-من السابق لأوانه أن نُقيم تجربة البرلمان وهو في سنته الأولى
-ملف الأفارقة "أمّ المعارك في تونس"
-مكافحة الفساد تتطلب عُدّة وعتادا في علاقة بالتشريعات التي يجب مراجعة بعضها حتى تكون هذه المعالجة أقوى
تونس – الصباح
أكّد النائب بمجلس نواب الشعب وعضو كتلة الخط الوطني السيادي بدر الدين القمودي في حوار لـ"الصباح" أنّه من غير المنطقي أن يتم تقديم مبادرة تشريعية من الوظيفة التنفيذية لنفس المشروع الذي تم الانتهاء من نقاشه بمجلس نواب الشعب.
وأضاف القمودي أنه لا يوجد تنازع في الاختصاص بين الوظيفتين في علاقة بهذا الموضوع فعلى الجميع أن يُقدر أهمية الوقت والمحافظة على المال العام في علاقة بهذا الشأن مما يستوجب التنسيق مسبقا. فقال "هذا يجعلني أتحدث عن غياب التنسيق وإهدار المال العام والجهد وأخشى أن تكون هناك نيّة لأن يكون مجلس نواب الشعب مجرد هيكل صوري".
في سياق متصل، انتقد النائب عن كتلة الخطّ الوطني السيادي قرار مكتب مجلس نواب الشعب إرجاء النظر في تنقيح المرسوم عدد 54 إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية معتبرا أن هناك نوعا من المزايدة السياسية في علاقة بمسار 25 جويلية، فدعم المسار يكون بتصحيح ما يلوح من هنات في علاقة بنصوصه القانونية وتجويدها، وفق قوله.. وفي ما يلي نصّ الحوار.
حاورته: إيمان عبد اللطيف
*كيف تُعلّق على مسألة إعداد الحكومة لمشروع قانون جديد للمسؤولية الطبية وتعويضه للمشروع الذي كان بين يدي المجلس والذي تطلب ماراطونا من النقاشات وجلسات استماع لكل الأطراف بما فيها مهنيو القطاع؟
عملا بأحكام الدستور والنظام الداخلي بادرت مجموعات من النواب بتقديم العديد من مقترحات مشاريع القوانين وتمّت إحالتها على اللجان المختصة على غرار تعديل الفصل 411، والمسؤولية الطبية، والفصل 96 الذي فيه مبادرتان وغيرها.
ومسؤولية اللجنة أنها تدعو كل الأطراف المعنية بالمشروع للاستماع إليها حتى تقع بلورة المشروع النهائي للقانون وإضفاء التعديلات اللازمة والضرورية. فما راعنا، على سبيل المثال في علاقة بمشروع قانون المسؤولية الطبية، وبعد أن أنهت لجنة الصحة أعمالها وقدمت تقريرها ومشروعها النهائي لمكتب المجلس، أنّه في أحد مجالس الوزراء خلال الأسبوعين الماضيين يتمّ تقديم مشروع قانون متعلق بالمسؤولية الطبية من طرف الوظيفة التنفيذية.
وهذا يكاد يكون نفس السيناريو في علاقة بالفصل 96 إذ رأينا خلال اليومين الماضيين رئيس الدولة يستقبل وزيرة العدل ليلى جفال للحديث عن مشروع قانون في هذا السياق، والذي لدينا فيه مبادرتان تشريعيتان وتمت إحالتهما إلى لجنة التشريع العام والتي تقدمت أشواطا في أعمالها بالاستماع لرئاسة الحكومة ومحكمة المحاسبات ونقابة القضاة وهيئة المحامين وغيرها من الأطراف وانطلقت في إعداد النص النهائي.
وهنا وفي تقديري لا يوجد تنازع في الاختصاص بين الوظيفتين في علاقة بهذا الموضوع فعلى الجميع أن يُقدر أهمية الوقت والمحافظة على المال العام في علاقة بهذا الشأن. فأن تعقد اللجنة عشرات الجلسات فيه كلفة ووقت وجهد وانشغال عن قضايا أخرى. مع العلم أن مشاريع القوانين المحالة على اللجان تُعدّ بالعشرات فكان الأجدر النظر فيها وإعطاءها الأولوية.
فلو وُجد تنسيق بين الوظيفتين لتمّ إرجاء النظر في بعض المشاريع باعتبار أنها سترد عليها من الوظيفة التنفيذية. وفي الحالتين سيتمّ الاستماع إلى كل الأطراف والنظر في هذه المشاريع داخل المجلس وعرضها على الجلسة العامة بعد استيفاء كلّ الإجراءات.
وهذا يجعلني أتحدث عن غياب التنسيق وإهدار المال العام والجهد وأخشى أن تكون هناك نيّة لأن يكون مجلس نواب الشعب مجرد هيكل صوري. يعني بعد ما تستوفي اللجان النظر في مشاريع تأتي مبادرة من الوظيفة التنفيذية وهذا برأيي ليس له أي معنى في الوقت الذي يُفترض، ككل الأنظمة السياسية، أن يكون هناك تعاون وتنسيق خدمة للمصلحة العامة.
*لماذا صوّت ضدّ تأجيل النظر في تنقيح المرسوم 54 إلى ما بعد الانتخابات؟
المراسيم بعد إخضاعها للتنفيذ إذا تبيّنت ضرورة إعادة النظر فيها وتعديلها وتجويدها فهو أمر محمود ومعمول به بما في ذلك مراسيم رئيس الدولة وأذكر أن مرسوم الصلح الجزائي جاءت فيه مبادرة تعديل من نفس الجهة أي رئاسة الجمهورية..
ومن هذا المنطلق بادر 40 نائبا من العديد من الكتل بتقديم مشروع قانون يُعيد النظر في مرسوم 54 وخاصة الفصل 24 منه وذلك منذ ثلاثة أشهر وعُرض على مكتب المجلس وأُرجئ النظر فيه.
وفي الأسبوع الماضي وتحت ضغط وإلحاح النواب سواء الذين بادروا أو لم يبادروا، تداول مكتب المجلس يوم الخميس 16 ماي الجاري في هذه المسألة. فاعتبر أغلب أعضاء المكتب أن المساس بهذا المرسوم في هذا الظرف السياسي الدقيق غير ملائم، ورأوا من الوجيه أن يتمّ النظر فيه في فترة لاحقة أي بعد الانتخابات الرئاسية. وتمّ التصويت على هذا بـ10 ضدّ واحد، وكنت الوحيد الذي نادى وتمسك بموقف ضرورة أن تُمرر المبادرة لإحدى اللجان المختصة.
*كيف تقرأ هذا القرار؟ ولماذا هذا الإصرار على عدم تمريره للنقاش؟
هناك نوع من المزايدة السياسية في علاقة بمسار 25 جويلية، والجميع يدعي أنه في إطار دعم المسار له وجهة نظر. وأنا وجهة نظري أنّ دعم المسار يكون بتصحيح ما يلوح من هنات في علاقة بنصوصه القانونية وتجويدها وإعادة النظر فيها أمر محمود.
لكن البعض الآخر يرى العكس.. في هذه الظرفية ومن هذا المنطلق كانت الاختلافات في وجهات النظر.
*هل تعتقد أنّ تأجيل تنظيم الانتخابات الرئاسية مسألة واردة كما يتمّ الترويج لذلك من البعض؟
أنا أستبعد ذلك، على الأقل بالاستناد إلى تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد والذي أكد وفي أكثر من مناسبة أنّ الانتخابات ستُنجز في مواعيدها وكذلك تصريحات رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي بصدد إعداد العدة لها ولم يبق سوى إصدار أمر دعوة الناخبين.
ومن المتوقع أن يتمّ ذلك في حدود 23 جويلية القادم وفي إطار احترام الآجال الدستورية والثلاثة أشهر. وطالما لم يتمّ المساس بهذه الآجال لا نستطيع الحديث عن هذه الفرضية. وأن تُرجأ بشهر أو شهرين لظرف استثنائي هذا وارد. فنحن لا نعرف في ظل الوضع الذي تعيشه البلاد والتحديات التي أمامنا بخصوص ملف الأفارقة وفي ظلّ وضعنا الإقليمي، نحن منفتحون على عدة معطيات ولكن لا يمكن أن نتحدث عن فرضية عدم انجاز الانتخابات الآن.
*كيف تقيم عمل البرلمان الحالي كعضو حالي وعضو سابق بالمجلس قبل 25 جويلية؟
هناك مسألتان مهمتان يجب أخذهما بعين الاعتبار عند الحديث عن مقارنة بين تجربة سابقة وتجربة حالية. أوّلا النظام السياسي تغيّر. المجلس السابق كان في ظل نظام برلماني كانت له صلاحيات واسعة في علاقة بالرقابة على الحكومة وإضفاء الشرعية عليها وتمريرها.
هذه الصلاحية في ظل نظام رئاسي غير موجودة وبالتالي اليوم صلاحيات البرلمان تختلف عن السابقة بموجب أحكام الدستور. وإذا أردنا تقييم المجلس الحالي فيجب تقييمه في ظل ما أعطي له من صلاحيات التي تنحصر في الجانب التشريعي كسن قوانين أو تقديم مبادرات وفي الجانب الرقابي توجيه أسئلة كتابية أو شفاهية للحكومة.
واليوم من السابق لأوانه أن نُقيم تجربة هذا البرلمان وهو في سنته الأولى، وعندما أنظر حجم المبادرات التشريعية والنصوص القانونية التي تمت المصادقة عليها وحجم الأسئلة الكتابية والشفاهية التي تمّ توجيهها وعدد جلسات الحوار مع الحكومة أقول إن البرلمان يشتغل في وضع طبيعي بالنظر الى ما أوكل له من صلاحيات.
والمسألة الثانية أن البرلمان السابق كان وليد انتخابات على القائمات وقائمات حزبية أي نواب بخلفيات تنظيمية وحزبية وأجسام واضحة. والبرلمان الحالي جاء بموجب انتخابات على الأفراد وجميع من ترشحوا كانوا على ضوء مسار 25 جويلية وبالتالي التباينات الإيديولوجية والسياسية ضعيفة جدا إن لم أقل تكاد تكون منعدمة. والكتل الحالية هي مسألة تقنية ولا يعني أن لديها رؤية تنظيمية أو حزبية.
*هل هذا يعني أنه لا يمكن التقييم أو إبداء ملاحظات؟
من هذه الزاوية وانطلاقا مما ذكرت، ولاعتبار أن الزمن لا يزال في بداياته لا يمكن أن نقيّم اليوم والمقارنة مع السابق. فحتى المناخ والسياق السياسي قد تغيّر. فيمكن بعد سنتين أو ثلاث أن ننظر في رصيد هذا البرلمان ماذا أنجز وفي ماذا أخفق.
ولكن من المهم الحديث عن الإشكاليات الموجودة في علاقة بدرجة التناغم والانسجام بين الوظيفة التشريعية والتنفيذية وحتى في التعاطي في الشأن الجهوي. فبعض النواب يجدون صعوبات في التعامل مع المؤسسات الإدارية الجهوية ومع بعض الولاة منهم المتعاونون وآخرون لا. وبالتالي في ظلّ هذه التجربة الحديثة نحتاج إلى نصوص أخرى توضح الصلاحيات وتضع الحدود لكل من مسؤولي الوظيفة التنفيذية وكذلك التشريعية.
*ألا تعتقد أنّ الصعوبات التي يمرّ بها عدد من النواب في جهاتهم تعود إلى تراجع مكانة النائب وهيبته وصلاحياته؟
منزلة النائب لا يمكن المساس بها باعتبار أنّ المنتمين للوظيفة التشريعية لديهم شرعيتهم ومشروعيتهم وهم نواب منتخبون. وعملية التنازع أو سوء تقدير منزلة النائب تعود إلى قصر النظر لدى بعض المسؤولين الذين هم في حد ذاتهم لم يفهموا وضعيتهم.
ونحن اليوم لدينا مشكل قائم الذات، عند حديثنا عن أزمة في علاقة بالتعيينات على مستوى المعتمدين والولاة وحتى الوزراء. فهناك حالة عدم رضاء واسعة حول أداء هؤلاء المسؤولين ونادينا في العديد من المناسبات بضرورة إعادة النظر ورد الاعتبار لمبدأ الكفاءة قبل الولاء. فالولاء وحده لن يبني وطنا ولا مستقبلا، ولن يخرج تونس من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية.
نحن دعمنا المسار ولا نزال ندعمه وإذ نوجه نقدا فهو في إطار رغبتنا في حمايته وحتى لا نعود إلى الوراء وحتى نكون أوفياء للشعارات التي رُفعت في 25 جويلية.
*لماذا هذا الموقف الذي وُصف بـ"المتشدّد" من ملف المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول جنوب الصحراء؟
أعتبر ملف الأفارقة معضلة وتحديا كبيرا للوطن قبل أن يكون تحديا للسلطة السياسية وهو أمّ المعارك في تونس. وأكدّت في أكثر من مناسبة أنّ هؤلاء يشكلون خطرا داهما. وأنا مع رئيس الجمهورية عندما تحدث في الصائفة الماضية عن نية مبيتة لتغيير البنية الديمغرافية لتونس.
وأؤكد أنّ هنا ما ذهب إليه رئيس الجمهورية صحيح. فاليوم هناك نوايا مبيتة لأن تكون تونس موطنا لهؤلاء سواء الفارون من جنوب الصحراء نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية هناك أو الذين تقوم الدول الأوروبية بإرجاعهم من أوروبا ويريدون توطينهم في تونس بدعم وتآمر من بعض الجمعيات-ولا أتهم الجميع- بل المشتغلة في مجال اللاجئين وترفع بعض الشعارات على غاية من الخطورة وتصرح بها على غرار جمعية تونس أرض اللجوء بالإضافة إلى إقامة مشاريع اقتصادية واجتماعية ورفع شعار الإدماج الاقتصادي – الاجتماعي والذي لا يُفهم إلا في إطار التوطين. وقد انتدبت هذه الجمعية في إطار برنامجها 38 جمعية إلى حدود جوان 2023 تشتغل في إطار مشاريعها.
بالإضافة إلى ذلك هناك مسألة استباحة حدودنا البرية. وفي هذا السياق، نطرح إشكالية تعاطي السلطة مع هؤلاء. ففي أكثر من مناسبة دعوت إلى غلق الحدود البرية وإلى حوار مع دول الجوار الإقليمي ليبيا والجزائر وتجميعهم في أماكن بعيدة عن العمران حتى يتسنى فرزهم والتفاوض مع دولهم الأصلية وإرجاعهم. لكن اليوم نرى الفضاء الجغرافي مفتوحا أمامهم. وبالتالي هناك تقصير في التعاطي مع هذا الملف مقابل تزايد عددهم الذي أعتقد أنه يفوق بكثير عدد 23 ألفا الذي صرح به وزير الداخلية كمال الفقيه.
*ألا تعتقد أنّ مثل هذه التصريحات والمواقف في علاقة بتمويل الجمعيات لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين أجّج الرأي ضد المجتمع المدني ووضع الجميع في نفس "السلةّ"؟
من قام بذلك؟ أنا عندما تحدثت عن جمعيات قلت بعض الجمعيات. والأصل أن تكون هناك مراقبة. ونحن نعرف أن المرسوم عدد 88 قد تمّ سنه في ظروف غامضة فهناك العشرات إن لم نقل مئات الجمعيات واجهة خلفية لأحزاب وأطراف أخرى وجهات أوروبية تمويلا ونشاطا. ولهذا دعونا من قبل إلى ضرورة مراقبتها وتكون مراقبة قانونية ولا نعني بذلك استهدافها. ولا تُستهدف إلا تلك التي يكون نشاطها وتمويلها مشبوها وهذا أمر مشروع.
ولا يمكن تعميم حديثنا عن بعض الجمعيات على كافة مكونات المجتمع المدني، الذي بالعكس يُعتبر ظاهرة صحية ودعامة من دعائم الديمقراطية ونفتخر في تونس أن لدينا مجتمعا يقظا وحيا ومتطورا.
*كيف تقيّم مسار مكافحة الفساد في تونس خاصة في ظل الظرف السياسي الحالي وحتى قبل ذلك؟
مكافحة الفساد تتطلب عُدّة وعتادا في علاقة بالتشريعات التي يجب مراجعة البعض منها حتى تكون هذه المعالجة أقوى هذا من جانب، ومن جانب آخر لا يمكن فصل مكافحة الفساد عن حماية المبلغين الذين يتعرضون اليوم إلى الهرسلة والملاحقات القضائية في ضوء عدم وجود أي جهة قانونية تحميهم. ولذلك ندعو إلى حماية قانونية ومؤسساتية لهم.
وعليه يجب تدعيم القطب القضائي والمالي ومضاعفة عدد القضاة به وتوفير الحماية اللازمة لهم إلى جانب ضرورة ضمان استقلاليته عن النيابة العمومية في تونس وتكون لديه نيابة خاصة به حتى يتمّ تسريع النظر في الملفات.
-من السابق لأوانه أن نُقيم تجربة البرلمان وهو في سنته الأولى
-ملف الأفارقة "أمّ المعارك في تونس"
-مكافحة الفساد تتطلب عُدّة وعتادا في علاقة بالتشريعات التي يجب مراجعة بعضها حتى تكون هذه المعالجة أقوى
تونس – الصباح
أكّد النائب بمجلس نواب الشعب وعضو كتلة الخط الوطني السيادي بدر الدين القمودي في حوار لـ"الصباح" أنّه من غير المنطقي أن يتم تقديم مبادرة تشريعية من الوظيفة التنفيذية لنفس المشروع الذي تم الانتهاء من نقاشه بمجلس نواب الشعب.
وأضاف القمودي أنه لا يوجد تنازع في الاختصاص بين الوظيفتين في علاقة بهذا الموضوع فعلى الجميع أن يُقدر أهمية الوقت والمحافظة على المال العام في علاقة بهذا الشأن مما يستوجب التنسيق مسبقا. فقال "هذا يجعلني أتحدث عن غياب التنسيق وإهدار المال العام والجهد وأخشى أن تكون هناك نيّة لأن يكون مجلس نواب الشعب مجرد هيكل صوري".
في سياق متصل، انتقد النائب عن كتلة الخطّ الوطني السيادي قرار مكتب مجلس نواب الشعب إرجاء النظر في تنقيح المرسوم عدد 54 إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية معتبرا أن هناك نوعا من المزايدة السياسية في علاقة بمسار 25 جويلية، فدعم المسار يكون بتصحيح ما يلوح من هنات في علاقة بنصوصه القانونية وتجويدها، وفق قوله.. وفي ما يلي نصّ الحوار.
حاورته: إيمان عبد اللطيف
*كيف تُعلّق على مسألة إعداد الحكومة لمشروع قانون جديد للمسؤولية الطبية وتعويضه للمشروع الذي كان بين يدي المجلس والذي تطلب ماراطونا من النقاشات وجلسات استماع لكل الأطراف بما فيها مهنيو القطاع؟
عملا بأحكام الدستور والنظام الداخلي بادرت مجموعات من النواب بتقديم العديد من مقترحات مشاريع القوانين وتمّت إحالتها على اللجان المختصة على غرار تعديل الفصل 411، والمسؤولية الطبية، والفصل 96 الذي فيه مبادرتان وغيرها.
ومسؤولية اللجنة أنها تدعو كل الأطراف المعنية بالمشروع للاستماع إليها حتى تقع بلورة المشروع النهائي للقانون وإضفاء التعديلات اللازمة والضرورية. فما راعنا، على سبيل المثال في علاقة بمشروع قانون المسؤولية الطبية، وبعد أن أنهت لجنة الصحة أعمالها وقدمت تقريرها ومشروعها النهائي لمكتب المجلس، أنّه في أحد مجالس الوزراء خلال الأسبوعين الماضيين يتمّ تقديم مشروع قانون متعلق بالمسؤولية الطبية من طرف الوظيفة التنفيذية.
وهذا يكاد يكون نفس السيناريو في علاقة بالفصل 96 إذ رأينا خلال اليومين الماضيين رئيس الدولة يستقبل وزيرة العدل ليلى جفال للحديث عن مشروع قانون في هذا السياق، والذي لدينا فيه مبادرتان تشريعيتان وتمت إحالتهما إلى لجنة التشريع العام والتي تقدمت أشواطا في أعمالها بالاستماع لرئاسة الحكومة ومحكمة المحاسبات ونقابة القضاة وهيئة المحامين وغيرها من الأطراف وانطلقت في إعداد النص النهائي.
وهنا وفي تقديري لا يوجد تنازع في الاختصاص بين الوظيفتين في علاقة بهذا الموضوع فعلى الجميع أن يُقدر أهمية الوقت والمحافظة على المال العام في علاقة بهذا الشأن. فأن تعقد اللجنة عشرات الجلسات فيه كلفة ووقت وجهد وانشغال عن قضايا أخرى. مع العلم أن مشاريع القوانين المحالة على اللجان تُعدّ بالعشرات فكان الأجدر النظر فيها وإعطاءها الأولوية.
فلو وُجد تنسيق بين الوظيفتين لتمّ إرجاء النظر في بعض المشاريع باعتبار أنها سترد عليها من الوظيفة التنفيذية. وفي الحالتين سيتمّ الاستماع إلى كل الأطراف والنظر في هذه المشاريع داخل المجلس وعرضها على الجلسة العامة بعد استيفاء كلّ الإجراءات.
وهذا يجعلني أتحدث عن غياب التنسيق وإهدار المال العام والجهد وأخشى أن تكون هناك نيّة لأن يكون مجلس نواب الشعب مجرد هيكل صوري. يعني بعد ما تستوفي اللجان النظر في مشاريع تأتي مبادرة من الوظيفة التنفيذية وهذا برأيي ليس له أي معنى في الوقت الذي يُفترض، ككل الأنظمة السياسية، أن يكون هناك تعاون وتنسيق خدمة للمصلحة العامة.
*لماذا صوّت ضدّ تأجيل النظر في تنقيح المرسوم 54 إلى ما بعد الانتخابات؟
المراسيم بعد إخضاعها للتنفيذ إذا تبيّنت ضرورة إعادة النظر فيها وتعديلها وتجويدها فهو أمر محمود ومعمول به بما في ذلك مراسيم رئيس الدولة وأذكر أن مرسوم الصلح الجزائي جاءت فيه مبادرة تعديل من نفس الجهة أي رئاسة الجمهورية..
ومن هذا المنطلق بادر 40 نائبا من العديد من الكتل بتقديم مشروع قانون يُعيد النظر في مرسوم 54 وخاصة الفصل 24 منه وذلك منذ ثلاثة أشهر وعُرض على مكتب المجلس وأُرجئ النظر فيه.
وفي الأسبوع الماضي وتحت ضغط وإلحاح النواب سواء الذين بادروا أو لم يبادروا، تداول مكتب المجلس يوم الخميس 16 ماي الجاري في هذه المسألة. فاعتبر أغلب أعضاء المكتب أن المساس بهذا المرسوم في هذا الظرف السياسي الدقيق غير ملائم، ورأوا من الوجيه أن يتمّ النظر فيه في فترة لاحقة أي بعد الانتخابات الرئاسية. وتمّ التصويت على هذا بـ10 ضدّ واحد، وكنت الوحيد الذي نادى وتمسك بموقف ضرورة أن تُمرر المبادرة لإحدى اللجان المختصة.
*كيف تقرأ هذا القرار؟ ولماذا هذا الإصرار على عدم تمريره للنقاش؟
هناك نوع من المزايدة السياسية في علاقة بمسار 25 جويلية، والجميع يدعي أنه في إطار دعم المسار له وجهة نظر. وأنا وجهة نظري أنّ دعم المسار يكون بتصحيح ما يلوح من هنات في علاقة بنصوصه القانونية وتجويدها وإعادة النظر فيها أمر محمود.
لكن البعض الآخر يرى العكس.. في هذه الظرفية ومن هذا المنطلق كانت الاختلافات في وجهات النظر.
*هل تعتقد أنّ تأجيل تنظيم الانتخابات الرئاسية مسألة واردة كما يتمّ الترويج لذلك من البعض؟
أنا أستبعد ذلك، على الأقل بالاستناد إلى تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد والذي أكد وفي أكثر من مناسبة أنّ الانتخابات ستُنجز في مواعيدها وكذلك تصريحات رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي بصدد إعداد العدة لها ولم يبق سوى إصدار أمر دعوة الناخبين.
ومن المتوقع أن يتمّ ذلك في حدود 23 جويلية القادم وفي إطار احترام الآجال الدستورية والثلاثة أشهر. وطالما لم يتمّ المساس بهذه الآجال لا نستطيع الحديث عن هذه الفرضية. وأن تُرجأ بشهر أو شهرين لظرف استثنائي هذا وارد. فنحن لا نعرف في ظل الوضع الذي تعيشه البلاد والتحديات التي أمامنا بخصوص ملف الأفارقة وفي ظلّ وضعنا الإقليمي، نحن منفتحون على عدة معطيات ولكن لا يمكن أن نتحدث عن فرضية عدم انجاز الانتخابات الآن.
*كيف تقيم عمل البرلمان الحالي كعضو حالي وعضو سابق بالمجلس قبل 25 جويلية؟
هناك مسألتان مهمتان يجب أخذهما بعين الاعتبار عند الحديث عن مقارنة بين تجربة سابقة وتجربة حالية. أوّلا النظام السياسي تغيّر. المجلس السابق كان في ظل نظام برلماني كانت له صلاحيات واسعة في علاقة بالرقابة على الحكومة وإضفاء الشرعية عليها وتمريرها.
هذه الصلاحية في ظل نظام رئاسي غير موجودة وبالتالي اليوم صلاحيات البرلمان تختلف عن السابقة بموجب أحكام الدستور. وإذا أردنا تقييم المجلس الحالي فيجب تقييمه في ظل ما أعطي له من صلاحيات التي تنحصر في الجانب التشريعي كسن قوانين أو تقديم مبادرات وفي الجانب الرقابي توجيه أسئلة كتابية أو شفاهية للحكومة.
واليوم من السابق لأوانه أن نُقيم تجربة هذا البرلمان وهو في سنته الأولى، وعندما أنظر حجم المبادرات التشريعية والنصوص القانونية التي تمت المصادقة عليها وحجم الأسئلة الكتابية والشفاهية التي تمّ توجيهها وعدد جلسات الحوار مع الحكومة أقول إن البرلمان يشتغل في وضع طبيعي بالنظر الى ما أوكل له من صلاحيات.
والمسألة الثانية أن البرلمان السابق كان وليد انتخابات على القائمات وقائمات حزبية أي نواب بخلفيات تنظيمية وحزبية وأجسام واضحة. والبرلمان الحالي جاء بموجب انتخابات على الأفراد وجميع من ترشحوا كانوا على ضوء مسار 25 جويلية وبالتالي التباينات الإيديولوجية والسياسية ضعيفة جدا إن لم أقل تكاد تكون منعدمة. والكتل الحالية هي مسألة تقنية ولا يعني أن لديها رؤية تنظيمية أو حزبية.
*هل هذا يعني أنه لا يمكن التقييم أو إبداء ملاحظات؟
من هذه الزاوية وانطلاقا مما ذكرت، ولاعتبار أن الزمن لا يزال في بداياته لا يمكن أن نقيّم اليوم والمقارنة مع السابق. فحتى المناخ والسياق السياسي قد تغيّر. فيمكن بعد سنتين أو ثلاث أن ننظر في رصيد هذا البرلمان ماذا أنجز وفي ماذا أخفق.
ولكن من المهم الحديث عن الإشكاليات الموجودة في علاقة بدرجة التناغم والانسجام بين الوظيفة التشريعية والتنفيذية وحتى في التعاطي في الشأن الجهوي. فبعض النواب يجدون صعوبات في التعامل مع المؤسسات الإدارية الجهوية ومع بعض الولاة منهم المتعاونون وآخرون لا. وبالتالي في ظلّ هذه التجربة الحديثة نحتاج إلى نصوص أخرى توضح الصلاحيات وتضع الحدود لكل من مسؤولي الوظيفة التنفيذية وكذلك التشريعية.
*ألا تعتقد أنّ الصعوبات التي يمرّ بها عدد من النواب في جهاتهم تعود إلى تراجع مكانة النائب وهيبته وصلاحياته؟
منزلة النائب لا يمكن المساس بها باعتبار أنّ المنتمين للوظيفة التشريعية لديهم شرعيتهم ومشروعيتهم وهم نواب منتخبون. وعملية التنازع أو سوء تقدير منزلة النائب تعود إلى قصر النظر لدى بعض المسؤولين الذين هم في حد ذاتهم لم يفهموا وضعيتهم.
ونحن اليوم لدينا مشكل قائم الذات، عند حديثنا عن أزمة في علاقة بالتعيينات على مستوى المعتمدين والولاة وحتى الوزراء. فهناك حالة عدم رضاء واسعة حول أداء هؤلاء المسؤولين ونادينا في العديد من المناسبات بضرورة إعادة النظر ورد الاعتبار لمبدأ الكفاءة قبل الولاء. فالولاء وحده لن يبني وطنا ولا مستقبلا، ولن يخرج تونس من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية.
نحن دعمنا المسار ولا نزال ندعمه وإذ نوجه نقدا فهو في إطار رغبتنا في حمايته وحتى لا نعود إلى الوراء وحتى نكون أوفياء للشعارات التي رُفعت في 25 جويلية.
*لماذا هذا الموقف الذي وُصف بـ"المتشدّد" من ملف المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول جنوب الصحراء؟
أعتبر ملف الأفارقة معضلة وتحديا كبيرا للوطن قبل أن يكون تحديا للسلطة السياسية وهو أمّ المعارك في تونس. وأكدّت في أكثر من مناسبة أنّ هؤلاء يشكلون خطرا داهما. وأنا مع رئيس الجمهورية عندما تحدث في الصائفة الماضية عن نية مبيتة لتغيير البنية الديمغرافية لتونس.
وأؤكد أنّ هنا ما ذهب إليه رئيس الجمهورية صحيح. فاليوم هناك نوايا مبيتة لأن تكون تونس موطنا لهؤلاء سواء الفارون من جنوب الصحراء نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية هناك أو الذين تقوم الدول الأوروبية بإرجاعهم من أوروبا ويريدون توطينهم في تونس بدعم وتآمر من بعض الجمعيات-ولا أتهم الجميع- بل المشتغلة في مجال اللاجئين وترفع بعض الشعارات على غاية من الخطورة وتصرح بها على غرار جمعية تونس أرض اللجوء بالإضافة إلى إقامة مشاريع اقتصادية واجتماعية ورفع شعار الإدماج الاقتصادي – الاجتماعي والذي لا يُفهم إلا في إطار التوطين. وقد انتدبت هذه الجمعية في إطار برنامجها 38 جمعية إلى حدود جوان 2023 تشتغل في إطار مشاريعها.
بالإضافة إلى ذلك هناك مسألة استباحة حدودنا البرية. وفي هذا السياق، نطرح إشكالية تعاطي السلطة مع هؤلاء. ففي أكثر من مناسبة دعوت إلى غلق الحدود البرية وإلى حوار مع دول الجوار الإقليمي ليبيا والجزائر وتجميعهم في أماكن بعيدة عن العمران حتى يتسنى فرزهم والتفاوض مع دولهم الأصلية وإرجاعهم. لكن اليوم نرى الفضاء الجغرافي مفتوحا أمامهم. وبالتالي هناك تقصير في التعاطي مع هذا الملف مقابل تزايد عددهم الذي أعتقد أنه يفوق بكثير عدد 23 ألفا الذي صرح به وزير الداخلية كمال الفقيه.
*ألا تعتقد أنّ مثل هذه التصريحات والمواقف في علاقة بتمويل الجمعيات لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين أجّج الرأي ضد المجتمع المدني ووضع الجميع في نفس "السلةّ"؟
من قام بذلك؟ أنا عندما تحدثت عن جمعيات قلت بعض الجمعيات. والأصل أن تكون هناك مراقبة. ونحن نعرف أن المرسوم عدد 88 قد تمّ سنه في ظروف غامضة فهناك العشرات إن لم نقل مئات الجمعيات واجهة خلفية لأحزاب وأطراف أخرى وجهات أوروبية تمويلا ونشاطا. ولهذا دعونا من قبل إلى ضرورة مراقبتها وتكون مراقبة قانونية ولا نعني بذلك استهدافها. ولا تُستهدف إلا تلك التي يكون نشاطها وتمويلها مشبوها وهذا أمر مشروع.
ولا يمكن تعميم حديثنا عن بعض الجمعيات على كافة مكونات المجتمع المدني، الذي بالعكس يُعتبر ظاهرة صحية ودعامة من دعائم الديمقراطية ونفتخر في تونس أن لدينا مجتمعا يقظا وحيا ومتطورا.
*كيف تقيّم مسار مكافحة الفساد في تونس خاصة في ظل الظرف السياسي الحالي وحتى قبل ذلك؟
مكافحة الفساد تتطلب عُدّة وعتادا في علاقة بالتشريعات التي يجب مراجعة البعض منها حتى تكون هذه المعالجة أقوى هذا من جانب، ومن جانب آخر لا يمكن فصل مكافحة الفساد عن حماية المبلغين الذين يتعرضون اليوم إلى الهرسلة والملاحقات القضائية في ضوء عدم وجود أي جهة قانونية تحميهم. ولذلك ندعو إلى حماية قانونية ومؤسساتية لهم.
وعليه يجب تدعيم القطب القضائي والمالي ومضاعفة عدد القضاة به وتوفير الحماية اللازمة لهم إلى جانب ضرورة ضمان استقلاليته عن النيابة العمومية في تونس وتكون لديه نيابة خاصة به حتى يتمّ تسريع النظر في الملفات.