إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

التضامن القطاعي و"فوضى" العمل النقابي..؟

التضامن القطاعي جزء من التضامن الاجتماعي .. !

بقلم: ريم بالخذيري

مع كل حالة احتقان اجتماعي أو حادثة مهنية معزولة تفرز ظاهرة ملفتة عادة ما يساء استعمالها في تونس وهي التضامن القطاعي الأعمى وكم تضرّر المواطنون في نقلهم وعلاجهم وتعليم أبنائهم لمجرّد إيقاف سائق قطار أو إحالة مربّي على مجلس التأديب واعتداء فردي على إطار طبي أو شبهه. فحادثة بسيطة تساوي إضراب قطاع كامل من منطلق "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما". وأكثر الإضرابات التي حدثت لا علاقة لها بمطالب مهنية.

و لئن انحسرت تقريبا هذه الظاهرة تقريبا منذ 25 جويلية 2021 الاّ أنها عادت بقوّة مريبة هذا الأسبوع عبر المحامين الذين أضربوا وندّدوا وصعّدوا بسبب قضية في الأصل لا تعنيهم بل تعني الإعلام و حرية الإعلام من خلال قضية الكرونيكيز سنية الدهماني.

لكلّ هذا نجد أنفسنا في حاجة الى إعادة فهم التضامن القطاعي والعمل النقابي وفق المعايير الدولية والوطنية حتى تحافظ هذه المكاسب على نجاعتها وألّا تتحوّل الى معاول هدم و أسلحة فتاكة تضرّ مستعمليها قبل الآخرين.

مفهوم التضامن القطاعي

التضامن القطاعي يشير إلى التعاون والتكافل بين مختلف القطاعات في المجتمع، سواء كان ذلك بين الأفراد أو المؤسسات. يهدف إلى تحقيق مصالح مشتركة وتقديم الدعم للمحتاجين. يعتبر التضامن القطاعي جزءًا من التضامن الاجتماعي الذي يسهم في استقرار المجتمعات وتقدمها.

يُشجّع على التضامن والتعاون بين المسلمين لتحقيق الخير والعدالة.

من هنا يبدو واضحا أنّ مفهوم التضامن القطاعي في تونس حاد عن مفهومه وتحوّل الى سلاح تشهره نقابات وهيئات لحماية المخالفين وتعطيل العدالة وحتى التهرب من المحاسبة .

والمجال هنا لا يسمح بتعداد الجرائم التي تم حماية مرتكبيها باسم التضامن القطاعي خاصة في السنوات الأولى بعد 2011 والتي كانت الدولة مستسلمة لسطوة القطاعات هي من تقرّر الزيادات في المرتبات وتحدد مقاييس الترقيات وهو ثمن لا تزال تدفعه المالية العمومية والشعب التونسي الى اليوم خاصة فيما يتعلّق بالزيادات الكبيرة في الأجور والترقيات والامتيازات وفي الوظائف العشوائية والشركات التي لا انتاج ولا مردودية اقتصادية لها على غرار شركات البستنة .

ان منطق الأشياء يفرض عدم التستر على المخالفين وعدم حماية المفسدين والمطلوبين للعدالة وكل قطاع لابدّ أن يحترم مختلف الأجهزة التي يتعامل معها ويحترم طبيعة التنظم الذي يحكمه. وهو جوهر العمل النقابي بكل المعايير الدولية.

مفهوم العمل النقابي

كما أسلفنا الذكر يبدو أن العديد منا والنقابيون أنفسهم نسوا مفهوم العمل النقابي وحدوده بحكم فوضى الإضرابات وتداخل السياسي بالنقابي بالاجتماعي .

  يقوم العمل النقابي على فكرة اجتماع أعضاء النقابات معًا لنقاش المستجدات أو أي مشاكل يواجهها العمال، ومن القضايا الرئيسية التي يتناولها العمل النقابي وهي في صلب اختصاصه لا تتعداه:

الأجور، والسلامة في العمل، وطريقة المعاملة بين صاحب العمل والعمال ورفع الظلم البيّن المسلّط على العمّال وحمايتهم من بيئات العمل الشاق والعمل على تحسين ظروف العمل الخطرة والدفاع عن حقوقهم ومنع تعرضهم للظلم أو عدم المساواة.

المحامون و"السقطة" الكبرى !

ما حدث هذا الأسبوع في قطاع المحاماة وتحديدا في دار المحامي أعاد التضامن القطاعي الى السطح وفقد المحامون الكثير من التعاطف معهم .فالإضراب العام ليوم واحد لديه كلفته الباهظة وقرار مقاطعة باحث البداية لغاية 21 ماي فيه ضياع لحقوق المتقاضين.فالحاجة متبادلة بين الطرفين ولا فضل لأحد على الآخر.

ومن المفترض الّا يضرب المحامون عن العمل فهم ليسوا أحرارا في ذلك طالما لديهم ملفات وقضايا لا تحتمل التأخير بحوزتهم و مصائر المتقاضين بين أيديهم.

ولهذا فالعديدون وصفوا هذا الإضراب بأنه قرار عشوائي وتضامن قطاعي اعمى لا يليق ولا يقبل وفيه إخلال ببنود العقد بين المحامي والمتقاضي.

المحامون في تونس يبدو أنهم أشعلوا شرارة أزمة نخشى أن تحرق القطاع برمته ويكون الجميع فيه خاسرون فسقوط هذا الصرّح الكبير الذي كان له دور تاريخي في بلادنا يعدّ خسارة كبرى ولابدّ بالإسراع من تطويق الأزمة التي ولدت أزمات أخرى سيصعب السيطرة عليها في ظل غياب صوت الحكمة والحوار الهادئ.

المحامون يبررون غضبهم بسبب اقتحام الأمن لمقر دار المحامي لتنفيذ بطاقة جلب في حق محامية مطلوبة للعدالة وهو خطأ اعتبره الكثير ما وجب له أن يكون من المحامين وكان من الممكن ان يقف الأمر عند هذا الحد ويأخذ القانون من أهل القانون مجراه. لكن الأمور تعقدّت من جديد في بهو المحكمة حينما تمّ جلب الدهماني للتحقيق معها في المرة الأولى وتمّ الاعتداء على أعوان أمن من طرف محامين وفق الرواية الأمنية ويكرر المحامي المطلوب نفس الخطأ بالاحتماء بدار المحامي فيكون الاقتحام الثاني واقتياده الى مركز الأمن وكان أيضا ممكنا تجنب هذا الاقتحام .

المحاماة مهنة مقدسة وهي أحد أهم ركائز المجتمع ووجب أن تكون قوّة اقتراح وتخوض نضالها المهني فقط بعيدا عن كل تسييس أو تجييش . كما أن هذه الأزمة لن تحلّ بالتصعيد من الجانبين ولابدّ من الحوار ومحاسبة كل من تسبب فيها .

لكن عسى أن تكون هذه الأزمة فرصة لإعادة صياغة المثل السامية للمحاماة في ذهن كثير من المحامين فهم ليسوا فوق القانون ولا تحته .

هم مواطنون كبقية التونسيين يحكمهم ويحتكمون لقانون واحد وتخضع له جميع القطاعات .

 

 

 

 

 

 

 

 

التضامن القطاعي و"فوضى" العمل النقابي..؟

التضامن القطاعي جزء من التضامن الاجتماعي .. !

بقلم: ريم بالخذيري

مع كل حالة احتقان اجتماعي أو حادثة مهنية معزولة تفرز ظاهرة ملفتة عادة ما يساء استعمالها في تونس وهي التضامن القطاعي الأعمى وكم تضرّر المواطنون في نقلهم وعلاجهم وتعليم أبنائهم لمجرّد إيقاف سائق قطار أو إحالة مربّي على مجلس التأديب واعتداء فردي على إطار طبي أو شبهه. فحادثة بسيطة تساوي إضراب قطاع كامل من منطلق "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما". وأكثر الإضرابات التي حدثت لا علاقة لها بمطالب مهنية.

و لئن انحسرت تقريبا هذه الظاهرة تقريبا منذ 25 جويلية 2021 الاّ أنها عادت بقوّة مريبة هذا الأسبوع عبر المحامين الذين أضربوا وندّدوا وصعّدوا بسبب قضية في الأصل لا تعنيهم بل تعني الإعلام و حرية الإعلام من خلال قضية الكرونيكيز سنية الدهماني.

لكلّ هذا نجد أنفسنا في حاجة الى إعادة فهم التضامن القطاعي والعمل النقابي وفق المعايير الدولية والوطنية حتى تحافظ هذه المكاسب على نجاعتها وألّا تتحوّل الى معاول هدم و أسلحة فتاكة تضرّ مستعمليها قبل الآخرين.

مفهوم التضامن القطاعي

التضامن القطاعي يشير إلى التعاون والتكافل بين مختلف القطاعات في المجتمع، سواء كان ذلك بين الأفراد أو المؤسسات. يهدف إلى تحقيق مصالح مشتركة وتقديم الدعم للمحتاجين. يعتبر التضامن القطاعي جزءًا من التضامن الاجتماعي الذي يسهم في استقرار المجتمعات وتقدمها.

يُشجّع على التضامن والتعاون بين المسلمين لتحقيق الخير والعدالة.

من هنا يبدو واضحا أنّ مفهوم التضامن القطاعي في تونس حاد عن مفهومه وتحوّل الى سلاح تشهره نقابات وهيئات لحماية المخالفين وتعطيل العدالة وحتى التهرب من المحاسبة .

والمجال هنا لا يسمح بتعداد الجرائم التي تم حماية مرتكبيها باسم التضامن القطاعي خاصة في السنوات الأولى بعد 2011 والتي كانت الدولة مستسلمة لسطوة القطاعات هي من تقرّر الزيادات في المرتبات وتحدد مقاييس الترقيات وهو ثمن لا تزال تدفعه المالية العمومية والشعب التونسي الى اليوم خاصة فيما يتعلّق بالزيادات الكبيرة في الأجور والترقيات والامتيازات وفي الوظائف العشوائية والشركات التي لا انتاج ولا مردودية اقتصادية لها على غرار شركات البستنة .

ان منطق الأشياء يفرض عدم التستر على المخالفين وعدم حماية المفسدين والمطلوبين للعدالة وكل قطاع لابدّ أن يحترم مختلف الأجهزة التي يتعامل معها ويحترم طبيعة التنظم الذي يحكمه. وهو جوهر العمل النقابي بكل المعايير الدولية.

مفهوم العمل النقابي

كما أسلفنا الذكر يبدو أن العديد منا والنقابيون أنفسهم نسوا مفهوم العمل النقابي وحدوده بحكم فوضى الإضرابات وتداخل السياسي بالنقابي بالاجتماعي .

  يقوم العمل النقابي على فكرة اجتماع أعضاء النقابات معًا لنقاش المستجدات أو أي مشاكل يواجهها العمال، ومن القضايا الرئيسية التي يتناولها العمل النقابي وهي في صلب اختصاصه لا تتعداه:

الأجور، والسلامة في العمل، وطريقة المعاملة بين صاحب العمل والعمال ورفع الظلم البيّن المسلّط على العمّال وحمايتهم من بيئات العمل الشاق والعمل على تحسين ظروف العمل الخطرة والدفاع عن حقوقهم ومنع تعرضهم للظلم أو عدم المساواة.

المحامون و"السقطة" الكبرى !

ما حدث هذا الأسبوع في قطاع المحاماة وتحديدا في دار المحامي أعاد التضامن القطاعي الى السطح وفقد المحامون الكثير من التعاطف معهم .فالإضراب العام ليوم واحد لديه كلفته الباهظة وقرار مقاطعة باحث البداية لغاية 21 ماي فيه ضياع لحقوق المتقاضين.فالحاجة متبادلة بين الطرفين ولا فضل لأحد على الآخر.

ومن المفترض الّا يضرب المحامون عن العمل فهم ليسوا أحرارا في ذلك طالما لديهم ملفات وقضايا لا تحتمل التأخير بحوزتهم و مصائر المتقاضين بين أيديهم.

ولهذا فالعديدون وصفوا هذا الإضراب بأنه قرار عشوائي وتضامن قطاعي اعمى لا يليق ولا يقبل وفيه إخلال ببنود العقد بين المحامي والمتقاضي.

المحامون في تونس يبدو أنهم أشعلوا شرارة أزمة نخشى أن تحرق القطاع برمته ويكون الجميع فيه خاسرون فسقوط هذا الصرّح الكبير الذي كان له دور تاريخي في بلادنا يعدّ خسارة كبرى ولابدّ بالإسراع من تطويق الأزمة التي ولدت أزمات أخرى سيصعب السيطرة عليها في ظل غياب صوت الحكمة والحوار الهادئ.

المحامون يبررون غضبهم بسبب اقتحام الأمن لمقر دار المحامي لتنفيذ بطاقة جلب في حق محامية مطلوبة للعدالة وهو خطأ اعتبره الكثير ما وجب له أن يكون من المحامين وكان من الممكن ان يقف الأمر عند هذا الحد ويأخذ القانون من أهل القانون مجراه. لكن الأمور تعقدّت من جديد في بهو المحكمة حينما تمّ جلب الدهماني للتحقيق معها في المرة الأولى وتمّ الاعتداء على أعوان أمن من طرف محامين وفق الرواية الأمنية ويكرر المحامي المطلوب نفس الخطأ بالاحتماء بدار المحامي فيكون الاقتحام الثاني واقتياده الى مركز الأمن وكان أيضا ممكنا تجنب هذا الاقتحام .

المحاماة مهنة مقدسة وهي أحد أهم ركائز المجتمع ووجب أن تكون قوّة اقتراح وتخوض نضالها المهني فقط بعيدا عن كل تسييس أو تجييش . كما أن هذه الأزمة لن تحلّ بالتصعيد من الجانبين ولابدّ من الحوار ومحاسبة كل من تسبب فيها .

لكن عسى أن تكون هذه الأزمة فرصة لإعادة صياغة المثل السامية للمحاماة في ذهن كثير من المحامين فهم ليسوا فوق القانون ولا تحته .

هم مواطنون كبقية التونسيين يحكمهم ويحتكمون لقانون واحد وتخضع له جميع القطاعات .