- شعارات ترفع ظاهريا لدعم التوازنات المالية لـ"الصوناد" لكنها في الأصل تهيئ لخصخصتها
- نرفض املاءات الجهات المانحة ومحاولاتها للتدخل في السياسات المائية باسم القروض والمنح
- البنك الدولي دفع إلى خصخصة قطاع مياه الشرب منذ 2009
- قطع المياه على عدد من الولايات لأوقات محددة حل ظرفي لمشكل هيكلي يتطلب حلولا جذرية
- قريبا مجلس علمي لـ"المرصد التونسي للمياه"
تونس – الصباح
صدر أول أمس البيان الختامي للملتقى الوطني للمياه في دورته الأولى الذي انتظم ببادرة من جمعية "نوماد08" والمرصد التونسي للمياه من 25 إلى 27 افريل بمدينة الحمامات. وقد تضمن البيان الختامي مجموعة من الملاحظات والدعوات والمقترحات والتوصيات تتمحور كلها حول التصرف في المياه وحوكمتها. وقد نادى البيان بضمان حق المواطن في الانتفاع بخدمة الماء العمومية في ظروف طيبة، ودعا الدولة إلى اعتماد سياسات تحمي هذا الحق بالتوازي مع العمل على إيجاد حلول ناجعة لمشاكل شح المياه الى جانب تحيين التشريعات وخاصة اعداد مشروع نص جديد لمجلة المياه بتشريك جميع الأطراف المتدخلة بعيدا عن الاجندات السياسية والاملاءات الاجنبية.
وقد استوقفتنا من جانبنا مجموعة من التوصيات والملاحظات من بينها ما اسماه المنظمون بـ"خضوع إعداد إطار تشريعي ومؤسساتي جديد للمياه في تونس للتجاذبات السياسية والأجندات الحزبية والتبعية للجهات المانحة". وقد نادى البيان الختامي للملتقى الوطني الأول للمياه في هذا السياق بـ"فتح حوار وطني شامل تشارك فيه كل الأطراف المعنية بالماء لإعداد مشروع جديد لمجلة المياه يكون معبرا عن حقيقة الأوضاع المائية الوطنية.."، استوقفنا كذلك التوصية المتعلقة بالدفاع عن الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، "الصوناد"، والمطالبة بأن تظل هذه المؤسسة مؤسسة وطنية وعمومية، وحاولنا أن نستوضح أكثر حول هذه التوصيات وحول المجلس العلمي لـ"المرصد التونسي للمياه" الذي أعلن عنه في نص البيان والذي يتوقع أن ينطلق قريبا في العمل.
ولأجل ذلك كان لنا لقاء مع الخبير بـ"المرصد الوطني للمياه" حسين الرحيلي وهو مهندس أول في الجيولوجيا ومختص في التنمية والتصرف في الموارد وقد انطلقنا في الحديث معه بملاحظة حول التأخير في اصدار البيان الختامي للملتقى الوطني للمياه الذي انعقد في دورته الأولى منذ شهر بالكامل. محدثنا أشار الى أن الملتقى ضم مجموعة هامة من ورشات العمل ومنح المنظمون المشاركين مساحة كافية لإعداد تقاريرهم وملاحظاتهم واستغرق التثبت في المادة الوقت الكافي وذلك رغبة في اصدار بيان يكون واضحا ومفيدا، وفق نفس المصدر.
اما فيما يتعلق بالاطار التشريعي الجديد لقطاع المياه في تونس، فقد نبه محدثنا من خطر استمرار محاولات التأثير على القرار الوطني في المجال، مشيرا إلى أن تونس عانت من وجود ضغوطات خارجية وداخلية سعت إلى توجيه سياساتها المائية لفائدة أجندات خاصة وكان ذلك واضحا خاصة خلال العشرية التي تلت احداث 14 جانفي 2011، حيث كانت تونس ترزح تحت ثقل التجاذبات السياسية التي كانت مسيطرة على المشهد العام.
وقال الخبير بـ"المرصد الوطني للمياه" حسين الرحيلي أن البنك الدولي وكل المانحين يسعون الى الدفع نحو خوصصة الملك العمومي للمياه. وذكر في هذا الصدد بان تونس حصلت في 2009 على منحة من البنك الدولي لإعداد دراسة حول المياه بتونس في افق 2030 وكان الهدف إعادة النظر في مجلة المياه لسنة 1975. وفعلا لم تعد المجلة صالحة فالفرق كبير بين ذلك التاريخ واليوم، لكن المشكل هو أن البنك الدولي وكل الأطراف المانحة بما في ذلك في إطار العلاقات الثنائية تدفع نحو خصخصة الملك العمومي للمياه في تونس. وقد كان الهدف الأساسي لمجلة المياه في صيغتها لسنة 2009(باللغة الفرنسية) هو الشروع في خصخصة الملك العمومي للماء في إطار ما يسمى بالشراكة بين القطاع العمومي والقطاع الخاص. وقد كان الهدف من النسخ التي تم إعدادها فيما بعد ومنذ 2014 إلى غاية 2019، هو ذاته، أي الدفع نحو خصخصة الملك العمومي للمياه. وذكر محدثنا في هذا الإطار بان لجنة الفلاحة بالبرلمان السابق قد صادقت فعلا على نسخة 2019 لمشروع مجلة المياه وان الكتل البرلمانية قد نزلت بثقلها حينذاك من اجل المصادقة على مشروع المجلة بصيغتها المشجعة على الخوصصة وذلك تحت تأثير الاملاءات الأجنبية والأجندات الحزبية.
وقال الخبير بالمرصد التونسي للمياه ان مصادقة البرلمان السابق وتحديدا في افريل 2020 على الزيادة في أسعار مياه "الصوناد"، يؤكد كيف كانت البلاد تدار في العشرية التي تلت احداث 14ِ جانفي وكم عانت البلاد من الاملاءات الأجنبية. وأضاف قائلا أن الدول التي تمنح منحا وقروضا ليست محايدة في علاقة بموضوع المياه بل لديها مآربها الخاصة وتسعى لتحقيق مصالحها مشيرا في هذا السياق إلى أن من ضمن شروط القرض الذي كانت قد منحته المؤسسة الألمانية للقروض من أجل اعادة الاعمالKFW)) في 2020 وأثناء مواجهة بلادنا لفيروس كورونا (الذي انتشر في العالم فيما بين 2020 و2021)، الترفيع في الخدمة العمومية للماء مذكرا بأنه قد تم الترفيع فيما بين 2020 و2024 ثلاث مرات في سعر هذه الخدمة وذلك استجابة تنفيذا لبنود القرض المذكورة منتهيا الى ان اهداف المانحين سواء كانوا هياكل مالية دولية او دولا غنية تبقى نفسها وهي فرض مخططاتها واجنداتها وتحقيق مصالحها.
وعن سؤال: إلى أي مدى يعتبر المرصد الوطني للمياه أن خوصصة "الصّوناد" يمكن أن تنجر عنه مخاطر؟ أجاب الخبير حسين الرحيلي قائلا انه يخشى ان يكون الهدف الحقيقي من وراء رفع شعارات تنادي بتوفير اعتمادات إضافية تساعد على تحقيق التوازنات المالية للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، "الصوناد"، بالترفيع جزئيا في أسعار مياه الشرب، هو السعي لكي تكون الأسعار قريبة من مستواها الحقيقي وهو ما تنادي به الجهات المانحة التي تسعى لتعبيد الطريق من اجل تمكين رؤوس الأموال من فرص للاستثمار في القطاع او فيما يعرف اليوم بالقطاعات الخدماتية الدائمة.
ويؤكد محدثنا ان جل التجارب التي قام بها البنك الدولي مع العديد من الدول لخصخصة قطاع مياه الشرب باءت بالفشل وان بعض التجارب التي قام بها البعض بما في ذلك في أعتى الدول(الولايات المتحدة مثلا أو فرنسا) لخصخصة الماء الصالح للشراب لاقت نفس المصير، أي الفشل، لان الدولة تظل هي الضامنة للحق في الماء وتوزيعه بطريقة عادلة ومنصفة.
وإذ يشدد محدثنا على ان مجلة المياه الجديدة بتونس قد تأخرت كثيرا بسبب التجاذبات الحزبية واملاءات المانحين، الا انه لا يرى فائدة من إصدار مجلة تكون عبارة عن نص تقني في حين أن المياه اليوم قضية رأي عام. لذلك هو ينادي بان تكون مجلة المياه الجديدة-مثلما نادى بذلك المرصد التونسي للمياه- خلاصة حوار وطني شامل بمشاركة كل الفاعلين من هياكل البحث والهياكل الممثلة ومجتمع مدني وأحزاب وصحافة وغيرها، معتبرا انه آن الأوان للتخلص من العقلية الموروثة منذ الستينات والتي تتعامل مع الماء على انه قضية تقنية بحتة في حين انه قضية رأي عام.
وعن رأيه في الحلول التي تعتمدها الدولة لمواجهة خطر الشح المائي، افاد محدثنا بان الوضع الذي نعيشه اليوم هو نتيجة لفشل السياسات العمومية. فقد كان يمكن ان نتفادى هذا الوضع البائس الذي جعل 14 ولاية مثلا، تتقاسم مياه الشرب من مجموعة قليلة من السدود، لو ان الدولة بادرت بإيجاد الحلول اللازمة في التوقيت الملائم.
وتبقى الحلول التي تعتمدها الدولة عموما وفق محدثنا على غرار اللجوء لقطع الماء على عدد من ولايات الجمهورية في أوقات محددة حلولا ظرفية في حين ان المشكل ليس ظرفيا وانما نحن امام قضية هيكلية وتتطلب حلولا جوهرية، وعن سؤال حول نجاعة الدراسة التي أعدت حول مستقبل المياه في تونس في أفق 2050، أجاب محدثنا بانها تبقى مجرد دراسة استشرافية ولا ترتقي الى مستوى الاستراتيجية الوطنية التي تكون ملزمة وتتولاها الدولة بنفسها، ليستنتج في علاقة بقضية الحال ان سياساتنا مازالت محافظة وتقليدية جدا ولم تستوعب جيدا التحولات المناخية ومظاهرها القصووية. وحول الدور المنتظر من المجلس العلمي للمرصد التونسي للمياه الذي ينتظر ان يعلن عن انطلاقه قريبا، أشار الخبير حسين الرحيلي إلى أن المبادرة تهدف إلى دعم الجانب العلمي الذي يعتبر متأخرا جدا في تونس وسيتابع المجلس كل ما يتعلق بالماء في المجال العلمي. وحول تركيبة المجلس، افاد محدثنا انه سيضم علماء وخبراء ومختصين واهل الميدان مثل الفلاح مثلا الذي وان لم يكن عالما بالمفهوم الاكاديمي فهو عالم في مجاله، خاصة ان المجلس سيسعى إلى الاستفادة من الخبرات والمعارف "الضائعة" التي لا يستفيد منها القطاع ولا تستفيد منها البلاد.
حياة السايب
- شعارات ترفع ظاهريا لدعم التوازنات المالية لـ"الصوناد" لكنها في الأصل تهيئ لخصخصتها
- نرفض املاءات الجهات المانحة ومحاولاتها للتدخل في السياسات المائية باسم القروض والمنح
- البنك الدولي دفع إلى خصخصة قطاع مياه الشرب منذ 2009
- قطع المياه على عدد من الولايات لأوقات محددة حل ظرفي لمشكل هيكلي يتطلب حلولا جذرية
- قريبا مجلس علمي لـ"المرصد التونسي للمياه"
تونس – الصباح
صدر أول أمس البيان الختامي للملتقى الوطني للمياه في دورته الأولى الذي انتظم ببادرة من جمعية "نوماد08" والمرصد التونسي للمياه من 25 إلى 27 افريل بمدينة الحمامات. وقد تضمن البيان الختامي مجموعة من الملاحظات والدعوات والمقترحات والتوصيات تتمحور كلها حول التصرف في المياه وحوكمتها. وقد نادى البيان بضمان حق المواطن في الانتفاع بخدمة الماء العمومية في ظروف طيبة، ودعا الدولة إلى اعتماد سياسات تحمي هذا الحق بالتوازي مع العمل على إيجاد حلول ناجعة لمشاكل شح المياه الى جانب تحيين التشريعات وخاصة اعداد مشروع نص جديد لمجلة المياه بتشريك جميع الأطراف المتدخلة بعيدا عن الاجندات السياسية والاملاءات الاجنبية.
وقد استوقفتنا من جانبنا مجموعة من التوصيات والملاحظات من بينها ما اسماه المنظمون بـ"خضوع إعداد إطار تشريعي ومؤسساتي جديد للمياه في تونس للتجاذبات السياسية والأجندات الحزبية والتبعية للجهات المانحة". وقد نادى البيان الختامي للملتقى الوطني الأول للمياه في هذا السياق بـ"فتح حوار وطني شامل تشارك فيه كل الأطراف المعنية بالماء لإعداد مشروع جديد لمجلة المياه يكون معبرا عن حقيقة الأوضاع المائية الوطنية.."، استوقفنا كذلك التوصية المتعلقة بالدفاع عن الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، "الصوناد"، والمطالبة بأن تظل هذه المؤسسة مؤسسة وطنية وعمومية، وحاولنا أن نستوضح أكثر حول هذه التوصيات وحول المجلس العلمي لـ"المرصد التونسي للمياه" الذي أعلن عنه في نص البيان والذي يتوقع أن ينطلق قريبا في العمل.
ولأجل ذلك كان لنا لقاء مع الخبير بـ"المرصد الوطني للمياه" حسين الرحيلي وهو مهندس أول في الجيولوجيا ومختص في التنمية والتصرف في الموارد وقد انطلقنا في الحديث معه بملاحظة حول التأخير في اصدار البيان الختامي للملتقى الوطني للمياه الذي انعقد في دورته الأولى منذ شهر بالكامل. محدثنا أشار الى أن الملتقى ضم مجموعة هامة من ورشات العمل ومنح المنظمون المشاركين مساحة كافية لإعداد تقاريرهم وملاحظاتهم واستغرق التثبت في المادة الوقت الكافي وذلك رغبة في اصدار بيان يكون واضحا ومفيدا، وفق نفس المصدر.
اما فيما يتعلق بالاطار التشريعي الجديد لقطاع المياه في تونس، فقد نبه محدثنا من خطر استمرار محاولات التأثير على القرار الوطني في المجال، مشيرا إلى أن تونس عانت من وجود ضغوطات خارجية وداخلية سعت إلى توجيه سياساتها المائية لفائدة أجندات خاصة وكان ذلك واضحا خاصة خلال العشرية التي تلت احداث 14 جانفي 2011، حيث كانت تونس ترزح تحت ثقل التجاذبات السياسية التي كانت مسيطرة على المشهد العام.
وقال الخبير بـ"المرصد الوطني للمياه" حسين الرحيلي أن البنك الدولي وكل المانحين يسعون الى الدفع نحو خوصصة الملك العمومي للمياه. وذكر في هذا الصدد بان تونس حصلت في 2009 على منحة من البنك الدولي لإعداد دراسة حول المياه بتونس في افق 2030 وكان الهدف إعادة النظر في مجلة المياه لسنة 1975. وفعلا لم تعد المجلة صالحة فالفرق كبير بين ذلك التاريخ واليوم، لكن المشكل هو أن البنك الدولي وكل الأطراف المانحة بما في ذلك في إطار العلاقات الثنائية تدفع نحو خصخصة الملك العمومي للمياه في تونس. وقد كان الهدف الأساسي لمجلة المياه في صيغتها لسنة 2009(باللغة الفرنسية) هو الشروع في خصخصة الملك العمومي للماء في إطار ما يسمى بالشراكة بين القطاع العمومي والقطاع الخاص. وقد كان الهدف من النسخ التي تم إعدادها فيما بعد ومنذ 2014 إلى غاية 2019، هو ذاته، أي الدفع نحو خصخصة الملك العمومي للمياه. وذكر محدثنا في هذا الإطار بان لجنة الفلاحة بالبرلمان السابق قد صادقت فعلا على نسخة 2019 لمشروع مجلة المياه وان الكتل البرلمانية قد نزلت بثقلها حينذاك من اجل المصادقة على مشروع المجلة بصيغتها المشجعة على الخوصصة وذلك تحت تأثير الاملاءات الأجنبية والأجندات الحزبية.
وقال الخبير بالمرصد التونسي للمياه ان مصادقة البرلمان السابق وتحديدا في افريل 2020 على الزيادة في أسعار مياه "الصوناد"، يؤكد كيف كانت البلاد تدار في العشرية التي تلت احداث 14ِ جانفي وكم عانت البلاد من الاملاءات الأجنبية. وأضاف قائلا أن الدول التي تمنح منحا وقروضا ليست محايدة في علاقة بموضوع المياه بل لديها مآربها الخاصة وتسعى لتحقيق مصالحها مشيرا في هذا السياق إلى أن من ضمن شروط القرض الذي كانت قد منحته المؤسسة الألمانية للقروض من أجل اعادة الاعمالKFW)) في 2020 وأثناء مواجهة بلادنا لفيروس كورونا (الذي انتشر في العالم فيما بين 2020 و2021)، الترفيع في الخدمة العمومية للماء مذكرا بأنه قد تم الترفيع فيما بين 2020 و2024 ثلاث مرات في سعر هذه الخدمة وذلك استجابة تنفيذا لبنود القرض المذكورة منتهيا الى ان اهداف المانحين سواء كانوا هياكل مالية دولية او دولا غنية تبقى نفسها وهي فرض مخططاتها واجنداتها وتحقيق مصالحها.
وعن سؤال: إلى أي مدى يعتبر المرصد الوطني للمياه أن خوصصة "الصّوناد" يمكن أن تنجر عنه مخاطر؟ أجاب الخبير حسين الرحيلي قائلا انه يخشى ان يكون الهدف الحقيقي من وراء رفع شعارات تنادي بتوفير اعتمادات إضافية تساعد على تحقيق التوازنات المالية للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، "الصوناد"، بالترفيع جزئيا في أسعار مياه الشرب، هو السعي لكي تكون الأسعار قريبة من مستواها الحقيقي وهو ما تنادي به الجهات المانحة التي تسعى لتعبيد الطريق من اجل تمكين رؤوس الأموال من فرص للاستثمار في القطاع او فيما يعرف اليوم بالقطاعات الخدماتية الدائمة.
ويؤكد محدثنا ان جل التجارب التي قام بها البنك الدولي مع العديد من الدول لخصخصة قطاع مياه الشرب باءت بالفشل وان بعض التجارب التي قام بها البعض بما في ذلك في أعتى الدول(الولايات المتحدة مثلا أو فرنسا) لخصخصة الماء الصالح للشراب لاقت نفس المصير، أي الفشل، لان الدولة تظل هي الضامنة للحق في الماء وتوزيعه بطريقة عادلة ومنصفة.
وإذ يشدد محدثنا على ان مجلة المياه الجديدة بتونس قد تأخرت كثيرا بسبب التجاذبات الحزبية واملاءات المانحين، الا انه لا يرى فائدة من إصدار مجلة تكون عبارة عن نص تقني في حين أن المياه اليوم قضية رأي عام. لذلك هو ينادي بان تكون مجلة المياه الجديدة-مثلما نادى بذلك المرصد التونسي للمياه- خلاصة حوار وطني شامل بمشاركة كل الفاعلين من هياكل البحث والهياكل الممثلة ومجتمع مدني وأحزاب وصحافة وغيرها، معتبرا انه آن الأوان للتخلص من العقلية الموروثة منذ الستينات والتي تتعامل مع الماء على انه قضية تقنية بحتة في حين انه قضية رأي عام.
وعن رأيه في الحلول التي تعتمدها الدولة لمواجهة خطر الشح المائي، افاد محدثنا بان الوضع الذي نعيشه اليوم هو نتيجة لفشل السياسات العمومية. فقد كان يمكن ان نتفادى هذا الوضع البائس الذي جعل 14 ولاية مثلا، تتقاسم مياه الشرب من مجموعة قليلة من السدود، لو ان الدولة بادرت بإيجاد الحلول اللازمة في التوقيت الملائم.
وتبقى الحلول التي تعتمدها الدولة عموما وفق محدثنا على غرار اللجوء لقطع الماء على عدد من ولايات الجمهورية في أوقات محددة حلولا ظرفية في حين ان المشكل ليس ظرفيا وانما نحن امام قضية هيكلية وتتطلب حلولا جوهرية، وعن سؤال حول نجاعة الدراسة التي أعدت حول مستقبل المياه في تونس في أفق 2050، أجاب محدثنا بانها تبقى مجرد دراسة استشرافية ولا ترتقي الى مستوى الاستراتيجية الوطنية التي تكون ملزمة وتتولاها الدولة بنفسها، ليستنتج في علاقة بقضية الحال ان سياساتنا مازالت محافظة وتقليدية جدا ولم تستوعب جيدا التحولات المناخية ومظاهرها القصووية. وحول الدور المنتظر من المجلس العلمي للمرصد التونسي للمياه الذي ينتظر ان يعلن عن انطلاقه قريبا، أشار الخبير حسين الرحيلي إلى أن المبادرة تهدف إلى دعم الجانب العلمي الذي يعتبر متأخرا جدا في تونس وسيتابع المجلس كل ما يتعلق بالماء في المجال العلمي. وحول تركيبة المجلس، افاد محدثنا انه سيضم علماء وخبراء ومختصين واهل الميدان مثل الفلاح مثلا الذي وان لم يكن عالما بالمفهوم الاكاديمي فهو عالم في مجاله، خاصة ان المجلس سيسعى إلى الاستفادة من الخبرات والمعارف "الضائعة" التي لا يستفيد منها القطاع ولا تستفيد منها البلاد.