قال أستاذ العلوم الجيوسياسية رافع الطبيب، إن الحرب على غزة تعتبر أول حرب يخوضها الصهاينة في "الداخل" ويتخذ موقع الدفاع والانكفاء إلى حد أصبح يتحدث فيها عن الحزام الأمني داخل فلسطين المحتلة.
وأضاف الطبيب، في حوار لـ"الصباح"، أن أول طلقة في فجر عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي كانت تستهدف أيضا "اتفاقية أوسلو" التي أمضيت سنة 1993، بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال.
وأكد الطبيب، أن النظام العالمي القادم سيكون نظاما متعدد الأقطاب.
*هل يمكن اعتبار عملية رفح بداية النهاية للمشروع الصهيوني؟
منذ الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في 1948، كان العدو يحارب خارج مجال كيانه ويقضم المزيد من الأرض. هذه أول حرب يخوضها الصهاينة في "الداخل" ويتخذ موقع الدفاع والانكفاء الى حد أصبح يتحدث فيها عن الحزام الأمني داخل فلسطين المحتلة. قد لا نكون في مرحلة التحرير لكننا حتما في مرحلة الهجوم وهذا في حد ذاته مؤشر لبداية تفكيك المشروع الصهيوني.
*بمنطق جيوسياسي أين تتموقع الحرب على غزة وطوفان الأقصى ضمن لعبة المحاور الدولية؟
كل المؤشرات تدل على تكامل ساحات الاشتباك عالميا. نفاد الذخيرة المرسلة الى الكيان أدى الى انكسار جبهات أوكرانيا وتقدم الجيش الروسي على كل الجبهات. كما أن تعثر الحلف الغربي في غزة والبحر الأحمر أدى الى إعطاء الصين وقتا كافيا لبناء قدراتها في منطقة الشرق الأقصى والتجهيز للحرب القادمة.
*في رأيكم ما هي فرضيات ارتسام تحالف جديد دولي في الشرق الأوسط وآسيا بعد الحرب على غزة؟ أو أن حالة الاصطفاف ما قبل الحرب هي التي ستستمر؟
لقد انهارت مشاريع التطبيع وتبخرت أحلام بناء تحالف الدول الخليجية مع الكيان وبدأ الحديث عن ترتيبات أمنية إقليمية خارج القيد الأمريكي قوامها التقارب السعودي الإيراني خاصة بعد الترحيب اللافت لحكومة صنعاء بالموقف السعودي من رد الجيش اليمني في عرض البحر. سيكون حتما للقطبين الصاعدين الصين وروسيا مشاريع توسيع التعاون عسكريا وأمنيا واقتصاديا مع كل دول الإقليم ضمن الرؤية الجديدة المعتمدة في العلاقات الدولية أي التعددية البينية.
*في حروب الجيل الرابع كالتي تخوضها المقاومة الفلسطينية، يكمن الانتصار لمن يصمد أكثر ويحقق أهدافه السياسية، حسب رأيكم هل أن نهاية هذه الحرب ستشكل نقطة جديدة في تأسيس مشهد فلسطيني جديد وبمؤسسات جديدة؟
حتما.. لكن علينا ألا ننسى أن إسرائيل عملت منذ عشرين عاما، منذ وأد الانتفاضة الثانية واغتيال الزعيم عرفات واعتقال القيادات الوطنية على إفراغ الساحة السياسية من أي حيثية شعبية قادرة على مراكمة النصر السياسي كثمرة للعمل المسلح. بعد الانتصار وإذعان الكيان لعملية التبادل، سيحتل المشهد قياديو الحركة السجنية كالزعيم مروان البرغوثي وأحمد سعدات وغيرهما، مما سيسهم في تغيير جذري للفاعلين والسياسات والأساليب النضالية والاستراتيجيات. برأيي، أول طلقة في فجر 7 أكتوبر كانت تستهدف أيضا اتفاقية أوسلو.
*هل أن نتائج الحرب على غزة ستكون إيذانا بانطلاق تأسيس نظام عالمي جديد؟ أم أن الأمر يتطلب وقتا أكثر؟
العدوان على غزة جاء ضمن إرهاصات التغيرات التي تعيد تشكيل العالم. انظر فقط زيارة الرئيس الصيني كسي جين بينغ الى باريس وموازين القوى عند المحادثات وتوزيع الأدوار الجديد لتتأكد أن نهاية الهيمنة الغربية وأفول أوروبا ليست مجرد تمنيات لأصحاب الفكر المعادي للامبريالية، بل واقع ملموس.
*كيف ترى حالة النظام العالمي القادم، هل سيكون ثنائي القطبية أم متعدد القطبية؟
سيكون نظاما متعدد الأقطاب بتحالفات إستراتيجية والتقاءات ظرفية وتوافقات صعبة حول قضايا العولمة والمناخ. إن التحولات على جبهة التشكيلات الجيوسياسية تتغذى أيضا من التغيرات داخل المجتمعات. ففي الصين، نشهد صعودا قويا للطبقة الوسطى في المدن مع ما يصحب ذلك من تبدل السلوكيات والمواقف. أما في الغرب، فان ردة فعل النخب الجامعية تؤشر لنهاية عصر ما بعد الحقيقة وانتصار الضمير الذي لا تفسده التخمة الاستهلاكية. لكن بالمقابل، هناك تصعيد يميني عنصري متطرف ينبئ بانفجار مجتمعي سياسي قريب. في الجنوب المعولم، هناك شعوب تتوجه بخطى عملاقة نحو التحرر والانعتاق. مقابل أمم بأكملها اختارت التخلف والانغلاق والهويات القاتلة خاصة في المشرق وآسيا. سيدخل العالم عصر ما بعد العولمة المنفلتة لكن بصفوف مرتبكة وبكثير من السرديات المأزومة.
تعريف
الدكتور رافع الطبيب:
د. رافع الطبيب
-أستاذ العلوم الجيوسياسية بجامعة منوبة
-أستاذ جيوبولتيك بالمدرسة الحربية العليا بتونس
- رئيس الأكاديمية التونسية للعلوم الإستراتيجية والجيوسياسية
- باحث بمختبر "سيتاراس"، المركز الفرنسي للبحوث العلمية.
- متحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة تورز بفرنسا
- متحصل على درجة التأهيل لإدارة البحوث العلمية من جامعة فرونسوا رابلي فرنسا
-مؤلف وباحث في قضايا الاستراتجيات
تونس- الصباح
قال أستاذ العلوم الجيوسياسية رافع الطبيب، إن الحرب على غزة تعتبر أول حرب يخوضها الصهاينة في "الداخل" ويتخذ موقع الدفاع والانكفاء إلى حد أصبح يتحدث فيها عن الحزام الأمني داخل فلسطين المحتلة.
وأضاف الطبيب، في حوار لـ"الصباح"، أن أول طلقة في فجر عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي كانت تستهدف أيضا "اتفاقية أوسلو" التي أمضيت سنة 1993، بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال.
وأكد الطبيب، أن النظام العالمي القادم سيكون نظاما متعدد الأقطاب.
*هل يمكن اعتبار عملية رفح بداية النهاية للمشروع الصهيوني؟
منذ الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في 1948، كان العدو يحارب خارج مجال كيانه ويقضم المزيد من الأرض. هذه أول حرب يخوضها الصهاينة في "الداخل" ويتخذ موقع الدفاع والانكفاء الى حد أصبح يتحدث فيها عن الحزام الأمني داخل فلسطين المحتلة. قد لا نكون في مرحلة التحرير لكننا حتما في مرحلة الهجوم وهذا في حد ذاته مؤشر لبداية تفكيك المشروع الصهيوني.
*بمنطق جيوسياسي أين تتموقع الحرب على غزة وطوفان الأقصى ضمن لعبة المحاور الدولية؟
كل المؤشرات تدل على تكامل ساحات الاشتباك عالميا. نفاد الذخيرة المرسلة الى الكيان أدى الى انكسار جبهات أوكرانيا وتقدم الجيش الروسي على كل الجبهات. كما أن تعثر الحلف الغربي في غزة والبحر الأحمر أدى الى إعطاء الصين وقتا كافيا لبناء قدراتها في منطقة الشرق الأقصى والتجهيز للحرب القادمة.
*في رأيكم ما هي فرضيات ارتسام تحالف جديد دولي في الشرق الأوسط وآسيا بعد الحرب على غزة؟ أو أن حالة الاصطفاف ما قبل الحرب هي التي ستستمر؟
لقد انهارت مشاريع التطبيع وتبخرت أحلام بناء تحالف الدول الخليجية مع الكيان وبدأ الحديث عن ترتيبات أمنية إقليمية خارج القيد الأمريكي قوامها التقارب السعودي الإيراني خاصة بعد الترحيب اللافت لحكومة صنعاء بالموقف السعودي من رد الجيش اليمني في عرض البحر. سيكون حتما للقطبين الصاعدين الصين وروسيا مشاريع توسيع التعاون عسكريا وأمنيا واقتصاديا مع كل دول الإقليم ضمن الرؤية الجديدة المعتمدة في العلاقات الدولية أي التعددية البينية.
*في حروب الجيل الرابع كالتي تخوضها المقاومة الفلسطينية، يكمن الانتصار لمن يصمد أكثر ويحقق أهدافه السياسية، حسب رأيكم هل أن نهاية هذه الحرب ستشكل نقطة جديدة في تأسيس مشهد فلسطيني جديد وبمؤسسات جديدة؟
حتما.. لكن علينا ألا ننسى أن إسرائيل عملت منذ عشرين عاما، منذ وأد الانتفاضة الثانية واغتيال الزعيم عرفات واعتقال القيادات الوطنية على إفراغ الساحة السياسية من أي حيثية شعبية قادرة على مراكمة النصر السياسي كثمرة للعمل المسلح. بعد الانتصار وإذعان الكيان لعملية التبادل، سيحتل المشهد قياديو الحركة السجنية كالزعيم مروان البرغوثي وأحمد سعدات وغيرهما، مما سيسهم في تغيير جذري للفاعلين والسياسات والأساليب النضالية والاستراتيجيات. برأيي، أول طلقة في فجر 7 أكتوبر كانت تستهدف أيضا اتفاقية أوسلو.
*هل أن نتائج الحرب على غزة ستكون إيذانا بانطلاق تأسيس نظام عالمي جديد؟ أم أن الأمر يتطلب وقتا أكثر؟
العدوان على غزة جاء ضمن إرهاصات التغيرات التي تعيد تشكيل العالم. انظر فقط زيارة الرئيس الصيني كسي جين بينغ الى باريس وموازين القوى عند المحادثات وتوزيع الأدوار الجديد لتتأكد أن نهاية الهيمنة الغربية وأفول أوروبا ليست مجرد تمنيات لأصحاب الفكر المعادي للامبريالية، بل واقع ملموس.
*كيف ترى حالة النظام العالمي القادم، هل سيكون ثنائي القطبية أم متعدد القطبية؟
سيكون نظاما متعدد الأقطاب بتحالفات إستراتيجية والتقاءات ظرفية وتوافقات صعبة حول قضايا العولمة والمناخ. إن التحولات على جبهة التشكيلات الجيوسياسية تتغذى أيضا من التغيرات داخل المجتمعات. ففي الصين، نشهد صعودا قويا للطبقة الوسطى في المدن مع ما يصحب ذلك من تبدل السلوكيات والمواقف. أما في الغرب، فان ردة فعل النخب الجامعية تؤشر لنهاية عصر ما بعد الحقيقة وانتصار الضمير الذي لا تفسده التخمة الاستهلاكية. لكن بالمقابل، هناك تصعيد يميني عنصري متطرف ينبئ بانفجار مجتمعي سياسي قريب. في الجنوب المعولم، هناك شعوب تتوجه بخطى عملاقة نحو التحرر والانعتاق. مقابل أمم بأكملها اختارت التخلف والانغلاق والهويات القاتلة خاصة في المشرق وآسيا. سيدخل العالم عصر ما بعد العولمة المنفلتة لكن بصفوف مرتبكة وبكثير من السرديات المأزومة.
تعريف
الدكتور رافع الطبيب:
د. رافع الطبيب
-أستاذ العلوم الجيوسياسية بجامعة منوبة
-أستاذ جيوبولتيك بالمدرسة الحربية العليا بتونس
- رئيس الأكاديمية التونسية للعلوم الإستراتيجية والجيوسياسية
- باحث بمختبر "سيتاراس"، المركز الفرنسي للبحوث العلمية.
- متحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة تورز بفرنسا
- متحصل على درجة التأهيل لإدارة البحوث العلمية من جامعة فرونسوا رابلي فرنسا