إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

انتهت أشغال ترميمه .. المقر التاريخي للاتحاد يستعيد قياداته و"البطحاء" تحتفل بعيد العمال

 




تونس الصباح 

"البطحاء" ساحة محمد علي، ذلك الفضاء العمالي الذي طالما كان عنوان حركة ورفض ومطلبية ومنطلقا لتغيرات اجتماعية واقتصادية. غدا1ماي وبعد نحو الثلاث سنوات عن مغادرة المركزية النقابية له بغرض الترميم تعود له الروح والحركة في عيد الشغيلة والعمال. 

بتوصيات من المعهد الوطني للتراث وجمعية صيانة مدينة تونس وبلدية تونس، تمت المحافظة على نفس الشكل الخارجي للمبنى باعتباره مبنى  تاريخيا يعود إلى 140 عاما. 

وتاريخيا، يعود تواجد الاتحاد العام التونسي للشغل في مقره التاريخي بساحة محمد إلى ما قبل الاستقلال بسنوات قليلة، أين مكنت آنذاك الدولة الاتحاد من المقر الذي كانت تشغله إحدى إدارات وزارة الداخلية الفرنسية. 

وعاشت بطحاء محمد علي مختلف المحطات والمراحل التي مر بها الاتحاد العام التونسي للشغل على امتداد السبعين عاما الماضية من أزمات سياسية وانتصارات اجتماعية وأحداث عنف.. 

وبين رضا التليلي، النقابي وأستاذ التاريخ، أن مقر الاتحاد بساحة محمد علي لم يكن فضاء للمنظمة الشغيلة الوطنية فقط بل كان حاضنة وملجأ وإطارا لناشط أكثر من نقابة عربية وافريقية في حركاتها الوطنية. فحظيت النقابة الجزائرية إلى غاية الستينات بمكتب قار داخل بناية الاتحاد بساحة محمد علي، وكان ذلك إلى جانب عدد من النقابات الإفريقية بصفة غير مستمرة. ومنه تم تأسيس الفدرالية الإفريقية للنقابة آنذاك. 

وعلى امتداد سنوات استقبلت "البطحاء" تحركات عمالية تحررية وطلابية وصحفية وعمال أفارقة، ومثل نقطة انطلاق أساسية لمظاهرات من أجل إفريقيا للأفارقة ولمؤتمر الشعوب الإفريقية. 

وبداية من الستينات وبالأخص بعد مؤتمر الإنقاذ بنزرت، سعى نظام الحزب الواحد الحاكم (الحزب الاشتراكي الدستوري)، إلى ضم كل المنظمات الوطنية للسلطة، ونتج عن ذلك أزمة كبيرة بين الاتحاد والسلطة تم على إثرها سجن الحبيب عاشور ودفع احمد التليلي للهجرة وتم إيقاف عدد كبير من القيادات النقابية. وتقريبا منذ 1965 إلى غاية 1970 شهدت بطحاء محمد علي غيابا تاما للأنشطة والحركية التي كانت تشهدها سابقا وبقي المقر وكأنه مهجور، بعد أن فقد حيويته المعهودة. 

ومع بداية السبعينات، عادت الحركية إلى ساحة محمد علي مرة أخرى بشكل مختلف حسب المؤرخ رضا التليلي، حيث اتسمت بحضور بارز للمثقفين والطلبة والتيارات السياسية التقدمية واليسارية الذين بدؤوا يتقربون ويلتحقون بهياكله. وعادت معهم الحركة للبطحاء والنقاشات والصراعات الفكرية والسياسية والنقابية وتواصل ذلك إلى أزمة 78 وحلول "الخميس الأسود" وتم افتكاك الاتحاد من جديد، وسجل هجوم على المقر وتشتيت قياداته وتعويضها بقيادة تابعة للسلطة، ذبلت معها بناية الاتحاد وفقدت الساحة حيويتها وأصبحت مهجورة من جديدة. 

استعادت الساحة ألقها ونشاطها مرة أخرى خلال أحداث "الخبز" سنة 1984، حين عاد الصراع من جديد بين الاتحاد والدولة وتم تطويق ساحة محمد علي ومنعت التجمعات فيها. 

ورأى التليلي أن ساحة محمد علي لم تسترجع خصوصياتها إلا بعد الثورة، فعلى امتداد حكم بن علي فكل ما سجلته من تحركات أو تجمعات في أغلبها لم تكن تحركات فجئية أو ذات طابع ثوري مغير، بل كانت منظمة ومرخصة وهي فترة التزم خلالها الاتحاد بالاحتفال والاحتفاء بمختلف محطاته التاريخية ولم تتخلف بطحاء محمد عن أي منها، معركة 47 في صفاقس، ذكرى الزعماء، 1 ماي عيد الشغل..  

ورأى أنه بعد 14 جانفي 2011، عادت بطحاء محمد علي لتكون منطلقا لخروج المظاهرات والاحتجاجات الاجتماعية، وامتزج فيها النقابيون بعموم التونسيين والشباب والطلبة والتلامذة. وظهرت ميزة جديدة أن الاتحادات الجهوية والنقابات المحلية أصبحت تزور بكثافة العاصمة وكان لها حضور في القصبة 1 والقصبة 2. وشكلت مجتمعة صورة مختلفة وحيوية ومغايرة لما عرفته بطحاء محمد علي سابقا. وتحولت "البطحاء" إلى عاصمة للحوار السياسي في تونس، فكانت قبلة لمختلف التيارات السياسية ومنطلقا للحوار الوطني ومثلت منعرج حصول الاتحاد على جائزة نوبل للسلام. 

وأشار رضا التليلي، إلى أنه وبعد أن عاشت بطحاء محمد علي على وقع الأشغال والترميم والتجديد، سيعود إليها النشاط غدا 1 ماي 2024، بما فيه من حركة فكرية وسياسية نقابية وحوار وتجمعات، عودة للحياة بصفة عامة. 

وبين أن "البطحاء" هي أكثر من مجرد فضاء، فهي إطار يعطي حيوية خاصة رمزية وعاطفية وسياسية للحركة النقابية والحركات التقدمية ككل. 

وحسب ما تم التصريح به من قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل، ينقسم المقر الجديد الذي يتوسط بطحاء محمد علي بما تحمله من رمزية وما مر عليها من مواعيد حاسمة وناظمة لتاريخ البلاد، إلى 5 طوابق، ويحتوي المبنى بعد ترميمه على قاعات اجتماعات وقاعات متخصصة ومكاتب مجهزة بكل الوسائل. وبلغت كلفة ترميم المقر التي تواصلت لنحو الثلاث سنوات حوالي 27 مليون دينار وهي تدخلات حرص الاتحاد على أن يحترم البيئة من خلال اعتماد التحكم في الطاقة وترشيد استعمال الإنارة والتكييف. 

ريم سوودي

انتهت أشغال ترميمه ..   المقر التاريخي للاتحاد يستعيد قياداته و"البطحاء" تحتفل بعيد العمال

 




تونس الصباح 

"البطحاء" ساحة محمد علي، ذلك الفضاء العمالي الذي طالما كان عنوان حركة ورفض ومطلبية ومنطلقا لتغيرات اجتماعية واقتصادية. غدا1ماي وبعد نحو الثلاث سنوات عن مغادرة المركزية النقابية له بغرض الترميم تعود له الروح والحركة في عيد الشغيلة والعمال. 

بتوصيات من المعهد الوطني للتراث وجمعية صيانة مدينة تونس وبلدية تونس، تمت المحافظة على نفس الشكل الخارجي للمبنى باعتباره مبنى  تاريخيا يعود إلى 140 عاما. 

وتاريخيا، يعود تواجد الاتحاد العام التونسي للشغل في مقره التاريخي بساحة محمد إلى ما قبل الاستقلال بسنوات قليلة، أين مكنت آنذاك الدولة الاتحاد من المقر الذي كانت تشغله إحدى إدارات وزارة الداخلية الفرنسية. 

وعاشت بطحاء محمد علي مختلف المحطات والمراحل التي مر بها الاتحاد العام التونسي للشغل على امتداد السبعين عاما الماضية من أزمات سياسية وانتصارات اجتماعية وأحداث عنف.. 

وبين رضا التليلي، النقابي وأستاذ التاريخ، أن مقر الاتحاد بساحة محمد علي لم يكن فضاء للمنظمة الشغيلة الوطنية فقط بل كان حاضنة وملجأ وإطارا لناشط أكثر من نقابة عربية وافريقية في حركاتها الوطنية. فحظيت النقابة الجزائرية إلى غاية الستينات بمكتب قار داخل بناية الاتحاد بساحة محمد علي، وكان ذلك إلى جانب عدد من النقابات الإفريقية بصفة غير مستمرة. ومنه تم تأسيس الفدرالية الإفريقية للنقابة آنذاك. 

وعلى امتداد سنوات استقبلت "البطحاء" تحركات عمالية تحررية وطلابية وصحفية وعمال أفارقة، ومثل نقطة انطلاق أساسية لمظاهرات من أجل إفريقيا للأفارقة ولمؤتمر الشعوب الإفريقية. 

وبداية من الستينات وبالأخص بعد مؤتمر الإنقاذ بنزرت، سعى نظام الحزب الواحد الحاكم (الحزب الاشتراكي الدستوري)، إلى ضم كل المنظمات الوطنية للسلطة، ونتج عن ذلك أزمة كبيرة بين الاتحاد والسلطة تم على إثرها سجن الحبيب عاشور ودفع احمد التليلي للهجرة وتم إيقاف عدد كبير من القيادات النقابية. وتقريبا منذ 1965 إلى غاية 1970 شهدت بطحاء محمد علي غيابا تاما للأنشطة والحركية التي كانت تشهدها سابقا وبقي المقر وكأنه مهجور، بعد أن فقد حيويته المعهودة. 

ومع بداية السبعينات، عادت الحركية إلى ساحة محمد علي مرة أخرى بشكل مختلف حسب المؤرخ رضا التليلي، حيث اتسمت بحضور بارز للمثقفين والطلبة والتيارات السياسية التقدمية واليسارية الذين بدؤوا يتقربون ويلتحقون بهياكله. وعادت معهم الحركة للبطحاء والنقاشات والصراعات الفكرية والسياسية والنقابية وتواصل ذلك إلى أزمة 78 وحلول "الخميس الأسود" وتم افتكاك الاتحاد من جديد، وسجل هجوم على المقر وتشتيت قياداته وتعويضها بقيادة تابعة للسلطة، ذبلت معها بناية الاتحاد وفقدت الساحة حيويتها وأصبحت مهجورة من جديدة. 

استعادت الساحة ألقها ونشاطها مرة أخرى خلال أحداث "الخبز" سنة 1984، حين عاد الصراع من جديد بين الاتحاد والدولة وتم تطويق ساحة محمد علي ومنعت التجمعات فيها. 

ورأى التليلي أن ساحة محمد علي لم تسترجع خصوصياتها إلا بعد الثورة، فعلى امتداد حكم بن علي فكل ما سجلته من تحركات أو تجمعات في أغلبها لم تكن تحركات فجئية أو ذات طابع ثوري مغير، بل كانت منظمة ومرخصة وهي فترة التزم خلالها الاتحاد بالاحتفال والاحتفاء بمختلف محطاته التاريخية ولم تتخلف بطحاء محمد عن أي منها، معركة 47 في صفاقس، ذكرى الزعماء، 1 ماي عيد الشغل..  

ورأى أنه بعد 14 جانفي 2011، عادت بطحاء محمد علي لتكون منطلقا لخروج المظاهرات والاحتجاجات الاجتماعية، وامتزج فيها النقابيون بعموم التونسيين والشباب والطلبة والتلامذة. وظهرت ميزة جديدة أن الاتحادات الجهوية والنقابات المحلية أصبحت تزور بكثافة العاصمة وكان لها حضور في القصبة 1 والقصبة 2. وشكلت مجتمعة صورة مختلفة وحيوية ومغايرة لما عرفته بطحاء محمد علي سابقا. وتحولت "البطحاء" إلى عاصمة للحوار السياسي في تونس، فكانت قبلة لمختلف التيارات السياسية ومنطلقا للحوار الوطني ومثلت منعرج حصول الاتحاد على جائزة نوبل للسلام. 

وأشار رضا التليلي، إلى أنه وبعد أن عاشت بطحاء محمد علي على وقع الأشغال والترميم والتجديد، سيعود إليها النشاط غدا 1 ماي 2024، بما فيه من حركة فكرية وسياسية نقابية وحوار وتجمعات، عودة للحياة بصفة عامة. 

وبين أن "البطحاء" هي أكثر من مجرد فضاء، فهي إطار يعطي حيوية خاصة رمزية وعاطفية وسياسية للحركة النقابية والحركات التقدمية ككل. 

وحسب ما تم التصريح به من قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل، ينقسم المقر الجديد الذي يتوسط بطحاء محمد علي بما تحمله من رمزية وما مر عليها من مواعيد حاسمة وناظمة لتاريخ البلاد، إلى 5 طوابق، ويحتوي المبنى بعد ترميمه على قاعات اجتماعات وقاعات متخصصة ومكاتب مجهزة بكل الوسائل. وبلغت كلفة ترميم المقر التي تواصلت لنحو الثلاث سنوات حوالي 27 مليون دينار وهي تدخلات حرص الاتحاد على أن يحترم البيئة من خلال اعتماد التحكم في الطاقة وترشيد استعمال الإنارة والتكييف. 

ريم سوودي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews