أكد مسؤول بوزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج ل_"الصباح"، على أهمية بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بالنسبة لتونس والعالم إذا انتقلت هذه البلدان من رمز للأزمات المسلحة والحروب العرقية إلى واحدة من أهم الوجهات الاستثمارية وفضاءات الأعمال في العالم بفضل تحقيق معدلات نمو سنوية منتظمة قاربت 6 بالمائة على امتداد السنوات الأخيرة وتكريس الحكم الرشيد والحوكمة، حسب تعبيره.
وحول واقع الدّبلوماسيّة التونسيّة، أفادنا المسؤول بوزارة الخارجية أنها تميّزت بدبلوماسيّة نشطة ورصينة بوّأتها منذ الاستقلال مكانة مرموقة في محيطها الإقليمي والدّولي. وتقوم هذه الدّبلوماسيّة على عدد من الثوابت لعلّ أهمّها التمسّك بالشرعية الدّولية وميثاق الأمم المتحدة، والوفاء للانتماءات الجغرافية والثقافية للبلاد والمساهمة الدّائمة في كلّ جهد وعمل جماعي لخدمة الأمن والاستقرار وتحقيق الرّخاء والتقدّم لفائدة الإنسانيّة جمعاء. كما يعتبر التفتّح والاعتدال والوسطيّة والتسامح من ثوابت الهويّة التونسية لأنّ الجغرافيا جعلت من تونس جسرا في مفترق الطرق يربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب.
وفي هذا السّياق، أشار المسؤول بوزارة الخارجية إلى أنّ القارة الافريقية وخاصة بلدان جنوب الصّحراء مثلت أحد ثوابت وأولويّات السّياسة الخارجية التونسية منذ السّنوات الأولى للاستقلال وإلى غاية اليوم. وتعتبر العلاقة بين تونس وإفريقيا علاقة متجذّرة ومتداخلة وذلك على المستويين الجغرافي والتاريخي حيث تعتبر إفريقيا الفضاء الطبيعي والجغرافي لتونس التي تحتلّ موقعا استراتيجيا بالقارة، مُضيفا أن تونس قد شكّلت منذ القدم بفضل موقعها الجغرافي المتميز والمتاخم للصّحراء والبحر الأبيض المتوسط، جسرا بين إفريقيا والعالم العربي وبين إفريقيا وأوروبا.
وممّا يقف شاهدا على عمق الرّوابط التاريخية وعراقتها، أنّ تونس قد منحت اسمها القديم «إفريقية» إلى القارة إنّ «أفريكا» أوكما كان يطلق عليها «إفريقيا البروقنصلية» هي تلك المقاطعة الرّومانية التي تضمّ مناطق نفوذ الإمبراطورية القرطاجنيّة قبيل سقوطها والتي كانت تمتدّ من ليبيا–تونس مرورا بالجزائر والمغرب ووصولا إلى جنوب إسبانيا.
القارة الافريقية وخاصة جنوب الصّحراء أحد ثوابت وأولويّات السّياسة الخارجية التونسية
وبالتالي، فإنّ العلاقات بين تونس والبلدان الإفريقية ليست وليدة اليوم، بل هي متجذّرة عبر التاريخ، وتجسّدت في التّبادل التجاري عبر القوافل التجارية الصّحراوية وتوطّدت بتفاعل ثقافي وإنساني يعطي لتونس سماتها الافريقية وروابط تعليمية تمتدّ تاريخيا من فترة تأسيس جامع الزيتونة المعمور الذي كان منارة تعليمية تشعّ بعلومها على كافة البلدان المجاورة لا سيّما منها الإفريقية إلى اليوم. وقد زادت هذه العلاقات ترسيخا خلال مرحلة التّحرّر من الاستعمار التي شهدت لتونس بتضامنها الكامل ودعمها القوي لكفاح الدّول الإفريقية من أجل الانعتاق من الاستعمار والميز العنصري والحصول على الاستقلال.
وفي هذا الصّدد، ذكر أن تونس قد قدّمت مساعدات ثابتة وفعّالة لحركات التحرير بالقارة، وذلك التزاما منها بمبدأ التضامن والدّفاع عن حق البلدان والشعوب الإفريقية في تقرير مصيرها. وقد ساندت تونس حركات التحرّر خاصّة في جنوب إفريقيا وناميبيا والموزمبيق وأنغولا وإريتريا، وتبنّت الدّبلوماسية التونسية انضمام عدد من الدّول الافريقية إلى منظمة الأمم المتحد خلال فترة ترؤُّس وزير الخارجية التونسي المرحوم المنجي سليم للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد وضعت تونس منذ فجر الاستقلال تجاربها وخبراتها التي راكمتها في كافة المجالات في خدمة التنمية في عديد البلدان الإفريقية في ميادين مكافحة الفقر وإدماج المرأة والصحّة والتعليم والتربية والتكوين والفلاحة والتنوير الكهربائي والمياه والتطهير والبنية الأساسيّة والدّراسات ورعاية المرأة والأسرة والتنظيم العائلي وتكنولوجيات المعلومات وغيرها. بالإضافة إلى استقبالها لآلاف الطلبة الأفارقة، وبالتالي المساهمة الفاعلة في تكوين إطارات في عدة مجالات اضطلعت بمهام ومسؤوليات متنوّعة في بلدانها نذكر على سبيل المثال الرئيس الكونغولي (برازافيل) السّابقPascal LISSOUBA الذي تخرّج مهندسا فلاحيّا من تونس. كما أوفدت في نطاق التعاون الفني أفضل كفاءاتها للمساهمة في دعم المجهود التنموي في عدد من البلدان الإفريقيّة،خاصّة بجزر القمر وجيبوتي.
ولتونس حاليّا عشر (10) سفارات في إفريقيا جنوب الصّحراء، منها اثنتان (02)بنيروبي وبواغادوغو تمّ بعثهما خلال سنتي 2016 و2017. وتغطّي هذه السفارات 44 دولة جنوب الصحراء.
الانتشار الدبلوماسي التونسي في إفريقيا جنوب الصحراء:
سفارة تونس بأديس أبابا:تغطّي أثيوبيا، جيبوتي، مدغشقر، السيشال،
سفارة تونس بدكار:تغطّي السينغال، غامبيا، غينيا بيساو، الرجاء الأخضر،
سفارة تونس بباماكو : تغطّي مالي، غينيا،
سفارة تونس بكنشاسا : تغطّي الكونغو الديمقراطية، الكونغو، إفريقيا الوسطى، أنغولا، زامبيا،
سفارة تونس بأبيدجان : تغطّي الكوت ديفوار، ليبيريا، الطوغو،
سفارة تونس واقادوقو:تغطّيبوركينا فاسو، النيجر،
سفارة تونس بنيروبي: تغطّي كينيا، بورندي، مالاوي، أوغندا، رواندا، تنزانيا،
سفارة تونس بأبوجا: تغطّي نيجيريا، البينين، غانا، سيراليون،
سفارة تونس بياوندي: تغطّي الكاميرون، الغابون، غينيا الاستوائية، ساو تومي وبرينسيب، التشاد،
سفارة تونس ببريتوريا: تغطّي جنوب إفريقيا، اسواتيني (سوازيلاند سابقا)، ليسوتو، موريشيوس، موزمبيق، ناميبيا، زيمبابوي، بوتسوانا،
أمّا على المستوى متعدّد الأطراف، فقد قال إن تونس كانت من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963 والاتحاد الإفريقي الذي خلفها سنة 2002 وهي تشارك بصفة فاعلة ونشيطة في دعم العمل الإفريقي المشترك كما تدل على ذلك مشاركة رئيس الحكومة في القمة 37 لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد التي انعقدت في فيفري 2024 بأديس ابابا.
وعن دعم مساهمة تونس في العمل الإفريقي المشترك والانصهار في المسار الاندماجي للقارة، فقد أكد انها عملت على تعزيز حضورها على مستوى الاتحاد الإفريقي من خلال المشاركة في مختلف الاجتماعات والمؤتمرات الإفريقية وتكثيف نشاطها المستمر صلب الاتحاد مؤكدة على ضرورة إرساء حوار بنّاء حول مستقبل القارة والعمل الإفريقي المشترك.
وتواصل تونس مشاركتها في مسيرة إصلاح المنظمة التي انطلقت في جويلية 2016 من خلال تقديم مقترحات تعكس تصورها لمستقبل المنظمة الإفريقية في ظلّ التغيرات التي تشهدها الساحة العالمية بصفة عامة والقارة بصفة خاصة مؤكدة على ضرورة أن يكون مسار الإصلاح تشاركيا يأخذ في الاعتبار واقع الدّول الأعضاء وإمكانياتها.
وشغلت تونس منذ سنة 2022 وإلى غاية نهاية شهر مارس الحالي مجلس السلم والأمن الإفريقي، حيث عملت على أن تكون قوّة اقتراح إيجابية لدعم الأمن والاستقرار بالقارة وقد كان انتخابها لعضوية هذا الجهاز الإفريقي الهام مباشرة بعد نهاية عضويتها غير الدّائمة بمجلس الأمن الدولي برهانا آخر على رصيد الاحترام الذي تحظى به إقليميا ودوليا، ودليلا على الثقة في قدرتها على الإسهام الفاعل في إحلال السّلم والأمن الدوليين.
ومن جهة أخرى، وفي إطار حرصها على الاستفادة القصوى من تواجدها ضمن المنظمة الإفريقية، تعمل تونس على دعم تواجد الكفاءات الوطنية داخلها سواء في المناصب الانتخابية أو غيرها، حيث يتولى حاليّا حاتم الصائم مهمّة مفوّض لدى "اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب"، في حين يجلس رافع بن عاشور داخل "المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب"، وتمّ مؤخّرا تعيين هاجر قلديش في منصب المستشار القانوني للاتحاد. وتسعى بلادنا إلى دعم استقطابها لمقرات المؤسّسات الإفريقية، على غرار المعهد الإفريقي للإحصاء الذي يوجد مقرّه ببلادنا، والمركز الإفريقي للأسواق المندمجة الذي لم يتم إنشاؤه بعد.
هذا، وشاركت تونس منذ الاستقلال في 22 عملية أمميّة لحفظ السّلام، أغلبها في القارة الإفريقية تحت رايتي الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وهو ما يعكس مدى التزامها بالمساهمة في إحلال السّلام بالقارة. وتُسجّل تونس حضورها حاليا في ثلاث (03) عمليات أمميّة، منها اثنتين (02) في القارة بكلّ من جمهورية إفريقيا الوسطى (منذ سبتمبر 2021) والسّودان (دارفور، منذ 2017). وكانت قد أرسلت بلادنابعثة الى دولة الصّومال التي شهدت حربا أهلية (من ديسمبر 1992 إلى جوان 1995)،وأخرى الى جنوب إفريقيا لتأمين الانتخابات وفرز الأصوات (من فيفري 1994 إلى ديسمبر1995)، وبعثتين الى روندا،(الأولى من سبتمبر 1993 إلى جويلية 1994 والثانية من سبتمبر 1994 إلى ديسمبر 1995)،وثلاث بعثات الى بورندي التي عاشت حربا أهلية (الأولى من سبتمبر 1993 إلى أوت 1994والثانية من فيفري 1994 إلى ديسمبر 1994والثالثة من فيفري 2007 إلى ديسمبر 2009)، والى جزر القمر (من نوفمبر1997 إلى جوان 1999)، والى أثيوبيا وإريتريا حيث نشرت قوّات على طول الحدود (من جويلية 2000 إلى أوت2008)،والى الكونغو الديمقراطية في مناسبتين (الأولى من جويلية 1960 إلى غاية سنة 1962 والثانية من ماي 2000 إلى جويلية 2010)،والى الكوت ديفوار جوان 2003، والى جمهوريهإفريقيا الوسطى وتشاد (من 2008 إلى 2010) ومالي (ابتداء من فيفري 2019 وإلى غاية انتهاء المهمّة حديثا).
واقع الدّبلوماسيّة التونسيّة بإفريقيا وآفاقها على المستوى الاقتصادي
وفي سياق آخر، أفاد المسؤول بوزارة الخارجية أنه رغم متانة العلاقات التونسيّة الإفريقيّة، يبقى التبادل التجاري عموما الحلقة الأضعف في علاقات التعاون مع بلدان القارة ولم يرتق بعد إلى مستوى العلاقات السّياسية ولحجم الفرص المتاحة في السّوق الافريقية، لاسيّما في ظلّ ما تحظى به التجربة التونسية من رصيد متميّز من الثقة والتقدير لدى البلدان الإفريقيّة. وإلى حدّ الآن، لم يتجاوز حجم التبادل التجاري مع إفريقيا 3 بالمائة من مجموع الصّادرات التونسيّة. ويعود ذلك أساسا إلى مشكل النقل البحري والجوّي.
وحسب الخبراء، بإمكان تونس مضاعفة صادراتها نحو إفريقيا أربع مرّات خلال السّنوات القادمة لتصل الى 15 أو 20 بالمائة من مجمل صادراتنا. وتنكبّ الجهات التونسيّة المعنيّة حاليّا على إعداد استراتيجية واقعية لتحقيق الاستفادة القصوى من الاتفاقيات التي وقّعتها بلادنا على غرار اتفاقية منطقة التجارة الحرّة القارية الإفريقية (ZLECAF) واتفاقية السّوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي (COMESA). وتسعى تونس إلى أن تبلغ صادراتها نحو إفريقيا أكثر من 5 بالمائة من جملة صادراتها في الفترة 2026 -2027، مع العمل على أن يكون التعاون مبنيّا على مبدأ الشراكة المربحة لكل الأطراف.
كما بقي حجم الاستثمارات التونسية في إفريقيا دون المأمول ولم يتجاوز عدد المؤسّسات التونسية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء200 شركة ناشطة في قطاعات الأشغال العامة والصّناعة والاستشارات الهندسية والترحيل الصّحي والتجارة الدّولية والقطاع البنكي، مع العلم وأنّ معظم هذه الشركات يوجد في الكوت ديفوار (130 شركة). ومن بين أهمّ الشركات التونسية التي لديها مشاريع هامة في إفريقيا يمكن ذكر شركة الكهرباء والغاز التونسية الدولية (STEG International) التي فازت بطلبات عروض مشاريع هامة في مجال التنوير الرّيفي ونفّذتها خاصّة برواندا (ثلاث مشاريع مموّلة من قبل البنك الدّولي) وجمهوريّة الكونغو وغيرها، وشركة الطرقات والبناءات (SOROUBAT) التي نفذت عدّة مشاريع في مجال البنية التحتيّة (بالكوت ديفوار والكامرون وبوركينافاسو ومالي وتشاد وغيرها) وشركة الهندسة وإدارة المشاريع (EPPM S.A) التي لديها مشاريع متنوّعة ومتعدّدة بالدّول الإفريقيّة على غرار جمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة (كينشاسا) وأنغولا.
ويعتبر التعاون الفني أداة رئيسية لدعم التعاون والشراكة التونسية–الإفريقية، حيث يبلغ عدد المتعاونين والخبراء التونسيين في البلدان الافريقية حاليا 271 متعاونا وخبيرا في قطاعات الصحة (102) والهندسة (62) والكهرباء والميكانيك (29) والإدارة (27) والتعليم والرياضة (24) والمعلوماتية (11) والفلاحة والصيد البحري (06) والنقل (5) والبترول والغاز (2) والسياحة(01). أمّا بالنسبة للبلدان المستقطبة للكفاءات التونسية فهي جنوب إفريقيا (68 طبيبا) وجمهورية الكنغو (42) والكوت ديفوار (26) وغينيا الاستوائية (22) وجمهوريّة غينيا (19) والغابون (12) والسنغال والكامرون (11) وكل من النيجر وبوركينافاسو ومالي (9) والبينين (7) وتشاد (6).
وأمّا على مستوى مجالات التعاون «الحديثة»، فهي تتركّز أساسا على مجالين هامين وهما التعليم العالي والتكوين المهني الخاصين، حيث يدرس ببلادنا ما يناهز 7500 طالب إفريقي من بينهم قرابة 3000 طالب كونغولي (كينشاسا). كما أصبحت تونس تحتلّ مكانة هامة على المستويين العالمي والإفريقي في مجالي السّياحة الاستشفائيّة، فضلا عن قطاعي الهندسة والاستشارات، وفق مُحدثنا.
وحسب التقرير الأخير للمركز الإفريقي للتحوّل الاقتصادي الصّادر في أكتوبر 2023، تحتلّ تونس المرتبة الأولى في تصنيف الدّول الإفريقيّة في مجال التنوّع الاقتصادي والقدرة التنافسيّة خلال الفترة من سنة 2000 إلى سنة 2022. كما بيّن التقرير أنّ تونس معروفة تاريخيّا بقطاع خدمات ضخم حقّق نموّا ملحوظا خلال العقد الماضي. وشهد الاقتصاد التونسي ارتفاعا متواصلا في حصّة السّلع المصنّعة والخدمات في إجمالي الصّادرات، وهو ما يبيّن قدرة اقتصادنا على مزيد الانفتاح على إفريقيا.
وإيمانا منها بأهميّة دور التجمّعات الاقتصادية الإقليمية في دفع مسيرة التنمية بالقارة الإفريقية ورفع تحدّيات العولمة وفتح مجالات حيوية للصّادرات التونسية، تعمل تونس على تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري مع هذه التجمّعات ودعمه. وفي هذا الإطار تحصّلت تونس على العضوية الكاملة في السّوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (COMESA) التي تضمّ 22 دولة إفريقيّة وأكثر من 500 مليون ساكن منذ شهر جويلية 2018وتمت المصادقة عليها في مارس 2019.
وشرعت بلادنا في تطبيق منطقة التبادل الحر للكوميسا في 01 جانفي 2020، وذلك على أساس خضوع كافة السّلع (المواد والمنتجات) الصناعية والفلاحية ومنتجات الصيد البحري والصناعات التقليدية المورّدة من الدّول الأعضاء بالكوميسا للإعفاء التام من كافة المعاليم الديوانية والرسوم والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، باستثناء السلع الموردة من دول إريتريا وأثيوبيا وإسواتيني وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا التي تخضع لمعاملة خاصة. وعليه، فإنّ صادرات السّلع التونسية باتجاه بلدان الكوميسا تتمتع في المقابل بنفس التخفيضات المذكورة أعلاه عند دخولها إلى هذه البلدان، وذلك وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل.
كما وقعت تونس في 21 مارس 2018 على الاتفاقيّة المنشئة لمنطقة التجارة الحرّة الإفريقيةالتي تعدّ الأكبر في العالم بتعداد سكاني يتجاوز 1.3 مليار نسمة وبحجم مبادلات تجارية تتجاوز 3.4تريليونات دولار سنويا. مع العلم وأنّ الدّول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي تطمح إلى أن تؤدّي الاتفاقية إلى رفع نسبة المبادلات التجارية بين دول القارة من 16 إلى 33 بالمائة من إجمالي تجارتها الخارجية. وقد دخلت منطقة التبادل التجاري الحرّ الإفريقية حيز التنفيذ في 30 ماي 2019 وصادقت عليها تونس في 22 جويلية 2020، وتشمل الاتفاقية البضائع والخدمات والاستثمارات والمنافسة وغيرها من المجالات الاقتصادية.
وتهدف الاتفاقية في مرحلة أولى إلى إلغاء الرّسوم الجمركية عن 90% من البضائع، وفي مرحلة ثانية إلغاء الرّسوم عن 7% من البضائع المتبقية في مرحلة أطول يعود لكل دولة أن تحدّدها. أما نسبة الـ 3% المتبقية من البضائع، فلا ترفع عنها الرسوم. ومن المنتظر أن يمكّن تنفيذ اتفاقية منطقة التبادل التجاري الحر الافريقية بالكامل من تعزيز الدخل الإقليمي بنسبة 7% أي 450 مليار دولار من المكاسب المحتملة، من بينها 300 مليار دولار ناتجة عن تدابير تيسير التجارة وإزالة الحواجز البيروقراطية وتبسيط الإجراءات الجمركية.
وهذه الاتفاقية ستعفي المنتجات التونسية بحلول سنة 2025 من المعاليم الديوانية، وتحقّق لنا الاندماج الاقتصادي الإفريقي والربط الحقيقي بين التجارة والتنمية، وتمكّن من استفادة تونس من موقعها الاستراتيجي ونسيجها الصّناعي في تعاملها مع السّوق الافريقية.
كما اعتبر أنّ موقع تونس وخبرتها سيمكنانها من لعب دور أساسي في الاندماج الاقتصادي على الأقل بين أوروبا وإفريقيا لأنّ إفريقيا قارة شابة ولها طلبات كثيرة وكبيرة جدّا على مستوى البنية الأساسية وعلى مستوى التصنيع والخدمات وكذلك على مستوى كل القطاعات الاقتصادية.
وعلى صعيد تنفيذ هذه الاتفاقية، انضمّت تونس، إلى مبادرة «التجارة الموجّهة»(THE AFCFTA GUIDED TRADE INITIATIVE) التي أطلقتها الأمانة التنفيذية لمنطقة التجارة الحرّة القارية الإفريقية (زليكاف)، منذ أكتوبر 2022. وهي مبادرة تشمل البلدان الإفريقية الثمانية الأولى (تونس ومصر وغانا والكامرون ورواندا وكينيا وتنزانيا وجزر الموريس) التي انطلقت في المبادلات التجارية في هذا الإطار. وقد شرعت بلادنا في التبادل الفعلي في إطار زليكاف منذ ماي 2023 وقامت الشركات التونسية بـ 47 عملية تصدير في هذا الإطار.
هذا، وتقدمت تونس منذ 04 جوان 2017 بطلب للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (CEDEAO) للحصول على صفة عضو ملاحظ في انتظار عضويّة كاملة.
نظام "PAPSS"
وبخصوص تحقيق مزيد من الاندماج الاقتصادي، ذكّر المسؤول بوزارة الخارجية بانضمام تونس (عبر بنكها المركزي) إلى نظام «PASS » وهو نظام دفع وتسوية إلكترونيّة تمّ إطلاقها من قبل البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير "افركسيم بنك" لتسهيل التجارة بين الدّول الإفريقيّة من خلال تسوية المدفوعات التجاريّة بشكل فوري وآمن وتقليل تكاليف المعاملات وتسريع عملية التحويلات الماليّة وهو ما من شأنه أن يزيد في حجم الصّادرات التونسيّة وتقليل تكاليف المعاملات الماليّة.
وبخصوص نظام الدفع والتسوية لعموم افريقيا،"PAPSS" أفاد "مايك أوجبالو Mike Ogbalu" الرئيس التنفيذي لنظام المدفوعات والتسويات الإفريقية "PAPSS" ، "الصباح" أن هذا النظام يوفر للقارة ما يقارب 5 مليار دولار سنويًا.
وقد انضم 13 بنكا مركزيا، بينها البنك المركزي التونسي إلى نظام الدفع والتسوية الأفريقي "PAPSS"، وتم ربط أكثر من 115 بنكًا تجاريًا، وعشرة مفاتيح دفع في جميع أنحاء إفريقيا. وهناك 115 بنوك تجارية أخرى في طور الانضمام.
هذا ويجري تنفيذ البنية التحتية للنظام الجديد بالتعاون مع أمانة منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية بدعم من الاتحاد الأفريقي إضافة إلى أنه قد تمّ تشغيل نظام PAPSS بعد مرحلة تجريبية ناجحة في بلدان المنطقة النقدية لغرب إفريقيا، وفق ما أفاد به "مايك أوجبالو Mike Ogbalu".
كما أفاد "مايك أوجبالو" أنّ نظام PAPSS يُعدّ منصة على مستوى القارة من أجل تقليل تكلفة المدفوعات عبر الحدود وتعزيز التجارة بين البلدان الأفريقية والمدفوعات التجارية ويخلق بنية تحتية مشتركة للسوق الأفريقية تكون متاحة لجميع الأطراف الفاعلة من حكومات وبنوك ومُقدمي خدمات الدفع إلى الشركات والمؤسسات الصغيرة والأفراد، مُؤكدا أن تطوير البنية التحتية للمدفوعات في عموم إفريقيا أصبح ممكناً بفضل بعض المؤسسات الرائدة في القارة.
وفي سياق متصل، ومن خلال العمل مع أمانة منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية والاتحاد الأفريقي، يقوم "أفركسيم بنك" بإنشاء صندوق تكيف بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي لدعم البلدان للمشاركة بفعالية في منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. وفي نهاية شهر ديسمبر 2023، بلغ إجمالي أصول وضمانات البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد أكثر من 37.3 مليار دولار أمريكي، وبلغت أموال مساهميها 6.1 مليار دولار أمريكي وصرف البنك أكثر من 104 مليار دولار أمريكي بين سنتيْ 2016 و2023.
وقد نظمت مفوضية الاتحاد الأفريقي وأمانة منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية والبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، المنتدى التشاوري الأول للمديرين العامين للبنوك الأفريقية، بتاريخ 14 ماي الجاري، والذي جمع المديرين العامين للبنوك التجارية الأفريقية والجمعيات المصرفية ومحولات الدفع ورابطة البورصات الأفريقية ومقدمي الخدمات المالية الآخرين.
واتفق المشاركون في المنتدى على تولي المسؤولية الجماعية لنجاح النظام الأفريقي للدفع والتسوية "PAPSS"، نظرا لتأثيره على تسهيل المدفوعات عبر الحدود وتنمية التجارة الأفريقية البينية. كما دعا المشاركون إلى الاستفادة من النظام الأفريقي للدفع والتسوية كمسار لزيادة حصة العملات الأفريقية في التجارة البينية الأفريقية وغيرها من المدفوعات عبر الحدود، بالإضافة إلى زيادة حجم المدفوعات داخل المنطقة لتحقيق المنافع المتبادلة لدفع تبني الشركات بشكل سريع للنظام الأفريقي للدفع والتسوية.
واتفق المشاركون على تضمين النظام الأفريقي للدفع والتسوية في قنواتهم الرقمية لتمكين سهولة الوصول والتكامل السلس للعملاء الحاليين.
إفريقيا في أرقام
وتمثل اليوم افريقيا 17 % من مجموع سكان العالم (أي ما يعادل 1.3 مليار نسمة) وهذه النسبة مؤهلة الى المرور إلى أكثر من 40 % قبل نهاية هذا القرن (حيث ستتجاوز في ذلك الأفق 4.3 مليار نسمة) كما ستمرّ الطبقة الوسطى في إفريقيا من أقلّ من 30 % اليوم من مجموع سكّانها (400 مليون نسمة) الى ما سيفوق 50 % مع نهاية القرن (2.2 مليار نسمة)، وبذلك تمثل القارة مع نهاية القرن أوَّل مجموعة سكانية على مستوى العالم ذات عمق اقتصادي لا يستهان به .وتمتلك إفريقيا أكبر مخزون للعديد من الثروات والمعادن الاستراتيجية، فمن بين 50 معدنًا هامًّا في العالم يوجد 17 معدناً منها في إفريقيا باحتياطيات ضخمة. وهي تمتلك النسبة الأكبر من احتياطي عدّة معادن على غرار البوكسيت والكوبالت والألماس والذهب والمنغنيز، والفوسفات، والمعادن البلاتينية، بالإضافة إلى احتياطي هائل من النفط بحوالي 9 % من إجمالي الاحتياطي العالمي (بين 80 إلى 100 مليار برميل خام) وإمكانيات هائلة في مجال الزراعة، تؤهلها لأن تكون سلة الغذاء العالمي بفضل ما تتمتع به من موارد مائية وتنوّع في الأقاليم المناخية، وفق محدثنا.
وخلال العقدين الأخيرين نشأت قوى اقتصادية في القارة الإفريقية كنتيجة لمجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتطوّرت الأسواق، وتمكنت البنيات المؤسّساتية، رغم حداثتها، من جذب الاستثمارات الأجنبية، الغربية والآسيوية خصوصاً. وتشير تقديرات البنك العالمي في هذا الصدد إلى أنّ إفريقيا تشهد حاليا عشرية الازدهار الاقتصادي، حيث تتواجد عشرة من دولها ضمن ترتيب البلدان التي تعرف أكبر نسبة نمو في العالم. كما يعتبر العنصر البشري إحدى نقاط القوة بإفريقيا، فهي تمثل اليوم سوقا استهلاكية كبيرة تفوق المليار وثلاثمائة ألف مستهلك ومن المنتظر أن يتجاوز عدد سكان القارة عدد سكان الصين في أفق 2030.
إنّ كل هذه المعطيات وغيرها، جعلت القوى العظمى والدّول المتقدّمة تتنافس من أجل التموقع والبحث عن موطأ قدم في إفريقيا لاستكشاف فرص تعاون وشراكة معها في إطار منتديات للتعاون والشراكة على غرار الصين والهند وتركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبحت تُخصّص تمويلات ضخمة لدعم التعاون والشراكة مع القارة الإفريقية في إطار منتديات وقمم للتعاون الاقتصادي والسياسي.
وعلاوة على ما توفره من فرص كبيرة للشراكة والاستثمار، فإنّ الاهتمام الدّولي بإفريقيا ما انفكّ يتعاظم بسبب ما تعيشه من أوضاع أمنية مرتبطة ببروز تحدّيات جديدة بسبب دخول تنظيمي« القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي »و« داعش » وجماعات متشدّدة أخرى (بوكو حرام) إلى المنطقة ومن حولهم شبكات التهريب والجريمة المنظمة ومعسكرات التدريب والتجارة غير الشرعية والاتجار بالبشر والهجرة السرية. كل ذلك حوّل شريط السّاحل إلى بؤرة توتر تمثّل تهديدا مباشرا لأمن واستقرار شمال وغرب ووسط افريقيا. وللتصدّي لهذه الظاهرة، فإنّه من الضروري لتونس ومختلف دول العالم تدعيم التعاون الاستخباراتي والعملياتي في إطار الاستراتيجيات الإفريقية لمكافحة الإرهاب والتطرّف ووفقا للآليات القانونية وهياكل مكافحة الإرهاب على مستوى الاتحاد الإفريقي.. كما لا ننسى أنّ ظاهرة الإرهاب تطرح لتونس مزيدا من التنسيق مع بلدان إفريقيا جنوب الصّحراءلما تمثله لها من عمق استراتيجي وحزام أمني.
عبير الطرابلسي