إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

50ألف منقطع عن الدراسة سنويا مهددون بالانحراف.. أطفال في حلبة "الجريمة".. "مذنبون" أم ضحايا..؟

 

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح":   نسبة الجرائم الوحشية تجاوز 70 بالمائة..

تونس - الصباح

لا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع أو نستفيق على أخبار وحشية تؤكد ارتفاع منسوب العنف والجرائم في تونس، لكن المختلف والملفت للانتباه هو أن العديد من هذه الجرائم مرتكبوها أطفال في ظل انتشار ظاهرة التسرب المدرسي زاد الأمر تعقيدا حيث كشفت المعطيات أنّ ما بين 60 و100 ألف تلميذ يغادرون سنويا مقاعد الدراسة وينقطعون نهائيا عن التعليم في مراحل مبكرة، وانّ 50 في المائة(أي 50 ألف منقطع سنويا) من المنقطعين عن الدراسة لا ينخرطون في أيّ منظومة للتكوين المهني ويعتبرون من العاطلين عن العمل الأمر الذي قد يفتح الباب لكل أنواع الانحراف.

كما تؤكد المؤشرات المسجلة ضمن نتائج مسح تعاطي المخدرات في صفوف الأطفال، إلى تضاعف استهلاك التلاميذ للمخدرات 5 مرات خلال العشر سنوات الأخيرة.

وكشفت أرقام المعهد الوطني للصحة التي نشرت سنة 2023 أن 16.2 بالمائة من التلاميذ المستجوبين -ضمن عينة مسح تعاطي المخدرات- يجدون سهولة في الحصول على مادة "الزطلة" لاستهلاكها، في حين تقدر نسبة استهلاك التلاميذ ولو مرة واحدة للأقراص المخدرة بـ8 في المائة.

ويعتبر رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني في حديثه لـ"الصباح" أن ظاهرة العنف هي في الآن نفسه سببا ونتيجة لتدهور المنظومة التربوية، ولتراجع الدور التربوي للعائلة والمدرسة وفي الانزلاق بمعاني القيم والأخلاق وبمعاني الحقوق والواجبات وفي اكتساح مجتمعنا من طرف الثقافات المائعة مستوردة كانت أو التي يتم إنتاجها محليا وفي غزو شبكات التواصل الافتراضي مساحات وفضاءات الحوار والتواصل التقليدي وفي غياب الإرادة والكفاءة المطلوبتين للتعامل مع هذا الموضوع بالنجاعة المطلوبة.

 ويؤكد الزهروني أن الأخطر من الآفة نفسها هو عدم التوصل إلى حلول تحدّ من انتشار هذه الظاهرة. ويعود ذلك إلى عدم الإدراك أن المجتمع التونسي فتح المجال لليأس ليأخذ مكان الأمل، وللفشل ليقاوم النجاح، وللجهل ليطارد العلم والمعرفة، وللعاطفة لتقارع العقل والحجة.

ويرى محدثنا أن مقاومة العنف مسؤولية الدولة أساسا ثم العائلة والمدرسة وهي عمل ميداني بامتياز، وعمل يومي يتم تنفيذه في مستوى كل مؤسسة تربوية مدرسة كانت أو معهدا، وتتمثل الغاية منه في رصد الواقع المعنوي والنفسي والعائلي الذي يمكن أن يؤثر سلبا في سلوك التلميذ قصد استباق كل الحالات التي يمكن أن تتطور إلى خطر على التلاميذ والإطارات التربوية وذلك داخل الفضاءات المدرسية وخارجها.

أما المختص في علم الاجتماع سامي نصر قال لـ"الصباح" أن مستوى الجريمة ارتفع في تونس بعد الثورة بنسبة وإن كانت طفيفة في حدود 7.8 بالمائة لكن المخيف هو تطور الجريمة العنيفة أو الدموية بنسبة تجاوزت 70 بالمائة، على حد قوله.

وبالنسبة إلى ميل الأطفال الشديد إلى العنف ارتكاب الجرائم يؤكد محدثنا أن ذلك مرتبط بالبيئة التي أصبح ينشأ فيها الطفل حيث أصبح محاصرا بالعنف سواء في لعبه، إذ باتت مختلف العاب الأطفال تحمل رسائل مشحونة بالعنف ولها وقع كبير عليه في ظل غياب التوازن الاجتماعي والنفسي سواء داخل العائلة أو المجتمع.

ويضيف المختص في علم الاجتماع أن مغذيات العنف أصبحت أقوى من آليات الحد من الظاهرة أساسا التي تحولت إلى "تسونامي" اجتماعي.

وردا على سؤالك حول ارتفاع مستوى العنف الصادر عن الأطفال، ومدى وحشية ما يرتكبه البعض منهم، وهل أن أطفال تونس أصبحوا مجرمين أم ضحايا منظومات مجتمعية؟

تقول رئيسة المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط ريم بالخذيري أن العنف بين القصّر ليس ظاهرة تونسية بحتة وهي نتاج التحولات الاجتماعية المتسارعة ووسائل التواصل الحديثة والألعاب الالكترونية وبرامج الصور المتحركة والدراما حيث تطالعنا كل يوم في أرقى المجتمعات حوادث إجرامية يقوم بها قصّر في الشوارع وداخل المؤسسات التربوية.

لكن ما يلاحظ في تونس هو العدوى الكبيرة لانتشار هذه الظاهرة خاصة في الفترة الأخيرة وبحسب الأرقام فانّ حوالي 80بالمائة من جرائم "البراكاجات" والسرقة والطعن والاعتداءات على الأملاك العمومية والخاصة يقوم بها قصّر أو هم مشاركون فيها .

وتشير اليوم إلى أنه في تونس بدأ الحديث عن جرائم يومية ومتواترة يقوم بها قصّر ولم تعد مجرّد حوادث عنف معزولة، ومن المعروف أن العنف منطلقه الأسرة والعائلات مع الأسف أصبحت بصدد إنتاج أطفال عنيفين من خلال ممارسة العنف عليهم حيث تؤكد الأرقام أنّ حوالي 70بالمائة من حوادث العنف يتعرض لها الأطفال داخل أسرهم وكذلك من كذلك مشاهدتهم لتبادل العنف بين والديهم وهو ما يخلق بالضرورة أطفالا عنيفين لديهم استعداد فطري لممارسة العنف في الشارع أو المدرسة.

وتضيف محدثتنا أن الأطفال وان احترفوا الإجرام فهم ضحايا لمنظومة اجتماعية وأسرية فاشلة وجب تغييرها بـ:

-الكف عن تشريك الأبناء في مشاهدة المسلسلات التي تروّج للإجرام وممارسة العاب العنف، وفرض بث مثل هذه البرامج في أوقات متأخرة من الليل و ليس على موائد الإفطار كما تعودنا في رمضان.

-ضرورة تكريس ثقافة التحاور الأسري وعدم ترك الأبناء فريسة لخطر الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي تصنع طفلا كتوما ومنطويا على ذاته .

-ضرورة تحمّل الأولياء لمسؤوليتهم كاملة الأخلاقية والقانونية لتصرفات أبنائهم فما نلاحظه هو شبه استقالة جماعية لهم من حياة أبنائهم.

-نحن في المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط أصدرنا بيانا في الغرض وأطلقنا صيحة فزع ونحن بصدد القيام بحملات تحسيسية واتصال مباشر مع الأطفال والأولياء. كما دعونا لإقرار يوم وطني لمناهضة العنف تشارك فيه مختلف الوزارات ووسائل الإعلام والعائلات .

-نقطة أخرى مهمة وهي أنه لابد من الصرامة في تطبيق القانون وسنّ قوانين جديدة كإلزام الوالدين بخلاص إقامة أبنائهم الجانحين في الإصلاحيات وهي طريقة تجبرهم على مزيد متابعة أبنائهم. وكذلك جبر أي ضرر يتسبب فيه أبنائهم من تكسير و عنف وغيره.

ويبقى مشروع المنظمة الدولية لحماية الأطفال القصر والعقوبات البديلة للقصّر مهمّا لتكريس مفهوم تحمل المسؤولية عند الأطفال الجانحين والذي نأمل أن يرى النور قريبا.

جهاد الكلبوسي

 

 

 

 

 

 

50ألف منقطع عن الدراسة سنويا مهددون بالانحراف.. أطفال في حلبة "الجريمة".. "مذنبون" أم ضحايا..؟

 

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح":   نسبة الجرائم الوحشية تجاوز 70 بالمائة..

تونس - الصباح

لا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع أو نستفيق على أخبار وحشية تؤكد ارتفاع منسوب العنف والجرائم في تونس، لكن المختلف والملفت للانتباه هو أن العديد من هذه الجرائم مرتكبوها أطفال في ظل انتشار ظاهرة التسرب المدرسي زاد الأمر تعقيدا حيث كشفت المعطيات أنّ ما بين 60 و100 ألف تلميذ يغادرون سنويا مقاعد الدراسة وينقطعون نهائيا عن التعليم في مراحل مبكرة، وانّ 50 في المائة(أي 50 ألف منقطع سنويا) من المنقطعين عن الدراسة لا ينخرطون في أيّ منظومة للتكوين المهني ويعتبرون من العاطلين عن العمل الأمر الذي قد يفتح الباب لكل أنواع الانحراف.

كما تؤكد المؤشرات المسجلة ضمن نتائج مسح تعاطي المخدرات في صفوف الأطفال، إلى تضاعف استهلاك التلاميذ للمخدرات 5 مرات خلال العشر سنوات الأخيرة.

وكشفت أرقام المعهد الوطني للصحة التي نشرت سنة 2023 أن 16.2 بالمائة من التلاميذ المستجوبين -ضمن عينة مسح تعاطي المخدرات- يجدون سهولة في الحصول على مادة "الزطلة" لاستهلاكها، في حين تقدر نسبة استهلاك التلاميذ ولو مرة واحدة للأقراص المخدرة بـ8 في المائة.

ويعتبر رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني في حديثه لـ"الصباح" أن ظاهرة العنف هي في الآن نفسه سببا ونتيجة لتدهور المنظومة التربوية، ولتراجع الدور التربوي للعائلة والمدرسة وفي الانزلاق بمعاني القيم والأخلاق وبمعاني الحقوق والواجبات وفي اكتساح مجتمعنا من طرف الثقافات المائعة مستوردة كانت أو التي يتم إنتاجها محليا وفي غزو شبكات التواصل الافتراضي مساحات وفضاءات الحوار والتواصل التقليدي وفي غياب الإرادة والكفاءة المطلوبتين للتعامل مع هذا الموضوع بالنجاعة المطلوبة.

 ويؤكد الزهروني أن الأخطر من الآفة نفسها هو عدم التوصل إلى حلول تحدّ من انتشار هذه الظاهرة. ويعود ذلك إلى عدم الإدراك أن المجتمع التونسي فتح المجال لليأس ليأخذ مكان الأمل، وللفشل ليقاوم النجاح، وللجهل ليطارد العلم والمعرفة، وللعاطفة لتقارع العقل والحجة.

ويرى محدثنا أن مقاومة العنف مسؤولية الدولة أساسا ثم العائلة والمدرسة وهي عمل ميداني بامتياز، وعمل يومي يتم تنفيذه في مستوى كل مؤسسة تربوية مدرسة كانت أو معهدا، وتتمثل الغاية منه في رصد الواقع المعنوي والنفسي والعائلي الذي يمكن أن يؤثر سلبا في سلوك التلميذ قصد استباق كل الحالات التي يمكن أن تتطور إلى خطر على التلاميذ والإطارات التربوية وذلك داخل الفضاءات المدرسية وخارجها.

أما المختص في علم الاجتماع سامي نصر قال لـ"الصباح" أن مستوى الجريمة ارتفع في تونس بعد الثورة بنسبة وإن كانت طفيفة في حدود 7.8 بالمائة لكن المخيف هو تطور الجريمة العنيفة أو الدموية بنسبة تجاوزت 70 بالمائة، على حد قوله.

وبالنسبة إلى ميل الأطفال الشديد إلى العنف ارتكاب الجرائم يؤكد محدثنا أن ذلك مرتبط بالبيئة التي أصبح ينشأ فيها الطفل حيث أصبح محاصرا بالعنف سواء في لعبه، إذ باتت مختلف العاب الأطفال تحمل رسائل مشحونة بالعنف ولها وقع كبير عليه في ظل غياب التوازن الاجتماعي والنفسي سواء داخل العائلة أو المجتمع.

ويضيف المختص في علم الاجتماع أن مغذيات العنف أصبحت أقوى من آليات الحد من الظاهرة أساسا التي تحولت إلى "تسونامي" اجتماعي.

وردا على سؤالك حول ارتفاع مستوى العنف الصادر عن الأطفال، ومدى وحشية ما يرتكبه البعض منهم، وهل أن أطفال تونس أصبحوا مجرمين أم ضحايا منظومات مجتمعية؟

تقول رئيسة المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط ريم بالخذيري أن العنف بين القصّر ليس ظاهرة تونسية بحتة وهي نتاج التحولات الاجتماعية المتسارعة ووسائل التواصل الحديثة والألعاب الالكترونية وبرامج الصور المتحركة والدراما حيث تطالعنا كل يوم في أرقى المجتمعات حوادث إجرامية يقوم بها قصّر في الشوارع وداخل المؤسسات التربوية.

لكن ما يلاحظ في تونس هو العدوى الكبيرة لانتشار هذه الظاهرة خاصة في الفترة الأخيرة وبحسب الأرقام فانّ حوالي 80بالمائة من جرائم "البراكاجات" والسرقة والطعن والاعتداءات على الأملاك العمومية والخاصة يقوم بها قصّر أو هم مشاركون فيها .

وتشير اليوم إلى أنه في تونس بدأ الحديث عن جرائم يومية ومتواترة يقوم بها قصّر ولم تعد مجرّد حوادث عنف معزولة، ومن المعروف أن العنف منطلقه الأسرة والعائلات مع الأسف أصبحت بصدد إنتاج أطفال عنيفين من خلال ممارسة العنف عليهم حيث تؤكد الأرقام أنّ حوالي 70بالمائة من حوادث العنف يتعرض لها الأطفال داخل أسرهم وكذلك من كذلك مشاهدتهم لتبادل العنف بين والديهم وهو ما يخلق بالضرورة أطفالا عنيفين لديهم استعداد فطري لممارسة العنف في الشارع أو المدرسة.

وتضيف محدثتنا أن الأطفال وان احترفوا الإجرام فهم ضحايا لمنظومة اجتماعية وأسرية فاشلة وجب تغييرها بـ:

-الكف عن تشريك الأبناء في مشاهدة المسلسلات التي تروّج للإجرام وممارسة العاب العنف، وفرض بث مثل هذه البرامج في أوقات متأخرة من الليل و ليس على موائد الإفطار كما تعودنا في رمضان.

-ضرورة تكريس ثقافة التحاور الأسري وعدم ترك الأبناء فريسة لخطر الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي تصنع طفلا كتوما ومنطويا على ذاته .

-ضرورة تحمّل الأولياء لمسؤوليتهم كاملة الأخلاقية والقانونية لتصرفات أبنائهم فما نلاحظه هو شبه استقالة جماعية لهم من حياة أبنائهم.

-نحن في المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط أصدرنا بيانا في الغرض وأطلقنا صيحة فزع ونحن بصدد القيام بحملات تحسيسية واتصال مباشر مع الأطفال والأولياء. كما دعونا لإقرار يوم وطني لمناهضة العنف تشارك فيه مختلف الوزارات ووسائل الإعلام والعائلات .

-نقطة أخرى مهمة وهي أنه لابد من الصرامة في تطبيق القانون وسنّ قوانين جديدة كإلزام الوالدين بخلاص إقامة أبنائهم الجانحين في الإصلاحيات وهي طريقة تجبرهم على مزيد متابعة أبنائهم. وكذلك جبر أي ضرر يتسبب فيه أبنائهم من تكسير و عنف وغيره.

ويبقى مشروع المنظمة الدولية لحماية الأطفال القصر والعقوبات البديلة للقصّر مهمّا لتكريس مفهوم تحمل المسؤولية عند الأطفال الجانحين والذي نأمل أن يرى النور قريبا.

جهاد الكلبوسي

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews