إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الكاتبة حياة الرايس لـ"الصباح": اكتب كما اشتهي ان أكون لا كما تشتهيني الحياة ان أكون

 

 

حوار محسن بن احمد

 

مبدعة استثنائية في كتاباتها وفي علاقتها بمحيطها الادبي والثقافي، عاشقة للحياة ومعاني جمال الوجود فيها , رافضة للاستكانة والخنوع ... تعشق السفر وهي التي اقتحمت المشهد الإبداعي العربي من أوسع الأبواب من خلال كتابات سردية وشعرية متفردة في رؤاها ومضامينها وتوقها الى معانقة الشمس..

 هي الكاتبة المبدعة حياة الرايس التي كسبت الرهان تحمي في كتاباتها  نفسا عروبيا اصيلا تواقا الى الأفضل والأرقى والأجمل في الحياة، نفس هو خلاصة تجاربها في الحياة وما عاشته ولامسته وانخرطت فيها بكل احاسيسها وجوارحها, فالكتابة عند حياة الرايس هي عصارة الروح المطلق الذي ينفخ في جسد النص فيعطيه روحا أخرى.

 

  • ماذا تحتفظ ذاكرتك من الطفولة وأي تأثير للبيئة في نحت شخصيتك؟
  • نشأت في بيت ليس به أي كتاب. الا نسخة من مصحف القرآن الكريم لا يستطيع ان يقرأها احد. هي موجودة للبركة فقط. ابي كان يذهب الى الجامع ليحفظ القرآن ويحقد على فرنسا الاستعمارية التي علمته الفرنسية دون العربية.

وتشفّيا منها،  فقد أدخلني "الكتّاب" منذ صغري. لكي أتعلم القرآن والعربية وأصول ديني قبل أن أدخل المدرسة.

أحببت الحرف العربي وأحببت العربية من إيقاع القرآن والسجع  الذي يدخل بنا في حالة ما يشبه الجذب. ونحن نردّد ونقول ونعيد بصوت عال حتى لو لم نكن نفهم ما نقول. ولكنا مأخوذين بالتكرار الذي كانت تتناغم معه أجسادنا الصغيرة التي تتمايل ذات اليمين وذات الشمال. في حركات تلقائية. متربعين على حصير المسجد . يهزنا الإيقاع ويطربنا الترتيل الذي دخلت معه في علاقة عشق للّغة العربية. كأنها الصلاة.

بعد ذلك دخلت مدرسة تونسية " مدرسة الحبيب ثامر" بباردو. واصلت تعليمي الثانوي بمعهد نهج الباشا العريق. وسافرت في بعثة حكومية رسمية الى بغداد لمواصلة تعليمي الجامعي. حيث كنت اول تونسية تتخرج من قسم الفلسفة في العراق. كما انني تحصلت على شهادة في الادب الفرنسي من جامعة السربون.

 

  • ما الدافع الى الكتابة وكيف نذرت لها نفسك على مدى عمر كامل ؟ واعتذرت في احد كتبك " عشتار " لابنك الوحيد انك انجبت له كتبا بدل ان تنجبي له اخوة ؟
  • يقول " قدماء المصريين:" كل شيء منذور للموت الا ما كتب." من صغري كنت أخشى الاندثار. لم أكن أخشى الموت لكن أخشى الاندثار، ان يأتي الانسان الى هذه الدنيا ويغادر ويكون هباء منثورا. ويمرّ مرور الكرام دون ان يترك اثرا: ذلك ما كان يرعبني فعلا اكثر من الموت. وانا لا ادري من الذي زرع فيّ وهم الخلود ومن الذي اثقل ظهر الطفلة فيَّ بأكثر مما تحتمل ؟ ولا احد في بيتنا يفكر في ذلك. بل كل سعيهم كان لفعل الخير وترك اثر حسن. من صغري كنت اؤسس للخلود بمشروع ادبي كبير يخلدني. او يبقى كأثر يدل عليّ بعد الخروج من هذه الدنيا، ليقول انّني كنت هنا ولم اكن نكره. يعزّعليّ ان اغادر نكرة . ولا اترك للأجيال شيئا او اثرا... مثل جدّي غلغامش كنت معنية او مهوسة بالبحث عن عشبة الخلود ومثله لم يقنعني ما قالت صاحبة الحانة "سدروي" له مشفقة عليه بعدما أنهكته رحلة البحث عن عشبة الخلود: تمتّع بهناءاتك وما يولد لك من أطفال. ولكن هل عمل " غلغامش " بنصيحتها؟ وهل هناك كاتب يستطيع أن يتمتّع بهناءاته وما يولد له من أطفال دون أن يرمي بنفسه في متاهة مغامرة البحث عن عشبة الخلود؟ وكيف لم اقتنع انا بالولد؟ وكيف استبدلت فعل الولادة بفعل الكتابة؟ كيف استبدلت الرحم بالكلمة؟من الذي أوهمني أنّ الخلود مع القلم وليس مع الولد؟ ومن أطول عمرا، الكتاب أم الولد؟ ولماذا يموت كلّ أبنائنا ويبقى المتنبّي حيّا لا يموت والمعرّي وابن خلدون؟

وقد اعتذرت لابني فعلا في مقدمة مسرحيتي عشتار "انني انجبت له كتبا عوضا ان أنجب له اخوة". لكن الظروف الحياتية تتدخل أيضا في الاختيار والاستعدادات النفسية والقدرة الجسدية.

 

  • الطريق الإبداعية الصعبة كيف دخلتها؟
  • لم تكن طريقا كانت بحرا من بحور القراءة. غرقت في مدونات اجدادي المتنبي والجاحظ والمعرّي والتوحيدي والحصري وابن خلدون ....

ودرست الفلسفة كاختصاص لأثري نصي الادبي بعمق السؤال. لان نصّا دون أسئلة، دون حيرة، دون قلق وجودي، لا يساوي شيئا. ككاتب دون قضية. في الفلسفة اكتشفت ان لي أجدادا آخرين مثل سقراط وافلاطون وارسطو وديكارت وهيغل وكانط...

ثم وجدت انني انتمى الى حضارات أخرى بفعل القرابة الكونية وارث الإنسانية جمعاء مثل كلاسيكيي الادب الفرنسي والروسي والإنجليزي والأمريكي ...

بالإضافة الى القراءة هناك التجارب . التجربة الحياتية كاكبر منهل ومن تجارب الاخرين التي اكتب عنها واتمثلها في شخصياتي القصصية والروائية ...

- بغداد كانت محطة هامة في حياتك بل كانت أكثر من مشروع دراسي او بعثة حكومية لمواصلة دراستك ببغداد؟

- ذهبت الى بغداد لمواصلة تعليمي العالي ولكني في الحقيقة ذهبت الى بلاد شهرزاد لمواصلة الحكاية...ولشمّ عبق ألف ليلة وليلة وتتبّع مساربها ودروبها السّاحرة...باعتباري حفيدة وفية للحكاية.

والتوحّد بـ"عشتار "ربّة الحبّ والخصب... واقتفاء آثار جلجامش في البحث عن عشبة الخلود...والنهل من حضارة وادي الرافدين العريقة . والحلم بكتابي الأوّل من مطابع شارع المتنبّي. وانطلاقتي الأدبية من بغداد في رحاب بيت الحكمة. كنت أحلم بمشروعي الأدبي الذي هو أكبر من الدراسة ومن الشهادة. والذي أزعم أنه سيخلّدني، لكي لا أكون مجرد عابرة في هذا الزمن.

هكذا كانت بغداد في مخيلتي.

- البدايات. كيف بدأت؟ بما أن المشروع أصبح حكاية من حكايات شهرزاد؟

  • لقد بدأت الحكاية من بغداد، على شاطئ دجلة بالذات. عند نصب شهرزاد شهريار الناهض كشاهد ابدي على شهوة الفن للحياة وشهوة الحكاية للتجدد....حيث تقف شهرزاد قبالة شهريار: شامخة كنخلة بغدادية، ملكة. تمسك صولجان الكلمة بيدها وتقبض على سرّ الحرف الوهّاج. وتعلّمنا أسرار الليالي في مقاومة شهوة الموت عند مليكها شهريار.  وتُبعث كل يوم جديدة كما أرادها الفنان النّحات محمد غنيّ حكمت ( الذي أقام النصب في منتصف السبعينات): واقفة غير راكعة أمام شهريارالحاكم بأمره، المتكئ على أريكته، ظهره إلى النهر وعيناه إلى شهرزاد. وشهرزاد عيناها إلى النهر... يركض الموج بخيالها من دهشة إلى دهشة لا تنتهي..

شهرزاد التي ملأت الدنيا حكايات وأثّثت ذاكرتنا ووجداننا بقصص عالم عجائبي تفرّدت وحدها دون نساء الأرض بابتكاره: عن  التاريخ القديم وأخبار الملوك والسلاطين والإنس والجن والإنسان والحيوان والّلصوص والشّطار والحكماء والأطباء والأبطال ورجال الدين والدنيا والخير والشّر....

لأجل عيون " شهرزاد"ملأت جدّتي طفولتي حكايات ووعدتها منذ صغري أن أملأ بدوري الدّنيا حكايات . خاصّة بعد تلك الليلة التي وضعت رأسي على ركبتها وهي تهدهدني لأنام وتحكي لي حكاية فاطمة ومحمد بن السلطان... فأخذها النوم وهي في عزّ الحكاية ولم تفق بعدها أبدا.. إليها سأواصل بقية الحكاية التي لن تنتهي لأني سأنام مثلها في عزّ الحكاية .... وقد اهديتها هذا الوعد في روايتي " عشتار" ،لأن عشتار أكثر الآلهة انتشارا هي أسطورة متجددة عبر الزمان أيضا..

كانت جدتي تهدهدني لأنام وهي تردّد " لن تفنى الكلمات ...لن تفنى الكلمات..." هي تعرف ان شهرزاد خبأت كل الحكايات في جرابها الذي لم يدفن معها وما على جداتنا غير النبش قليلا لدغدغة عظام الموت لتنفجر الحكايات بكل قوة الحياة.

 

هناك في ليالي بغداد ومن نصب تمثال شهرزاد عرف القلم طريقه إلى النشر .

كنت أحرّرالنصوص والمقالات والحوارات باللّيل وآخذها إلى الجريدة بالنّهار إلى " دارالجماهير للصّحافة " حيث مجلة " ألف باء " وجريدة "الجمهورية" اللتين احتضنتا بداياتي ثم " أفاق عربية" ومجلة   " فنون " فيما بعد.... ربّما تشجيعا لطالبة مهووسة بالكتابة والأدب والصحافة تنتمي إلى قسم الفلسفة في كلية الآداب بجامعة بغداد. في تلك السنوات مابين 77الى 1981

 

  • بعد بغداد انتقلت الى الكويت في مغامرة أخرى؟
  • بعدما تخرجت من بغداد انتقلت الى الكويت لاعيش تجربة الصحافة الثقافية المغرية واشتغل بها. وقد كانت في اوجها حينذاك في ثمانينات القرن الماضي بعدما انتقلت اليها التجربة اللبنانية والمصرية. اشتغلت في جريدتي القبس والرائ العام ومجلة اليقظة حوالي السنة، ولم اواصل التجربة. المجتمع الكويتي كان منغلقا على نفسه. وليس به متنفس اجتماعي بالنسبة لفتاة قادمة من المغرب ومن تونس تحديدا. العراق كان منفتحا اجتماعيا ومختلفا.

- هل هناك مرحلة في حياتك الأدبية تريدين نسيانها؟

- في الكتابة ليس لي مرحلة اريد نسيانها. كل ما في الامر اني لم اكن استعجل النشر ابدا. كنت اكتب القصة منذ الثمانينيات وانشر في المجلات والجرائد العربية دون ان أفكر في جمعها في كتاب طيلة عشرية كاملة.

 بداية التسعينيات عندما احسست بنضج ابداعي معين، أصدرت مجموعتي القصصية الأولى:" ليت هندا ... !" (1991)وكلها قصص جديدة، كتبتها كلها في بضعة أشهر، عندما تأكدت من الإضافة والتميز والاختلاف. وتنكرت لكل قصص عشرية الثمانينيات.

تنكرت لها حينها لإيماني ان الكتاب الأول هو الذي سيحدد هويتك الأدبية. اذ لا معنى ان يرمي الواحد منا كتابا في الساحة الأدبية، دون ان يلفت انتباه احد. ودون ان يضيف شيئا. اذا كان الكتاب الأول رديئا فان20 كتابا آخر لن يمحو ذلك الانطباع الأول الذي رسم هويتك عند الناس.

لكنني الان وبعد 33 سنة . تصالحت معها وقررت ان اضيفها مع الطبعة الثانية من " ليت هندا ..." كشاهد على مرحلة أدبية معينة. وتبنتها " دار الكتاب " مشكورة كسبق لقصص لم تنشر من قبل في كتاب. وستصدر قريبا في معرض تونس الدولي للكتاب انشاء الله. وهذه تجربة مهمة في عمليّة النقد والمقارنة. لمن أراد ان يشتغل عليها من النقاد.

 

  • كيف انتقلت من القصة الى الرواية؟ وكيف تنتقلين بين اشكال إبداعية مختلفة بسهولة ومرونة وتبدعين فيها ؟ على حد قول بعض النقاد : " ان كل جنس تكتب فيه حياة الرايس تبدع فيه "

 

  • يسعدني هذا الراي الذي ابداه بعض النقاد.

عندما كتبت مجموعتي القصصية: " ليت هندا ... !- كانت آخر قصة بها بعنوان  " إعلان زواج " وهي قصة طويلة. حينها قال النقاد ان حياة الرايس تتهيّأ لكتابة الرواية وهناك من اعتبرها رواية قصيرة . و توقعوا ان الكتاب القادم سيكون رواية. ولكن الكتابة انحرفت بي عن جنس السرد تماما.  "خنت" القصّة  وكتبت بحثا فلسفيا عن النساء المسكونات بالجان  " جسد المرأة من سلطة الانس الى سلطة الجن " نشر في دار سينا 1995 بالقاهرة.   كتبته ليس بطريقة البحث الاكاديمي ولكن بتأثيرات السرد السابقة عندي. احكي فيه عن كائنات عجيبة وغريبة عن نساء مسكونات بالجان... من  الحضرة( الزار ) ومزارات الاولياء الصالحين والحمّام التركي ... الى عيادات الطّب النفسي ...رغم انه بحث فلسفي : مقاربة سيكولوجية/انتروبولوجية لحالات  الهستيريا بالتعبير الطبي النساء المسكونات بالجان بالتعبير المحلي ...ولكن النقاد رأوا فيه تشكّل اسلوبي الادبي، الجامع بين الادب والفلسفة باعتبار اختصاصي الفلسفي. و مراوحة بين الفلسفة والادب واهتموا خاصة بموضوع "التابوهات" الذي تناولته والمسكوت عنه...كان اول كتاب من نوعه يتناول هذا الموضوع باللغة العربية على الأقل.

لكن في الكتاب الثالث : الذي جاء على شكل مسرحية :" بعنوان :" سيّدة الاسرار عشتار" فقد بدا التداخل فيه واضحا.  اذ جاءت المسرحية على شكل الواح شعرية محافظة على اسلوبها القديم باعتبارها مستوحاة من اسطورة الالهة عشتار وهي قصة حب بين عشتار وتموز. فيها الاحداث والشخصيات والعقدة والدراما...واحتار النقاد في وصفها مرة أخرى. وهنا ظهر التداخل بصفة اكبر بين مختلف الاجناس الادبية وكتب الناقد كمال الرياحي عنها قائلا : هذه مسرحية تستعصي عن التصنيف اذ هي نص تتعالق فيه الحكاية والسرد ،مع الشعر مع الرواية مع المسرح......" ربما هي رواية شعرية؟

بعد المسرح عدت الى القصة كنوع من الوفاء ربما ؟ لأنني شعرت انني خنتها مع البحث الفلسفي ومع المسرح. عدت اليها مع مجموعة :" انا وفرنسوا وجسدي المبعثر على العتبة".

ثم واذا بي في 2012 اصدر ديواني الشعري الاول :" انثى الريح" وكأن الرياح حطت بكلماتي في القصيد . وان الرياح التي تبعثر كل شيء قد جمعت حروفي في قصائد نثرية ورسائل ضّيعت عناوينها" كما عنونت القسم الثاني من الديوان ...

كتبت للأطفال أيضا سلسلة " حكايات فاطمة "...2012

 المهم في كل هذا اني لم اكن أُجبر الذات الكاتبة فيّ او اضغط عليها او احبسها في جنس أدبي واحد. بتواطؤ كبير مني اتركها تحط على الشكل الذي تراه مناسبا لموضوعاتها. لأني اثق في الذات الإبداعية. ولأنه ومهما تعددت الأشكال والأجناس الأدبية فان الجسد الابداعي واحد . و قد كان ذلك محل ثقة اتبادلها انا وقلمي. لم اكن اشك في اختياراته. و في النهاية لم يكن يزعجني ان يكتب القصة او الشعر او المسرح فهو يفاجئني بهذا التنوع من جهة، ولان التجربة الابداعية ارحب وارحم من ان تلوى عنق قلمها. وتعلب نفسها في صناديق مقفلة على ذاتها. فانا واياه متفقان بتوافق كبير على هذه الحرية والاريحية واكتشاف مساحات ابداعية جديدة ....

ثم عدت الى القصة في مجموعتي الثالثة "طقوس سريّة وجحيم" عن هيئة قصور الثقافة بمصر 2015 .

رغم كل هذه الحرية في  اختيار الشكل الابداعي المناسب ،الا اني كنت ارغب في سري بكتابة الرواية.

احسست ان كل هذه الاجناس انما تهيئني الى الناموس الاعظم الى النص الروائي.

وفي اليوم الذي احسست فيه بفيض نضج ابداعي معين. وبعد أكثر من ثلث قرن من كتابة القصّة والشعر والنص المسرحي وادب الرحلات وادب الرسائل والبحث الفلسفي. . اقبلت بهمتي على الرواية. كأني كنت في حاجة لجمع شتاتي في الرواية. فكانت :"بغداد وقد انتصف الليل فيها" رواية سيرية فيها السرد والحكاية وتعدد الشخصيات والاحداث والعقدة والدراما والرؤية الفلسفية  والخيط الرابط والموقف من قضايا العصر في مناخات شعريّة وفيّة  لخصائص كتابتي الادبية ....فيها مقوّمات الرواية ومقوّمات السيرة الذاتية ...أو ربّما كنت اتوق الى كتابة النص المفتوح الذي لا يحدّه حدّ.

في الرواية نشعر بأريحية لا نشعر بها في جنس ادبي آخر. لذلك أجد نفسي في الرواية لأنها تستوعب كل الاجناس الأدبية من قص وسرد وشعر وفلسفة وسينما ومسرح وعلوم ... الرواية اعتبرها خلاصة تجربتي الأدبية في كل الاجناس و الاشكال الإبداعية المتنوعة التي ذكرت.

 

  • تعد رواية " بغداد وقد انتصف الليل فيها" المحطة الهامة في حياتك الأدبية. وهي رواية سيرية اعتبرتك الناقدة جليلة طريطر المختصة في ادب السيرة. رائدة في كتابة الذات في تونس؟
  • تحية للناقدة الاكاديمية جليلة طريطر وهذا وسام كبير على صدري الحقيقة. يشاركها في الراي نقاد آخرون كالدكتور شفيع بالزين في اعتباري رائدة في مجال كتابة الذات وهذه مسؤولية تاريخية... أتمنى ان لا احمل ثقلها وحدي. وانا غامرت بها تشجيعا لكتابة الذات او ادب البوح الشحيح عندنا بحكم المجتمعات التقليدية المنغلقة على نفسها.
  • أي سر وراء هذا النجاح العربي الكبير الذي حققته روايتك " بغداد وقد انتصف الليل فيها" ؟

- قد أجاب عنه النقاد كثيرا هذا السؤال.

اما انا فاني اعزيه انني كتبتها بحب وبصدق وهي خلاصة تجربتي المتنوعة كما قلت لك وهي مغامرة في اللغة والوجود كما كان سفري مغامرة تماما...وبينتْ ذلك د. جليلة طريطر في دراستها العميقة " محكي سفر". في كتابها "مرائي النساء"

هي كانت أكثر من تجربة فتاة تونسية ذهبت الى بغداد درست الفلسفة وتحصلت على شهادة الباكالوريا(الاجازة ) ورجعت الى أهلها فرحة مسرورة.

لا يمكن ان نتحدث عن العراق دون اخراج واظهار  كل ذلك المخزون الحضاري لأعرق ثقافات العالم. حضارة وادي الرافدين حضارة سومر واشور وبابل ... وبذلك تعد الرواية وثيقة حضارة لبلاد ما بين النهرين وكذلك وثيقة تاريخية/ سياسية عن حزب البعث وعن الحرب العراقية الإيرانية التي عشتها في سنتي الأخيرة ووثيقة ثقافية عن الحياة الثقافية ورموزها في العراق الحديث...كل ذلك اعطى الرواية بعدا آخر وثقلا آخر.

 

- "بغداد وقد انتصف الليل فيها...".هل كانت هذه العبارة أم صداها في نفس الكاتبة مدعاة لكتابة الرواية؟

- تلك عبارة لا يمكن ان انساها ابدا ترسخت في الذاكرة ليلة وصولنا بالذات. رنت في اذني والمذيع يعلن انتصاف الليل في بغداد من راديو السيارة التي جاءت تحملنا من المطار الى مبيتاتنا الداخلية وتخمرت عشرات السنين ولم تسقط من ذاكرتي كوني دخلت بلد الجاحظ والمتنبي عن طريق اللغة والبلاغة:" من قال اني اهاجر من بلد الى بلد لست اقيم سوى في اللغة ..

  • لكن لماذا بغداد في هذا الزمن بالذات؟ وبعد الغزو الامريكي ؟                                                          
  • لعلّه خواء الراهن. نعم افتقد بغداد التي عرفتها وعشتها: بغداد أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. فترة من أجمل الفترات. فترة يتحسر عليها العراقيون الى الان ومن عرف بغداد وعاش بها تلك السنوات. عدت الى فترة انمحت من الوجود ولن تعود ابدا ولم تبق الا في ذاكرة الكتب التي تروي ذلك التاريخ الذي كان. كل أجيال التسعينيات وما بعدها لن يعرفوا ما كانت عليه مدنهم الا من الكتابات التي وثقت ماضيهم.

أنا اردت تهريب بغداد من اللصوص والغزاة... لتبقى في ذاكرتنا وفيوجداننا في كتبنا في احرفنا وفي اعيننا: ايقونة المدن لن تسقط ابدا.

 

- قضيت حوالي 10 سنوات بفرنسا قبل الانتقال هذه السنة للعيش بسويسرا مع العائلة. حدثينا عن هذه التجربة الثرية وكيف استفدت منها ثقافيا وحياتيا؟

- طوال عمري اعيش بقلبي وروحي في باريس منذ ان اكتشفتها مبكرا حتى لو كنت بعيدة عنها جميلة الجميلات واجمل مدن الدنيا .

اما بالنسبة لفرنسا عموما، في السنوات الأخيرة صرت اعيش فيها مع ابني الدكتور اوس الذي درس بها وأصبح يُدرّس في أعرق جامعاتها بغرونوبل وقبلها تنقلنا في بعض مدن فرنسا.

 عشنا 4 سنوات بمدينة "لافال" عاصمة إقليم لامايان بالشمال الغربي الفرنسي على مشارف النورموندي...كانت منتجعا رائعا للكتابة بعيدا عن ضوضاء باريس والعواصم المزدحمة الاخرى خاصة أنى لا اعرف بها احدا ولا يعرفني أحد. وهذا أروع ما تنشده الكتابة. خاصة كتابة الذاكرة ومن المفارقات انني كتبت روايتي عن بغداد والتي هي سيرة ذاتية لمذكراتي الجامعية في بغداد في مدينة "لافال " في مدة ثلاث سنوات.  ولازلت اعتذر لها، حتى اكتب نصا خاصا بها في كتابي القادم ادب الرحلات. ولكني تعرفت الى الحياة الثقافية بها والناس هناك لازالت عندهم تقاليد الذهاب الى السنيما والمسرح بأفواج غفيرة وفي المدينة هناك جامعات مفتوحة حرّة تعطي دروسا يومية في الفن التشكيلي والادب والمسرح والموسيقى على اعلى مستوى يوميا. واضبت عليها وصرت من روادها حتى صرت أساهم في حصص الادب بالتعريف بأدبنا العربي وانطلقت من تونس واثريت  مكتبتها ببعض الكتب التونسية المترجمة او المكتوبة باللغة الفرنسية مباشرة ...

كما عشت اربع سنوات بغرونوبل وسررت لوجود مركز ثقافي تونسي بها وناد للموسيقى التونسية وأنشطة أخرى ....

كنت اشارك في نشاط المعهد العربي بباريس وقد قمت بمداخلة حول الشاعر الاردني ابراهيم نصر الله بمناسبة احتفائية المعهد بفوزه بالبوكر العربي في نطاق كرسيّ المعهد الذي استحدث مؤخرا. وكنت اسعى دائما الى ربط نوع من التعاون الثقافي اوالشراكة مع بعض المؤسسات الثقافية العربية او الفرنسية  مثل دار تونس بالمدينة الجامعية ودار المغرب بباريس..ورابطة الكاتبات التونسيات .

 

  • كيف ترى المبدعة حياة الرايس فعل الكتابة بصفة عامة ؟
  • سؤال الكتابة الذي يتردد عليّ دائما كسؤال الموت، كسؤال الوجود، كسؤال الحياة، كسؤال المصير، كسؤال الكينونة. نكتب لنكون او لا نكون بالمعنى الذي ذهب اليه شكسبير.

ونكتب تاصيلا لكيان بالمعني الذي ذهب اليه محمود المسعدي ونكتب لان الكتابة كما الفن تؤجل قيامة العالم بالمعنى الذي ذهب اليه نيتشه. شخصيا اكتب كوهم جميل يساعدني على البقاء ويزيّن لي الخلود. اكتب لان روحي ضائعة ولا ادري اين اروح بها؟ فاسكبها وأريقها على الورق علّها تزهر أو تفوح  يوما. فاراها تينع امامي وتسري في عروق الأرض وتُنبت الزرع الخصب وتسري في الكون وتسافر مع الرياح وتغني مع العصافير... لذلك مرة أخرى لا يستطيع النص العظيم ان يتخلّص من روح صاحبه ابدا .

 

  • حياة الرايس الروائية اين هي من الشعر ؟
  • بين سرّ اللغة وسرّ الوجود يأتي الشعر.. يأتي الشعر عندما نرى الكون بعين القلب ونفهم لغة الطير ونصغي للصخر ونرهف السمع لرصد تلك الومضات والنفحات والجزيئات النورانية المبثوثة في تجليات الكون ونحولها الى كلمات ذات موسيقى ساحرة وإيقاع داخلي يمسّ كيان الانسان من الداخل ليسري في جسد النص

اذا وقع ذلك منك في قلب الاخر (القارئ) فانت قد نقلت اليه نبض الكون.

 الشعر طقس عام في مناخاتي السردية كلها من قصة ورواية ومسرحية وحتى المقالات والدراسات... هو أسلوب كتابة كامتداد لأسلوب عيشي. أنا امراة تحاول ان تعيش شعريا وابداعيا وسرديا على الأرض.

للنص وبين المخيال الذي يصدح ويتغني بكل ذلك او على إيقاع كل ذلك

الشعر عموما ليس في القصيدة ولكن في الكون كما قلت وعلينا اقتناص ومضاته ونفحاته لنطرز بها إيقاع حياتنا فتصيب إيقاعَ نصنا كامتداد طبيعي لاسلوب حياتنا و شخصيتنا.

وانا لا يهمني ان كانت دور النشر مازالت تحتفي بالشعر ام انها قد اوصدت دونه الأبواب ؟وان كان عطره قد اريق على عتبات المؤسسات؟ انا الذي يهمني هو عطره الذي يسكنني وتتبدد روحي اذا فارقني لذلك احافظ عليه نديّا حيا دافئا حنونا مختبئا في ذاتي \ في ذات النص في جسدي \في جسد النص...

النص الجيد يفرض نفسه شعرا ام نثرا.

لم ابدا بالشعر كديوان مستقل بذاته. الشعر عندي مبثوث في كامل نصوصي في السرد و في النثر.

 

حياة الرايس ..سيرة موجزة

تونسية المولد والنشاة عربية الهوى مبدعة استثنائية جمعت بين القصة القصيرة والشعر والرواية والمسرح.. عاشقة للسفر والترحال بين تونس والدول الأوروبية

مثلت روايتها "بغداد وقد انتصف الليل فيها" حدثا إبداعيا عربيا هاما ومتميزا على اعتبار ان هذه الرواية حملت كتابة جديدة للسيرة الذاتية من حيث الأسلوب والمضمون وقد حققت هذه الرواية نجاحا على المستوى العربي بدرجة أولى على اعتبار لغة الصدق والصفاء والعمق الذي انفردت به.

كتبت حياة الرايس في شتى أنواع الادب بنفس الروح الذي تتميز بها كتاباتها المنحوتة من ذات متمردة على السائد والباحثة عن الدفء الروحي بعيدا عن السطحية ناهيك وانها تواقة الى الخلود في الذاكرة وهي المتيمة بالعراق وحضارتها وتاريخها الإنساني الخالد. 

 

 

الكاتبة حياة الرايس  لـ"الصباح":  اكتب كما اشتهي ان أكون لا كما تشتهيني الحياة ان أكون

 

 

حوار محسن بن احمد

 

مبدعة استثنائية في كتاباتها وفي علاقتها بمحيطها الادبي والثقافي، عاشقة للحياة ومعاني جمال الوجود فيها , رافضة للاستكانة والخنوع ... تعشق السفر وهي التي اقتحمت المشهد الإبداعي العربي من أوسع الأبواب من خلال كتابات سردية وشعرية متفردة في رؤاها ومضامينها وتوقها الى معانقة الشمس..

 هي الكاتبة المبدعة حياة الرايس التي كسبت الرهان تحمي في كتاباتها  نفسا عروبيا اصيلا تواقا الى الأفضل والأرقى والأجمل في الحياة، نفس هو خلاصة تجاربها في الحياة وما عاشته ولامسته وانخرطت فيها بكل احاسيسها وجوارحها, فالكتابة عند حياة الرايس هي عصارة الروح المطلق الذي ينفخ في جسد النص فيعطيه روحا أخرى.

 

  • ماذا تحتفظ ذاكرتك من الطفولة وأي تأثير للبيئة في نحت شخصيتك؟
  • نشأت في بيت ليس به أي كتاب. الا نسخة من مصحف القرآن الكريم لا يستطيع ان يقرأها احد. هي موجودة للبركة فقط. ابي كان يذهب الى الجامع ليحفظ القرآن ويحقد على فرنسا الاستعمارية التي علمته الفرنسية دون العربية.

وتشفّيا منها،  فقد أدخلني "الكتّاب" منذ صغري. لكي أتعلم القرآن والعربية وأصول ديني قبل أن أدخل المدرسة.

أحببت الحرف العربي وأحببت العربية من إيقاع القرآن والسجع  الذي يدخل بنا في حالة ما يشبه الجذب. ونحن نردّد ونقول ونعيد بصوت عال حتى لو لم نكن نفهم ما نقول. ولكنا مأخوذين بالتكرار الذي كانت تتناغم معه أجسادنا الصغيرة التي تتمايل ذات اليمين وذات الشمال. في حركات تلقائية. متربعين على حصير المسجد . يهزنا الإيقاع ويطربنا الترتيل الذي دخلت معه في علاقة عشق للّغة العربية. كأنها الصلاة.

بعد ذلك دخلت مدرسة تونسية " مدرسة الحبيب ثامر" بباردو. واصلت تعليمي الثانوي بمعهد نهج الباشا العريق. وسافرت في بعثة حكومية رسمية الى بغداد لمواصلة تعليمي الجامعي. حيث كنت اول تونسية تتخرج من قسم الفلسفة في العراق. كما انني تحصلت على شهادة في الادب الفرنسي من جامعة السربون.

 

  • ما الدافع الى الكتابة وكيف نذرت لها نفسك على مدى عمر كامل ؟ واعتذرت في احد كتبك " عشتار " لابنك الوحيد انك انجبت له كتبا بدل ان تنجبي له اخوة ؟
  • يقول " قدماء المصريين:" كل شيء منذور للموت الا ما كتب." من صغري كنت أخشى الاندثار. لم أكن أخشى الموت لكن أخشى الاندثار، ان يأتي الانسان الى هذه الدنيا ويغادر ويكون هباء منثورا. ويمرّ مرور الكرام دون ان يترك اثرا: ذلك ما كان يرعبني فعلا اكثر من الموت. وانا لا ادري من الذي زرع فيّ وهم الخلود ومن الذي اثقل ظهر الطفلة فيَّ بأكثر مما تحتمل ؟ ولا احد في بيتنا يفكر في ذلك. بل كل سعيهم كان لفعل الخير وترك اثر حسن. من صغري كنت اؤسس للخلود بمشروع ادبي كبير يخلدني. او يبقى كأثر يدل عليّ بعد الخروج من هذه الدنيا، ليقول انّني كنت هنا ولم اكن نكره. يعزّعليّ ان اغادر نكرة . ولا اترك للأجيال شيئا او اثرا... مثل جدّي غلغامش كنت معنية او مهوسة بالبحث عن عشبة الخلود ومثله لم يقنعني ما قالت صاحبة الحانة "سدروي" له مشفقة عليه بعدما أنهكته رحلة البحث عن عشبة الخلود: تمتّع بهناءاتك وما يولد لك من أطفال. ولكن هل عمل " غلغامش " بنصيحتها؟ وهل هناك كاتب يستطيع أن يتمتّع بهناءاته وما يولد له من أطفال دون أن يرمي بنفسه في متاهة مغامرة البحث عن عشبة الخلود؟ وكيف لم اقتنع انا بالولد؟ وكيف استبدلت فعل الولادة بفعل الكتابة؟ كيف استبدلت الرحم بالكلمة؟من الذي أوهمني أنّ الخلود مع القلم وليس مع الولد؟ ومن أطول عمرا، الكتاب أم الولد؟ ولماذا يموت كلّ أبنائنا ويبقى المتنبّي حيّا لا يموت والمعرّي وابن خلدون؟

وقد اعتذرت لابني فعلا في مقدمة مسرحيتي عشتار "انني انجبت له كتبا عوضا ان أنجب له اخوة". لكن الظروف الحياتية تتدخل أيضا في الاختيار والاستعدادات النفسية والقدرة الجسدية.

 

  • الطريق الإبداعية الصعبة كيف دخلتها؟
  • لم تكن طريقا كانت بحرا من بحور القراءة. غرقت في مدونات اجدادي المتنبي والجاحظ والمعرّي والتوحيدي والحصري وابن خلدون ....

ودرست الفلسفة كاختصاص لأثري نصي الادبي بعمق السؤال. لان نصّا دون أسئلة، دون حيرة، دون قلق وجودي، لا يساوي شيئا. ككاتب دون قضية. في الفلسفة اكتشفت ان لي أجدادا آخرين مثل سقراط وافلاطون وارسطو وديكارت وهيغل وكانط...

ثم وجدت انني انتمى الى حضارات أخرى بفعل القرابة الكونية وارث الإنسانية جمعاء مثل كلاسيكيي الادب الفرنسي والروسي والإنجليزي والأمريكي ...

بالإضافة الى القراءة هناك التجارب . التجربة الحياتية كاكبر منهل ومن تجارب الاخرين التي اكتب عنها واتمثلها في شخصياتي القصصية والروائية ...

- بغداد كانت محطة هامة في حياتك بل كانت أكثر من مشروع دراسي او بعثة حكومية لمواصلة دراستك ببغداد؟

- ذهبت الى بغداد لمواصلة تعليمي العالي ولكني في الحقيقة ذهبت الى بلاد شهرزاد لمواصلة الحكاية...ولشمّ عبق ألف ليلة وليلة وتتبّع مساربها ودروبها السّاحرة...باعتباري حفيدة وفية للحكاية.

والتوحّد بـ"عشتار "ربّة الحبّ والخصب... واقتفاء آثار جلجامش في البحث عن عشبة الخلود...والنهل من حضارة وادي الرافدين العريقة . والحلم بكتابي الأوّل من مطابع شارع المتنبّي. وانطلاقتي الأدبية من بغداد في رحاب بيت الحكمة. كنت أحلم بمشروعي الأدبي الذي هو أكبر من الدراسة ومن الشهادة. والذي أزعم أنه سيخلّدني، لكي لا أكون مجرد عابرة في هذا الزمن.

هكذا كانت بغداد في مخيلتي.

- البدايات. كيف بدأت؟ بما أن المشروع أصبح حكاية من حكايات شهرزاد؟

  • لقد بدأت الحكاية من بغداد، على شاطئ دجلة بالذات. عند نصب شهرزاد شهريار الناهض كشاهد ابدي على شهوة الفن للحياة وشهوة الحكاية للتجدد....حيث تقف شهرزاد قبالة شهريار: شامخة كنخلة بغدادية، ملكة. تمسك صولجان الكلمة بيدها وتقبض على سرّ الحرف الوهّاج. وتعلّمنا أسرار الليالي في مقاومة شهوة الموت عند مليكها شهريار.  وتُبعث كل يوم جديدة كما أرادها الفنان النّحات محمد غنيّ حكمت ( الذي أقام النصب في منتصف السبعينات): واقفة غير راكعة أمام شهريارالحاكم بأمره، المتكئ على أريكته، ظهره إلى النهر وعيناه إلى شهرزاد. وشهرزاد عيناها إلى النهر... يركض الموج بخيالها من دهشة إلى دهشة لا تنتهي..

شهرزاد التي ملأت الدنيا حكايات وأثّثت ذاكرتنا ووجداننا بقصص عالم عجائبي تفرّدت وحدها دون نساء الأرض بابتكاره: عن  التاريخ القديم وأخبار الملوك والسلاطين والإنس والجن والإنسان والحيوان والّلصوص والشّطار والحكماء والأطباء والأبطال ورجال الدين والدنيا والخير والشّر....

لأجل عيون " شهرزاد"ملأت جدّتي طفولتي حكايات ووعدتها منذ صغري أن أملأ بدوري الدّنيا حكايات . خاصّة بعد تلك الليلة التي وضعت رأسي على ركبتها وهي تهدهدني لأنام وتحكي لي حكاية فاطمة ومحمد بن السلطان... فأخذها النوم وهي في عزّ الحكاية ولم تفق بعدها أبدا.. إليها سأواصل بقية الحكاية التي لن تنتهي لأني سأنام مثلها في عزّ الحكاية .... وقد اهديتها هذا الوعد في روايتي " عشتار" ،لأن عشتار أكثر الآلهة انتشارا هي أسطورة متجددة عبر الزمان أيضا..

كانت جدتي تهدهدني لأنام وهي تردّد " لن تفنى الكلمات ...لن تفنى الكلمات..." هي تعرف ان شهرزاد خبأت كل الحكايات في جرابها الذي لم يدفن معها وما على جداتنا غير النبش قليلا لدغدغة عظام الموت لتنفجر الحكايات بكل قوة الحياة.

 

هناك في ليالي بغداد ومن نصب تمثال شهرزاد عرف القلم طريقه إلى النشر .

كنت أحرّرالنصوص والمقالات والحوارات باللّيل وآخذها إلى الجريدة بالنّهار إلى " دارالجماهير للصّحافة " حيث مجلة " ألف باء " وجريدة "الجمهورية" اللتين احتضنتا بداياتي ثم " أفاق عربية" ومجلة   " فنون " فيما بعد.... ربّما تشجيعا لطالبة مهووسة بالكتابة والأدب والصحافة تنتمي إلى قسم الفلسفة في كلية الآداب بجامعة بغداد. في تلك السنوات مابين 77الى 1981

 

  • بعد بغداد انتقلت الى الكويت في مغامرة أخرى؟
  • بعدما تخرجت من بغداد انتقلت الى الكويت لاعيش تجربة الصحافة الثقافية المغرية واشتغل بها. وقد كانت في اوجها حينذاك في ثمانينات القرن الماضي بعدما انتقلت اليها التجربة اللبنانية والمصرية. اشتغلت في جريدتي القبس والرائ العام ومجلة اليقظة حوالي السنة، ولم اواصل التجربة. المجتمع الكويتي كان منغلقا على نفسه. وليس به متنفس اجتماعي بالنسبة لفتاة قادمة من المغرب ومن تونس تحديدا. العراق كان منفتحا اجتماعيا ومختلفا.

- هل هناك مرحلة في حياتك الأدبية تريدين نسيانها؟

- في الكتابة ليس لي مرحلة اريد نسيانها. كل ما في الامر اني لم اكن استعجل النشر ابدا. كنت اكتب القصة منذ الثمانينيات وانشر في المجلات والجرائد العربية دون ان أفكر في جمعها في كتاب طيلة عشرية كاملة.

 بداية التسعينيات عندما احسست بنضج ابداعي معين، أصدرت مجموعتي القصصية الأولى:" ليت هندا ... !" (1991)وكلها قصص جديدة، كتبتها كلها في بضعة أشهر، عندما تأكدت من الإضافة والتميز والاختلاف. وتنكرت لكل قصص عشرية الثمانينيات.

تنكرت لها حينها لإيماني ان الكتاب الأول هو الذي سيحدد هويتك الأدبية. اذ لا معنى ان يرمي الواحد منا كتابا في الساحة الأدبية، دون ان يلفت انتباه احد. ودون ان يضيف شيئا. اذا كان الكتاب الأول رديئا فان20 كتابا آخر لن يمحو ذلك الانطباع الأول الذي رسم هويتك عند الناس.

لكنني الان وبعد 33 سنة . تصالحت معها وقررت ان اضيفها مع الطبعة الثانية من " ليت هندا ..." كشاهد على مرحلة أدبية معينة. وتبنتها " دار الكتاب " مشكورة كسبق لقصص لم تنشر من قبل في كتاب. وستصدر قريبا في معرض تونس الدولي للكتاب انشاء الله. وهذه تجربة مهمة في عمليّة النقد والمقارنة. لمن أراد ان يشتغل عليها من النقاد.

 

  • كيف انتقلت من القصة الى الرواية؟ وكيف تنتقلين بين اشكال إبداعية مختلفة بسهولة ومرونة وتبدعين فيها ؟ على حد قول بعض النقاد : " ان كل جنس تكتب فيه حياة الرايس تبدع فيه "

 

  • يسعدني هذا الراي الذي ابداه بعض النقاد.

عندما كتبت مجموعتي القصصية: " ليت هندا ... !- كانت آخر قصة بها بعنوان  " إعلان زواج " وهي قصة طويلة. حينها قال النقاد ان حياة الرايس تتهيّأ لكتابة الرواية وهناك من اعتبرها رواية قصيرة . و توقعوا ان الكتاب القادم سيكون رواية. ولكن الكتابة انحرفت بي عن جنس السرد تماما.  "خنت" القصّة  وكتبت بحثا فلسفيا عن النساء المسكونات بالجان  " جسد المرأة من سلطة الانس الى سلطة الجن " نشر في دار سينا 1995 بالقاهرة.   كتبته ليس بطريقة البحث الاكاديمي ولكن بتأثيرات السرد السابقة عندي. احكي فيه عن كائنات عجيبة وغريبة عن نساء مسكونات بالجان... من  الحضرة( الزار ) ومزارات الاولياء الصالحين والحمّام التركي ... الى عيادات الطّب النفسي ...رغم انه بحث فلسفي : مقاربة سيكولوجية/انتروبولوجية لحالات  الهستيريا بالتعبير الطبي النساء المسكونات بالجان بالتعبير المحلي ...ولكن النقاد رأوا فيه تشكّل اسلوبي الادبي، الجامع بين الادب والفلسفة باعتبار اختصاصي الفلسفي. و مراوحة بين الفلسفة والادب واهتموا خاصة بموضوع "التابوهات" الذي تناولته والمسكوت عنه...كان اول كتاب من نوعه يتناول هذا الموضوع باللغة العربية على الأقل.

لكن في الكتاب الثالث : الذي جاء على شكل مسرحية :" بعنوان :" سيّدة الاسرار عشتار" فقد بدا التداخل فيه واضحا.  اذ جاءت المسرحية على شكل الواح شعرية محافظة على اسلوبها القديم باعتبارها مستوحاة من اسطورة الالهة عشتار وهي قصة حب بين عشتار وتموز. فيها الاحداث والشخصيات والعقدة والدراما...واحتار النقاد في وصفها مرة أخرى. وهنا ظهر التداخل بصفة اكبر بين مختلف الاجناس الادبية وكتب الناقد كمال الرياحي عنها قائلا : هذه مسرحية تستعصي عن التصنيف اذ هي نص تتعالق فيه الحكاية والسرد ،مع الشعر مع الرواية مع المسرح......" ربما هي رواية شعرية؟

بعد المسرح عدت الى القصة كنوع من الوفاء ربما ؟ لأنني شعرت انني خنتها مع البحث الفلسفي ومع المسرح. عدت اليها مع مجموعة :" انا وفرنسوا وجسدي المبعثر على العتبة".

ثم واذا بي في 2012 اصدر ديواني الشعري الاول :" انثى الريح" وكأن الرياح حطت بكلماتي في القصيد . وان الرياح التي تبعثر كل شيء قد جمعت حروفي في قصائد نثرية ورسائل ضّيعت عناوينها" كما عنونت القسم الثاني من الديوان ...

كتبت للأطفال أيضا سلسلة " حكايات فاطمة "...2012

 المهم في كل هذا اني لم اكن أُجبر الذات الكاتبة فيّ او اضغط عليها او احبسها في جنس أدبي واحد. بتواطؤ كبير مني اتركها تحط على الشكل الذي تراه مناسبا لموضوعاتها. لأني اثق في الذات الإبداعية. ولأنه ومهما تعددت الأشكال والأجناس الأدبية فان الجسد الابداعي واحد . و قد كان ذلك محل ثقة اتبادلها انا وقلمي. لم اكن اشك في اختياراته. و في النهاية لم يكن يزعجني ان يكتب القصة او الشعر او المسرح فهو يفاجئني بهذا التنوع من جهة، ولان التجربة الابداعية ارحب وارحم من ان تلوى عنق قلمها. وتعلب نفسها في صناديق مقفلة على ذاتها. فانا واياه متفقان بتوافق كبير على هذه الحرية والاريحية واكتشاف مساحات ابداعية جديدة ....

ثم عدت الى القصة في مجموعتي الثالثة "طقوس سريّة وجحيم" عن هيئة قصور الثقافة بمصر 2015 .

رغم كل هذه الحرية في  اختيار الشكل الابداعي المناسب ،الا اني كنت ارغب في سري بكتابة الرواية.

احسست ان كل هذه الاجناس انما تهيئني الى الناموس الاعظم الى النص الروائي.

وفي اليوم الذي احسست فيه بفيض نضج ابداعي معين. وبعد أكثر من ثلث قرن من كتابة القصّة والشعر والنص المسرحي وادب الرحلات وادب الرسائل والبحث الفلسفي. . اقبلت بهمتي على الرواية. كأني كنت في حاجة لجمع شتاتي في الرواية. فكانت :"بغداد وقد انتصف الليل فيها" رواية سيرية فيها السرد والحكاية وتعدد الشخصيات والاحداث والعقدة والدراما والرؤية الفلسفية  والخيط الرابط والموقف من قضايا العصر في مناخات شعريّة وفيّة  لخصائص كتابتي الادبية ....فيها مقوّمات الرواية ومقوّمات السيرة الذاتية ...أو ربّما كنت اتوق الى كتابة النص المفتوح الذي لا يحدّه حدّ.

في الرواية نشعر بأريحية لا نشعر بها في جنس ادبي آخر. لذلك أجد نفسي في الرواية لأنها تستوعب كل الاجناس الأدبية من قص وسرد وشعر وفلسفة وسينما ومسرح وعلوم ... الرواية اعتبرها خلاصة تجربتي الأدبية في كل الاجناس و الاشكال الإبداعية المتنوعة التي ذكرت.

 

  • تعد رواية " بغداد وقد انتصف الليل فيها" المحطة الهامة في حياتك الأدبية. وهي رواية سيرية اعتبرتك الناقدة جليلة طريطر المختصة في ادب السيرة. رائدة في كتابة الذات في تونس؟
  • تحية للناقدة الاكاديمية جليلة طريطر وهذا وسام كبير على صدري الحقيقة. يشاركها في الراي نقاد آخرون كالدكتور شفيع بالزين في اعتباري رائدة في مجال كتابة الذات وهذه مسؤولية تاريخية... أتمنى ان لا احمل ثقلها وحدي. وانا غامرت بها تشجيعا لكتابة الذات او ادب البوح الشحيح عندنا بحكم المجتمعات التقليدية المنغلقة على نفسها.
  • أي سر وراء هذا النجاح العربي الكبير الذي حققته روايتك " بغداد وقد انتصف الليل فيها" ؟

- قد أجاب عنه النقاد كثيرا هذا السؤال.

اما انا فاني اعزيه انني كتبتها بحب وبصدق وهي خلاصة تجربتي المتنوعة كما قلت لك وهي مغامرة في اللغة والوجود كما كان سفري مغامرة تماما...وبينتْ ذلك د. جليلة طريطر في دراستها العميقة " محكي سفر". في كتابها "مرائي النساء"

هي كانت أكثر من تجربة فتاة تونسية ذهبت الى بغداد درست الفلسفة وتحصلت على شهادة الباكالوريا(الاجازة ) ورجعت الى أهلها فرحة مسرورة.

لا يمكن ان نتحدث عن العراق دون اخراج واظهار  كل ذلك المخزون الحضاري لأعرق ثقافات العالم. حضارة وادي الرافدين حضارة سومر واشور وبابل ... وبذلك تعد الرواية وثيقة حضارة لبلاد ما بين النهرين وكذلك وثيقة تاريخية/ سياسية عن حزب البعث وعن الحرب العراقية الإيرانية التي عشتها في سنتي الأخيرة ووثيقة ثقافية عن الحياة الثقافية ورموزها في العراق الحديث...كل ذلك اعطى الرواية بعدا آخر وثقلا آخر.

 

- "بغداد وقد انتصف الليل فيها...".هل كانت هذه العبارة أم صداها في نفس الكاتبة مدعاة لكتابة الرواية؟

- تلك عبارة لا يمكن ان انساها ابدا ترسخت في الذاكرة ليلة وصولنا بالذات. رنت في اذني والمذيع يعلن انتصاف الليل في بغداد من راديو السيارة التي جاءت تحملنا من المطار الى مبيتاتنا الداخلية وتخمرت عشرات السنين ولم تسقط من ذاكرتي كوني دخلت بلد الجاحظ والمتنبي عن طريق اللغة والبلاغة:" من قال اني اهاجر من بلد الى بلد لست اقيم سوى في اللغة ..

  • لكن لماذا بغداد في هذا الزمن بالذات؟ وبعد الغزو الامريكي ؟                                                          
  • لعلّه خواء الراهن. نعم افتقد بغداد التي عرفتها وعشتها: بغداد أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. فترة من أجمل الفترات. فترة يتحسر عليها العراقيون الى الان ومن عرف بغداد وعاش بها تلك السنوات. عدت الى فترة انمحت من الوجود ولن تعود ابدا ولم تبق الا في ذاكرة الكتب التي تروي ذلك التاريخ الذي كان. كل أجيال التسعينيات وما بعدها لن يعرفوا ما كانت عليه مدنهم الا من الكتابات التي وثقت ماضيهم.

أنا اردت تهريب بغداد من اللصوص والغزاة... لتبقى في ذاكرتنا وفيوجداننا في كتبنا في احرفنا وفي اعيننا: ايقونة المدن لن تسقط ابدا.

 

- قضيت حوالي 10 سنوات بفرنسا قبل الانتقال هذه السنة للعيش بسويسرا مع العائلة. حدثينا عن هذه التجربة الثرية وكيف استفدت منها ثقافيا وحياتيا؟

- طوال عمري اعيش بقلبي وروحي في باريس منذ ان اكتشفتها مبكرا حتى لو كنت بعيدة عنها جميلة الجميلات واجمل مدن الدنيا .

اما بالنسبة لفرنسا عموما، في السنوات الأخيرة صرت اعيش فيها مع ابني الدكتور اوس الذي درس بها وأصبح يُدرّس في أعرق جامعاتها بغرونوبل وقبلها تنقلنا في بعض مدن فرنسا.

 عشنا 4 سنوات بمدينة "لافال" عاصمة إقليم لامايان بالشمال الغربي الفرنسي على مشارف النورموندي...كانت منتجعا رائعا للكتابة بعيدا عن ضوضاء باريس والعواصم المزدحمة الاخرى خاصة أنى لا اعرف بها احدا ولا يعرفني أحد. وهذا أروع ما تنشده الكتابة. خاصة كتابة الذاكرة ومن المفارقات انني كتبت روايتي عن بغداد والتي هي سيرة ذاتية لمذكراتي الجامعية في بغداد في مدينة "لافال " في مدة ثلاث سنوات.  ولازلت اعتذر لها، حتى اكتب نصا خاصا بها في كتابي القادم ادب الرحلات. ولكني تعرفت الى الحياة الثقافية بها والناس هناك لازالت عندهم تقاليد الذهاب الى السنيما والمسرح بأفواج غفيرة وفي المدينة هناك جامعات مفتوحة حرّة تعطي دروسا يومية في الفن التشكيلي والادب والمسرح والموسيقى على اعلى مستوى يوميا. واضبت عليها وصرت من روادها حتى صرت أساهم في حصص الادب بالتعريف بأدبنا العربي وانطلقت من تونس واثريت  مكتبتها ببعض الكتب التونسية المترجمة او المكتوبة باللغة الفرنسية مباشرة ...

كما عشت اربع سنوات بغرونوبل وسررت لوجود مركز ثقافي تونسي بها وناد للموسيقى التونسية وأنشطة أخرى ....

كنت اشارك في نشاط المعهد العربي بباريس وقد قمت بمداخلة حول الشاعر الاردني ابراهيم نصر الله بمناسبة احتفائية المعهد بفوزه بالبوكر العربي في نطاق كرسيّ المعهد الذي استحدث مؤخرا. وكنت اسعى دائما الى ربط نوع من التعاون الثقافي اوالشراكة مع بعض المؤسسات الثقافية العربية او الفرنسية  مثل دار تونس بالمدينة الجامعية ودار المغرب بباريس..ورابطة الكاتبات التونسيات .

 

  • كيف ترى المبدعة حياة الرايس فعل الكتابة بصفة عامة ؟
  • سؤال الكتابة الذي يتردد عليّ دائما كسؤال الموت، كسؤال الوجود، كسؤال الحياة، كسؤال المصير، كسؤال الكينونة. نكتب لنكون او لا نكون بالمعنى الذي ذهب اليه شكسبير.

ونكتب تاصيلا لكيان بالمعني الذي ذهب اليه محمود المسعدي ونكتب لان الكتابة كما الفن تؤجل قيامة العالم بالمعنى الذي ذهب اليه نيتشه. شخصيا اكتب كوهم جميل يساعدني على البقاء ويزيّن لي الخلود. اكتب لان روحي ضائعة ولا ادري اين اروح بها؟ فاسكبها وأريقها على الورق علّها تزهر أو تفوح  يوما. فاراها تينع امامي وتسري في عروق الأرض وتُنبت الزرع الخصب وتسري في الكون وتسافر مع الرياح وتغني مع العصافير... لذلك مرة أخرى لا يستطيع النص العظيم ان يتخلّص من روح صاحبه ابدا .

 

  • حياة الرايس الروائية اين هي من الشعر ؟
  • بين سرّ اللغة وسرّ الوجود يأتي الشعر.. يأتي الشعر عندما نرى الكون بعين القلب ونفهم لغة الطير ونصغي للصخر ونرهف السمع لرصد تلك الومضات والنفحات والجزيئات النورانية المبثوثة في تجليات الكون ونحولها الى كلمات ذات موسيقى ساحرة وإيقاع داخلي يمسّ كيان الانسان من الداخل ليسري في جسد النص

اذا وقع ذلك منك في قلب الاخر (القارئ) فانت قد نقلت اليه نبض الكون.

 الشعر طقس عام في مناخاتي السردية كلها من قصة ورواية ومسرحية وحتى المقالات والدراسات... هو أسلوب كتابة كامتداد لأسلوب عيشي. أنا امراة تحاول ان تعيش شعريا وابداعيا وسرديا على الأرض.

للنص وبين المخيال الذي يصدح ويتغني بكل ذلك او على إيقاع كل ذلك

الشعر عموما ليس في القصيدة ولكن في الكون كما قلت وعلينا اقتناص ومضاته ونفحاته لنطرز بها إيقاع حياتنا فتصيب إيقاعَ نصنا كامتداد طبيعي لاسلوب حياتنا و شخصيتنا.

وانا لا يهمني ان كانت دور النشر مازالت تحتفي بالشعر ام انها قد اوصدت دونه الأبواب ؟وان كان عطره قد اريق على عتبات المؤسسات؟ انا الذي يهمني هو عطره الذي يسكنني وتتبدد روحي اذا فارقني لذلك احافظ عليه نديّا حيا دافئا حنونا مختبئا في ذاتي \ في ذات النص في جسدي \في جسد النص...

النص الجيد يفرض نفسه شعرا ام نثرا.

لم ابدا بالشعر كديوان مستقل بذاته. الشعر عندي مبثوث في كامل نصوصي في السرد و في النثر.

 

حياة الرايس ..سيرة موجزة

تونسية المولد والنشاة عربية الهوى مبدعة استثنائية جمعت بين القصة القصيرة والشعر والرواية والمسرح.. عاشقة للسفر والترحال بين تونس والدول الأوروبية

مثلت روايتها "بغداد وقد انتصف الليل فيها" حدثا إبداعيا عربيا هاما ومتميزا على اعتبار ان هذه الرواية حملت كتابة جديدة للسيرة الذاتية من حيث الأسلوب والمضمون وقد حققت هذه الرواية نجاحا على المستوى العربي بدرجة أولى على اعتبار لغة الصدق والصفاء والعمق الذي انفردت به.

كتبت حياة الرايس في شتى أنواع الادب بنفس الروح الذي تتميز بها كتاباتها المنحوتة من ذات متمردة على السائد والباحثة عن الدفء الروحي بعيدا عن السطحية ناهيك وانها تواقة الى الخلود في الذاكرة وهي المتيمة بالعراق وحضارتها وتاريخها الإنساني الخالد. 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews