إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

قراءة في رواية: هجرة العنز جلجال إلى بلاد الشمال ( رواية للأحداث )

 

بقلم : ساسي حمام

       يتوسّط غلاف الرّواية الملون بالأصفر البرتقالي المتدرّج من الفاتح إلى الغامق شبحان ملفوفان في رداءين لا يظهر منهما غير ساقيهما وجزء صغير من وجهيهما يصارعان عاصفة رملية في صحراء ممتدة إلى اللانهاية ويبدو من الأجزاء الظاهرة أنهما من جنوب الصّحراء وتظهر عليهما علامات التعب والإرهاق، لا بدّ أنهما قطعا مسافات طويلة في الصحراء القاحلة تحت أشعة الشمس الحارقة نهارا وبرودة الطقس ليلا وعرفا الجوع والعطش واجتازا جبالا شاهقة وأودية عميقة ووهادا وسباخا وسهولا وهضابا وتعرضا للكثير من أخطار الطريق الصعبة التي اختاراها للوصول إلى بلاد الشّمال.

     كتب العنوان بخطّ حرّ ولون بالأحمر سهل القراءة وهو لون حار يدل على التوهج والحب والرغبة وهو ما يربط جلجال ببلاد الشمال. وعند قراءته لا بد أن تقفز إلى ذهن القارئ عنز السيد سيغان التي سئمت الحياة في الإسطبل حيث تأكل الأعشاب الطريّة التي يجلبها لها سيّدها ويختارها من الحقول ويقدم لها الماء الصافي وتاقت نفسها إلى الحياة في الجبل حيث ستنعم بالحرية ورغم نصائح سيدها وتحذيره لها هربت من شباك الإسطبل والتحقت بالجبل حيث أكلها الذئب.

       تحت العنوان كتب بخطّ رقيق بين قوسين رواية الأحداث وهكذا بيّن الكاتب جنس عمله والفئة العمريّة التي يتوجه إليها وهم الأحداث وهم الشباب.

     كان الطفل العربي محروما من أدب خاص به مناسبا لمراحل عمره ولتلافي هذا الحرمان قام بعض الكتاب بكتابة وترجمة بعض القصص وإعادة واقتباس بعض القصص التراثية أبرزهم محمد عطية الإبراشي وكامل كيلاني.

    وقد انتبهت بعض دور النشر إلى أهمية نشر كتب تحترم المراحل العمرية للأطفال كدار بوسلامة للطباعة والنشر بتونس التي أزمعت طبع ونشر سلسلة من الكتب للأطفال الذين بلغوا اثنتي عشر سنة ولكن لم يظهر منها غير كتاب واحد هو رحلة إلى الجنوب.ودار المعارف بالقاهرة نشرت عدّة سلاسل تحترم المراحل العمرية للأطفال كالمكتبة الخضراء وسلسلة أولادنا التي أشرف عليها الأديب محمد فريد أبو حديد  من كتابها صلاح عبد الصبور.

    وقد شهدت سبعينيات القرن الماضي طفرة في نشر الكتب الموجهة للأطفال بجميع أنواعها، وتعددت دور النشر الخاصة في هذا النوع من الأدب دون اعتبار لمراحل نموّ الطفل وخصائص كلّ مرحلة من النواحي النفسية والعقلية والاجتماعية التي بيّنها وحدّدها علماء النفس.

     فقد شهدت نوعين من الكتابة للأطفال :الأول للأطفال من 11 أو 12 سنة والثّاني للكبار وبالتالي هناك فئة ضائعة بين النوعين وهي فئة اليافعين والأحداث الذين بلغوا سنّا معيّنة لم تعد تجذبهم عناوين كتب الأطفال ويضيعون في الأدب بصفة عامة وهذا يجعلهم يعزفون عن القراءة لأنها لم تعد تستجيب لرغباتهم وتطلعاتهم.

     تتميّز هذه المرحلة العمرية الهامة بتحولات عميقة وهي امتداد لمرحلة الغرام ومرحلة المثل العليا وتمتدّ من الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة وتستمرّ بعد ذلك، ويمتاز هذا الطور بشدة الغريزة الاجتماعية وبظهور الغريزة الجنسية وبالنظرات الفلسفية للحياة وبالتفكير الديني، ويبدأ في مرحلة النضوج العقلي والاجتماعي وتيقظ العاطفة وتفتح النفس ونموّ الأحلام وتطلّع إلى المستقبل، ويكون الفتى قد كوّن بعض المبادئ الاجتماعية والخلقية والسياسية، وفي هذا الطّور ينتقل الفتى من الطّفولة المعتمدة على غيره إلى طور الشباب، والشباب ثورة وتوق إلى الحرية والانعتاق والقيام بتجاربه الخاصة في الحبّ والحياة، ويشرع في التطلّع إلى مستقبله والتفكير فيه وبالمشروعات والمطامح والأهداف التي يريد بلوغها وشرع يبحث عن الوسائل الكفيلة بتحقيقها.

    ومع مطلع القرن الواحد والعشرين ظهرت جوائز محلية وعربية كجائزة الشّاعر التونسي  الراحل  مصطفى عزّوز بتونس وجائزة "كتارا" بقطر وغيرهما تشجع وتحفّز الكتاب على الكتابة في هذا اللون الأدبي الموجه لفئة اليافعين والشباب. وبمرور الزّمن أصبح أدب اليافعين أو الناشئة أو الأحداث معتمدا في الحقل الأدبي واتّضحت معالمه من الناحية التقنية في الكتابة والأسلوب والتوجه والشّروط.

       في أعلى الغلاف كتب بخطّ متوسّط الحجم اسم الروائي التونسي عمر بن سالم المعروف في الساحة الأدبية التونسية بإنتاجه الغزير في مختلف الأجناس الأدبية فقد كتب القصة القصيرة وله فيها مجموعات منشورة كما نشر عدة روايات وعدّة مسرحيات وجمع الحكايات الشعبية والخرافات المتداولة بجهته كما دون مجموعات من هدهدات وأغنيات الأطفال وحقق التراث وكتب للأطفال كما ترجم أعمالا هامة من الأدب الفرنسي إلى العربية.

       وفي أسفل الغلاف دار سحر للنشر وهي دار عريقة محترمة ملأت الفراغ الذي تركه إغلاق داري النشر الوطنيتين الدار التونسية للنشر والشركة التونسية للتوزيع عن جدارة ولا تنشر غير الأعمال الهامة  والمهمة.

        طبع في صفحة الغلاف الأخيرة ملخص موجز للرواية لتحفيز القارئ وإثارة اهتمامه عرّف فيه بجلجال ومسقط رأسها، وعلى أسباب رحلتها الطويلة التي قطعت فيها قسما من الصحراء الكبرى واجتازت البحر الأبيض المتوسط على قارب صغير ممتلئا بالحرّاقة يقودهم الإرهابيون أصحاب اللحي الطويلة والثياب السوداء وما صادفها في هذه الرّحلة الطّويلة من مصاعب وأهوال. وانتهت هذه الرّحلة بوصولها وابنها إلى بلاد الشّمال وماتت هناك قريرة العين لأنّ ابنها سيحقّق ما كانت تودّ تحقيقه في حياتها من أحلام وآمال.

       أهدى الروائي عمله إلى أرواح إخوته الشاذلي وعبد اللطيف وعبد العزيز وخميس وأخته الكبيرة القلب رويدة كرمز وذكرى محبة ووفاء، إهداء فيه الكثير من المحبة والاحترام والتقدير والعرفان بالجميل وربما الاعتذار لأنه فارقهم صغيرا وسافر في طلب العلم إلى قابس أولا ثمّ إلى تونس العاصمة وإلى القاهرة وبيروت وانتهى به المطاف إلى باريس.

        تقع الرواية في مائتين وخمسة وأربعين صفحة مقسّمة إلى إثنين وعشرين فصلا ولكلّ فصل عنوان يلخصه.

       تنفتح الرواية على بلاد الباوباب هذه الشجرة العملاقة التي لا تعشّش فيها غير الطّيور الكواسر وعند جذعها الأملس الضخم يجتمع الأهالي للسهر والسمر والحديث في مواضيع تهمّهم والنظر في شؤونهم الخاصة وحولها يحتفلون بجميع الأعياد والمناسبات، هي الشجرة التي لا تنبت إلاّ في بعض البلدان جنوب الصّحراء حيث ولدت العنز جلجال الحالمة ببلاد الشّمال بلاد البرد والثلوج وتكثر الجبال والأنهار والغابات والمراعي الشاسعة ويتمتع سكانها بالرفاهية والحرية.

       تعرف جلجال ذات ليلة أنّ سيّدها يعتزم بيع جديها لأحد الجزارين لذبحه وبيع لحمه فتقرّر الهروب من الزريبة والهجرة إلى بلاد الشّمال لتعيش مطمئنة تنعم بالحرية والعيش الكريم وحيث لا يوجد جزارون يأخذون الأبناء من أمهاتهم عنوة لذبحهم.

      نرافقها في هذه الرحلة الطّويلة الشاقة عبر الصحارى والسّهول والسّهوب والجبال والأودية والسّباخ والغابات والبحر وما تحملته من جوع وعطش وتعب وإرهاق وما قاسته من تجار الأغنام في الصحراء ومن الإرهابيين أصحاب اللحي الكثة الطويلة والثياب السوداء المدججين بالأسلحة عن القتل والتخلص من بعض المهاجرين خلسة برميهم في البحر أحياء.

    وأخيرا تعبر البحر على متن قارب صغير مع مجموعة كبيرة من المعيز مصحوبين بجديانهم تحت حماية وإشراف الإرهابيين الذين يتاجرون بهم وبعد رحلة بحرية شاقة وصلت جلجال مع جديها إلى الضفة الأخرى وهناك ينزع عنها الروائي صفة وشكل الحيوان ليصبحا إنسيين متحضرين يجلسان على الكراسي ويأكلان بالملعقة والشوكة والسكين وأقلعا عن تناول الحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار.

       ما أن تطأ أرض الضفة الأخرى حتى تحشر مع غيرها في محتشد لإيواء المهاجرين خلسة وهناك تجد الرعاية الصحية والأكل النظيف والفراش الوثير والنّظام المستتب.

     تسأم جلجال الحياة في هذا المحتشد الشبيه بالسجن وهي التي تطمح لحياة أفضل والمغامرة الذّكية تأخذ جديها وتهرب، وبعد أن يقطعا مسافة طويلة يصلان إلى عاصمة دولة مجاورة حيث تحتضنهما الجمعيات الخيرية والمنظمات المدافعة عن المهاجرين غير الشّرعيين فيوفّرون لها شقة محترمة ويشغلونها معينة منزلية عند إحدى السيّدات الثريات ويرسّمون ابنها في إحدى المدارس، ويكلفون عددا من المحامين لمساعدتها على القيام بالإجراءات القانونية للحصول على الإقامة الدّائمة وبعد جلسات عديدة في المحكمة تمنح لها ولابنها الإقامة.

وقبل أن تفارق الحياة توصي ابنها بمواصلة تعليمه ليصبح محاميا يدافع عن المظلومين والمهاجرين غير الشرعيين والفقراء والبطالين وتفارق الحياة بالسكتة القلبية وهي قريرة العين لأن ابنها دربال ( تلك النواة التي ألقت بها في بلاد الشّمال لتمتد فيها عروقها ويحقق ابنها بعدها هناك ما كانت تودّ تحقيقه في حياتها من أحلام وآمال).

      تعتبر رواية  هجرة العنز جلجال الى بلاد الشمال إضافة نوعية 

لمكتبة الاحداث واليافعين الروائية بما توفرت فيها من شروط الرواية

الناجحة.

     موضوعها وشخصياتها والقضايا المطروحة تهم الشباب والعائلات

فالهجرة خلسة او غير القانونية او ماعرف بـ"الحرقة" الى بلاد الشمال

هاجس اغلب عائلات الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط وجنوب

الصحراء وحلم شباب هذه المناطق وهدفهم الوصول اليها ولو

كلفهم ذلك حياتهم فيعطون الصحراء أو يرتمون في البحر فيموت

عدد كبير منهم غرقا في أعماق البحر أو جوعا وعطشا في الصحراء

أو يقتلون من طرف حراس الحدود أو من طرف منظمي هذه الرحلات

المجهولة العواقب.

     الرواية واقعية فأحداثها يمكن أن تحدث بل هي تحدث فعلا في كل

يوم وفي كل ساعة ومن حين لآخر يعلنون عن مفقودين او يلفظ البحر

جثثا متعفنة مجهولة الهوية. وأسلوبها يتميز بالانسياب والحيوية

والتشويق ولغتها سلسة سهلة تشجع ولا تنفر وقد اهتم بها الروائي اهتماما كبيرا وعرف كيف يمرّر بعض المواعظ والنصائح في النسيج السردي

تشجع اليافع والحدث على التفاؤل والاعتماد على النفس في الكثير من

الأعمال وكان توظيفا ذكيا حسب الحالة النفسية لجلجال وابنها.

قراءة في رواية: هجرة العنز جلجال إلى بلاد الشمال ( رواية للأحداث )

 

بقلم : ساسي حمام

       يتوسّط غلاف الرّواية الملون بالأصفر البرتقالي المتدرّج من الفاتح إلى الغامق شبحان ملفوفان في رداءين لا يظهر منهما غير ساقيهما وجزء صغير من وجهيهما يصارعان عاصفة رملية في صحراء ممتدة إلى اللانهاية ويبدو من الأجزاء الظاهرة أنهما من جنوب الصّحراء وتظهر عليهما علامات التعب والإرهاق، لا بدّ أنهما قطعا مسافات طويلة في الصحراء القاحلة تحت أشعة الشمس الحارقة نهارا وبرودة الطقس ليلا وعرفا الجوع والعطش واجتازا جبالا شاهقة وأودية عميقة ووهادا وسباخا وسهولا وهضابا وتعرضا للكثير من أخطار الطريق الصعبة التي اختاراها للوصول إلى بلاد الشّمال.

     كتب العنوان بخطّ حرّ ولون بالأحمر سهل القراءة وهو لون حار يدل على التوهج والحب والرغبة وهو ما يربط جلجال ببلاد الشمال. وعند قراءته لا بد أن تقفز إلى ذهن القارئ عنز السيد سيغان التي سئمت الحياة في الإسطبل حيث تأكل الأعشاب الطريّة التي يجلبها لها سيّدها ويختارها من الحقول ويقدم لها الماء الصافي وتاقت نفسها إلى الحياة في الجبل حيث ستنعم بالحرية ورغم نصائح سيدها وتحذيره لها هربت من شباك الإسطبل والتحقت بالجبل حيث أكلها الذئب.

       تحت العنوان كتب بخطّ رقيق بين قوسين رواية الأحداث وهكذا بيّن الكاتب جنس عمله والفئة العمريّة التي يتوجه إليها وهم الأحداث وهم الشباب.

     كان الطفل العربي محروما من أدب خاص به مناسبا لمراحل عمره ولتلافي هذا الحرمان قام بعض الكتاب بكتابة وترجمة بعض القصص وإعادة واقتباس بعض القصص التراثية أبرزهم محمد عطية الإبراشي وكامل كيلاني.

    وقد انتبهت بعض دور النشر إلى أهمية نشر كتب تحترم المراحل العمرية للأطفال كدار بوسلامة للطباعة والنشر بتونس التي أزمعت طبع ونشر سلسلة من الكتب للأطفال الذين بلغوا اثنتي عشر سنة ولكن لم يظهر منها غير كتاب واحد هو رحلة إلى الجنوب.ودار المعارف بالقاهرة نشرت عدّة سلاسل تحترم المراحل العمرية للأطفال كالمكتبة الخضراء وسلسلة أولادنا التي أشرف عليها الأديب محمد فريد أبو حديد  من كتابها صلاح عبد الصبور.

    وقد شهدت سبعينيات القرن الماضي طفرة في نشر الكتب الموجهة للأطفال بجميع أنواعها، وتعددت دور النشر الخاصة في هذا النوع من الأدب دون اعتبار لمراحل نموّ الطفل وخصائص كلّ مرحلة من النواحي النفسية والعقلية والاجتماعية التي بيّنها وحدّدها علماء النفس.

     فقد شهدت نوعين من الكتابة للأطفال :الأول للأطفال من 11 أو 12 سنة والثّاني للكبار وبالتالي هناك فئة ضائعة بين النوعين وهي فئة اليافعين والأحداث الذين بلغوا سنّا معيّنة لم تعد تجذبهم عناوين كتب الأطفال ويضيعون في الأدب بصفة عامة وهذا يجعلهم يعزفون عن القراءة لأنها لم تعد تستجيب لرغباتهم وتطلعاتهم.

     تتميّز هذه المرحلة العمرية الهامة بتحولات عميقة وهي امتداد لمرحلة الغرام ومرحلة المثل العليا وتمتدّ من الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة وتستمرّ بعد ذلك، ويمتاز هذا الطور بشدة الغريزة الاجتماعية وبظهور الغريزة الجنسية وبالنظرات الفلسفية للحياة وبالتفكير الديني، ويبدأ في مرحلة النضوج العقلي والاجتماعي وتيقظ العاطفة وتفتح النفس ونموّ الأحلام وتطلّع إلى المستقبل، ويكون الفتى قد كوّن بعض المبادئ الاجتماعية والخلقية والسياسية، وفي هذا الطّور ينتقل الفتى من الطّفولة المعتمدة على غيره إلى طور الشباب، والشباب ثورة وتوق إلى الحرية والانعتاق والقيام بتجاربه الخاصة في الحبّ والحياة، ويشرع في التطلّع إلى مستقبله والتفكير فيه وبالمشروعات والمطامح والأهداف التي يريد بلوغها وشرع يبحث عن الوسائل الكفيلة بتحقيقها.

    ومع مطلع القرن الواحد والعشرين ظهرت جوائز محلية وعربية كجائزة الشّاعر التونسي  الراحل  مصطفى عزّوز بتونس وجائزة "كتارا" بقطر وغيرهما تشجع وتحفّز الكتاب على الكتابة في هذا اللون الأدبي الموجه لفئة اليافعين والشباب. وبمرور الزّمن أصبح أدب اليافعين أو الناشئة أو الأحداث معتمدا في الحقل الأدبي واتّضحت معالمه من الناحية التقنية في الكتابة والأسلوب والتوجه والشّروط.

       في أعلى الغلاف كتب بخطّ متوسّط الحجم اسم الروائي التونسي عمر بن سالم المعروف في الساحة الأدبية التونسية بإنتاجه الغزير في مختلف الأجناس الأدبية فقد كتب القصة القصيرة وله فيها مجموعات منشورة كما نشر عدة روايات وعدّة مسرحيات وجمع الحكايات الشعبية والخرافات المتداولة بجهته كما دون مجموعات من هدهدات وأغنيات الأطفال وحقق التراث وكتب للأطفال كما ترجم أعمالا هامة من الأدب الفرنسي إلى العربية.

       وفي أسفل الغلاف دار سحر للنشر وهي دار عريقة محترمة ملأت الفراغ الذي تركه إغلاق داري النشر الوطنيتين الدار التونسية للنشر والشركة التونسية للتوزيع عن جدارة ولا تنشر غير الأعمال الهامة  والمهمة.

        طبع في صفحة الغلاف الأخيرة ملخص موجز للرواية لتحفيز القارئ وإثارة اهتمامه عرّف فيه بجلجال ومسقط رأسها، وعلى أسباب رحلتها الطويلة التي قطعت فيها قسما من الصحراء الكبرى واجتازت البحر الأبيض المتوسط على قارب صغير ممتلئا بالحرّاقة يقودهم الإرهابيون أصحاب اللحي الطويلة والثياب السوداء وما صادفها في هذه الرّحلة الطّويلة من مصاعب وأهوال. وانتهت هذه الرّحلة بوصولها وابنها إلى بلاد الشّمال وماتت هناك قريرة العين لأنّ ابنها سيحقّق ما كانت تودّ تحقيقه في حياتها من أحلام وآمال.

       أهدى الروائي عمله إلى أرواح إخوته الشاذلي وعبد اللطيف وعبد العزيز وخميس وأخته الكبيرة القلب رويدة كرمز وذكرى محبة ووفاء، إهداء فيه الكثير من المحبة والاحترام والتقدير والعرفان بالجميل وربما الاعتذار لأنه فارقهم صغيرا وسافر في طلب العلم إلى قابس أولا ثمّ إلى تونس العاصمة وإلى القاهرة وبيروت وانتهى به المطاف إلى باريس.

        تقع الرواية في مائتين وخمسة وأربعين صفحة مقسّمة إلى إثنين وعشرين فصلا ولكلّ فصل عنوان يلخصه.

       تنفتح الرواية على بلاد الباوباب هذه الشجرة العملاقة التي لا تعشّش فيها غير الطّيور الكواسر وعند جذعها الأملس الضخم يجتمع الأهالي للسهر والسمر والحديث في مواضيع تهمّهم والنظر في شؤونهم الخاصة وحولها يحتفلون بجميع الأعياد والمناسبات، هي الشجرة التي لا تنبت إلاّ في بعض البلدان جنوب الصّحراء حيث ولدت العنز جلجال الحالمة ببلاد الشّمال بلاد البرد والثلوج وتكثر الجبال والأنهار والغابات والمراعي الشاسعة ويتمتع سكانها بالرفاهية والحرية.

       تعرف جلجال ذات ليلة أنّ سيّدها يعتزم بيع جديها لأحد الجزارين لذبحه وبيع لحمه فتقرّر الهروب من الزريبة والهجرة إلى بلاد الشّمال لتعيش مطمئنة تنعم بالحرية والعيش الكريم وحيث لا يوجد جزارون يأخذون الأبناء من أمهاتهم عنوة لذبحهم.

      نرافقها في هذه الرحلة الطّويلة الشاقة عبر الصحارى والسّهول والسّهوب والجبال والأودية والسّباخ والغابات والبحر وما تحملته من جوع وعطش وتعب وإرهاق وما قاسته من تجار الأغنام في الصحراء ومن الإرهابيين أصحاب اللحي الكثة الطويلة والثياب السوداء المدججين بالأسلحة عن القتل والتخلص من بعض المهاجرين خلسة برميهم في البحر أحياء.

    وأخيرا تعبر البحر على متن قارب صغير مع مجموعة كبيرة من المعيز مصحوبين بجديانهم تحت حماية وإشراف الإرهابيين الذين يتاجرون بهم وبعد رحلة بحرية شاقة وصلت جلجال مع جديها إلى الضفة الأخرى وهناك ينزع عنها الروائي صفة وشكل الحيوان ليصبحا إنسيين متحضرين يجلسان على الكراسي ويأكلان بالملعقة والشوكة والسكين وأقلعا عن تناول الحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار.

       ما أن تطأ أرض الضفة الأخرى حتى تحشر مع غيرها في محتشد لإيواء المهاجرين خلسة وهناك تجد الرعاية الصحية والأكل النظيف والفراش الوثير والنّظام المستتب.

     تسأم جلجال الحياة في هذا المحتشد الشبيه بالسجن وهي التي تطمح لحياة أفضل والمغامرة الذّكية تأخذ جديها وتهرب، وبعد أن يقطعا مسافة طويلة يصلان إلى عاصمة دولة مجاورة حيث تحتضنهما الجمعيات الخيرية والمنظمات المدافعة عن المهاجرين غير الشّرعيين فيوفّرون لها شقة محترمة ويشغلونها معينة منزلية عند إحدى السيّدات الثريات ويرسّمون ابنها في إحدى المدارس، ويكلفون عددا من المحامين لمساعدتها على القيام بالإجراءات القانونية للحصول على الإقامة الدّائمة وبعد جلسات عديدة في المحكمة تمنح لها ولابنها الإقامة.

وقبل أن تفارق الحياة توصي ابنها بمواصلة تعليمه ليصبح محاميا يدافع عن المظلومين والمهاجرين غير الشرعيين والفقراء والبطالين وتفارق الحياة بالسكتة القلبية وهي قريرة العين لأن ابنها دربال ( تلك النواة التي ألقت بها في بلاد الشّمال لتمتد فيها عروقها ويحقق ابنها بعدها هناك ما كانت تودّ تحقيقه في حياتها من أحلام وآمال).

      تعتبر رواية  هجرة العنز جلجال الى بلاد الشمال إضافة نوعية 

لمكتبة الاحداث واليافعين الروائية بما توفرت فيها من شروط الرواية

الناجحة.

     موضوعها وشخصياتها والقضايا المطروحة تهم الشباب والعائلات

فالهجرة خلسة او غير القانونية او ماعرف بـ"الحرقة" الى بلاد الشمال

هاجس اغلب عائلات الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط وجنوب

الصحراء وحلم شباب هذه المناطق وهدفهم الوصول اليها ولو

كلفهم ذلك حياتهم فيعطون الصحراء أو يرتمون في البحر فيموت

عدد كبير منهم غرقا في أعماق البحر أو جوعا وعطشا في الصحراء

أو يقتلون من طرف حراس الحدود أو من طرف منظمي هذه الرحلات

المجهولة العواقب.

     الرواية واقعية فأحداثها يمكن أن تحدث بل هي تحدث فعلا في كل

يوم وفي كل ساعة ومن حين لآخر يعلنون عن مفقودين او يلفظ البحر

جثثا متعفنة مجهولة الهوية. وأسلوبها يتميز بالانسياب والحيوية

والتشويق ولغتها سلسة سهلة تشجع ولا تنفر وقد اهتم بها الروائي اهتماما كبيرا وعرف كيف يمرّر بعض المواعظ والنصائح في النسيج السردي

تشجع اليافع والحدث على التفاؤل والاعتماد على النفس في الكثير من

الأعمال وكان توظيفا ذكيا حسب الحالة النفسية لجلجال وابنها.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews