حرصت الهيئة المديرة لمهرجان ربيع الفنون بالقيروان بإدارة الشاعرة الكبيرة جميلة الماجري على تأكيد الثوابت التي تأسس من أجلها هذا المهرجان سنة1995 من خلال محطات ثقافية تقطع مع التهريج والسطحية، والانتصار لفكر ثقافي إبداعي يحلل ويناقش ويؤسس ويطور لما فيه إضافة معتبرة وتأكيد على الهوية التونسية الوطنية ... فكر متحرر طموح يتطلع إلى معانقة الشمس.
ويُعد المجلس الثقافي أحد أبرز المحطات التي تضمنتها الدورة 26 لمهرجان ربيع الفنون بالقيروان الذي انطلقت فعالياته الجمعة الماضي وكان الاختتام مساء أمس الثلاثاء .
وقد فتح المجلس الثقافي في أولى جلساته عشية السبت الماضي ملف "علاقة صناع الأغنية من ملحنين ومغنين وموزعين ومنتجين بالشعر والشعراء"...نشط هذه الجلسة التي تابعها جمهور محترم الإعلامي عماد الزرقا وشارك فيها الشاعران الجليدي العويني ولطفي عبدالواحد بمداخلتين قيمتين.
الجليدي العويني.. أروقة شاهقة فصلت بين المجالات الفنية
في مداخلته طرح الشاعر الجليدي العويني سؤالا جوهريا حول من يبادر بالذهاب إلى الآخر الموسيقي أم الشاعر؟ وحاول الإجابة عنه بقراءة تاريخية بين في أولها أن كل من الموسيقى والشعر يحتاجان لبعضهما ويتكاملان فيما بينها غير أن عوائق ما تجعل التقارب بين مبدعيهما صعبا وفي قراءة تاريخية بين الجليدي العويني أن مغني الارياف القديم " الأديب" كان يصنع دندنته بنفسه حيث أن جملة من القوالب اللحنية الجاهزة يحمّلها كلماته حسب قالبه الشعري ( موقف او ملزومة..)
أما موسيقيو المدينة – والكلام للشاعر الجليدي العويني - فكانوا يصنعون كلماتهم فيما بينهم في العشريات واشتهر عازفون شعراء مثل "اشير المزراحي "الذي كتب ولحن "يا ناس هملت وعملت الرحلة " و قاستون بشيري والشيخ العفريت كما كانا يأخذان من قصائد "الغناية" الذين كانوا يفدون على العاصمة أو يقيمون بها ومن هذا المصدر جاءت أغان مثل "ليام كيف الريح "و"كحلة لهذاب"و"ريتوش خديجة"... الخ ، حتى ظهرت في الثلاثينات مدرستان متجاورتان متكاملتان وهما جماعة تحت السور التي كان من ضمنها شعراء ومجموعة من الموسيقيين والمطربين والمطربات أمثال الهادي الجويني والصادق ثريّا وصالح الخميسي وحسيبة رشدي وفتحيّة خيري وخميس ترنان ومحمد التريكي، والمؤسسة الثانية الرشيدية حيث النادي الأدبي بجانب النادي الموسيقي آو الفرقة، و من الذين حضروا الاجتماع التأسيسي الأول للرشيدية إلى جانب الموسيقيين شعراء مثل العربي الكبادي ومصطفى آغا، الشاذلي خزندار، محمود بورقيبة، جلال الدين النقاش، علي الشراد، الطاهر القصّار..). وهو ما يسر التعاون فيما بينهم وافرز إرثا غنائيا عظيما ..هذا التقارب التاريخي تراجع بعد ظهور فرقة الإذاعة و ظهور وظيفة مؤلف أغان مختص في كتابة ما تتطلبه المرحلة السياسية من رسائل. وقد ارتفعت بذلك الأروقة الفاصلة بين المجالات الفنية وصعب التواصل في غياب المجالس المشتركة حتى عدنا في المرحلة الحالية الى النقطة الأولى ممثلة في مغني " الراب" الذي يكتب لنفسه ويضع ما كتبه في قوالب موسيقية مكررة مثلما كان يفعل الأديب البدوي منذ أكثر من قرن.
لطفي عبد الواحد.. اعتبار الإبداع الموسيقي عملا تشاركيا
في مداخلته أشار الشاعر لطفي عبد الواحد أن العلاقة بين صناع الأغنية والشعراء لها أكثر من وجه وتطرح عدة تساؤلات للتوصل الي تقييمها في الواقع للوصول إلى تقديم بعض المقترحات والحلول مؤكدا على العلاقة المتينة بين الشعر والغناء منذ القدم في تراثنا العربي والإسلامي وفي عصرنا الحديث وإن هذه العلاقات كلما كانت متينة متواصلة أنتجت أعمالا فنية جيدة وأشار إلى العلاقة التي نشأت بين الفنانين والشعراء المنتسبين لجماعة تحت السور في ثلاثينيات القرن الماضي في بلادنا.
ولاحظ لطفي عبد الواحد في مداخلته أن الفنانين من الشعراء في بلادنا قل أو ضعف التواصل بينهم ووجه في هذا المجال الدعوة إلي ضرورة توفر فرص للتلاقي والتعاون خدمة للفن التونسي ودعا المحاضر إلى المزيد من العناية بالأغنية التونسية وطابعها في ضوء هيمنة الموسيقى الشرقية والخليجية ودعوة وسائل الإعلام وخاصة الإذاعات العامة والخاصة إلى واجب بث الأغاني التونسية وتربية الناشئة علي الاستماع إليها وتذوقها وإيجاد نوع من التوازن في بث أنواع الإنتاج الغنائي التونسي ودعم المهرجانات الثقافية الفنية وتشجيع المواهب الفنية وخلق تنافس من شأنه أن يساهم في تطوير الأغنية التونسية وجعلها أكثر قدرة على المنافسة والانتشار في العالم عبر وسائل التواصل الحديثة باعتبار أن العمل الغنائي والموسيقى عملا تشاركيا بين الشاعر والملحن والمغني وتمكين كتاب الأغنية من حقوقهم المادية والمعنوية وضرورة أن يرتبط ذكر الملحن والمغني بذكر الشاعر صاحب الكلمات..
وقد تركز نقاش الحضور على سلبيات التقوقع على الذات حيث يكاد ينعدم اطلاع الموسيقيين على الدواوين الشعرية و ندرة العلاقة بين الشعراء والرسامين والسينمائيين، عدى تجارب قليلة منها محاولة تأسيس مجالس تواصل بين مبدعي مختلف المجالات..
محسن بن احمد
حرصت الهيئة المديرة لمهرجان ربيع الفنون بالقيروان بإدارة الشاعرة الكبيرة جميلة الماجري على تأكيد الثوابت التي تأسس من أجلها هذا المهرجان سنة1995 من خلال محطات ثقافية تقطع مع التهريج والسطحية، والانتصار لفكر ثقافي إبداعي يحلل ويناقش ويؤسس ويطور لما فيه إضافة معتبرة وتأكيد على الهوية التونسية الوطنية ... فكر متحرر طموح يتطلع إلى معانقة الشمس.
ويُعد المجلس الثقافي أحد أبرز المحطات التي تضمنتها الدورة 26 لمهرجان ربيع الفنون بالقيروان الذي انطلقت فعالياته الجمعة الماضي وكان الاختتام مساء أمس الثلاثاء .
وقد فتح المجلس الثقافي في أولى جلساته عشية السبت الماضي ملف "علاقة صناع الأغنية من ملحنين ومغنين وموزعين ومنتجين بالشعر والشعراء"...نشط هذه الجلسة التي تابعها جمهور محترم الإعلامي عماد الزرقا وشارك فيها الشاعران الجليدي العويني ولطفي عبدالواحد بمداخلتين قيمتين.
الجليدي العويني.. أروقة شاهقة فصلت بين المجالات الفنية
في مداخلته طرح الشاعر الجليدي العويني سؤالا جوهريا حول من يبادر بالذهاب إلى الآخر الموسيقي أم الشاعر؟ وحاول الإجابة عنه بقراءة تاريخية بين في أولها أن كل من الموسيقى والشعر يحتاجان لبعضهما ويتكاملان فيما بينها غير أن عوائق ما تجعل التقارب بين مبدعيهما صعبا وفي قراءة تاريخية بين الجليدي العويني أن مغني الارياف القديم " الأديب" كان يصنع دندنته بنفسه حيث أن جملة من القوالب اللحنية الجاهزة يحمّلها كلماته حسب قالبه الشعري ( موقف او ملزومة..)
أما موسيقيو المدينة – والكلام للشاعر الجليدي العويني - فكانوا يصنعون كلماتهم فيما بينهم في العشريات واشتهر عازفون شعراء مثل "اشير المزراحي "الذي كتب ولحن "يا ناس هملت وعملت الرحلة " و قاستون بشيري والشيخ العفريت كما كانا يأخذان من قصائد "الغناية" الذين كانوا يفدون على العاصمة أو يقيمون بها ومن هذا المصدر جاءت أغان مثل "ليام كيف الريح "و"كحلة لهذاب"و"ريتوش خديجة"... الخ ، حتى ظهرت في الثلاثينات مدرستان متجاورتان متكاملتان وهما جماعة تحت السور التي كان من ضمنها شعراء ومجموعة من الموسيقيين والمطربين والمطربات أمثال الهادي الجويني والصادق ثريّا وصالح الخميسي وحسيبة رشدي وفتحيّة خيري وخميس ترنان ومحمد التريكي، والمؤسسة الثانية الرشيدية حيث النادي الأدبي بجانب النادي الموسيقي آو الفرقة، و من الذين حضروا الاجتماع التأسيسي الأول للرشيدية إلى جانب الموسيقيين شعراء مثل العربي الكبادي ومصطفى آغا، الشاذلي خزندار، محمود بورقيبة، جلال الدين النقاش، علي الشراد، الطاهر القصّار..). وهو ما يسر التعاون فيما بينهم وافرز إرثا غنائيا عظيما ..هذا التقارب التاريخي تراجع بعد ظهور فرقة الإذاعة و ظهور وظيفة مؤلف أغان مختص في كتابة ما تتطلبه المرحلة السياسية من رسائل. وقد ارتفعت بذلك الأروقة الفاصلة بين المجالات الفنية وصعب التواصل في غياب المجالس المشتركة حتى عدنا في المرحلة الحالية الى النقطة الأولى ممثلة في مغني " الراب" الذي يكتب لنفسه ويضع ما كتبه في قوالب موسيقية مكررة مثلما كان يفعل الأديب البدوي منذ أكثر من قرن.
لطفي عبد الواحد.. اعتبار الإبداع الموسيقي عملا تشاركيا
في مداخلته أشار الشاعر لطفي عبد الواحد أن العلاقة بين صناع الأغنية والشعراء لها أكثر من وجه وتطرح عدة تساؤلات للتوصل الي تقييمها في الواقع للوصول إلى تقديم بعض المقترحات والحلول مؤكدا على العلاقة المتينة بين الشعر والغناء منذ القدم في تراثنا العربي والإسلامي وفي عصرنا الحديث وإن هذه العلاقات كلما كانت متينة متواصلة أنتجت أعمالا فنية جيدة وأشار إلى العلاقة التي نشأت بين الفنانين والشعراء المنتسبين لجماعة تحت السور في ثلاثينيات القرن الماضي في بلادنا.
ولاحظ لطفي عبد الواحد في مداخلته أن الفنانين من الشعراء في بلادنا قل أو ضعف التواصل بينهم ووجه في هذا المجال الدعوة إلي ضرورة توفر فرص للتلاقي والتعاون خدمة للفن التونسي ودعا المحاضر إلى المزيد من العناية بالأغنية التونسية وطابعها في ضوء هيمنة الموسيقى الشرقية والخليجية ودعوة وسائل الإعلام وخاصة الإذاعات العامة والخاصة إلى واجب بث الأغاني التونسية وتربية الناشئة علي الاستماع إليها وتذوقها وإيجاد نوع من التوازن في بث أنواع الإنتاج الغنائي التونسي ودعم المهرجانات الثقافية الفنية وتشجيع المواهب الفنية وخلق تنافس من شأنه أن يساهم في تطوير الأغنية التونسية وجعلها أكثر قدرة على المنافسة والانتشار في العالم عبر وسائل التواصل الحديثة باعتبار أن العمل الغنائي والموسيقى عملا تشاركيا بين الشاعر والملحن والمغني وتمكين كتاب الأغنية من حقوقهم المادية والمعنوية وضرورة أن يرتبط ذكر الملحن والمغني بذكر الشاعر صاحب الكلمات..
وقد تركز نقاش الحضور على سلبيات التقوقع على الذات حيث يكاد ينعدم اطلاع الموسيقيين على الدواوين الشعرية و ندرة العلاقة بين الشعراء والرسامين والسينمائيين، عدى تجارب قليلة منها محاولة تأسيس مجالس تواصل بين مبدعي مختلف المجالات..