إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

وضع المرأة في تونس إزاء ذكورية الرجل.. أي مآل؟

-الاستنتاج الصادم أكثر، أن بلدانا شهيرة بتقدمها العلمي وحيازتها مراتب متقدمة في الديمقراطية، مثل أمريكا وفرنسا، ترتفع فيها أرقام سوء معاملة النسوة.

                  مختار اللواتي

إعلامي

كان للّقاء الذي نظمته جمعية مواطنات السبت 11 ماي، بالمركب الثقافي محمد الجموسي بصفاقس، تفاعلا إيجابيا مبهجٌا وكثيفا من أعداد غفيرة من النساء وبعض الرجال سعدتُ أن كنت من بينهم بفضل دعوةٍ كريمة من السيدة بشيرة العموري الرئيسة سابقا للجمعية. المنصوص على واجهة بطاقة الدعوة كان يقول إن المناسبة هي الاستماع إلى السيدة مريم السلامي، أستاذة علم الاجتماع والأنتروبولوجيا بكلية الطب بتونس حول نتائج الدراسة الميدانية التي أنجزتها مكوناتٌ من المجتمع المدني تحت إشراف منظمة ONU Femme بعنوان "فهم الذكورية في تونس".

للحقيقة، حرصي على الحضور لم يكن مبعثه فقط دعوة السيدة بشيرة، وإنما كذلك لانشغالي بإشكالية المساواة بين الرجل والمرأة عموما وفي بلدنا تونس بالذات. وها قد تم إلحاق مسألة الذكورية هذه إلى الخلطة وكأننا قد حسمنا قضية المساواة تلك حتى تمت مباغتتنا بموضوع الذكورية، والحقيقية إنه الرابط الرئيسي بين مختلف محاور قضية حرية المرأة ومساواتها للرجل..

مداخلتان قيمتان احتوت عليهما جلسة اللقاء. المداخلة الأولى كانت في صيغة عرض تأطيري للموضوع من جوانبه الاجتماعية والثقافية في علاقة بالإرث الثقيل لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة من زوايا مختلفة عبر التاريخ. من التقييد على الحرية إلى افتكاك نصيب منها بحسب رجحان ميزان القوى السياسية لفائدة هذا الطرف أو ذاك، وحراك المجتمع المدني بمنظماته وجمعياته دفاعا عن حقوق المرأة في سبيل مساواتها بالرجل. وأبرزت تحقق عدة مكاسب في هذا الاتجاه. غير إنها تبقى منقوصة ومهددة بالتراجع، خاصة في ضوء المخاطر التي مثلها المد الأخواني في المجتمع في سنوات ما بعد 2011، ما يدعو إلى مواصلة تكثيف الجهود لتحقيق المزيد من المكاسب القانونية الحمائية التي تكون جدار صد لكل محاولات جديدة للتعدي على حقوق المرأة واستنقاص قيمتها ودورها في المجتمع.

أما المداخلة الثانية وقد أمّنتها السيدة مريم السلامي، فقد كان عمودها الفقري محصلة تحاقيق ميدانية توثيقية في أوساط نسائية ورجالية وفي أماكن مختلفة من البلاد التونسية حول مظاهر وخفايا هذه الذكورية التي تطبع المجتمع ليس في بلادنا فحسب بل جميع المجتمعات تقريبا في العالم، وإن بنسب مختلفة. فتحكم على المرأة بالاضطهاد والدونية برغم كل المساحيق وموضات التلبيس والتجميل.

المداخلة كانت ثرية بالأرقام والاستنتاجات الخاضعة للتقييم العلمي والتحليل الموضوعي. والتي كشفت للحاضرات والحاضرين أن المرأة خاضعة، في كل بلاد العالم، بنسب مختلفة، لسوء معاملة متعددة ومتنوعة، تتراوح بين سوء تقدير كفاءتها والتحرش بها وتعنيفها. ولعل الاستنتاج الصادم أكثر أن بلدانا شهيرة بتقدمها العلمي وحيازتها مراتب متقدمة في الديمقراطية، مثل أمريكا وفرنسا، ترتفع فيها أرقام سوء معاملة النسوة بالأمثلة التي سبق ذكرها وغيرها حَدَّ قتلِ الشريكةِ في الحياة والزوجة، تماماً مثل الحالات التي حصلت في بلادنا في فترات ليست ببعيدة..

أما في بلدنا، فإنه وإن تعددت القوانين التي اشتهرت بدفاعها عن حقوق المرأة وتمتيعها بالمزيد منها فأكسبت تونس مكانة متقدمة في مدى التقدم الذي حققته المرأة في مجال الرصيد المتميز من الحقوق، منذ فجر الاستقلال وعلى مر السنين اللاحقة، ليس فقط بين البلدان العربية والإسلامية بل في العالم أيضا، إلا إن نسبة من هذه القوانين تبين المحاضرة، لم تواكب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تحتم مراجعتها. وظلت المرأة عرضة لأنواع متعددة من سوء المعاملة، فيها المكشوف وكثيرُها مخفيٌ ومسكوتٌ عنه لأسباب متنوعة. ولعل أكثرها شيوعا النظرةُ الدونية الموروثة لها. فيتداخل هكذا الإرثُ الأنتروبولوجي والضغط الاجتماعي المزدوج بين العائلي والمهني. وكلها عوامل تظافرت في الحد من فرص المرأة لتحقيق التقدم الكامل المنشود نحو المكانة التي هي بها جديرة. وأوضحت الأستاذة السلامي كذلك، أن الغرابة في هذا الاستخلاص تكمن في التناقض بين هذه الحقائق على أرض الواقع، حيث يستمر حضور المرأة ضعيفا ومحدودا في الهيئات التسييرية العليا للمنظمات والمؤسسات العمومية والخاصة برغم بعض التحسن في السنوات الأخيرة. والحال العجيب والغريب أن نسبة تفوّق الفتيات في الدراسة وفي التخرج من الجامعات على الأولاد في مختلف فروع المعرفة والتخصصات، أصبحت ظاهرة غير مخفية. دون أن يشفع لها ذلك في الظفر المتساوي مع الشاب بفرصةٍ للعمل ثم للارتقاء في السلم الوظيفي.

وفد استخدمت الأستاذة مريم في معرض حديثها عن آفاق تغيير هذا الواقع القاعدة الشائعة القديمة وهي الاستقلال المادي للنجاة من التبعية للرجل أيا كان، من أجل التحكم في تخطيط حياتها. ولكنها سرعان ما تبين، أن ذلك لوحده، إن تحقق، غير كاف لتحرير المرأة من كثير من الضغوط الأخرى، يكون الرجل في الغالب أثقلَها عليها بما يحمله من موروث شعوري ولاشعوري يستمد منه جملة من الحقوق يراها تخوله أولوية الهيمنة على المرأة ! وهنا يتجلى مفهوم الذكورية في أسوء مظاهره وآثاره على المرأة. فإذا كان مفهوم الرجولة السائد بين الجميع، مثقفين وعاديين، يعني الشهامة والمروءة ورفعة الأخلاق،ـ فإن الذكورة تعني مكابدة الرجل في وعيه ولا وعيه أن ينفرد بالحلم والتخطيط والفعل لشخصه ومجتمعه وعالمه من دون حساب لشريك معه التي هي المرأة. وفي الغالب هو لا يرى في ذلك سلوكا غير عادل أو شاذا عكس ما تفرضه الطبيعة. وبالتأكيد تتولد وتولدت عن هذه العقلية وهذا السلوك مساوي عديدة لحقت المرأة وماتزال. وبقيت هي في واد والحديث، أو قل النضال من أجل المساواة، في واد آخر.

المعطيات المعروضة في هذه المحاضرة محترمة وخاصة من حيث ارتباطها بإحصاءات ودراسات من معاهد ومؤسسات متخصصة ومن البحث الاستقصائي الذي أجرته الباحثة الأستاذة مريم والفريق المصاحب لها في جهات مختلفة من الجمهورية. وهي تلخص جميعها مفهوم الذكورية التسلطي للرجل في المجتمع وفي العائلة على المرأة في كل مناحي العلاقة بينهما. لكن الشيء الذي لم يُزِل احترازي من مثل هذه الأطراف هو ما أراه تشيعا للمرأة في كل الأحوال والظروف والوقوف ضد الرجل في كل الأحوال والظروف كذلك. إذ نادرا مايكون الموقف معتدلا ومراعيا لمختلف الجوانب، الأنتروبولوجية والإجتماعية الموروثة والمكتسبة، التربوية والقيمية. ليس من أجل عذر الرجل على استصغاره للمرأة، وإنما لتحليل بواعث تلك القناعة وذلك السلوك. لأن القضية في النهاية لا تعني حربا ضروسا بين الطرفين الأساسيين في تكوينه وبنائه. وليس بالضرورة أن يكون المحدِّد فيها النهائي الجانب المالي للرجل الذي يعطيه في الظاهر قوة التسلط هذه على المرأة في كل نواحي العلاقة بها.

وقد لاحظتُ في مشاركتي في جانب من التساؤلات التي عقبت المداخلتين أن الجانب المنسي في ذلك الموروث بشقيه الأنتروبولوجي الجذري العميق الممتد عبر التاريخ، والاجتماعي المتجسد في العائلة والمدرسة والمؤسسة، هو تلك التنشئة التي يخضع لها كل من الولد والبنت منذ حين الرضاعة والخطوات الأولى. والمتمثلة في تهيئة الولد لحمل ذكورته كتاج فوق رأسه يكتسب من خلاله الحق في الأولوية والولاية على البنت لتخدمه. وتدريجيا وبنسبة غير قليلة تستبطن المرأة هذا الوضع بمثابة قدرها المحتوم وكذا الأمر على مستوى المجتمع ككل. وهذه التنشئة هي القاعدة المعتمدة في غالبية العائلات للأسف، ثم نأتي لنطالبه بالتخلي عنها بما يُسَن من قوانين، دون أن نأخذ في الاعتبار أن ذلك يتطلب دربة وتمرينا جديدين في إطار مخطط شامل تضعه الدولة وتشترك فيه كل مؤسساتها وبخاصة المحاضن والمدارس والجامعات والإعلام. ومع ذلك فلا بد من أخذ عنصر الزمن في الاعتبار ولا نترقب تغير الحال بدرجة 180 درجة في فترة زمنية قصيرة بعد أن نكون قد نشأنا، كلنا، بإرادتنا ودونها، مذنبين ومنافقين ومتلونين بأكثر من وجه. وهنا يأتي دور الدولة. وللحقيقة قد لاحظنا في السنوات الأخيرة السعي إلى بعث محاضن حسنة التهيئة وملاجيء لاستقبال المعنَّفات وتوفير الرعاية النفسية والاجتماعية لهن ولأطفالهن. لكن يظل كله على أهميته غير كاف إن لم ترافقه تلك الإستراتيجية التي أشرنا إليها من أجل إعادة تأهيل الأطفال والعائلات بقواعد سليمة من أجل علاقات رحيمة تقوم على المساواة والاحترام بلا أدنى فرق بين الذكر والأنثى. لأنه عدا ذلك وحتى حين تُسن القوانين لإنصاف المرأة، فلا يكون مآلها ومكانها الأثير إلا دفاتر وخزانات المحاكم عند النظر في خلافات الزوجين وقضايا الطلاق بينهما ، وتحديد مقادير النفقة للطليقة وللأطفال. فتبدأ هكذا مرحلةٌ جديدة من الخلافات والمعارك التي تأخذ أدواتِها من قواميس الحروب القديمة والحديثة.. فكيف في مثل هذا المناخ أن نضمن تنشئة أجيال خاليةٍ من عُقَد الصراع بين الرجل والمرأة، ومُنَقّاةٍ من آفة الذكورية هذه التي تَصِمُ(توصم) الرجل وتلاحقه على طول الزمان؟ أنسيتم أن الرجل يظل طول حياته يبحث في مكمن عُقده وثنايا لاشعوره عن تعويضٍ يرضيه على أول رعب عاشه في طفولته فيما وقع اعتباره حفلَ ختان بدعوى فتح باب الذكورة على مصراعيه لضمه فيه (هذا العنصر لم أُثِره في ملاحظتي عند تناول الكلمة في ذلك اللقاء النسائي خشية ردود فعل الحاضرات.. وهنا استحضرت بعض ماتعانيه أية شابة أو امرأة عند تفكيرها الإصداع بموقف آو رأي في جمعٍ رجالي تكون هي أقليةً قليلةً فيه !..( وعاشت المرأة حرةً مستقلة مساوية للرجل في مجتمعٍ متوازن يتقاسم فيه الجميع، المرأة والرجل والأطفال المهام بحسب مقدرة كل طرف من ذلك الجمع المتآلف الجميل.

وفي خضم أحلامي الجميلة هذه فطنت إلى أن نقاش السيدات مع الأستاذة المحاضِرة مازال متواصلا وكنت ملتزما بموعد مع الدكتور، فتركت قاعة اللقاء دون أن أعرف ما أسفر عنه من مخرجات وتوصيات.

 ولتتواصل المسيرة !

 

 

 

وضع المرأة في تونس إزاء ذكورية الرجل.. أي مآل؟

-الاستنتاج الصادم أكثر، أن بلدانا شهيرة بتقدمها العلمي وحيازتها مراتب متقدمة في الديمقراطية، مثل أمريكا وفرنسا، ترتفع فيها أرقام سوء معاملة النسوة.

                  مختار اللواتي

إعلامي

كان للّقاء الذي نظمته جمعية مواطنات السبت 11 ماي، بالمركب الثقافي محمد الجموسي بصفاقس، تفاعلا إيجابيا مبهجٌا وكثيفا من أعداد غفيرة من النساء وبعض الرجال سعدتُ أن كنت من بينهم بفضل دعوةٍ كريمة من السيدة بشيرة العموري الرئيسة سابقا للجمعية. المنصوص على واجهة بطاقة الدعوة كان يقول إن المناسبة هي الاستماع إلى السيدة مريم السلامي، أستاذة علم الاجتماع والأنتروبولوجيا بكلية الطب بتونس حول نتائج الدراسة الميدانية التي أنجزتها مكوناتٌ من المجتمع المدني تحت إشراف منظمة ONU Femme بعنوان "فهم الذكورية في تونس".

للحقيقة، حرصي على الحضور لم يكن مبعثه فقط دعوة السيدة بشيرة، وإنما كذلك لانشغالي بإشكالية المساواة بين الرجل والمرأة عموما وفي بلدنا تونس بالذات. وها قد تم إلحاق مسألة الذكورية هذه إلى الخلطة وكأننا قد حسمنا قضية المساواة تلك حتى تمت مباغتتنا بموضوع الذكورية، والحقيقية إنه الرابط الرئيسي بين مختلف محاور قضية حرية المرأة ومساواتها للرجل..

مداخلتان قيمتان احتوت عليهما جلسة اللقاء. المداخلة الأولى كانت في صيغة عرض تأطيري للموضوع من جوانبه الاجتماعية والثقافية في علاقة بالإرث الثقيل لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة من زوايا مختلفة عبر التاريخ. من التقييد على الحرية إلى افتكاك نصيب منها بحسب رجحان ميزان القوى السياسية لفائدة هذا الطرف أو ذاك، وحراك المجتمع المدني بمنظماته وجمعياته دفاعا عن حقوق المرأة في سبيل مساواتها بالرجل. وأبرزت تحقق عدة مكاسب في هذا الاتجاه. غير إنها تبقى منقوصة ومهددة بالتراجع، خاصة في ضوء المخاطر التي مثلها المد الأخواني في المجتمع في سنوات ما بعد 2011، ما يدعو إلى مواصلة تكثيف الجهود لتحقيق المزيد من المكاسب القانونية الحمائية التي تكون جدار صد لكل محاولات جديدة للتعدي على حقوق المرأة واستنقاص قيمتها ودورها في المجتمع.

أما المداخلة الثانية وقد أمّنتها السيدة مريم السلامي، فقد كان عمودها الفقري محصلة تحاقيق ميدانية توثيقية في أوساط نسائية ورجالية وفي أماكن مختلفة من البلاد التونسية حول مظاهر وخفايا هذه الذكورية التي تطبع المجتمع ليس في بلادنا فحسب بل جميع المجتمعات تقريبا في العالم، وإن بنسب مختلفة. فتحكم على المرأة بالاضطهاد والدونية برغم كل المساحيق وموضات التلبيس والتجميل.

المداخلة كانت ثرية بالأرقام والاستنتاجات الخاضعة للتقييم العلمي والتحليل الموضوعي. والتي كشفت للحاضرات والحاضرين أن المرأة خاضعة، في كل بلاد العالم، بنسب مختلفة، لسوء معاملة متعددة ومتنوعة، تتراوح بين سوء تقدير كفاءتها والتحرش بها وتعنيفها. ولعل الاستنتاج الصادم أكثر أن بلدانا شهيرة بتقدمها العلمي وحيازتها مراتب متقدمة في الديمقراطية، مثل أمريكا وفرنسا، ترتفع فيها أرقام سوء معاملة النسوة بالأمثلة التي سبق ذكرها وغيرها حَدَّ قتلِ الشريكةِ في الحياة والزوجة، تماماً مثل الحالات التي حصلت في بلادنا في فترات ليست ببعيدة..

أما في بلدنا، فإنه وإن تعددت القوانين التي اشتهرت بدفاعها عن حقوق المرأة وتمتيعها بالمزيد منها فأكسبت تونس مكانة متقدمة في مدى التقدم الذي حققته المرأة في مجال الرصيد المتميز من الحقوق، منذ فجر الاستقلال وعلى مر السنين اللاحقة، ليس فقط بين البلدان العربية والإسلامية بل في العالم أيضا، إلا إن نسبة من هذه القوانين تبين المحاضرة، لم تواكب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تحتم مراجعتها. وظلت المرأة عرضة لأنواع متعددة من سوء المعاملة، فيها المكشوف وكثيرُها مخفيٌ ومسكوتٌ عنه لأسباب متنوعة. ولعل أكثرها شيوعا النظرةُ الدونية الموروثة لها. فيتداخل هكذا الإرثُ الأنتروبولوجي والضغط الاجتماعي المزدوج بين العائلي والمهني. وكلها عوامل تظافرت في الحد من فرص المرأة لتحقيق التقدم الكامل المنشود نحو المكانة التي هي بها جديرة. وأوضحت الأستاذة السلامي كذلك، أن الغرابة في هذا الاستخلاص تكمن في التناقض بين هذه الحقائق على أرض الواقع، حيث يستمر حضور المرأة ضعيفا ومحدودا في الهيئات التسييرية العليا للمنظمات والمؤسسات العمومية والخاصة برغم بعض التحسن في السنوات الأخيرة. والحال العجيب والغريب أن نسبة تفوّق الفتيات في الدراسة وفي التخرج من الجامعات على الأولاد في مختلف فروع المعرفة والتخصصات، أصبحت ظاهرة غير مخفية. دون أن يشفع لها ذلك في الظفر المتساوي مع الشاب بفرصةٍ للعمل ثم للارتقاء في السلم الوظيفي.

وفد استخدمت الأستاذة مريم في معرض حديثها عن آفاق تغيير هذا الواقع القاعدة الشائعة القديمة وهي الاستقلال المادي للنجاة من التبعية للرجل أيا كان، من أجل التحكم في تخطيط حياتها. ولكنها سرعان ما تبين، أن ذلك لوحده، إن تحقق، غير كاف لتحرير المرأة من كثير من الضغوط الأخرى، يكون الرجل في الغالب أثقلَها عليها بما يحمله من موروث شعوري ولاشعوري يستمد منه جملة من الحقوق يراها تخوله أولوية الهيمنة على المرأة ! وهنا يتجلى مفهوم الذكورية في أسوء مظاهره وآثاره على المرأة. فإذا كان مفهوم الرجولة السائد بين الجميع، مثقفين وعاديين، يعني الشهامة والمروءة ورفعة الأخلاق،ـ فإن الذكورة تعني مكابدة الرجل في وعيه ولا وعيه أن ينفرد بالحلم والتخطيط والفعل لشخصه ومجتمعه وعالمه من دون حساب لشريك معه التي هي المرأة. وفي الغالب هو لا يرى في ذلك سلوكا غير عادل أو شاذا عكس ما تفرضه الطبيعة. وبالتأكيد تتولد وتولدت عن هذه العقلية وهذا السلوك مساوي عديدة لحقت المرأة وماتزال. وبقيت هي في واد والحديث، أو قل النضال من أجل المساواة، في واد آخر.

المعطيات المعروضة في هذه المحاضرة محترمة وخاصة من حيث ارتباطها بإحصاءات ودراسات من معاهد ومؤسسات متخصصة ومن البحث الاستقصائي الذي أجرته الباحثة الأستاذة مريم والفريق المصاحب لها في جهات مختلفة من الجمهورية. وهي تلخص جميعها مفهوم الذكورية التسلطي للرجل في المجتمع وفي العائلة على المرأة في كل مناحي العلاقة بينهما. لكن الشيء الذي لم يُزِل احترازي من مثل هذه الأطراف هو ما أراه تشيعا للمرأة في كل الأحوال والظروف والوقوف ضد الرجل في كل الأحوال والظروف كذلك. إذ نادرا مايكون الموقف معتدلا ومراعيا لمختلف الجوانب، الأنتروبولوجية والإجتماعية الموروثة والمكتسبة، التربوية والقيمية. ليس من أجل عذر الرجل على استصغاره للمرأة، وإنما لتحليل بواعث تلك القناعة وذلك السلوك. لأن القضية في النهاية لا تعني حربا ضروسا بين الطرفين الأساسيين في تكوينه وبنائه. وليس بالضرورة أن يكون المحدِّد فيها النهائي الجانب المالي للرجل الذي يعطيه في الظاهر قوة التسلط هذه على المرأة في كل نواحي العلاقة بها.

وقد لاحظتُ في مشاركتي في جانب من التساؤلات التي عقبت المداخلتين أن الجانب المنسي في ذلك الموروث بشقيه الأنتروبولوجي الجذري العميق الممتد عبر التاريخ، والاجتماعي المتجسد في العائلة والمدرسة والمؤسسة، هو تلك التنشئة التي يخضع لها كل من الولد والبنت منذ حين الرضاعة والخطوات الأولى. والمتمثلة في تهيئة الولد لحمل ذكورته كتاج فوق رأسه يكتسب من خلاله الحق في الأولوية والولاية على البنت لتخدمه. وتدريجيا وبنسبة غير قليلة تستبطن المرأة هذا الوضع بمثابة قدرها المحتوم وكذا الأمر على مستوى المجتمع ككل. وهذه التنشئة هي القاعدة المعتمدة في غالبية العائلات للأسف، ثم نأتي لنطالبه بالتخلي عنها بما يُسَن من قوانين، دون أن نأخذ في الاعتبار أن ذلك يتطلب دربة وتمرينا جديدين في إطار مخطط شامل تضعه الدولة وتشترك فيه كل مؤسساتها وبخاصة المحاضن والمدارس والجامعات والإعلام. ومع ذلك فلا بد من أخذ عنصر الزمن في الاعتبار ولا نترقب تغير الحال بدرجة 180 درجة في فترة زمنية قصيرة بعد أن نكون قد نشأنا، كلنا، بإرادتنا ودونها، مذنبين ومنافقين ومتلونين بأكثر من وجه. وهنا يأتي دور الدولة. وللحقيقة قد لاحظنا في السنوات الأخيرة السعي إلى بعث محاضن حسنة التهيئة وملاجيء لاستقبال المعنَّفات وتوفير الرعاية النفسية والاجتماعية لهن ولأطفالهن. لكن يظل كله على أهميته غير كاف إن لم ترافقه تلك الإستراتيجية التي أشرنا إليها من أجل إعادة تأهيل الأطفال والعائلات بقواعد سليمة من أجل علاقات رحيمة تقوم على المساواة والاحترام بلا أدنى فرق بين الذكر والأنثى. لأنه عدا ذلك وحتى حين تُسن القوانين لإنصاف المرأة، فلا يكون مآلها ومكانها الأثير إلا دفاتر وخزانات المحاكم عند النظر في خلافات الزوجين وقضايا الطلاق بينهما ، وتحديد مقادير النفقة للطليقة وللأطفال. فتبدأ هكذا مرحلةٌ جديدة من الخلافات والمعارك التي تأخذ أدواتِها من قواميس الحروب القديمة والحديثة.. فكيف في مثل هذا المناخ أن نضمن تنشئة أجيال خاليةٍ من عُقَد الصراع بين الرجل والمرأة، ومُنَقّاةٍ من آفة الذكورية هذه التي تَصِمُ(توصم) الرجل وتلاحقه على طول الزمان؟ أنسيتم أن الرجل يظل طول حياته يبحث في مكمن عُقده وثنايا لاشعوره عن تعويضٍ يرضيه على أول رعب عاشه في طفولته فيما وقع اعتباره حفلَ ختان بدعوى فتح باب الذكورة على مصراعيه لضمه فيه (هذا العنصر لم أُثِره في ملاحظتي عند تناول الكلمة في ذلك اللقاء النسائي خشية ردود فعل الحاضرات.. وهنا استحضرت بعض ماتعانيه أية شابة أو امرأة عند تفكيرها الإصداع بموقف آو رأي في جمعٍ رجالي تكون هي أقليةً قليلةً فيه !..( وعاشت المرأة حرةً مستقلة مساوية للرجل في مجتمعٍ متوازن يتقاسم فيه الجميع، المرأة والرجل والأطفال المهام بحسب مقدرة كل طرف من ذلك الجمع المتآلف الجميل.

وفي خضم أحلامي الجميلة هذه فطنت إلى أن نقاش السيدات مع الأستاذة المحاضِرة مازال متواصلا وكنت ملتزما بموعد مع الدكتور، فتركت قاعة اللقاء دون أن أعرف ما أسفر عنه من مخرجات وتوصيات.

 ولتتواصل المسيرة !