إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مقابل بيع وهم الدفاع عن البيئة .. اعتمادات كبيرة تضخ باسم "الاقتصاد الأخضر".. ولكن !

 

تونس- الصباح                     

كشف تحقيق استقصائي قامت به مجموعة من وسائل الإعلام الأوروبية من بينها صحيفة "لوموند" الفرنسية أن نسبة عالية من الاعتمادات التي تنفق في أوروبا في إطار ما يعرف بالاقتصاد الأخضر ليس لها من الحقيقة سوى الاسم. بمعنى  آخر أن جزءا كبيرا من هذه الاعتمادات (حوالي النصف)  تنفق في مشاريع مضرة بالبيئة وخاصة في مجال الوقود الأحفوري (البترول والغاز) الذي يعتبر المتسبب الرئيسي في ارتفاع درجة الحرارة في العالم التي تهدد مستقبل الحياة على كوكب الأرض. وقد كشف التحقيق الاستقصائي عن أسماء شركات ومجمعات وبنوك تدعي إنها تستثمر أموالها في مشاريع داعمة للبيئة، معلنة عن انخراطها في "حملة" للحد من التلوث وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في حين أنها تجني أرباحا من مشاريع مضرة بالبيئة أو بالأحرى تقوم بأعمال  في إطار ما أسمته الصحافة الغربية بـ"التبييض الأخضر"  قياسا بعمليات تبييض الأموال في مشاريع تمويهية  وتضليلية.

ولئن نعتقد أن الصحفيين الاستقصائيين أرادوا من خلال عملهم الاستقصائي المذكور فضح الشركات التي تتخفى وراء مشاريع وهمية لحماية البيئة في حين أنها تجني أرباحا طائلة من الاستثمار في النفط والغاز وغيرها من المجالات المهددة للبيئة والمدرة لأرباح كبيرة، فإن السؤال من منظورنا، هو ما جدوى المؤتمرات العالمية حول المناخ التي تكلف اعتمادات ضخمة وما أهمية التعهدات الدولية بضرورة العمل من أجل التخفيف من حدة الاحترار الذي يشهده العالم والمتسبب في معاناة البشر اليوم؟

ما جدوى كل العمل التحسيسي من أجل التوعية بالمخاطر المهددة لوجود  الانسان، والتي حولت بعد حياته الى معاناة،  حيث اختلت الموازين، ولم يعد صيفنا صيفا ولم يعد  شتاؤنا شتاء دون أن ننسى الكوارث الطبيعية المتزايدة ومن بينها الفيضانات التي تهدد بابتلاع الأرض وما عليها؟

الوقود الاحفوري سبب الداء

مع العلم، ونقول ذلك لمجرد التذكير، بأن الدول المشاركة في آخر مؤتمر للأمم المتحدة للمناخ (COP28) وكان ذلك في ديسمبر 2023 بدبي، قد وافقت على ما اسموه بخارطة طريق "للتحول بعيدا عن الوقود الأحفوري" الملوث وهي المرة الأولى في التاريخ التي تتعهد فيها دول العالم وفي الإمارات بالذات، أحد أبرز الدول النفطية، بالتخلص تدريجيا من النفط والفحم والغاز واستبدالها بمصادر نظيفة اقل تهديدا للبيئة وخاصة اقل تلوثا وانتاجا للانبعاثات السامة. فاذا بنا نستفيق على أن أكثر الأطراف تبجحا  بالانخراط في الاقتصاد الأخضر هي اكثرها تمسكا بالاستثمار في المصادر الأكثر تلوثا وخطرا على البيئة ويأتي الوقود الاحفوري على رأس القائمة.

السؤال أيضا ما جدوى كل تلك الجهود التي يبذلها علماء المناخ والأرصاد الجوية والخبراء في البيئة وفي البيولوجيا وغيرهم الذين يشتغلون منذ سنوات من أجل التوصل إلى حلول يمكنها أن تخفف حدة التحولات المناخية؟ ما جدوى تحذيراتهم من تفاقم الوضع اذا ما استمر النمط الاستهلاكي على حاله واذا ما واصلت الشركات والمجمعات المالية والاقتصادية في نفس سياساتها من أجل كسب المال ولو كان ذلك على حساب وجود الإنسان على الأرض؟ ما جدوى صراخ الخبراء وأهل الاختصاص خوفا مما يعلمونه وما ينتظر الانسان في ظل التحولات المناخية المرعبة التي بدأت تظهر ملامحها بقوة من خلال الجفاف والحرارة التي لا تطاق والفيضانات الى جانب انتشار الأوبئة والامراض الخطيرة؟

إن التحقيق الاستقصائي المذكور الذي كشف "نفاق" أصحاب الشركات والبنوك والمجمعات التجارية التي تدعي انها تخلت عن كل المشاريع الملوثة وانها منخرطة بقوة في الاقتصاد الأخضر الذي يعتمد على  التنمية المستدامة وعلى الاقتصاد في الطاقة ويعول على الطاقة النظيفة، يجعل الملاحظ يشكك في التعهدات الدولية بمواجهة مخلفات التحولات المناخية وفي جدية الالتزام بها ولو تمت هذه التعهدات في مؤتمرات دولية بإشراف الأمم المتحدة وأمام عدسة الكاميراهات، لأن الكلمة في النهاية لأصحاب المال والنفوذ. وكل شيء يمكن أن يسقط امام مصالح الشركات متعددة الجنسيات وامام المال والمصالح المادية عموما.

الاحتباس الحراري.. التصحر وتدهور الأرض

ولنا أن نذكر بأن المجموعة الدولية تعهدت بتحقيق جملة من الأهداف للحد من آثار التقلبات المناخية المتسارعة التي تنذر بالخطر من بينها وضع حد لتدهور الأراضي حتى أنها وضعت هدفا دقيقا (بإشراف الأمم المتحدة) في هذا المجال يتمثل في العمل على استعادة مليار من الهكتارات في افق 2030. وقد جاء ذلك بعد تفاقم  خطر التصحر اذ تفقد البشرية سنويا مزيدا من الأراضي السليمة تقدر بمئات الآلاف من الهكتارات. مع العلم أن الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية تحتضن مؤتمر الأمم المتحدة لحماية الأراضي ومكافحة التصحر المنتظر في ديسمبر القادم (2024).

البشرية تواجه أيضا خطرا متزايدا في التزود بالمياه الصالحة للشراب ووفق أرقام للأمم المتحدة، فإن المياه غير النظيفة من أبرز أسباب وفيات الأطفال في العالم وهناك مخاوف جدية من اندلاع حروب في المستقبل من اجل الماء.

وتواجه البشرية طبعا خطرا كبيرا هو مصدر كل المخاطر، ان صح التعبير، ويتعلق الامر بالاحتباس الحراري. وقد اتفقت المجموعة الدولية منذ 2015 وضمن ما يعرف باتفاقية باريس بوضع حد للاحتباس الحراري وحصره في نسبة محددة  أي  أن يكون في حدود درجة ونصف مائوية(1.5). وقد تم التشديد في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في  2022 ( كوب 27 ) بمدينة شرم الشيخ المصرية على تحميل الدول الصناعية المتسببة اكثر من غيرها في التلوث مسؤوليتها إزاء ذلك بتقديم مساعدات للبلدان الفقيرة والمتضررة من انبعاثات الغازات الملوثة وكما سبق وذكرنا فقد تم الخوض لأول مرة في مسألة التخلص التدريجي من الوقود الاحفوري (غاز بترول فحم) في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ بدبي2023.

لكن ما هو واضح هو أن نسبة الاحترار العالمي ربما تخرج عن السيطرة نظرا للأرقام التي سجلتها درجة الحرارة في العالم في بداية هذا العام  وأيضا طيلة العام الفارط وهي ارقام قياسية وقد سبق ان حذرت منظمة الأرصاد العالمية من أن يتم تجاوز نسبة الاحترار العالمي التي حصرها الخبراء كما سبق وذكرنا،  في 1.5 مائوية، مع حلول 2027. 

ان الخطر يهدد الجميع كما هو معروف بما في ذلك منطقتنا، أي منطقة المتوسط  المهددة بالفياضات وبموجات تسونامي دون أن ننسى الجفاف الذي تعاني منه منطقتنا والعديد من مناطق العالم. كل هذا من شأنه أن يهدد التنوع البيولوجي على الأرض بل يهدد الحياة عموما بالفناء. لكن هل يهم ذلك أصحاب الشركات الكبرى في أوروبا وامريكا التي تتخفى وراء الاقتصاد الأخضر وتبيع الوهم للعالم في حين انها تجني أرباحا طائلة من الاستثمار فيما يضر الأرض أساسا؟ !طبعا لا بالدليل الذي ذكرنا.

حياة السايب

مقابل بيع وهم الدفاع عن البيئة ..   اعتمادات كبيرة تضخ باسم "الاقتصاد الأخضر".. ولكن !

 

تونس- الصباح                     

كشف تحقيق استقصائي قامت به مجموعة من وسائل الإعلام الأوروبية من بينها صحيفة "لوموند" الفرنسية أن نسبة عالية من الاعتمادات التي تنفق في أوروبا في إطار ما يعرف بالاقتصاد الأخضر ليس لها من الحقيقة سوى الاسم. بمعنى  آخر أن جزءا كبيرا من هذه الاعتمادات (حوالي النصف)  تنفق في مشاريع مضرة بالبيئة وخاصة في مجال الوقود الأحفوري (البترول والغاز) الذي يعتبر المتسبب الرئيسي في ارتفاع درجة الحرارة في العالم التي تهدد مستقبل الحياة على كوكب الأرض. وقد كشف التحقيق الاستقصائي عن أسماء شركات ومجمعات وبنوك تدعي إنها تستثمر أموالها في مشاريع داعمة للبيئة، معلنة عن انخراطها في "حملة" للحد من التلوث وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في حين أنها تجني أرباحا من مشاريع مضرة بالبيئة أو بالأحرى تقوم بأعمال  في إطار ما أسمته الصحافة الغربية بـ"التبييض الأخضر"  قياسا بعمليات تبييض الأموال في مشاريع تمويهية  وتضليلية.

ولئن نعتقد أن الصحفيين الاستقصائيين أرادوا من خلال عملهم الاستقصائي المذكور فضح الشركات التي تتخفى وراء مشاريع وهمية لحماية البيئة في حين أنها تجني أرباحا طائلة من الاستثمار في النفط والغاز وغيرها من المجالات المهددة للبيئة والمدرة لأرباح كبيرة، فإن السؤال من منظورنا، هو ما جدوى المؤتمرات العالمية حول المناخ التي تكلف اعتمادات ضخمة وما أهمية التعهدات الدولية بضرورة العمل من أجل التخفيف من حدة الاحترار الذي يشهده العالم والمتسبب في معاناة البشر اليوم؟

ما جدوى كل العمل التحسيسي من أجل التوعية بالمخاطر المهددة لوجود  الانسان، والتي حولت بعد حياته الى معاناة،  حيث اختلت الموازين، ولم يعد صيفنا صيفا ولم يعد  شتاؤنا شتاء دون أن ننسى الكوارث الطبيعية المتزايدة ومن بينها الفيضانات التي تهدد بابتلاع الأرض وما عليها؟

الوقود الاحفوري سبب الداء

مع العلم، ونقول ذلك لمجرد التذكير، بأن الدول المشاركة في آخر مؤتمر للأمم المتحدة للمناخ (COP28) وكان ذلك في ديسمبر 2023 بدبي، قد وافقت على ما اسموه بخارطة طريق "للتحول بعيدا عن الوقود الأحفوري" الملوث وهي المرة الأولى في التاريخ التي تتعهد فيها دول العالم وفي الإمارات بالذات، أحد أبرز الدول النفطية، بالتخلص تدريجيا من النفط والفحم والغاز واستبدالها بمصادر نظيفة اقل تهديدا للبيئة وخاصة اقل تلوثا وانتاجا للانبعاثات السامة. فاذا بنا نستفيق على أن أكثر الأطراف تبجحا  بالانخراط في الاقتصاد الأخضر هي اكثرها تمسكا بالاستثمار في المصادر الأكثر تلوثا وخطرا على البيئة ويأتي الوقود الاحفوري على رأس القائمة.

السؤال أيضا ما جدوى كل تلك الجهود التي يبذلها علماء المناخ والأرصاد الجوية والخبراء في البيئة وفي البيولوجيا وغيرهم الذين يشتغلون منذ سنوات من أجل التوصل إلى حلول يمكنها أن تخفف حدة التحولات المناخية؟ ما جدوى تحذيراتهم من تفاقم الوضع اذا ما استمر النمط الاستهلاكي على حاله واذا ما واصلت الشركات والمجمعات المالية والاقتصادية في نفس سياساتها من أجل كسب المال ولو كان ذلك على حساب وجود الإنسان على الأرض؟ ما جدوى صراخ الخبراء وأهل الاختصاص خوفا مما يعلمونه وما ينتظر الانسان في ظل التحولات المناخية المرعبة التي بدأت تظهر ملامحها بقوة من خلال الجفاف والحرارة التي لا تطاق والفيضانات الى جانب انتشار الأوبئة والامراض الخطيرة؟

إن التحقيق الاستقصائي المذكور الذي كشف "نفاق" أصحاب الشركات والبنوك والمجمعات التجارية التي تدعي انها تخلت عن كل المشاريع الملوثة وانها منخرطة بقوة في الاقتصاد الأخضر الذي يعتمد على  التنمية المستدامة وعلى الاقتصاد في الطاقة ويعول على الطاقة النظيفة، يجعل الملاحظ يشكك في التعهدات الدولية بمواجهة مخلفات التحولات المناخية وفي جدية الالتزام بها ولو تمت هذه التعهدات في مؤتمرات دولية بإشراف الأمم المتحدة وأمام عدسة الكاميراهات، لأن الكلمة في النهاية لأصحاب المال والنفوذ. وكل شيء يمكن أن يسقط امام مصالح الشركات متعددة الجنسيات وامام المال والمصالح المادية عموما.

الاحتباس الحراري.. التصحر وتدهور الأرض

ولنا أن نذكر بأن المجموعة الدولية تعهدت بتحقيق جملة من الأهداف للحد من آثار التقلبات المناخية المتسارعة التي تنذر بالخطر من بينها وضع حد لتدهور الأراضي حتى أنها وضعت هدفا دقيقا (بإشراف الأمم المتحدة) في هذا المجال يتمثل في العمل على استعادة مليار من الهكتارات في افق 2030. وقد جاء ذلك بعد تفاقم  خطر التصحر اذ تفقد البشرية سنويا مزيدا من الأراضي السليمة تقدر بمئات الآلاف من الهكتارات. مع العلم أن الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية تحتضن مؤتمر الأمم المتحدة لحماية الأراضي ومكافحة التصحر المنتظر في ديسمبر القادم (2024).

البشرية تواجه أيضا خطرا متزايدا في التزود بالمياه الصالحة للشراب ووفق أرقام للأمم المتحدة، فإن المياه غير النظيفة من أبرز أسباب وفيات الأطفال في العالم وهناك مخاوف جدية من اندلاع حروب في المستقبل من اجل الماء.

وتواجه البشرية طبعا خطرا كبيرا هو مصدر كل المخاطر، ان صح التعبير، ويتعلق الامر بالاحتباس الحراري. وقد اتفقت المجموعة الدولية منذ 2015 وضمن ما يعرف باتفاقية باريس بوضع حد للاحتباس الحراري وحصره في نسبة محددة  أي  أن يكون في حدود درجة ونصف مائوية(1.5). وقد تم التشديد في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في  2022 ( كوب 27 ) بمدينة شرم الشيخ المصرية على تحميل الدول الصناعية المتسببة اكثر من غيرها في التلوث مسؤوليتها إزاء ذلك بتقديم مساعدات للبلدان الفقيرة والمتضررة من انبعاثات الغازات الملوثة وكما سبق وذكرنا فقد تم الخوض لأول مرة في مسألة التخلص التدريجي من الوقود الاحفوري (غاز بترول فحم) في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ بدبي2023.

لكن ما هو واضح هو أن نسبة الاحترار العالمي ربما تخرج عن السيطرة نظرا للأرقام التي سجلتها درجة الحرارة في العالم في بداية هذا العام  وأيضا طيلة العام الفارط وهي ارقام قياسية وقد سبق ان حذرت منظمة الأرصاد العالمية من أن يتم تجاوز نسبة الاحترار العالمي التي حصرها الخبراء كما سبق وذكرنا،  في 1.5 مائوية، مع حلول 2027. 

ان الخطر يهدد الجميع كما هو معروف بما في ذلك منطقتنا، أي منطقة المتوسط  المهددة بالفياضات وبموجات تسونامي دون أن ننسى الجفاف الذي تعاني منه منطقتنا والعديد من مناطق العالم. كل هذا من شأنه أن يهدد التنوع البيولوجي على الأرض بل يهدد الحياة عموما بالفناء. لكن هل يهم ذلك أصحاب الشركات الكبرى في أوروبا وامريكا التي تتخفى وراء الاقتصاد الأخضر وتبيع الوهم للعالم في حين انها تجني أرباحا طائلة من الاستثمار فيما يضر الأرض أساسا؟ !طبعا لا بالدليل الذي ذكرنا.

حياة السايب

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews