّن من جانبه من نواب منتخبين عن الجهات والاقاليم، إذ ينتخب أعضاء كلّ مجلس جهوي ثلاثة أعضاء من بينهم لتمثيل جهتهم بهذا المجلس وينتخب الأعضاء المنتخبون في المجالس الجهويّة في كلّ إقليم نائبا واحدا من بينهم يمثّل هذا الإقليم (الفصل 81 من الدّستور) .علما بأنّه لا يمكن الجمع بين عضويّة مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والاقاليم.
وطبقا لما ينصّ عليه دستور 25 جويلية 2022 تعتبر الوظيفة التشريعية والرقابية أبرز مهام مجلس نواب الشعب، في حين يختص المجلس الوطني للجهات والاقاليم بالنظر في مشاريع التخطيط والتنمية. ومن جهة ثانية،تتمثّل الصلاحيات المشتركة بين الغرفتين في النظر في المشاريع المتعلّقة بميزانية الدّولة وتوجيه لائحة لوم ضدّ الحكومة إن تبيّن لهما أنّها تخالف السياسة العامّة للدّولة والاختيارات الأساسيّة المنصوص عليها بالدّستور.
أية رهانات لهذه التجربة البرلمانيّة الوليدة ؟
ينص الفصل 61 من الدستور على أنّ وكالة النائب قابلة للسحب وفق الشروط التي يحدّدها القانون الانتخابي، في حين يمنع الفصل 62 تنقل نواب البرلمان بين الكتل النيابية.
وينصّ الفصل 66 على أنّ النائب لا يتمتع بالحصانة البرلمانية بالنسبة إلى جرائم القذف والثلب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس، كما لا يتمتع بها أيضا في صورة تعطيله للسير العادي لأعمال المجلس.
ويمنح الفصل 68 رئيس الجمهوريّة الحق في عرض مشاريع قوانين على البرلمان على أن تحظى بأولويّة النّظر، ويفرده بالحقّ في تقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين المالية.
ومن جهة أخرى ينصّ الفصل 112 على أن الحكومة مسؤولة عن تصرفها أمام رئيس الجمهوريّة، ووفق الفصل 115، لا يمكن للبرلمان حجب الثقة عنها إلا إذا وقعت المصادقة على لائحة اللوم بأغلبيّة الثلثين لأعضاء المجلسين مجتمعين.
أما الفصل 116 من الدستور فيشير إلى أنه في صورة توجيه لائحة لوم ثانية للحكومة خلال نفس المدّة البرلمانية، يمكن لرئيس الجمهوريّة قبول استقالة الحكومة أو حلّ المجلسين أو أحدهما والدعوة لإجراء انتخابات جديدة في مدّة لا تتجاوز الثلاثين يوما.
وقد انطلق مسار الانتخابات المحلية لأول مرة وفق النظام الانتخابي الجديد في تونس لاختيار أعضاء الغرفة الثانية للبرلمان التونسي (المجلس الوطني للجهات والاقاليم) وقد طرح هذا المسار تساؤلات لدى المراقبين حول المزايا المنتظرة منها، فضلا عن الإضافة المرجوة من هذا المجلس على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
علما أنّ الاقتراع يتمّ على الأفراد في دوائر ضيقة تسمى العمادات لتشكيل مجالس محلية ثم يتمّ تصعيد ممثلين عن هذه المجالس إلى مجالس جهوية. وينتخب بعد ذلك كل مجلس جهوي ثلاثة ممثلين عنه في هذا المجلس إضافة إلى ممثّلي الأقاليم.
فضاء لطرح القضايا الجهوية وإبلاغ مشاغل المواطن
سيمثّل المجلس الوطني للجهات والأقاليم فرصة للمواطنين لطرح القضايا الجوهرية في الجهات على غرار التشغيل والتنمية وتردّي جودة الخدمات الأساسية مثل النقل والصحة والتعليم.
ويمكن الجزم أنّ هذا المجلس سيشكّل فضاء مخصّصا لطرح القضايا الجهوية ونقل مشاغل المواطنين في مختلف المناطق بصفة ملموسة وواقعية.
وتتمثّل الحاجة إلى إرساء المجلس الوطني للجهات والأقاليم في أنّه يمثّل آلية كفيلة بمعالجةالتفاوت الجهوي على مستوى التنمية والاستثمار، وإنجاز المشاريع التنموية في الجهات الداخلية.
والأمل يحدونا في أن يكون هذا البناء الجديد قادرا على الاستجابة لمطالب وانتظارات الشعب التونسي، من خلال ما سيقوم به من دور محوريّ في تحقيق النقلة النوعيّة على مستوى تحقيق التقدّم الاجتماعي وضمان جودة الحياة وتكريس العدالة الاجتماعيّة المنشودة وتحقيق التنمية الاقتصاديّة وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني.