أجمع ممثلو عدد من المؤسسات والهياكل الرسمية والمدنية المختصة والناشطة في المجال على أن النفايات الصحية أو الطبية ملف يعد على غاية من الخطورة ويوجب على الأطراف المتداخلة فيه انتهاج سياسة تعاطي خاصة قوامها الدقة والالتزام بمراعاة حماية صحة المواطن وحماية البيئة من الأضرار الخطيرة التي من شأنها أن تهدد الحياة خاصة أن النفايات الصحية الطبية الخطرة تتكون من بقايا ومخلفات أقسام المستشفيات والمصحات والمخابر والصيدليات بما تضمه من بقايا ومتعلقات الأمراض السارية والتحاليل وأمراض السرطانيات وغيرها من الأمراض والأوبئة وتحتوي على دم وبقايا بيولوجية وغيرها، وهي نفايات خطرة قابلة للتحلل والتعفن وتتطلب التدخل السريع لرفعها ومعالجتها لأنها سريعا ما تخلق أنواعا من البكتيريا قد لا يمكن معالجتها، لاسيما أمام تضاعف كميات النفايات بشكل عام في السنوات الأخيرة لتتجاوز 14 ألف طن في السنة ووصلت إلى أكثر من 16 ألف طن، فيما عدد الشركات المختصة في تجميع ونقل ومعالجة هذه النوعية من النفايات قليل وغير مستقر لعدة اعتبارات.
ملف من إعداد: نزيهة الغضباني
"الصباح" وفي إطار ملف حول النفايات الصحية والطبية الخطرة في تونس، طرحت بعض الأسئلة على بعض ممثلي المؤسسات والهياكل الرسمية والمدنية والقطاعية المتداخلة في مهام التعاطي مع النفايات بشكل عام والنفايات الصحية الخطرة بشكل خاص، حول واقع النفايات الصحية والطبية الخطرة في تونس اليوم والتحديات المطروحة على الجهات المعنية لتدارك الإخلالات والإشكاليات التي يعيشها القطاع بما يمكنها من القدرة على التحكم في سير عملها وفق الشروط القانونية والتنظيمية والصحية وجعل القطاع مجالا للاستثمار والتنمية في تحويل النفايات إلى ممكنات حياة. لكن الجهة المعنية بوزارة الصحة، باعتبارها الجهة المعنية بدرجة أولى بهذا الملف، امتنعت عن التفاعل معنا في هذا السياق رغم المحاولات المتكررة للاتصال.
ويذكر أنه وفق تقديرات خبراء في البيئة فإن 50% من نسبة النفايات مخلفات المنشآت الصحية لا تخضع للمعالجة، في الوقت الذي تقدر فيه أن المستشفيات والمراكز الصحية التونسية والمصحات والمخابر والصيدليات تنتج سنوياً ما بين 16 ألفاً و18 ألف طنّ من النفايات الطبية، من بينها 8 آلاف طنّ من النفايات الخطرة التي تخضع للمراقبة. وتتوزع الكميات المجمعة بين نفايات بيولوجية ونفايات كيميائية، بما في ذلك النفايات الصيدلانية، بالإضافة إلى النفايات القابلة للاشتعال أو الانفجار، والنفايات الحادة على غرار الحقن، إلى جانب النفايات المتعفّنة وتلك المشعّة، باعتبار أن بقايا الأعضاء المبتورة يتم دفنها عن طريق البلديات، وفق ما ينص على ذلك القانون المنظم للعملية. ويقدر معدّل إنتاج النفايات في المستشفيات والمصحات والعيادات الخاصة بحوالي 2.3 كيلوغرام عن كلّ سرير يشغله مريض، بينما يصل عدد الأسرّة في المنشآت الصحية إلى نحو 27 ألف سرير.
مطالب ومراجعات
وأجمع عدد من المتدخلين في الموضوع على أن تعقد المسائل الإجرائية والقانونية المتعلقة بالتعاطي مع النفايات الصحية الخطرة من العوامل التي ساهمت في تهميش القطاع وغياب عنصر المبادرة والاجتهاد من قبل المتدخلين فيه سواء على مستوى محلي أو جهوي أو وطني. الأمر الذي يوجب ضرورة مراجعة المنظومة المعمول بها في الغرض والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة المتطورة لتيسير مهمة النشاط واتخاذ القرارات زجرية وردعية كانت لدعم وتيسير برامج النهوض والعمل في المجال. ويرى البعض الآخر أن تدني التسعيرة التي تعتمدها وزارة الصحة في ظل غلاء الأسعار والخدمات وعدم مراجعة آليات التعامل مع هذه المسألة والتأخر في خلاص الشركات الناشطة في المجال فضلا عن عدم التزام الجهات المعنية بتقديم الدعم والمساعدات اللازمة للشركات لتجاوز الصعوبات التي تمر بها، من العوامل التي ساهمت في تردي وضعية القطاع ولجوء البعض إلى التجاوز واعتماد أساليب ملتوية من شأنها أن تخلف مخاطر وأضرار في نشاطها.
مصبات مراقبة وعشوائية
وفق تأكيد جهات رسمية وفي علاقة بمسألة النفايات بشكل عام فإن هناك 10 مصبات مراقبة بصدد الاستغلال وأن 85% من النفايات منتجة ومعالجة في حين يتم إلقاء البقية في مصبات عشوائية. وهو ما يتطلب ضرورة العمل على تدارك هذه الإخلالات خاصة أن الأرقام تبين أن هناك بين 10 و12 ألف مصاب بعدوى التهاب الكبد الفيروسي. وتعد المصبات التي تشكل قبلة أعداد كبيرة من "البرباشة"، سببا في نقل هذه العدوى والإصابة بعدوى أمراض أخرى بسبب التجاوزات المسجلة في الغرض بعد تعمد بعض الشركات الناشطة في الغرض خلط كميات من النفايات الطبية المعالجة بأخرى غير معالجة. وقد تم تسجيل عديد المخالفات في الغرض الأمر الذي جعل نشاط الشركات المختصة في تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة غير منتظم. ففي عديد المرات تطالعنا تشكيات وصور وفيديوهات لشاحنات أو عمليات رمي النفايات الطبية بجميع أنواعها وغيرها من الفضلات والنفايات الأخرى في البحر والأودية والمساحات الخضراء دون مبالاة بخطورة ذلك.
ويرى عدد من الناشطين في المجال أن القطاع يتطلب إصلاحا جذريا يتماشى والتحديات الصحية والبيئية والتنموية المطروحة في بلادنا اليوم خاصة أمام الدور الذي يمكن أن تلعبه الرقمنة من تسهيل مهمة العمل والمراقبة والمتابعة في المجال. فيما اعتبر قيس الديماسي رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة أن استعمال جهاز "jps" في الشاحنات والسيارات المستعملة في نقل النفايات بجميع أنواعها والطبية الخطرة بشكل خاص أصبح ضروريا اليوم لفرض رقابة ووضع حد للتجاوزات الخطيرة.
مدير عام البيئة وجودة الحياة لـ"الصباح": زيادة بـ50% في النفايات الصحية في السنوات الأخيرة
أفاد الهادي الشبيلي، مدير عام البيئة وجودة الحياة بوزارة البيئة، أن آلية التعاطي مع النفايات الصحية لاسيما منها الخطرة يحددها الأمر عدد 2745 الصادر في جويلية 2008 يضبط شروط وطرق التصرف في نفايات الأنشطة الصحية، إضافة إلى الأمر عدد 1064 لسنة 2009 ويتعلق بضبط شروط إسناد التراخيص لممارسة أنشطة التصرف في نفايات خطرة وتراخيص إلقاء نفايات أو مواد أخرى في البحر. وبين أن مصالح وزارة الصحة هي التي تتولى المراقبة في هذا المجال إلى جانب الوكالة الوطنية لحماية المحيط، وفق ما يحدده القانون المنظم للعملية، فيما تكون مهمة المتابعة للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات.
كما أفاد الهادي الشبيلي في حديثه لـ"الصباح"، أن هناك حاليا 15 شركة مختصة في تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة وأن ما هو معمول به هو معالجة هذه النوعية من النفايات الخطيرة في ظرف 24 ساعة. مؤكدا أن الوضع تغير بعد أزمة "كوفيد 19" في ظل الإجراءات التي تم اتخاذها على مستوى وطني من حجر صحي وغيرها. الأمر الذي أدى إلى مضاعفة كميات النفايات المخزنة وتراكمها فضلا عن دور بعض الحوادث العرضية والوضعيات الظرفية في تراكم أكداس من هذه النوعية من النفايات وبكميات كبيرة لمدة مطولة على غرار ما حدث في مارس الماضي بمعتمديتي الملوي والرديف من ولاية قفصة. وموضحا بالقول: "نحن بصدد تجاوز هذه الوضعية الظرفية لتكدس كميات من النفايات الطبية بعد أن توفي صاحب الشركة والصعوبات القانونية والإدارية التي وجدناها في حل الإشكال القائم. ومن المنتظر أن يتم التخلص من كافة الكميات المخزنة قبل موفى جوان المقبل وذلك بتكفل كل شركة بنقل جزء من هذه النفايات".
تطور ملحوظ
كما أفاد الهادي الشبيلي أنه قبل أزمة الكوفيد كانت كميات النفايات في حدود 7 آلاف طن ولم يكن هناك إشكال تخزين وتكدس ولكن تغير الوضع في السنوات الأخيرة لتتضاعف الكميات بنسبة 50%، معتبرا أن دخول شركات خاصة ومختصة في النشاط مع هذه النوعية من النفايات ساهم في حلحلة الوضع. وأضاف:"حاليا الكميات في تزايد لذلك طلبت وزارة البيئة بعد دراسة المسألة مع الجهات المعنية وفي مقدمتها وزارة الصحة، بتوسيع طاقة المعالجة والنشاط بالنسبة للشركات مع تقديم تسهيلات في الغرض من تفادي أي مخاطر يمكن أن تنجر عن ذلك".
وبين أن مجال بعث شركات تنشط في المجال مفتوح على اعتبار أن عدد الشركات المتحصلة على تراخيص في الغرض هي في حدود 15 شركة وأنه غير كاف في ظل التحديات المطروحة في المجال، باعتبار أن نقل ومعالجة مثل هذه النوعية من النفايات الخطرة يتم في غضون 24 ساعة معتبرا المجال مفتوحا لكل من يرغب وتتوفر فيه الشروط المطلوبة التقدم بمطلب في الغرض إلى الجهات المعنية.
كما أفاد مدير عام البيئة وجودة الحياة أنه تم توجيه طلب إلى الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة مفاده دعم طاقة معالجة النفايات الصحية الخطرة وفتح شركات جديدة تنشط في المجال وتوسيع نشاط الشركات الموجودة.
رئيس لجنة الصحة بالبرلمان لـ"الصباح": تحيين القوانين والتشريعات ضرورة ملحة
"صحيح أن النفايات الصحية بشكل عام تعد على غاية من الخطورة، وتتطلب يقظة جميع الجهات المتداخلة وتعاط سليم بما يضمن سلامة صحة المواطن والبيئة، وأنا على دراية بذلك بحكم أني طبيب وسبق أن كنت مندوبا جهويا للصحة. ولكن إلى حد الآن لم ترد على مجلس نواب الشعب أي مبادرة في الغرض خاصة أن المسألة لا تعني وزارة الصحة دون سواها أو وزارة البيئة وحدها بل تتداخل فيها عديد الوزارات والمؤسسات والهياكل ذات علاقة بهذا التحدي الخطير والهام في نفس الوقت بما في ذلك وزارة الداخلية وغيرها". هذا ما قاله الدكتور نبيه ثابت، رئيس لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة بمجلس نواب الشعب لـ"الصباح"، في إجابته عن وجود مبادرات تشريعية ذات صلة بهذه النفايات الصحية بشكل عام أو البيئة والرقابة والاستثمار في المجال بشكل خاص.
كما أفاد أن المنظومة الخاصة بالتعاطي مع النفايات الطبية لاسيما منها الخطرة تعد معقدة ومتشابكة وتتطلب إرادة سياسية تهدف للإصلاح الشامل والجذري من ناحية وتوحيد المجهودات والأهداف والرؤى والبرامج بين جميع الجهات المتداخلة في المسألة بما يمكن من وضع إستراتيجية هادفة تراعي التحديات المطروحة اليوم وتراهن على عوامل تطور التكنولوجيات والرقمنة والذكاء الاصطناعي بما يمكن من تحويل القطاع إلى مجال للاستثمار والتنمية والشغيل. على اعتبار أن إصلاح ومراجعة القوانين المنظمة لكل ما يتعلق بالصحة والبيئة تعد من التحديات المطروحة في تونس كما في العالم.
وبين الدكتور نبيه ثابت أن لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة بالبرلمان منهمكة هذه الفترة بالتحضير لطرح مشروع قانون يتعلق بالمكملات الغذائية يوم 10 جوان المقبل. مشددا على أن مسألة النفايات الخطرة بشكل عام والنفايات الصحية بشكل خاص مطروحة في برنامج عمل اللجنة التي يرأسها في المرحلة القادمة.
خبير في البيئة والتصرف في النفايات لـ"الصباح": وضع صعب ومهمش في حاجة إلى مراجعة
وصف محمد التومي، الخبير في البيئة والتصرف في النفايات، واقع التعاطي مع مسألة النفايات الصحية والطبية في تونس اليوم لاسيما منها الخطرة بالمعقد والصعب والحرج، والذي يستدعي ضرورة التعجيل بالقيام بمراجعات شاملة في القوانين وآليات التعامل مع هذه المواد الخطيرة على الإنسان والبيئة والتي تهدد الحياة، وفق تقديره، وذلك لعدة أسباب. واعتبر في حديثه عن المسألة لـ"الصباح"، أنه من أبرزها غياب الاجتهاد من ناحية ونقص الوعي بأهمية صحة المواطن بدرجة أولى والبيئة والمحيط في درجة ثانية. وأرجع ذلك إلى تخوف البعض من التتبعات والمساءلة القضائية من ناحية ونقص الكفاءة الموظفة في المجال من ناحية أخرى.
وبين أن عوامل متداخلة عديدة تتحكم في هذا القطاع وساهمت في تردي وضعيته، وقد فسر ذلك بقوله:"في الحقيقة ورغم خطورة وأهمية هذا القطاع إلا أنه في حاجة إلى إصلاحات عميقة وشاملة من ناحية، وجرأة واجتهاد يخدم أهداف ومصالح جميع الجهات المتداخلة من ناحية ثانية، من أجل ضمان سلامة المواطن والبيئة وحياة الجميع وكسب التحديات المطروحة وطنيا وعالميا في ظل توجه الاستراتيجيات وتركيز الاهتمام على البيئة ومقاومة التلوث. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا عبر اعتماد الكفاءات المختصة في المجال وانتهاج سياسة خادمة للأهداف المسطرة".
كما اعتبر الخبير في البيئة والتصرف في النفايات، باعتباره متحصلا على الدكتوراه في علوم الأرض، أن عوامل عديدة وراء غياب المتابعة في هذا الملف منها غياب سياسة واضحة المعالم والأهداف فيما يتعلق بالقوانين والإجراءات الخاصة بمنح التراخيص والمراقبة والمتابعة والوقاية وتجديد التراخيص وغيرها، لأنه يرى أن مراجع القوانين المعمول بها في السياق وانتهاج منظومة مراقبة ومتابعة تسهل مهمة الشركات والمستثمرين العاملين في المجال، إضافة إلى مردودية ذلك في الحد من التلوث بهذه المواد الخطرة. لأنه يعتبر أن هذه النوعية من النفايات إذا لم يتم التعاطي معها بدقة من حيث طريقة تجميعها ورفعها في وقت وجيز ومعالجتها وفق الطرق العلمية المعمول بها فإنها تخلف تداعيات خطيرة على التربة والمائدة المائية وتتحلل في الهواء وتصدر روائح كريهة ويمكن أن تكون سببا في عديد الأمراض الخطيرة التي تنتقل للإنسان بطرق مختلفة.
رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة لـ"الصباح":إشكاليات وإخلالات ونقائص وهذه مقترحاتنا "المعلقة"
9 شركات تنشط في مجال تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية والصحية الخطرة
اعتبر قيس الديماسي، رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة في حديثه لـ"الصباح"، أن القطاع أصبح مهمّشا ويعاني من عديد الصعوبات والإشكاليات والإخلالات في تطبيق القانون المنظم للعمل والنشاط فيه من قبيل مختلف الجهات المتداخلة، الأمر الذي يجعل النفايات الطبية الخطرة اليوم أشبه "بقنبلة موقوتة" وفق توصيفه للوضع، تهدد بالقضاء على أسباب الحياة في حال عدم تحرك الجهات المعنية للقيام بالمراجعات المطلوبة لإصلاح القطاع وإزالة العراقيل والصعوبات التي تكبله.
وأفاد أن هناك 9 شركات تنشط في المجال مختصة في تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية والصحية الخطرة من بينها واحدة مختصة في الأدوية، خاصة أن القانون يسمح لهذه الشركات بالعمل في كامل جهات الجمهورية. لكن رغم ذلك يعتبر رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة، أن العدد غير كاف لتغطية الخدمات في المجال لاسيما بعد أن تضاعفت كميات النفايات الصحية في سنوات ما بعد أزمة "كوفيد 19" الصحية لتتضاعف الكميات وتصبح أكثر من 14 ألف طن سنويا، ووصلت في بعض الفترات إلى 16 ألف طن من النفايات الطبية الخطرة. وأضاف قائلا:"في ظل التغيرات والتطورات المسجلة في تونس والعالم في السنوات الأخيرة بشكل متسارع، إلا أن الجهات الرسمية لم تغير من سياستها وأدواتها في التعاطي مع هذا القطاع الحساس والخطير. فحافظت على نفس الآليات التي تجاوزها الزمن وظروف الراهنة ومستجداتها، والمتمثلة في تدني التسعيرة التي تعتمدها وزارة الصحة والتأخر في الخلاص، وغياب المتابعة الميدانية لأجهزة الرقابة، إضافة إلى النقص المسجل في مراقبة المصبات. فالقطاع أصبح اليوم مهمشا إلى أبعد الحدود بعد أن استطعنا تنظيمه في فترة "جائحة الكوفيد العالمية والمسؤولية تتحملها سلطة الإشراف لأن القوانين وآليات التعاطي مع القطاع في حاجة إلى المراجعة والتحيين اليوم أكثر من أي وقت مضى".
ويعتبر الديماسي أن القطاع مكبل اليوم بالإخلالات من قبيل أن شركات تحصل على تراخيص ولا تعمل وغياب التوازن في وجود الشركات بين الجهات وتخوف الجهات المعنية من أخذ أي قرار في ظل هشاشة المنظومة التي يصفها بـ"الملغومة" ولا تحمي القائمين عليها.
مقترحات ومطالب
كما أكد قيس الديماسي أن الغرفة التي يرأسها قدمت مقترحات ومبادرات للجهات الرسمية ضمنتها مقترحات تهدف لإيجاد حلول لبعض المسائل الشائكة التي يعاني منها القطاع على اعتبار أن الشركات المختصة في المجال هي ميدانية وعلى دراية بمواطن الخلل وطرق المراجعة والمعالجة، ولكن في المقابل لم يتم الأخذ بعين الاعتبار بذلك موضحا بالقول:"طالبنا الجهات المعنية بتشريكنا في الناقشات في صلب اللجنة المعنية والاستماع إلى مقترحاتنا ورؤيتنا لإصلاح القطاع ولكن دون تجاوب أو تفاعل في الغرض بل تواصل غلق باب الحوار والنقاش. وهذا الهروب إلى الأمام لا يمكنه أن يصلح القطاع بل سيساهم في تردي الوضع أكبر لاسيما في ظل التحديات المطروحة ي مجالات أخرى من شأنها أن تعمق أزمة النفايات الطبية الخطرة على غرار التغيرات المناخية وتوسع دوائر التلوث المناخي والبيئي وانتشار الفقر والبطالة وغلاء المعيشة"، وذلك في ظل الإقبال الكبير من قبل فئات واسعة من "البرباشة" على المصبات، باعتبارها مورد رزق عدد كبير من المواطنين.
الحد من التجاوزات الخطيرة
كما دعا رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة الجهات الرسمية إلى ضرورة مراجعة طرق إسناد التراخيص ومراجعة القانون المنظم للعملية وأضاف:"يجب مراعاة جملة من الشروط لمنح التراخيص لبعث شركات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة، وإحكام تنظيمها وحمايتها حتى لا تكون في يد "المافيات" التي لا هم لها سوى الربح المادي على غرار ما عرفته بعض البلدان في العالم من بينها إيطاليا وتداعيات ذلك على أصعدة مختلفة. فالوعي والتكوين والمراقبة والمتابعة والعمل على تكريس تطبيق القانون والالتزام به ضرورية لضمان طرق سليمة في التعاطي مع هذا القطاع الخطير".
إذ يعتبر قيس الديماسي أن دور الغرفة أو الشركات المختصة في تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة، باعتباره مستثمرا في المجال، هو صحة عمومية أكثر منه نظافة وحماية المحيط والبيئة. وذلك من خلال فرض التزام هذه الشركات بالقوانين المنظمة لعملها وتوفير التجهيزات و"الماكينات" اللازمة. مضيفا: "قبل أزمة الكورونا كان معدل الكميات في حدود 7 أو 8 ألف طن من النفايات الطبية الخطرة وكانت جل الشركات تعتمد ماكينات خاص 500 طن ولكن بعد هذه الأزمة تضاعفت الكميات. الأمر الذي يجعل الشركات في حاجة إلى اقتناء "ماكينات ذات سعة أكبر وهي في الحقيقة مسألة مكلفة جدا، وهو ما يفتح المجال للقيام بتجاوزات من شأنها أن تؤثر على صحة الموطنين والمحيط". واعتبر في تدني التسعيرة التي تعتمدها وزارة الصحة وغيرها من العوامل الأخرى من العوامل المغذية للتجاوزات، من قبيل خلط كمية معالجة بأخرى غير معالجة ورميها في المصبات دون مبالاة بخطورة ذلك على صحة "البرباشة" بالأساس ويأتي المحيط والبيئة في درجة ثانية لأن الأهم بالنسبة لي هو صحة المواطن".
وأفاد أن الغرفة قدمت مقترحا للجهات المعنية تهدف للتقليص في عدد الإصابات بعدوى الأمراض من المصبات على غرار "التهاب الكبد".
الرقمنة
كما اعتبر رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة، أن الرقمنة واعتماد التكنولوجيات الحديثة تعد أحد العوامل الأساسية لإصلاح وتنظيم القطاع ومراقبته ومتابعته وتيسير مهمة كل الأطراف المتداخلة فيه وحمايتهم في نفس الوقت.
تونس – الصباح
أجمع ممثلو عدد من المؤسسات والهياكل الرسمية والمدنية المختصة والناشطة في المجال على أن النفايات الصحية أو الطبية ملف يعد على غاية من الخطورة ويوجب على الأطراف المتداخلة فيه انتهاج سياسة تعاطي خاصة قوامها الدقة والالتزام بمراعاة حماية صحة المواطن وحماية البيئة من الأضرار الخطيرة التي من شأنها أن تهدد الحياة خاصة أن النفايات الصحية الطبية الخطرة تتكون من بقايا ومخلفات أقسام المستشفيات والمصحات والمخابر والصيدليات بما تضمه من بقايا ومتعلقات الأمراض السارية والتحاليل وأمراض السرطانيات وغيرها من الأمراض والأوبئة وتحتوي على دم وبقايا بيولوجية وغيرها، وهي نفايات خطرة قابلة للتحلل والتعفن وتتطلب التدخل السريع لرفعها ومعالجتها لأنها سريعا ما تخلق أنواعا من البكتيريا قد لا يمكن معالجتها، لاسيما أمام تضاعف كميات النفايات بشكل عام في السنوات الأخيرة لتتجاوز 14 ألف طن في السنة ووصلت إلى أكثر من 16 ألف طن، فيما عدد الشركات المختصة في تجميع ونقل ومعالجة هذه النوعية من النفايات قليل وغير مستقر لعدة اعتبارات.
ملف من إعداد: نزيهة الغضباني
"الصباح" وفي إطار ملف حول النفايات الصحية والطبية الخطرة في تونس، طرحت بعض الأسئلة على بعض ممثلي المؤسسات والهياكل الرسمية والمدنية والقطاعية المتداخلة في مهام التعاطي مع النفايات بشكل عام والنفايات الصحية الخطرة بشكل خاص، حول واقع النفايات الصحية والطبية الخطرة في تونس اليوم والتحديات المطروحة على الجهات المعنية لتدارك الإخلالات والإشكاليات التي يعيشها القطاع بما يمكنها من القدرة على التحكم في سير عملها وفق الشروط القانونية والتنظيمية والصحية وجعل القطاع مجالا للاستثمار والتنمية في تحويل النفايات إلى ممكنات حياة. لكن الجهة المعنية بوزارة الصحة، باعتبارها الجهة المعنية بدرجة أولى بهذا الملف، امتنعت عن التفاعل معنا في هذا السياق رغم المحاولات المتكررة للاتصال.
ويذكر أنه وفق تقديرات خبراء في البيئة فإن 50% من نسبة النفايات مخلفات المنشآت الصحية لا تخضع للمعالجة، في الوقت الذي تقدر فيه أن المستشفيات والمراكز الصحية التونسية والمصحات والمخابر والصيدليات تنتج سنوياً ما بين 16 ألفاً و18 ألف طنّ من النفايات الطبية، من بينها 8 آلاف طنّ من النفايات الخطرة التي تخضع للمراقبة. وتتوزع الكميات المجمعة بين نفايات بيولوجية ونفايات كيميائية، بما في ذلك النفايات الصيدلانية، بالإضافة إلى النفايات القابلة للاشتعال أو الانفجار، والنفايات الحادة على غرار الحقن، إلى جانب النفايات المتعفّنة وتلك المشعّة، باعتبار أن بقايا الأعضاء المبتورة يتم دفنها عن طريق البلديات، وفق ما ينص على ذلك القانون المنظم للعملية. ويقدر معدّل إنتاج النفايات في المستشفيات والمصحات والعيادات الخاصة بحوالي 2.3 كيلوغرام عن كلّ سرير يشغله مريض، بينما يصل عدد الأسرّة في المنشآت الصحية إلى نحو 27 ألف سرير.
مطالب ومراجعات
وأجمع عدد من المتدخلين في الموضوع على أن تعقد المسائل الإجرائية والقانونية المتعلقة بالتعاطي مع النفايات الصحية الخطرة من العوامل التي ساهمت في تهميش القطاع وغياب عنصر المبادرة والاجتهاد من قبل المتدخلين فيه سواء على مستوى محلي أو جهوي أو وطني. الأمر الذي يوجب ضرورة مراجعة المنظومة المعمول بها في الغرض والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة المتطورة لتيسير مهمة النشاط واتخاذ القرارات زجرية وردعية كانت لدعم وتيسير برامج النهوض والعمل في المجال. ويرى البعض الآخر أن تدني التسعيرة التي تعتمدها وزارة الصحة في ظل غلاء الأسعار والخدمات وعدم مراجعة آليات التعامل مع هذه المسألة والتأخر في خلاص الشركات الناشطة في المجال فضلا عن عدم التزام الجهات المعنية بتقديم الدعم والمساعدات اللازمة للشركات لتجاوز الصعوبات التي تمر بها، من العوامل التي ساهمت في تردي وضعية القطاع ولجوء البعض إلى التجاوز واعتماد أساليب ملتوية من شأنها أن تخلف مخاطر وأضرار في نشاطها.
مصبات مراقبة وعشوائية
وفق تأكيد جهات رسمية وفي علاقة بمسألة النفايات بشكل عام فإن هناك 10 مصبات مراقبة بصدد الاستغلال وأن 85% من النفايات منتجة ومعالجة في حين يتم إلقاء البقية في مصبات عشوائية. وهو ما يتطلب ضرورة العمل على تدارك هذه الإخلالات خاصة أن الأرقام تبين أن هناك بين 10 و12 ألف مصاب بعدوى التهاب الكبد الفيروسي. وتعد المصبات التي تشكل قبلة أعداد كبيرة من "البرباشة"، سببا في نقل هذه العدوى والإصابة بعدوى أمراض أخرى بسبب التجاوزات المسجلة في الغرض بعد تعمد بعض الشركات الناشطة في الغرض خلط كميات من النفايات الطبية المعالجة بأخرى غير معالجة. وقد تم تسجيل عديد المخالفات في الغرض الأمر الذي جعل نشاط الشركات المختصة في تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة غير منتظم. ففي عديد المرات تطالعنا تشكيات وصور وفيديوهات لشاحنات أو عمليات رمي النفايات الطبية بجميع أنواعها وغيرها من الفضلات والنفايات الأخرى في البحر والأودية والمساحات الخضراء دون مبالاة بخطورة ذلك.
ويرى عدد من الناشطين في المجال أن القطاع يتطلب إصلاحا جذريا يتماشى والتحديات الصحية والبيئية والتنموية المطروحة في بلادنا اليوم خاصة أمام الدور الذي يمكن أن تلعبه الرقمنة من تسهيل مهمة العمل والمراقبة والمتابعة في المجال. فيما اعتبر قيس الديماسي رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة أن استعمال جهاز "jps" في الشاحنات والسيارات المستعملة في نقل النفايات بجميع أنواعها والطبية الخطرة بشكل خاص أصبح ضروريا اليوم لفرض رقابة ووضع حد للتجاوزات الخطيرة.
مدير عام البيئة وجودة الحياة لـ"الصباح": زيادة بـ50% في النفايات الصحية في السنوات الأخيرة
أفاد الهادي الشبيلي، مدير عام البيئة وجودة الحياة بوزارة البيئة، أن آلية التعاطي مع النفايات الصحية لاسيما منها الخطرة يحددها الأمر عدد 2745 الصادر في جويلية 2008 يضبط شروط وطرق التصرف في نفايات الأنشطة الصحية، إضافة إلى الأمر عدد 1064 لسنة 2009 ويتعلق بضبط شروط إسناد التراخيص لممارسة أنشطة التصرف في نفايات خطرة وتراخيص إلقاء نفايات أو مواد أخرى في البحر. وبين أن مصالح وزارة الصحة هي التي تتولى المراقبة في هذا المجال إلى جانب الوكالة الوطنية لحماية المحيط، وفق ما يحدده القانون المنظم للعملية، فيما تكون مهمة المتابعة للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات.
كما أفاد الهادي الشبيلي في حديثه لـ"الصباح"، أن هناك حاليا 15 شركة مختصة في تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة وأن ما هو معمول به هو معالجة هذه النوعية من النفايات الخطيرة في ظرف 24 ساعة. مؤكدا أن الوضع تغير بعد أزمة "كوفيد 19" في ظل الإجراءات التي تم اتخاذها على مستوى وطني من حجر صحي وغيرها. الأمر الذي أدى إلى مضاعفة كميات النفايات المخزنة وتراكمها فضلا عن دور بعض الحوادث العرضية والوضعيات الظرفية في تراكم أكداس من هذه النوعية من النفايات وبكميات كبيرة لمدة مطولة على غرار ما حدث في مارس الماضي بمعتمديتي الملوي والرديف من ولاية قفصة. وموضحا بالقول: "نحن بصدد تجاوز هذه الوضعية الظرفية لتكدس كميات من النفايات الطبية بعد أن توفي صاحب الشركة والصعوبات القانونية والإدارية التي وجدناها في حل الإشكال القائم. ومن المنتظر أن يتم التخلص من كافة الكميات المخزنة قبل موفى جوان المقبل وذلك بتكفل كل شركة بنقل جزء من هذه النفايات".
تطور ملحوظ
كما أفاد الهادي الشبيلي أنه قبل أزمة الكوفيد كانت كميات النفايات في حدود 7 آلاف طن ولم يكن هناك إشكال تخزين وتكدس ولكن تغير الوضع في السنوات الأخيرة لتتضاعف الكميات بنسبة 50%، معتبرا أن دخول شركات خاصة ومختصة في النشاط مع هذه النوعية من النفايات ساهم في حلحلة الوضع. وأضاف:"حاليا الكميات في تزايد لذلك طلبت وزارة البيئة بعد دراسة المسألة مع الجهات المعنية وفي مقدمتها وزارة الصحة، بتوسيع طاقة المعالجة والنشاط بالنسبة للشركات مع تقديم تسهيلات في الغرض من تفادي أي مخاطر يمكن أن تنجر عن ذلك".
وبين أن مجال بعث شركات تنشط في المجال مفتوح على اعتبار أن عدد الشركات المتحصلة على تراخيص في الغرض هي في حدود 15 شركة وأنه غير كاف في ظل التحديات المطروحة في المجال، باعتبار أن نقل ومعالجة مثل هذه النوعية من النفايات الخطرة يتم في غضون 24 ساعة معتبرا المجال مفتوحا لكل من يرغب وتتوفر فيه الشروط المطلوبة التقدم بمطلب في الغرض إلى الجهات المعنية.
كما أفاد مدير عام البيئة وجودة الحياة أنه تم توجيه طلب إلى الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة مفاده دعم طاقة معالجة النفايات الصحية الخطرة وفتح شركات جديدة تنشط في المجال وتوسيع نشاط الشركات الموجودة.
رئيس لجنة الصحة بالبرلمان لـ"الصباح": تحيين القوانين والتشريعات ضرورة ملحة
"صحيح أن النفايات الصحية بشكل عام تعد على غاية من الخطورة، وتتطلب يقظة جميع الجهات المتداخلة وتعاط سليم بما يضمن سلامة صحة المواطن والبيئة، وأنا على دراية بذلك بحكم أني طبيب وسبق أن كنت مندوبا جهويا للصحة. ولكن إلى حد الآن لم ترد على مجلس نواب الشعب أي مبادرة في الغرض خاصة أن المسألة لا تعني وزارة الصحة دون سواها أو وزارة البيئة وحدها بل تتداخل فيها عديد الوزارات والمؤسسات والهياكل ذات علاقة بهذا التحدي الخطير والهام في نفس الوقت بما في ذلك وزارة الداخلية وغيرها". هذا ما قاله الدكتور نبيه ثابت، رئيس لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة بمجلس نواب الشعب لـ"الصباح"، في إجابته عن وجود مبادرات تشريعية ذات صلة بهذه النفايات الصحية بشكل عام أو البيئة والرقابة والاستثمار في المجال بشكل خاص.
كما أفاد أن المنظومة الخاصة بالتعاطي مع النفايات الطبية لاسيما منها الخطرة تعد معقدة ومتشابكة وتتطلب إرادة سياسية تهدف للإصلاح الشامل والجذري من ناحية وتوحيد المجهودات والأهداف والرؤى والبرامج بين جميع الجهات المتداخلة في المسألة بما يمكن من وضع إستراتيجية هادفة تراعي التحديات المطروحة اليوم وتراهن على عوامل تطور التكنولوجيات والرقمنة والذكاء الاصطناعي بما يمكن من تحويل القطاع إلى مجال للاستثمار والتنمية والشغيل. على اعتبار أن إصلاح ومراجعة القوانين المنظمة لكل ما يتعلق بالصحة والبيئة تعد من التحديات المطروحة في تونس كما في العالم.
وبين الدكتور نبيه ثابت أن لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة بالبرلمان منهمكة هذه الفترة بالتحضير لطرح مشروع قانون يتعلق بالمكملات الغذائية يوم 10 جوان المقبل. مشددا على أن مسألة النفايات الخطرة بشكل عام والنفايات الصحية بشكل خاص مطروحة في برنامج عمل اللجنة التي يرأسها في المرحلة القادمة.
خبير في البيئة والتصرف في النفايات لـ"الصباح": وضع صعب ومهمش في حاجة إلى مراجعة
وصف محمد التومي، الخبير في البيئة والتصرف في النفايات، واقع التعاطي مع مسألة النفايات الصحية والطبية في تونس اليوم لاسيما منها الخطرة بالمعقد والصعب والحرج، والذي يستدعي ضرورة التعجيل بالقيام بمراجعات شاملة في القوانين وآليات التعامل مع هذه المواد الخطيرة على الإنسان والبيئة والتي تهدد الحياة، وفق تقديره، وذلك لعدة أسباب. واعتبر في حديثه عن المسألة لـ"الصباح"، أنه من أبرزها غياب الاجتهاد من ناحية ونقص الوعي بأهمية صحة المواطن بدرجة أولى والبيئة والمحيط في درجة ثانية. وأرجع ذلك إلى تخوف البعض من التتبعات والمساءلة القضائية من ناحية ونقص الكفاءة الموظفة في المجال من ناحية أخرى.
وبين أن عوامل متداخلة عديدة تتحكم في هذا القطاع وساهمت في تردي وضعيته، وقد فسر ذلك بقوله:"في الحقيقة ورغم خطورة وأهمية هذا القطاع إلا أنه في حاجة إلى إصلاحات عميقة وشاملة من ناحية، وجرأة واجتهاد يخدم أهداف ومصالح جميع الجهات المتداخلة من ناحية ثانية، من أجل ضمان سلامة المواطن والبيئة وحياة الجميع وكسب التحديات المطروحة وطنيا وعالميا في ظل توجه الاستراتيجيات وتركيز الاهتمام على البيئة ومقاومة التلوث. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا عبر اعتماد الكفاءات المختصة في المجال وانتهاج سياسة خادمة للأهداف المسطرة".
كما اعتبر الخبير في البيئة والتصرف في النفايات، باعتباره متحصلا على الدكتوراه في علوم الأرض، أن عوامل عديدة وراء غياب المتابعة في هذا الملف منها غياب سياسة واضحة المعالم والأهداف فيما يتعلق بالقوانين والإجراءات الخاصة بمنح التراخيص والمراقبة والمتابعة والوقاية وتجديد التراخيص وغيرها، لأنه يرى أن مراجع القوانين المعمول بها في السياق وانتهاج منظومة مراقبة ومتابعة تسهل مهمة الشركات والمستثمرين العاملين في المجال، إضافة إلى مردودية ذلك في الحد من التلوث بهذه المواد الخطرة. لأنه يعتبر أن هذه النوعية من النفايات إذا لم يتم التعاطي معها بدقة من حيث طريقة تجميعها ورفعها في وقت وجيز ومعالجتها وفق الطرق العلمية المعمول بها فإنها تخلف تداعيات خطيرة على التربة والمائدة المائية وتتحلل في الهواء وتصدر روائح كريهة ويمكن أن تكون سببا في عديد الأمراض الخطيرة التي تنتقل للإنسان بطرق مختلفة.
رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة لـ"الصباح":إشكاليات وإخلالات ونقائص وهذه مقترحاتنا "المعلقة"
9 شركات تنشط في مجال تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية والصحية الخطرة
اعتبر قيس الديماسي، رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة في حديثه لـ"الصباح"، أن القطاع أصبح مهمّشا ويعاني من عديد الصعوبات والإشكاليات والإخلالات في تطبيق القانون المنظم للعمل والنشاط فيه من قبيل مختلف الجهات المتداخلة، الأمر الذي يجعل النفايات الطبية الخطرة اليوم أشبه "بقنبلة موقوتة" وفق توصيفه للوضع، تهدد بالقضاء على أسباب الحياة في حال عدم تحرك الجهات المعنية للقيام بالمراجعات المطلوبة لإصلاح القطاع وإزالة العراقيل والصعوبات التي تكبله.
وأفاد أن هناك 9 شركات تنشط في المجال مختصة في تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية والصحية الخطرة من بينها واحدة مختصة في الأدوية، خاصة أن القانون يسمح لهذه الشركات بالعمل في كامل جهات الجمهورية. لكن رغم ذلك يعتبر رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة، أن العدد غير كاف لتغطية الخدمات في المجال لاسيما بعد أن تضاعفت كميات النفايات الصحية في سنوات ما بعد أزمة "كوفيد 19" الصحية لتتضاعف الكميات وتصبح أكثر من 14 ألف طن سنويا، ووصلت في بعض الفترات إلى 16 ألف طن من النفايات الطبية الخطرة. وأضاف قائلا:"في ظل التغيرات والتطورات المسجلة في تونس والعالم في السنوات الأخيرة بشكل متسارع، إلا أن الجهات الرسمية لم تغير من سياستها وأدواتها في التعاطي مع هذا القطاع الحساس والخطير. فحافظت على نفس الآليات التي تجاوزها الزمن وظروف الراهنة ومستجداتها، والمتمثلة في تدني التسعيرة التي تعتمدها وزارة الصحة والتأخر في الخلاص، وغياب المتابعة الميدانية لأجهزة الرقابة، إضافة إلى النقص المسجل في مراقبة المصبات. فالقطاع أصبح اليوم مهمشا إلى أبعد الحدود بعد أن استطعنا تنظيمه في فترة "جائحة الكوفيد العالمية والمسؤولية تتحملها سلطة الإشراف لأن القوانين وآليات التعاطي مع القطاع في حاجة إلى المراجعة والتحيين اليوم أكثر من أي وقت مضى".
ويعتبر الديماسي أن القطاع مكبل اليوم بالإخلالات من قبيل أن شركات تحصل على تراخيص ولا تعمل وغياب التوازن في وجود الشركات بين الجهات وتخوف الجهات المعنية من أخذ أي قرار في ظل هشاشة المنظومة التي يصفها بـ"الملغومة" ولا تحمي القائمين عليها.
مقترحات ومطالب
كما أكد قيس الديماسي أن الغرفة التي يرأسها قدمت مقترحات ومبادرات للجهات الرسمية ضمنتها مقترحات تهدف لإيجاد حلول لبعض المسائل الشائكة التي يعاني منها القطاع على اعتبار أن الشركات المختصة في المجال هي ميدانية وعلى دراية بمواطن الخلل وطرق المراجعة والمعالجة، ولكن في المقابل لم يتم الأخذ بعين الاعتبار بذلك موضحا بالقول:"طالبنا الجهات المعنية بتشريكنا في الناقشات في صلب اللجنة المعنية والاستماع إلى مقترحاتنا ورؤيتنا لإصلاح القطاع ولكن دون تجاوب أو تفاعل في الغرض بل تواصل غلق باب الحوار والنقاش. وهذا الهروب إلى الأمام لا يمكنه أن يصلح القطاع بل سيساهم في تردي الوضع أكبر لاسيما في ظل التحديات المطروحة ي مجالات أخرى من شأنها أن تعمق أزمة النفايات الطبية الخطرة على غرار التغيرات المناخية وتوسع دوائر التلوث المناخي والبيئي وانتشار الفقر والبطالة وغلاء المعيشة"، وذلك في ظل الإقبال الكبير من قبل فئات واسعة من "البرباشة" على المصبات، باعتبارها مورد رزق عدد كبير من المواطنين.
الحد من التجاوزات الخطيرة
كما دعا رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة الجهات الرسمية إلى ضرورة مراجعة طرق إسناد التراخيص ومراجعة القانون المنظم للعملية وأضاف:"يجب مراعاة جملة من الشروط لمنح التراخيص لبعث شركات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة، وإحكام تنظيمها وحمايتها حتى لا تكون في يد "المافيات" التي لا هم لها سوى الربح المادي على غرار ما عرفته بعض البلدان في العالم من بينها إيطاليا وتداعيات ذلك على أصعدة مختلفة. فالوعي والتكوين والمراقبة والمتابعة والعمل على تكريس تطبيق القانون والالتزام به ضرورية لضمان طرق سليمة في التعاطي مع هذا القطاع الخطير".
إذ يعتبر قيس الديماسي أن دور الغرفة أو الشركات المختصة في تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة، باعتباره مستثمرا في المجال، هو صحة عمومية أكثر منه نظافة وحماية المحيط والبيئة. وذلك من خلال فرض التزام هذه الشركات بالقوانين المنظمة لعملها وتوفير التجهيزات و"الماكينات" اللازمة. مضيفا: "قبل أزمة الكورونا كان معدل الكميات في حدود 7 أو 8 ألف طن من النفايات الطبية الخطرة وكانت جل الشركات تعتمد ماكينات خاص 500 طن ولكن بعد هذه الأزمة تضاعفت الكميات. الأمر الذي يجعل الشركات في حاجة إلى اقتناء "ماكينات ذات سعة أكبر وهي في الحقيقة مسألة مكلفة جدا، وهو ما يفتح المجال للقيام بتجاوزات من شأنها أن تؤثر على صحة الموطنين والمحيط". واعتبر في تدني التسعيرة التي تعتمدها وزارة الصحة وغيرها من العوامل الأخرى من العوامل المغذية للتجاوزات، من قبيل خلط كمية معالجة بأخرى غير معالجة ورميها في المصبات دون مبالاة بخطورة ذلك على صحة "البرباشة" بالأساس ويأتي المحيط والبيئة في درجة ثانية لأن الأهم بالنسبة لي هو صحة المواطن".
وأفاد أن الغرفة قدمت مقترحا للجهات المعنية تهدف للتقليص في عدد الإصابات بعدوى الأمراض من المصبات على غرار "التهاب الكبد".
الرقمنة
كما اعتبر رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة، أن الرقمنة واعتماد التكنولوجيات الحديثة تعد أحد العوامل الأساسية لإصلاح وتنظيم القطاع ومراقبته ومتابعته وتيسير مهمة كل الأطراف المتداخلة فيه وحمايتهم في نفس الوقت.