بمبادرة من لجنة الدفاع والأمن والقوات الحاملة للسلاح نظم مجلس نواب الشعب أمس بقصر باردو يوما دراسيا برلمانيا حول الأمن السيبرني، تم التأكيد خلاله على ضرورة تطوير النصوص التشريعية في اتجاه تلافي جميع التهديدات ومجابهة التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي والاستعداد الأمثل لمواجهة تداعيات الحروب السيبرنية في العالم والتوقي من الاختراقات والتعويل على الكفاءات التونسية لتحقيق السيادة الرقمية.
وحسب معطيات قدمها المشاركون في اليوم الدراسي هناك 4.3 مليار شخص في العالم يستخدمون هواتف ذكية ويتم يوميا تسجيل 500 ألف برمجة ضارة ويحتفظ 25 % من المستخدمين بمعطياتهم الشخصية في أجهزتهم و72 % من الاختراقات ناجمة عن أخطاء بشرية.
رئيس المجلس إبراهيم بودربالة أشار إلى أنه في إطار قيام المجلس النيابي بدوره التشريعي والرقابي تقرر تنظيم اليوم الدراسي حول الأمن السيبرني وهو موضوع استرعى اهتمام كافة الدول وليس تونس فقط وبالتالي لا غرو أن تقوم لجنة الدفاع والأمن والقوات الحاملة للسلاح باقتراح تدارسه، وفي هذا الإطار تم تشريك ممثلين عن وزارات تكنولوجيا الاتصال والدفاع والداخلية الذين قدموا معطيات هامة للنواب، وأضاف بودربالة أنه توجد مبادرة تشريعية تم تقديمها من قبل عدد من النواب تتعلق بموضوع الأمن السيبرني وذكر أنه سيتم النظر فيها.
أما عادل ضياف رئيس اللجنة فأشار إلى أن العالم يعيش منذ سنوات على وقع الثورة الرقمية التي تميزت بالتطور السريع والمكثف لتكنولوجيات الاتصال في جميع المجالات، وذكر أن استعمال التكنولوجيات تنامى بعد جائحة كورنا لأن الجائحة اضطرت العديد من القطاعات مثل التعليم والصحة لاعتماد الوسائل التكنولوجية لفك العزلة، وفسر أن التحول الرقمي أضحى ضرورة وليس خيارا لكن هذا التطور أدى إلى بروز مخاطر تتزايد يوما بعد آخر في ظل الانفتاح على المستوى الإقليمي والدولي. وأكد رئيس اللجنة على أهمية تطوير الإطار القانوني والمؤسساتي والتشريعي للأمن السيبرني فهو حسب رأيه من شروط نجاح أي سياسة هدفها ضمان سلامة الأمن السيبرني من كل المخاطر.
التوقي من المخاطر
وقدم ياسين جميل المدير العام للوكالة الوطنية للسلامة السيبرنية للنواب تعريفا لمفهومي الأمن السيبرني والفضاء السيبرني الوطني وحدثهم عن مزايا المرسوم عدد 17 المتعلق بالسلامة السيبرنية وعن الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبرني 2020ـ 2025 وعن المؤشرات العالمية للسلامة السيبرنية وأبرز المشاريع المنجزة لحماية الفضاء السيبرني. وأشار إلى أن تونس من الدول السباقة في حماية نظمها المعلوماتية..
وذكر أن الأمن السيبرني والسلامة السيبرنية هي تدابير وأدوات وتراتيب تمكن من تحسين سلامة الفضاء السيبرني لتوفير استمرارية الخدمات وأضاف أن الفضاء السيبرني هو فضاء رقمي افتراضي وهو امتداد للدولة مثل الفضاء الجوي والبحري والبري ويمتاز بخصوصيات منها أن التهديدات يمكن أن تكون من خارج أرض الوطن أي أن الحد المادي غير موجود مثل الحد البري والبحري والجوي وهو ما يعني أن الدولة مضطرة إلى التعامل مع فضاءات أخرى خارج حدود الوطن عند التعرض لهجمة سيبرنية، وإذا كان الفضاء غير محمي سيترتب عن ذلك بروز ثغرات وذكر أن حماية الفضاء السيبرني تتطلب إزالة الثغرات.
وأضاف أنه لا بد من الوقوف على مكونات الفضاء السيبرني الوطني وبين أنه في حال عدم توفر الوسائل لحمايته من الهجمات فهذا يمكن أن يهدد سلامة الأمن السيبرني. ولاحظ أن مكونات الفضاء السيبرني متعددة وهي تستوجب الحماية. ولدى حديثه عن الإستراتيجية الوطنية سالفة الذكر قال إنها مكنت من تحديد العديد من البرامج والمشاريع من أجل تحقيق جملة من الأهداف في علاقة بقيادة الفضاء السيبرني الوطني وإدارته والتوقي من الهجمات والتعاون الدولي.
وإضافة إلى الإستراتيجية تم سنة 2023 تحيين الإطار القانوني وإصدار المرسوم عدد 17 وهو نص يكتسي أهمية كبيرة ويستجيب للعديد من الحاجيات، وجاء لتغيير اسم الوكالة وتمكينها من مهام جديدة والوقوف على مستوى سلامة المزودين بهدف تدعيم الثقة الرقمية.
ولاحظ جميل أنه في ظل التطور التكنولوجي لا بد من الوقوف على موقع الذكاء الاصطناعي في الفضاء السيبرني لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مكونات هذا الفضاء من أخطار الذكاء الاصطناعي وحماية الهياكل الوطنية من التهديدات التي يمكن تنجر عنه. وأضاف أن المرسوم تطرق إلى مسألة سلامة الهياكل الوطنية لأن الفضاء السيبرني هو فضاء افتراضي ممتد وهو ما يتطلب إيجاد هيكل لحمايته كما يتطلب التنسيق بين مختلف الهياكل وفي هذا السياق هناك تعاون يومي بين وزارات تكنولوجيات الاتصال والدفاع والداخلية لحماية الفضاء السيبرني.. وقال إنه من الضروري توفير الوسائل اللازمة التي تساعد على معالجة المشاكل التي تحدث في الفضاء السيبرني والهجمات السيبرنية بصفة فعالة. وتطرق جميل الى دور الوكالة لتنفيذ مقتضيات المرسوم عدد 17 وتحدث عن الخبراء الموجودين فيها وقال إنهم فخر لتونس ويجب التفكير في تحسين أجورهم.
وبخصوص البرامج التي تم انجازها في إطار المرسوم بين أن أهمها، البرنامج الوطني للتدقيق في السلامة المعلوماتية للمراكز الإعلامية الوطنية والقطاعية، وإسناد علامات مسدي خدمات الحوسبة السحابية..
كبار المسؤولين
أما ممثل وزارة الدفاع الوطني العقيد محمد نضال الماجري الدكتور في السلامة السيبرنية ومدير السلامة المعلوماتية والأمن السيبرني فتحدث عن الأمن السيبرني لكبار المسؤولين وعن المخاطر الموجودة في الفضاء السيبرني وعن الدفاع السيبرني على المنشآت العمومية الحساسة في البلاد لأنه في صورة ضربها يتم الإضرار بالبلاد، فالمركز الوطني للإعلامية فيه معطيات جميع التونسيين ويجب حمايته وذكر أن هناك جرائم تطرق إليها المرسوم 54 وهي جرائم ترتكب في فضاء الاتصال.. وهناك الثقة الرقمية في الخدمات وهناك الدبلوماسية السيبرنية وهناك الصمود السيبرني وهو ما يتطلب من المسؤول الحرص على ضمان تواصل الخدمة التي يقدمها حتى في صورة التعرض لهجمة سيبرنية. فالنظام المعلوماتي يجب أن يعمل على مدار الساعة ويجب على الأنظمة المعلوماتية أن لا تسمح بأي ثغرة.
وبين أنه في تقرير عالمي صدر سنة 2023 تبين أن 52 بالمائة من البرمجيات الخبيثة تستهدف الهواتف الرقمية، ولاحظ أن الإطار القانوني مازال هشا ويتطلب الدعم وأشار إلى أن الفضاء السيبرني فضاء يمكن ان ترتكب فيه جرائم إرهابية وجرائم اتجار بالأعضاء فضلا عن الدمغجة. وخلص إلى أنه لا توجد دولة في العالم لم يقع اختراقها ومنها استونيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وفرنسا وأوكرانيا والبحرين.. ولاحظ أن الإشكال بالنسبة إلى كبار المسؤولين الذين يسيرون مؤسسات يكمن في أن تهديدهم يتم عن طريق استهدافهم ومتابعة منشوراتهم ومداخلاتهم وفي صورة عدم حماية الهاتف الجوال يمكن أن يتعرض كبار المسؤولين للتهديد.. ودعا النواب إلى التثبت من البريد الالكتروني وعدم الاستعجال عند النقر على الإرساليات. وأضاف انه على المسؤولين الكبار التوقي من المخاطر المحدقة بهم والانتباه للبرمجيات المجانية وعليهم غلق الحواسيب المحمولة كلما أنهوا استعمالها وعدم قبول هدايا رقمية خاصة من الأجانب وعدم وضع إشارة "لايك". وبخصوص المرسوم 54 بين أنه أثار الكثير من الجدل وخاصة الفصل 24 منه ولكن كان أثره ايجابيا جدا.
وتطرق ممثل الوزارة إلى مؤشرات نجاح الرقمنة في تونس وبين أنها حسب رأيه تتمثل في ثلاث نقاط وهي عدم طلب هيكل وثيقة صادرة عنه، وعدم طلب نسخة ورقية لملف متوفر بصفة ورقية واستكمال السجلات الرقمية الوطنية المنقوصة على غرار سجل الحالة المدنية وسجل العناوين وسجل مالكي العربات.. وخلص إلى أن الحلول المثلى تكمن في الوقاية والتحسيس.
تشكيل الوعي
وأثار ممثل وزارة الدفاع الوطني العقيد محمد علي بن عمر مدير التشفير موضوع السيادة الرقمية، وذكر أن هذا الموضوع محل تجاذبات جيوسياسية بين الدول العظمى في العالم. ولاحظ أن مفهوم السيادة الرقمية يختلف عن مفهوم السيادة التقليدية لأن الحدود غير موجودة في الفضاء الرقمي، وهناك تطبيقات يتم إيواؤها خارج حدود الوطن. ونبه إلى وجود شركات تسعى إلى التحكم في الأفراد قصد تشكيل الوعي ونشر قيم دخيلة على المجتمع، فجمع المعطيات الشخصية له جانب استخباراتي وجانب آخر يستهدف المجموعة من خلال معرفة توجهاتها وحالتها الصحية ومستواها التعليمي ويتم تحليل هذه المعطيات عن طريق الذكاء الاصطناعي.. وتقوم هذه الشركات بترويج اشهارات موجهة.. وذكر أن هناك من يرى الحل في غلق الفيسبوك ولكن لا بد من الاشتغال أولا على أجهزة الدولة والحد من التبعية للشركات العالمية وعدم اقتناء معدات رقمية لا حاجة إليها وتوجيه استعمال المنظومات بكيفية يكون فيها المهندسون التونسيون قادرين على ملاءمتها مع المتطلبات الوطنية وأي معطيات تخص الدولة التونسية يجب أن تبقى في الفضاء الرقمي التونسي ولا يقع إيواؤها خارج البلاد. ولاحظ أنه في الوقت الراهن من يملك المعلومة يمكنه استخدام وسائل اختراق الفضاء السيبرني الخاص أو الفضاء المادي.
وذكر أن وزارة الدفاع أدركت منذ سنة 2000 رهانات السيادة الرقمية فهي مسألة أمن قومي ولا بد في تونس من العمل على التوعية ووضع إستراتيجية لحماية الفضاء السيبرني والتوقي من المخاطر ويجب أن تكون السيادة الرقمية مسألة جوهرية في أنظمة السلامة المعلوماتية.
الجرائم السيبرنية
وتحدث عادل الخياري المدير العام للمصالح الفنية بوزارة الداخلية عن الجرائم السيبرنية وطرق مكافحتها والتوقي منها والصعوبات التي تحول دون اكتشاف جزء كبير منها. وقال إنه في ظل التطور التكنولوجي السريع والاستعمال المكثف للتقنيات الحديثة التي ساعدت على تسهيل المهام اليومية في التواصل أصبح من الصعب تحيد الكم الهائل من المعطيات والمعلومات المخزنة في الفضاء السيبري.
وذكر أن الأمن السيبرني هو مجموعة من الإجراءات والتدابير والوسائل لتأمين الأنظمة والخدمات والبيانات بالفضاء السيبرني ومكافحة الجرائم المتصلة بها. أما الفضاء السيبرني فهو الفضاء الافتراضي المكون من شبكات المعلومات والاتصال، ويتمثل الهدف من الأمن السيبرني حسب قوله في خلق بيئة رقمية آمنة والتوقي من المخاطر السيبرنية والقدرة على الاستجابة للحوادث والهجمات السيبرنية والتحسيس وتطوير القدرات في المجال والتصدي لجميع الأنشطة الإجرامية بالمجال الافتراضي. وأضاف أن هناك تهديدات عابرة للحدود وهي في تطور متواصل وأصبحنا نتحدث عن الذكاء الاصطناعي واستعمال العملات الافتراضية لاقتناء الأسلحة وهناك الحوسبة السحابية وهناك سوء استغلال للفضاء السيبرني واستعماله من قبل العناصر الإرهابية.
وحسب ما أشار إليه الخياري فإن التهديدات العابرة للحدود تتمثل في استغلال جهات خارجية لمنظومات لخلق حسابات على منصات التواصل الاجتماعي لبث الشائعات ونشر التسريبات بهدف التأثير على الرأي العام وتوجيهه وتتمثل التحديات حسب قوله في تطوير برمجيات خبيثة وضارة عالية الخطورة تعمل بشكل خفي وسري دون إمكانية كشفها وانتشار تقنية التزييف العميق للحقائق ونبه إلى انتشار استعمال العملات الافتراضية بتونس مقابل غياب الأطر القانونية والتنظيمية لاستعمالها. ومن التحديات الأخرى التي عرج عليها ممثل وزارة الداخلية الحروب السيبرنية. أما في تونس فإن أغلب الجرائم السيبرنية المسجلة سنة 2023 هي جرائم حق عام وهناك 19 % منها جرائم ذات صبغة إرهابية. وبخصوص طرق مكافحة الجرائم السيبرنية على المستوى الوطني فبين أنها تتمثل في الاستعلام الفني حول مختلف المخاطر والتعاون الدولي وتأمين مهام اليقظة التكنولوجية والمساهمة في المجهودات الوطنية للسلامة السيبرنية والتنسيق مع مختلف الأطراف المتدخلة في المجال والقيام بمهام التحليل الرقمي الجنائي باعتماد تطبيقات متطورة على مختلف الوسائل الرقمية في مختلف الجرائم موضوع تساخير فنية وأذون قضائية.
وأما على المستوى الدولي فبين أهمية انضمام تونس إلى اتفاقية بودابيست وإلى المشاركة في مشروعين متعلقين بتطوير القدرات في مجال مكافحة الجرائم السيبرنية والتنسيق مع الانتربول في مجال مكافحة الجرائم السيبرنية والمساهمة في إعداد اتفاقية شاملة تعدها الأمم المتحدة لمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال التعامل.
الوقاية خير من العلاج
وللتوقي من الجرائم السيبرنية لا بد حسب قوله من التأمين المادي لمحيط العمل وفصل الاستعمال الشخصي عن المهني وتعطيل الخدمات غير الضرورية وتجنب ربط الشبكة اللاسلكية بالشبكات المستغلة وتجنب نشر المعطيات الشخصية بمنصات التواصل الاجتماعي وتجنب فتح الرسائل مجهولة المصدر والمرفقات المرتبطة بها وتجنب الولوج إلى الروابط الالكترونية والتغيير الدوري لكلمات المرور وعدم تكرار استعمالها وعدم استخدام وسائل التخزين مجهولة المصدر وتجنب استعمال النسخ غير الأصلية من الأنظمة والتطبيقات وتحيينها بصفة دورية وتقنين أنظمة الحماية وتحيينها دوريا وقال إن الوقاية خير من العلاج..
ولدى حديثه عن الصعوبات بين ممثل وزارة الداخلية أنها تتمثل في تطور التجهيزات التقنية والتكنولوجية المعتمدة في مجال مكافحة الجرائم والدفاع السيبرني وارتفاع أسعارها وبطء الإجراءات الإدارية في مجال الصفقات العمومية وصعوبة الحصول على التطبيقات الناجعة في مجال والتقصي السيبرني والتحليل الجنائي الرقمي.
سعيدة بوهلال
تونس-الصباح
بمبادرة من لجنة الدفاع والأمن والقوات الحاملة للسلاح نظم مجلس نواب الشعب أمس بقصر باردو يوما دراسيا برلمانيا حول الأمن السيبرني، تم التأكيد خلاله على ضرورة تطوير النصوص التشريعية في اتجاه تلافي جميع التهديدات ومجابهة التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي والاستعداد الأمثل لمواجهة تداعيات الحروب السيبرنية في العالم والتوقي من الاختراقات والتعويل على الكفاءات التونسية لتحقيق السيادة الرقمية.
وحسب معطيات قدمها المشاركون في اليوم الدراسي هناك 4.3 مليار شخص في العالم يستخدمون هواتف ذكية ويتم يوميا تسجيل 500 ألف برمجة ضارة ويحتفظ 25 % من المستخدمين بمعطياتهم الشخصية في أجهزتهم و72 % من الاختراقات ناجمة عن أخطاء بشرية.
رئيس المجلس إبراهيم بودربالة أشار إلى أنه في إطار قيام المجلس النيابي بدوره التشريعي والرقابي تقرر تنظيم اليوم الدراسي حول الأمن السيبرني وهو موضوع استرعى اهتمام كافة الدول وليس تونس فقط وبالتالي لا غرو أن تقوم لجنة الدفاع والأمن والقوات الحاملة للسلاح باقتراح تدارسه، وفي هذا الإطار تم تشريك ممثلين عن وزارات تكنولوجيا الاتصال والدفاع والداخلية الذين قدموا معطيات هامة للنواب، وأضاف بودربالة أنه توجد مبادرة تشريعية تم تقديمها من قبل عدد من النواب تتعلق بموضوع الأمن السيبرني وذكر أنه سيتم النظر فيها.
أما عادل ضياف رئيس اللجنة فأشار إلى أن العالم يعيش منذ سنوات على وقع الثورة الرقمية التي تميزت بالتطور السريع والمكثف لتكنولوجيات الاتصال في جميع المجالات، وذكر أن استعمال التكنولوجيات تنامى بعد جائحة كورنا لأن الجائحة اضطرت العديد من القطاعات مثل التعليم والصحة لاعتماد الوسائل التكنولوجية لفك العزلة، وفسر أن التحول الرقمي أضحى ضرورة وليس خيارا لكن هذا التطور أدى إلى بروز مخاطر تتزايد يوما بعد آخر في ظل الانفتاح على المستوى الإقليمي والدولي. وأكد رئيس اللجنة على أهمية تطوير الإطار القانوني والمؤسساتي والتشريعي للأمن السيبرني فهو حسب رأيه من شروط نجاح أي سياسة هدفها ضمان سلامة الأمن السيبرني من كل المخاطر.
التوقي من المخاطر
وقدم ياسين جميل المدير العام للوكالة الوطنية للسلامة السيبرنية للنواب تعريفا لمفهومي الأمن السيبرني والفضاء السيبرني الوطني وحدثهم عن مزايا المرسوم عدد 17 المتعلق بالسلامة السيبرنية وعن الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبرني 2020ـ 2025 وعن المؤشرات العالمية للسلامة السيبرنية وأبرز المشاريع المنجزة لحماية الفضاء السيبرني. وأشار إلى أن تونس من الدول السباقة في حماية نظمها المعلوماتية..
وذكر أن الأمن السيبرني والسلامة السيبرنية هي تدابير وأدوات وتراتيب تمكن من تحسين سلامة الفضاء السيبرني لتوفير استمرارية الخدمات وأضاف أن الفضاء السيبرني هو فضاء رقمي افتراضي وهو امتداد للدولة مثل الفضاء الجوي والبحري والبري ويمتاز بخصوصيات منها أن التهديدات يمكن أن تكون من خارج أرض الوطن أي أن الحد المادي غير موجود مثل الحد البري والبحري والجوي وهو ما يعني أن الدولة مضطرة إلى التعامل مع فضاءات أخرى خارج حدود الوطن عند التعرض لهجمة سيبرنية، وإذا كان الفضاء غير محمي سيترتب عن ذلك بروز ثغرات وذكر أن حماية الفضاء السيبرني تتطلب إزالة الثغرات.
وأضاف أنه لا بد من الوقوف على مكونات الفضاء السيبرني الوطني وبين أنه في حال عدم توفر الوسائل لحمايته من الهجمات فهذا يمكن أن يهدد سلامة الأمن السيبرني. ولاحظ أن مكونات الفضاء السيبرني متعددة وهي تستوجب الحماية. ولدى حديثه عن الإستراتيجية الوطنية سالفة الذكر قال إنها مكنت من تحديد العديد من البرامج والمشاريع من أجل تحقيق جملة من الأهداف في علاقة بقيادة الفضاء السيبرني الوطني وإدارته والتوقي من الهجمات والتعاون الدولي.
وإضافة إلى الإستراتيجية تم سنة 2023 تحيين الإطار القانوني وإصدار المرسوم عدد 17 وهو نص يكتسي أهمية كبيرة ويستجيب للعديد من الحاجيات، وجاء لتغيير اسم الوكالة وتمكينها من مهام جديدة والوقوف على مستوى سلامة المزودين بهدف تدعيم الثقة الرقمية.
ولاحظ جميل أنه في ظل التطور التكنولوجي لا بد من الوقوف على موقع الذكاء الاصطناعي في الفضاء السيبرني لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مكونات هذا الفضاء من أخطار الذكاء الاصطناعي وحماية الهياكل الوطنية من التهديدات التي يمكن تنجر عنه. وأضاف أن المرسوم تطرق إلى مسألة سلامة الهياكل الوطنية لأن الفضاء السيبرني هو فضاء افتراضي ممتد وهو ما يتطلب إيجاد هيكل لحمايته كما يتطلب التنسيق بين مختلف الهياكل وفي هذا السياق هناك تعاون يومي بين وزارات تكنولوجيات الاتصال والدفاع والداخلية لحماية الفضاء السيبرني.. وقال إنه من الضروري توفير الوسائل اللازمة التي تساعد على معالجة المشاكل التي تحدث في الفضاء السيبرني والهجمات السيبرنية بصفة فعالة. وتطرق جميل الى دور الوكالة لتنفيذ مقتضيات المرسوم عدد 17 وتحدث عن الخبراء الموجودين فيها وقال إنهم فخر لتونس ويجب التفكير في تحسين أجورهم.
وبخصوص البرامج التي تم انجازها في إطار المرسوم بين أن أهمها، البرنامج الوطني للتدقيق في السلامة المعلوماتية للمراكز الإعلامية الوطنية والقطاعية، وإسناد علامات مسدي خدمات الحوسبة السحابية..
كبار المسؤولين
أما ممثل وزارة الدفاع الوطني العقيد محمد نضال الماجري الدكتور في السلامة السيبرنية ومدير السلامة المعلوماتية والأمن السيبرني فتحدث عن الأمن السيبرني لكبار المسؤولين وعن المخاطر الموجودة في الفضاء السيبرني وعن الدفاع السيبرني على المنشآت العمومية الحساسة في البلاد لأنه في صورة ضربها يتم الإضرار بالبلاد، فالمركز الوطني للإعلامية فيه معطيات جميع التونسيين ويجب حمايته وذكر أن هناك جرائم تطرق إليها المرسوم 54 وهي جرائم ترتكب في فضاء الاتصال.. وهناك الثقة الرقمية في الخدمات وهناك الدبلوماسية السيبرنية وهناك الصمود السيبرني وهو ما يتطلب من المسؤول الحرص على ضمان تواصل الخدمة التي يقدمها حتى في صورة التعرض لهجمة سيبرنية. فالنظام المعلوماتي يجب أن يعمل على مدار الساعة ويجب على الأنظمة المعلوماتية أن لا تسمح بأي ثغرة.
وبين أنه في تقرير عالمي صدر سنة 2023 تبين أن 52 بالمائة من البرمجيات الخبيثة تستهدف الهواتف الرقمية، ولاحظ أن الإطار القانوني مازال هشا ويتطلب الدعم وأشار إلى أن الفضاء السيبرني فضاء يمكن ان ترتكب فيه جرائم إرهابية وجرائم اتجار بالأعضاء فضلا عن الدمغجة. وخلص إلى أنه لا توجد دولة في العالم لم يقع اختراقها ومنها استونيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وفرنسا وأوكرانيا والبحرين.. ولاحظ أن الإشكال بالنسبة إلى كبار المسؤولين الذين يسيرون مؤسسات يكمن في أن تهديدهم يتم عن طريق استهدافهم ومتابعة منشوراتهم ومداخلاتهم وفي صورة عدم حماية الهاتف الجوال يمكن أن يتعرض كبار المسؤولين للتهديد.. ودعا النواب إلى التثبت من البريد الالكتروني وعدم الاستعجال عند النقر على الإرساليات. وأضاف انه على المسؤولين الكبار التوقي من المخاطر المحدقة بهم والانتباه للبرمجيات المجانية وعليهم غلق الحواسيب المحمولة كلما أنهوا استعمالها وعدم قبول هدايا رقمية خاصة من الأجانب وعدم وضع إشارة "لايك". وبخصوص المرسوم 54 بين أنه أثار الكثير من الجدل وخاصة الفصل 24 منه ولكن كان أثره ايجابيا جدا.
وتطرق ممثل الوزارة إلى مؤشرات نجاح الرقمنة في تونس وبين أنها حسب رأيه تتمثل في ثلاث نقاط وهي عدم طلب هيكل وثيقة صادرة عنه، وعدم طلب نسخة ورقية لملف متوفر بصفة ورقية واستكمال السجلات الرقمية الوطنية المنقوصة على غرار سجل الحالة المدنية وسجل العناوين وسجل مالكي العربات.. وخلص إلى أن الحلول المثلى تكمن في الوقاية والتحسيس.
تشكيل الوعي
وأثار ممثل وزارة الدفاع الوطني العقيد محمد علي بن عمر مدير التشفير موضوع السيادة الرقمية، وذكر أن هذا الموضوع محل تجاذبات جيوسياسية بين الدول العظمى في العالم. ولاحظ أن مفهوم السيادة الرقمية يختلف عن مفهوم السيادة التقليدية لأن الحدود غير موجودة في الفضاء الرقمي، وهناك تطبيقات يتم إيواؤها خارج حدود الوطن. ونبه إلى وجود شركات تسعى إلى التحكم في الأفراد قصد تشكيل الوعي ونشر قيم دخيلة على المجتمع، فجمع المعطيات الشخصية له جانب استخباراتي وجانب آخر يستهدف المجموعة من خلال معرفة توجهاتها وحالتها الصحية ومستواها التعليمي ويتم تحليل هذه المعطيات عن طريق الذكاء الاصطناعي.. وتقوم هذه الشركات بترويج اشهارات موجهة.. وذكر أن هناك من يرى الحل في غلق الفيسبوك ولكن لا بد من الاشتغال أولا على أجهزة الدولة والحد من التبعية للشركات العالمية وعدم اقتناء معدات رقمية لا حاجة إليها وتوجيه استعمال المنظومات بكيفية يكون فيها المهندسون التونسيون قادرين على ملاءمتها مع المتطلبات الوطنية وأي معطيات تخص الدولة التونسية يجب أن تبقى في الفضاء الرقمي التونسي ولا يقع إيواؤها خارج البلاد. ولاحظ أنه في الوقت الراهن من يملك المعلومة يمكنه استخدام وسائل اختراق الفضاء السيبرني الخاص أو الفضاء المادي.
وذكر أن وزارة الدفاع أدركت منذ سنة 2000 رهانات السيادة الرقمية فهي مسألة أمن قومي ولا بد في تونس من العمل على التوعية ووضع إستراتيجية لحماية الفضاء السيبرني والتوقي من المخاطر ويجب أن تكون السيادة الرقمية مسألة جوهرية في أنظمة السلامة المعلوماتية.
الجرائم السيبرنية
وتحدث عادل الخياري المدير العام للمصالح الفنية بوزارة الداخلية عن الجرائم السيبرنية وطرق مكافحتها والتوقي منها والصعوبات التي تحول دون اكتشاف جزء كبير منها. وقال إنه في ظل التطور التكنولوجي السريع والاستعمال المكثف للتقنيات الحديثة التي ساعدت على تسهيل المهام اليومية في التواصل أصبح من الصعب تحيد الكم الهائل من المعطيات والمعلومات المخزنة في الفضاء السيبري.
وذكر أن الأمن السيبرني هو مجموعة من الإجراءات والتدابير والوسائل لتأمين الأنظمة والخدمات والبيانات بالفضاء السيبرني ومكافحة الجرائم المتصلة بها. أما الفضاء السيبرني فهو الفضاء الافتراضي المكون من شبكات المعلومات والاتصال، ويتمثل الهدف من الأمن السيبرني حسب قوله في خلق بيئة رقمية آمنة والتوقي من المخاطر السيبرنية والقدرة على الاستجابة للحوادث والهجمات السيبرنية والتحسيس وتطوير القدرات في المجال والتصدي لجميع الأنشطة الإجرامية بالمجال الافتراضي. وأضاف أن هناك تهديدات عابرة للحدود وهي في تطور متواصل وأصبحنا نتحدث عن الذكاء الاصطناعي واستعمال العملات الافتراضية لاقتناء الأسلحة وهناك الحوسبة السحابية وهناك سوء استغلال للفضاء السيبرني واستعماله من قبل العناصر الإرهابية.
وحسب ما أشار إليه الخياري فإن التهديدات العابرة للحدود تتمثل في استغلال جهات خارجية لمنظومات لخلق حسابات على منصات التواصل الاجتماعي لبث الشائعات ونشر التسريبات بهدف التأثير على الرأي العام وتوجيهه وتتمثل التحديات حسب قوله في تطوير برمجيات خبيثة وضارة عالية الخطورة تعمل بشكل خفي وسري دون إمكانية كشفها وانتشار تقنية التزييف العميق للحقائق ونبه إلى انتشار استعمال العملات الافتراضية بتونس مقابل غياب الأطر القانونية والتنظيمية لاستعمالها. ومن التحديات الأخرى التي عرج عليها ممثل وزارة الداخلية الحروب السيبرنية. أما في تونس فإن أغلب الجرائم السيبرنية المسجلة سنة 2023 هي جرائم حق عام وهناك 19 % منها جرائم ذات صبغة إرهابية. وبخصوص طرق مكافحة الجرائم السيبرنية على المستوى الوطني فبين أنها تتمثل في الاستعلام الفني حول مختلف المخاطر والتعاون الدولي وتأمين مهام اليقظة التكنولوجية والمساهمة في المجهودات الوطنية للسلامة السيبرنية والتنسيق مع مختلف الأطراف المتدخلة في المجال والقيام بمهام التحليل الرقمي الجنائي باعتماد تطبيقات متطورة على مختلف الوسائل الرقمية في مختلف الجرائم موضوع تساخير فنية وأذون قضائية.
وأما على المستوى الدولي فبين أهمية انضمام تونس إلى اتفاقية بودابيست وإلى المشاركة في مشروعين متعلقين بتطوير القدرات في مجال مكافحة الجرائم السيبرنية والتنسيق مع الانتربول في مجال مكافحة الجرائم السيبرنية والمساهمة في إعداد اتفاقية شاملة تعدها الأمم المتحدة لمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال التعامل.
الوقاية خير من العلاج
وللتوقي من الجرائم السيبرنية لا بد حسب قوله من التأمين المادي لمحيط العمل وفصل الاستعمال الشخصي عن المهني وتعطيل الخدمات غير الضرورية وتجنب ربط الشبكة اللاسلكية بالشبكات المستغلة وتجنب نشر المعطيات الشخصية بمنصات التواصل الاجتماعي وتجنب فتح الرسائل مجهولة المصدر والمرفقات المرتبطة بها وتجنب الولوج إلى الروابط الالكترونية والتغيير الدوري لكلمات المرور وعدم تكرار استعمالها وعدم استخدام وسائل التخزين مجهولة المصدر وتجنب استعمال النسخ غير الأصلية من الأنظمة والتطبيقات وتحيينها بصفة دورية وتقنين أنظمة الحماية وتحيينها دوريا وقال إن الوقاية خير من العلاج..
ولدى حديثه عن الصعوبات بين ممثل وزارة الداخلية أنها تتمثل في تطور التجهيزات التقنية والتكنولوجية المعتمدة في مجال مكافحة الجرائم والدفاع السيبرني وارتفاع أسعارها وبطء الإجراءات الإدارية في مجال الصفقات العمومية وصعوبة الحصول على التطبيقات الناجعة في مجال والتقصي السيبرني والتحليل الجنائي الرقمي.