قبل شهرين تقريبا، تمت إثارة مشروع تحويل البريد التونسي الى بنك عمومي بين نواب البرلمان في علاقة بأهميته في الحد من الإقصاء المالي وتعزيز الاندماج المالي، ليعود من جديد بحر الأسبوع المنقضي في جلسة عامة تحت قبة مجلس النواب النقاش من جديد، بعد مطالبة عدد من النواب بتركيز بنك بريدي، لكن موقف الحكومة كان قد راوح بين أهمية هذا المشروع وبين صعوبة تفعيله في الوقت الراهن مما يبعث على الكثير من التساؤلات بين التونسيين بشأن ما تتجه إليه الدولة في خصوص هذا المشروع..
فاليوم، كشفت العديد من الدراسات وآراء المراقبين الماليين والاقتصاديين أهمية هذا المشروع في علاقة بالمواطن من جهة وبالدولة ومساهمته في دعم ميزانيتها من جهة ثانية، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تأخذه بعد على محمل الجد وبقي فكرة تطالب بها عديد الجهات المدنية والرقابية حتى تمت إثارته مؤخرا بمطلب رسمي تقدم به عدد من نواب الشعب لوزيرة المالية..
الحكومة تحسم أمرها في علاقة بالمشروع
من جهتها، أكدت وزيرة المالية، سهام البوغديري نمصية، أن إحداث البنك البريدي، يعد مسألة إستراتيجية، مستدركة أنه لا يمكن البت فيها على مستوى مشروع القانون المتعلق بمكافحة الإقصاء المالي، باعتبار أنه يجب النظر في هذا الموضوع في إطار رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار أهمية موارد الادخار بالنسبة للمالية العمومية وإستراتيجية تطوير القطاع البنكي والمالي وأهمية الخدمات البريدية بالإضافة إلى تموقع البريد في قطاع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات. حسب تعبيرها..
كما أضافت نمصية، ردا على مقترح تقدم به نواب الشعب بإحداث بنك بريدي بالنظر إلى دوره الأساسي في إنجاح مشروع هذا القانون، أنه عِلاوة على مستوى الإجراءات، فإن إحداث بنك أو تحويل مؤسسة إلى مؤسسة بنكية، يخضع إلى ترخيص لجنة التراخيص بالبنك المركزي، التي تعمل وفقا لإجراءات القانون المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية.
وأشارت الوزيرة لاقناع النواب في ذات السياق، بأن البريد التونسي مؤسسة عمومية مكلفة بتسيير صندوق الادخار الوطني التونسي لفائدة خزينة الدولة، وإيداعات الحرفاء مضمونة لدى البريد التونسي وهي موضوعة على ذمّة حساب الخزينة وهي مصدر رئيسي لتمويل ميزانية الدولة.
واعتبرت في مجمل تدخلها أن هذا الملف قابل للدرس في إطار الرؤية المذكورة بتشريك كُلّ الأطراف المتداخلة مع الأخذ بعين الاعتبار للآثار السلبية على التوازنات المالية خاصة في هذا الظرف الدقيق، هذا الموقف الذي يعبر في النهاية عن موقف الحكومة تجاه هذا المشروع وهو ما يؤكد أنه سيأخذ مزيدا من الوقت لتنفيذه..
من جهة أخرى، لا يمكن أن ننسى موقف البنوك الخاصة الرافض لهذا المشروع لأنه سيعزز القطاع البنكي العمومي، الأكثر ثقة لدى التونسيين مما سيوسع دائرة المنافسة مستقبلا وقد يستقطب حجما كبيرا من الفئات المستهدفة خاصة أن هدف المشروع النهوض بالمناطق الداخلية، ودعم المشاريع التنموية في العديد من الولايات الداخلية، فضلا عن النهوض بالواقع المعيشي للعديد من المواطنين، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي خلال السنوات القادمة، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الظرفية التي تمر بها البلاد.
والحال أن البنوك التقليدية اليوم حادت عن دورها المشجع على التنمية وأصبحت تتجه نحو إقراض الدولة لانخفاض المخاطر المالية، مما أثر على المؤسسة التونسية وعلى الأفراد وقد يكون بنك البريد التونسي الحل أمامهم في الأيام القادمة..
كما مازالت إشكالية تقاضي البنوك التونسية للعمولات والفوائض تثير جدلا واسعا بين التونسيين، وتطالب العديد من الجهات بتغيير بعض مقتضيات القانون المنظم لنشاط البنوك والمؤسسات المالية، خاصة في مجال التراخيص، والعمليات البنكية، وحوكمة البنوك، إذ تتقاضى البنوك التونسية شهريا 83 دينارا على كل حساب بنكي بعنوان عمولات وفوائض، في حين بلغت قيمة العمولات والفوائض التي تقاضتها البنوك التونسية في عام 2022 حوالي 4.364 مليون دينار، وهو الأمر الذي يدفع بشدة لتحويل مؤسسة البريد التونسي الى بنك.
دراسات تؤكد بالأرقام أهمية المشروع
وحول هذا المشروع الذي يظل الأبرز في منظومة القطاع البنكي في تونس، نعود الى الدراسة التي قام بها المختص المالي حبيب كاراولي في سنة 2017 ، حول تقديم رؤية عامة للقطاع البنكي في تونس، وتقييم وضع السوق البنكي والرهانات التي ستواجهها المؤسسات البنكية لا سيما العمومية منها، خلال العشرية القادمة، والتي فيها مقترح إنشاء قطب بنكي عمومي متكامل في خدمة المشاريع والمؤسسات الصغرى والمتوسطة في جميع مراحل حياتها في تمويل الابتكار وفي تمويل المشاريع في المناطق ذات الأولوية وفي تدعيم المؤسسات التونسية في عمليتها الخارجية.
وبالتالي فإن إمكانية ضم البريد التونسي الى هذا القطب البنكي والذراع البنكي للدولة، ستكون له آثار إيجابية على توازنات البلاد المالية من جهة، وعلى واقع التنمية من جهة ثانية..
كما يمكن أن نقف عند الدراسة الأخيرة التي نشرها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، الراجع بالنظر لرئاسة الجمهورية، والتي أكد من خلالها المعهد على فوائد تحويل البريد التونسي إلى بنك، وذلك من خلال تعزيز الإدماج المالي حيث يزور 700 ألف تونسي مكاتب البريد يوميًا، وتمتلك المؤسسة 6.3 مليون حساب ادخار و8.1 مليون حساب بريدي جاري، وتناهز قيمة موجوداتها 13 مليار دينار. ويقدر معدل رصيد حساب الادخار في البريد التونسي بحوالي 2200 دينار، مما يُمكنه من لعب دور هام في مجال التمويل الصغير وإقراض الحرفاء بشكل عام.
وأكدت الدراسة من جهة أخرى على أن تحقيق نقلة نوعية مالية في مؤسسة البريد التونسي يتطلب تطوير مناهج العمل من خلال الاستئناس بالتجارب الدولية الناجحة في هذا المجال، وتعزيز حوكمة المؤسسة لضمان كفاءة وشفافية عملها.
ويُعد تحويل البريد التونسي إلى بنك فرصة هامة لتعزيز الإدماج المالي والحد من الاقتصاد غير المنظم ومساعدة الفئات الهشة على النفاذ إلى التمويل، وذلك بشرط تطوير مناهج العمل ودعم حوكمة المؤسسة.
وتبقى أهمية هذا المشروع تقنية وغير ملموسة الى حد اليوم، حتى يتم الفصل فيه بصفة جدية من قبل الحكومة عبر توفير كل آليات تفعيله على أرض الواقع لتتحقق أهدافه المتفق بشأنها بين المراقبين الاقتصاديين وأهمها النهوض بالمناطق الداخلية، ودعم المشاريع التنموية في العديد من الولايات الداخلية، فضلا عن النهوض بالواقع المعيشي للعديد من المواطنين، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي خلال السنوات القادمة..
تونس-الصباح
وفاء بن محمد
قبل شهرين تقريبا، تمت إثارة مشروع تحويل البريد التونسي الى بنك عمومي بين نواب البرلمان في علاقة بأهميته في الحد من الإقصاء المالي وتعزيز الاندماج المالي، ليعود من جديد بحر الأسبوع المنقضي في جلسة عامة تحت قبة مجلس النواب النقاش من جديد، بعد مطالبة عدد من النواب بتركيز بنك بريدي، لكن موقف الحكومة كان قد راوح بين أهمية هذا المشروع وبين صعوبة تفعيله في الوقت الراهن مما يبعث على الكثير من التساؤلات بين التونسيين بشأن ما تتجه إليه الدولة في خصوص هذا المشروع..
فاليوم، كشفت العديد من الدراسات وآراء المراقبين الماليين والاقتصاديين أهمية هذا المشروع في علاقة بالمواطن من جهة وبالدولة ومساهمته في دعم ميزانيتها من جهة ثانية، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تأخذه بعد على محمل الجد وبقي فكرة تطالب بها عديد الجهات المدنية والرقابية حتى تمت إثارته مؤخرا بمطلب رسمي تقدم به عدد من نواب الشعب لوزيرة المالية..
الحكومة تحسم أمرها في علاقة بالمشروع
من جهتها، أكدت وزيرة المالية، سهام البوغديري نمصية، أن إحداث البنك البريدي، يعد مسألة إستراتيجية، مستدركة أنه لا يمكن البت فيها على مستوى مشروع القانون المتعلق بمكافحة الإقصاء المالي، باعتبار أنه يجب النظر في هذا الموضوع في إطار رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار أهمية موارد الادخار بالنسبة للمالية العمومية وإستراتيجية تطوير القطاع البنكي والمالي وأهمية الخدمات البريدية بالإضافة إلى تموقع البريد في قطاع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات. حسب تعبيرها..
كما أضافت نمصية، ردا على مقترح تقدم به نواب الشعب بإحداث بنك بريدي بالنظر إلى دوره الأساسي في إنجاح مشروع هذا القانون، أنه عِلاوة على مستوى الإجراءات، فإن إحداث بنك أو تحويل مؤسسة إلى مؤسسة بنكية، يخضع إلى ترخيص لجنة التراخيص بالبنك المركزي، التي تعمل وفقا لإجراءات القانون المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية.
وأشارت الوزيرة لاقناع النواب في ذات السياق، بأن البريد التونسي مؤسسة عمومية مكلفة بتسيير صندوق الادخار الوطني التونسي لفائدة خزينة الدولة، وإيداعات الحرفاء مضمونة لدى البريد التونسي وهي موضوعة على ذمّة حساب الخزينة وهي مصدر رئيسي لتمويل ميزانية الدولة.
واعتبرت في مجمل تدخلها أن هذا الملف قابل للدرس في إطار الرؤية المذكورة بتشريك كُلّ الأطراف المتداخلة مع الأخذ بعين الاعتبار للآثار السلبية على التوازنات المالية خاصة في هذا الظرف الدقيق، هذا الموقف الذي يعبر في النهاية عن موقف الحكومة تجاه هذا المشروع وهو ما يؤكد أنه سيأخذ مزيدا من الوقت لتنفيذه..
من جهة أخرى، لا يمكن أن ننسى موقف البنوك الخاصة الرافض لهذا المشروع لأنه سيعزز القطاع البنكي العمومي، الأكثر ثقة لدى التونسيين مما سيوسع دائرة المنافسة مستقبلا وقد يستقطب حجما كبيرا من الفئات المستهدفة خاصة أن هدف المشروع النهوض بالمناطق الداخلية، ودعم المشاريع التنموية في العديد من الولايات الداخلية، فضلا عن النهوض بالواقع المعيشي للعديد من المواطنين، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي خلال السنوات القادمة، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الظرفية التي تمر بها البلاد.
والحال أن البنوك التقليدية اليوم حادت عن دورها المشجع على التنمية وأصبحت تتجه نحو إقراض الدولة لانخفاض المخاطر المالية، مما أثر على المؤسسة التونسية وعلى الأفراد وقد يكون بنك البريد التونسي الحل أمامهم في الأيام القادمة..
كما مازالت إشكالية تقاضي البنوك التونسية للعمولات والفوائض تثير جدلا واسعا بين التونسيين، وتطالب العديد من الجهات بتغيير بعض مقتضيات القانون المنظم لنشاط البنوك والمؤسسات المالية، خاصة في مجال التراخيص، والعمليات البنكية، وحوكمة البنوك، إذ تتقاضى البنوك التونسية شهريا 83 دينارا على كل حساب بنكي بعنوان عمولات وفوائض، في حين بلغت قيمة العمولات والفوائض التي تقاضتها البنوك التونسية في عام 2022 حوالي 4.364 مليون دينار، وهو الأمر الذي يدفع بشدة لتحويل مؤسسة البريد التونسي الى بنك.
دراسات تؤكد بالأرقام أهمية المشروع
وحول هذا المشروع الذي يظل الأبرز في منظومة القطاع البنكي في تونس، نعود الى الدراسة التي قام بها المختص المالي حبيب كاراولي في سنة 2017 ، حول تقديم رؤية عامة للقطاع البنكي في تونس، وتقييم وضع السوق البنكي والرهانات التي ستواجهها المؤسسات البنكية لا سيما العمومية منها، خلال العشرية القادمة، والتي فيها مقترح إنشاء قطب بنكي عمومي متكامل في خدمة المشاريع والمؤسسات الصغرى والمتوسطة في جميع مراحل حياتها في تمويل الابتكار وفي تمويل المشاريع في المناطق ذات الأولوية وفي تدعيم المؤسسات التونسية في عمليتها الخارجية.
وبالتالي فإن إمكانية ضم البريد التونسي الى هذا القطب البنكي والذراع البنكي للدولة، ستكون له آثار إيجابية على توازنات البلاد المالية من جهة، وعلى واقع التنمية من جهة ثانية..
كما يمكن أن نقف عند الدراسة الأخيرة التي نشرها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، الراجع بالنظر لرئاسة الجمهورية، والتي أكد من خلالها المعهد على فوائد تحويل البريد التونسي إلى بنك، وذلك من خلال تعزيز الإدماج المالي حيث يزور 700 ألف تونسي مكاتب البريد يوميًا، وتمتلك المؤسسة 6.3 مليون حساب ادخار و8.1 مليون حساب بريدي جاري، وتناهز قيمة موجوداتها 13 مليار دينار. ويقدر معدل رصيد حساب الادخار في البريد التونسي بحوالي 2200 دينار، مما يُمكنه من لعب دور هام في مجال التمويل الصغير وإقراض الحرفاء بشكل عام.
وأكدت الدراسة من جهة أخرى على أن تحقيق نقلة نوعية مالية في مؤسسة البريد التونسي يتطلب تطوير مناهج العمل من خلال الاستئناس بالتجارب الدولية الناجحة في هذا المجال، وتعزيز حوكمة المؤسسة لضمان كفاءة وشفافية عملها.
ويُعد تحويل البريد التونسي إلى بنك فرصة هامة لتعزيز الإدماج المالي والحد من الاقتصاد غير المنظم ومساعدة الفئات الهشة على النفاذ إلى التمويل، وذلك بشرط تطوير مناهج العمل ودعم حوكمة المؤسسة.
وتبقى أهمية هذا المشروع تقنية وغير ملموسة الى حد اليوم، حتى يتم الفصل فيه بصفة جدية من قبل الحكومة عبر توفير كل آليات تفعيله على أرض الواقع لتتحقق أهدافه المتفق بشأنها بين المراقبين الاقتصاديين وأهمها النهوض بالمناطق الداخلية، ودعم المشاريع التنموية في العديد من الولايات الداخلية، فضلا عن النهوض بالواقع المعيشي للعديد من المواطنين، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي خلال السنوات القادمة..