إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد صدور القرار الترتيبي المتعلّق بضبط كيفية الإعلام بممارسة نشاط الغوص ..هل حان الوقت لفتح حوار جدّي ومسؤول بين جميع المتدخّلين في القطاع ؟ (2/2)

بقلم: مهدي الطباخ(*)

صدر في نفس الرائد الرسمي الذي احتوى الأمر الترتيبي المتعلق بطريقة إعلام السلط بعمليات الغوص، والذي أثار سخطا لدى عموم المهتمّين بشؤون الغوص، صدر قرار يتعلّق بضبط مهام وتركيبة وطرق سير عمل اللّجنة الاستشارية للأنشطة البحرية المحدثة لدى الكتابة العامة لشؤون البحر، وهو قرار يأتي كتكملة للأمر 144-2019 المحدث للجنة الوزارية وللكتابة العامة لشؤون البحر في فصله 13.

أسندت الكتابة العامة لشخصيّة قانونية مرموقة، مستشار مصالح عموميّة، عضو لعدّة سنوات باللجنة الوطنية لقانون البحار، مديرة سابقة للمدرسة الوطنية للإدارة، وزيرة المرأة ووزيرة الشباب والرياضة بالنيابة، والناطق الرسمي لحكومة السيد اليأس الفخفاخ.

وما اهتمامنا بهذه اللجنة وكتابتها العامّة الاّ لثلاثة أسباب:

  • أوّلها رمزي، باعتبار هذه اللجنة هي تجسيم لمطلب قديم في إعادة بعث "وزارة البحر" التي أحدثت في تونس خلال الحقبة العثمانية والتي ترأسها الوزير الأكبر خير الدين باشا التونسي.
  • ثانيها، أنّها، وكما هو مبيّن في الفصل الخامس من الأمر المحدث لها، أنّها تتولّى مهمّة التنسيق في مجال الغوص والأنشطة المائيّة.
  • ثالثها، أنّ هذا الهيكل جاء ليلعب نظريّا دورا محوريا وتنسيقيا بين الوزارات، وهو الذي عوّض " اللجنة الاستشارية للأنشطة البحرية" المحدثة بموجب الأمر 1836 – 1997 واللجنة "الوطنية لقانون البحار" المحدثة بموجب الأمر1687-2000.

وحيث استبشر المهتمون بشؤون الغوص بإحداث هذه اللجنة الوزارية، اذ اعتبروا أنّ في إحداثها، بداية انتقال الإشراف على قطاع الغوص، من أجهزة الدولة الصلبة، الى هياكل مرنة، من المفروض أن تكون قادرة أكثر من غيرها على استيعاب الديناميكية التي ما فتئت تحدثها الهياكل الرياضية والجمعيات والمختصّين في الغوص.

غير أنّه، ومنذ بعث هذا الهيكل، بدأ الأمل في تحقيق المنشود يتلاشى شيئا فشيئا.

اذ رغم الكفاءة العالية للمشرف الأوّل على أهمّ حلقة في اللجنة الوزارية لشؤون البحر، فقد عرف هذا الهيكل تعثّرا واضحا في بدايته، اذ لم ينعقد أوّل اجتماع للجنة الاّ في 24-12-2021 تحت رئاسة السيّدة نجلاء بودن.

 كما أنّه، وحسب صفحته الرسميّة على شبكة التواصل الاجتماعي، لم يقم هذا الهيكل بأيّ لقاء رسمي مع الجامعة التونسية لأنشطة الغوص والإنقاذ، وهي الهيكل الرسمي، والمعترف به دوليا، المشرف حاليا على هذا النشاط، تأطيرا وتكوينا واشهادا، في أنواعه الترفيهيّة والرياضيّة والتقنيّة والعلمية. كما أنّه، ورغم تمثيل الكتابة العامة لشؤون البحر في تركيبة كلّ اللجان والمجالس الوطنية المعنية بالشأن البحري بمقتضى الأمر 717-2022، فأنّه، وللأسف، بقيت الكتابة القارّة في نشاطها المتعلّق بالمساهمة مع غيرها من الهياكل الرسمية والرياضية المعنية بالغوص، دون المأمول، خاصة في الإصغاء وإيجاد الحلول.

ورغم المسافة التي قطعتها هذه اللجنة وكتابتها القارة، في رحلة البحث عن الصلاحياّت، ومسك أدوات صناعة القرار في النشاط الذي يهمّنا، أي الغوص، ورغم أنّه خلال أمر بعثها، كانت بمثابة "وزارة بحر" بصلاحيات سيادية بمقتضى النصّ، فانّ الواقع فرض كلمته في الآخر. حيث انّ بقاء اللجنة الوطنية للغوص خارج دائرة إشرافها، وهي التي تعتبر الحلقة الرئيسية والمركزية لمنظومة الغوص في تونس، يطرح أكثر من نقطة استفهام.

بل وحتّى في الأنشطة الأخرى المنصوص عليها في الفصل الأوّل من الأمر 1836-1997 والتي قد تستوجب ممارستها، القيام بنشاط الغوص، فانّ الوزارة المختصّة، بقيت صاحبة القرار. وأكثر من ذلك، فانّ تركيبة اللجنة المحدثة داخل الكتابة العامة، يبدو عليها، من خلال الفصل 3 من قرار السيد رئيس الحكومة، عدم توازن عضويتها بين الوزارات، وتغييب واضح للمختصّين، سواء المستقلّين، أو الممثلين عن هياكلهم المهنية والرياضيّة.

كما أنّها بقيت لجنة استشارية، تعوّض اللجنة الاستشارية المحدثة بالفصل 8 من الأمر 1836-1997، دون أن يكون رأيها ملزما للوزير المختص في إعطاء الرخصة من عدمه. أمّا محتوى الفصل 5 وما بعده في القرار المنشور في الرائد الرسمي 45-2024 فهو منسوخ حرفيا عن محتوى الفصل 9 وما بعده من أمر 1997.

كلّ هذا يطرح سؤالا إضافيا، حيث أن الفصل 9 من أمر 1997 ينص على توجيه الوزارة المختصة الملفّ الى الوزارات المعنية لإبداء الرأي في أجل لا يتجاوز 15 يوما من تاريخ إيداع مطلب الرخصة. ثمّ، وبعد شهر و10 أيام على أقصى تقدير، تحيل الوزارة المختصة الملفّ للجنة الاستشارية بالكتابة العامة، والمتكونة من نفس الوزارات، المعنية بالأساس، لإبداء الرأي دون ضرورة الأخذ به. يعني يقع استشارة الطرف الوزاري مرتين في شهرين حول نفس الملفّ. فما الداعي من ذلك ؟ لولا مزيد تعقيد المسائل وإغراق مسار المطلب في دوّامة البيروقراطية. وهنا، كان من المنطقي حذف الفقرة الثانية والثالثة من الفصل 9 من أمر 1997، وتوجيه الملف مباشرة للجنة لإبداء رأيها، وأن يصبح رأيها وجوبيّا مع تسقيف زمني لإبدائه، وأن تصبح تركيبتها أكثر توازنا وأكثر تمثيليّة للمعنيّين بالنشاط البحري.

 

حول بعث مؤسسة التكوين المهني في الغوص بجرجيس

أحدثت بمقتضى الأمر 48-2024 مؤسسة التكوين المهني في الغوص بجرجيس، وهي المؤسسة التي طال انتظارها، نظرا لطبيعة التكوين المنتظر تقديمه من قبلها، وكذلك لقيمة البنية التحتية المتوفّرة لفائدتها والتي قدّرت بـ20 مليون دينار، بالإضافة الى القامة المشهود لها محليّا ودوليّا التي كلّفت بتسييرها، العميد بالبحرية السيّد لطفي الزكراوي، وهو ما سيحدث بالأكيد نقلة نوعيّة في نشاط الغوص في تونس وكامل محيطنا الإقليمي. وقد نصّ الفصل 2 من هذا الأمر أنّه سيقع "الاستئناس بالمعايير المعتمدة في المجال على مستوى الجمعيات والمنظمات الدولية التي تُعنى بالغوص المحترف سواء من حيث محتوى برامج التكوين ومدّته أو طبيعة الشهائد المسندة في الاختصاصات المتوفرة وشروط إسنادها" وهو ما يمكن اعتباره، من قبل المهتمّين بالمدوّنة القانونية لنشاط الغوص، ثورة حقيقيّة. اذ يعتبر ذلك، ولأوّل مرّة، اعترافا صريحا بمحدودية الأمر 2568 - 2008، والذي عبّر جميع المختصّين في الغوص، عن خروجه عن السياق الدولي في مجال الغوص، وتغريده خارج المنظومة الدولية. كما أنّ هذا الاعتراف الضمني إقرار كذلك بضرورة الاندماج في المنظومة الدولية للغوص لضمان الاعتراف الدولي للشهائد المقدّمة من قبل المؤسسة وضمان تشغيلية المتخرّجين. يبقى الأمل قائما أن تطال هذه المراجعات الجذريّة مجال الغوص الهاوي، في إطار مقاربة تشاركية تفسح المجال لجميع المتدخّلين والمعنيّين في رسم واقع الغوص ومستقبله، على مستوى الهاوي والمحترف.

في اعتماد مقاربة تشاركية

كان قد مثّل اجتماع اللجنة الوطنية للغوص المنعقد بحلق الوادي بتاريخ 30 جوان 2021 نقطة مضيئة في مسار التشريع، خلناها بادرة في وضع معالم مقاربة تشاركية في المجال. حيث تم الاتفاق خلاله على تكوين فريق عمل متعدد الأطراف قصد إعداد المادة الفنية والتقنية لمشروع أمر حكومي متعلّق بشروط المصادقة على مؤسسات التكوين ومراكز التنشيط السياحي وشروط إسناد شهادات الكفاءة ومنح التراخيص بالغوص.

وحيث انعقدت أربع جلسات عمل للغرض بمقر وزارة السياحة بحضور الأطراف الحكومية والمهنيّة والرياضية، غير أنّه والى غاية هذه اللحظة، لم يقدّم فريق العمل مخرجات أشغاله. التذكير بهذه التجربة، رغم موتها السريري، يؤكّد مرّة أخرى أنّه من الممكن اعتماد مقاربة تشاركية في صياغة القرار المتعلّق بالغوص، مقاربة تجنّب الجميع إصدار نصوص مثل التي صدرت في الرائد الرسمي 45-2024 ، أو ما سبقها قبل 2011 ، نصوص جوفاء، غير قابلة للتطبيق، تفتقد للإجماع الضروري من قبل المهنيين والممارسين مما يؤدّي الى افتقادها للمشروعيّة اللازمة لتطبيقها.

انّ إصدار النص الترتيبي لكيفية الإعلام بنشاط الغوص مؤخّرا، أثار تخوّفات عُبّر عنها في فضاء التواصل الاجتماعي، وسلّط الضوء على ما يعانيه القطاع من إشكالات متعلّقة بالنصوص القانونية، ومدى تطبيقها. كما مثّل فرصة، حسب اعتقادنا، للتفكير جديّا في فتح حوار جدّي ومسؤول يجمع كلّ المعنيين، يفضي الى مراجعات جذرية في المنهجيات والمقاربات المعتمدة في صياغة النصوص القانونية المؤطّرة للنشاط والتي تعتبر حجر الأساس في ممارسة هذا النشاط الأفقي، والعابر للمجالات، في تونس.

*مدرّب دولي ومختص في شؤون الغوص

بعد صدور القرار الترتيبي المتعلّق بضبط كيفية الإعلام بممارسة نشاط الغوص ..هل حان الوقت لفتح حوار جدّي ومسؤول بين جميع المتدخّلين في القطاع ؟ (2/2)

بقلم: مهدي الطباخ(*)

صدر في نفس الرائد الرسمي الذي احتوى الأمر الترتيبي المتعلق بطريقة إعلام السلط بعمليات الغوص، والذي أثار سخطا لدى عموم المهتمّين بشؤون الغوص، صدر قرار يتعلّق بضبط مهام وتركيبة وطرق سير عمل اللّجنة الاستشارية للأنشطة البحرية المحدثة لدى الكتابة العامة لشؤون البحر، وهو قرار يأتي كتكملة للأمر 144-2019 المحدث للجنة الوزارية وللكتابة العامة لشؤون البحر في فصله 13.

أسندت الكتابة العامة لشخصيّة قانونية مرموقة، مستشار مصالح عموميّة، عضو لعدّة سنوات باللجنة الوطنية لقانون البحار، مديرة سابقة للمدرسة الوطنية للإدارة، وزيرة المرأة ووزيرة الشباب والرياضة بالنيابة، والناطق الرسمي لحكومة السيد اليأس الفخفاخ.

وما اهتمامنا بهذه اللجنة وكتابتها العامّة الاّ لثلاثة أسباب:

  • أوّلها رمزي، باعتبار هذه اللجنة هي تجسيم لمطلب قديم في إعادة بعث "وزارة البحر" التي أحدثت في تونس خلال الحقبة العثمانية والتي ترأسها الوزير الأكبر خير الدين باشا التونسي.
  • ثانيها، أنّها، وكما هو مبيّن في الفصل الخامس من الأمر المحدث لها، أنّها تتولّى مهمّة التنسيق في مجال الغوص والأنشطة المائيّة.
  • ثالثها، أنّ هذا الهيكل جاء ليلعب نظريّا دورا محوريا وتنسيقيا بين الوزارات، وهو الذي عوّض " اللجنة الاستشارية للأنشطة البحرية" المحدثة بموجب الأمر 1836 – 1997 واللجنة "الوطنية لقانون البحار" المحدثة بموجب الأمر1687-2000.

وحيث استبشر المهتمون بشؤون الغوص بإحداث هذه اللجنة الوزارية، اذ اعتبروا أنّ في إحداثها، بداية انتقال الإشراف على قطاع الغوص، من أجهزة الدولة الصلبة، الى هياكل مرنة، من المفروض أن تكون قادرة أكثر من غيرها على استيعاب الديناميكية التي ما فتئت تحدثها الهياكل الرياضية والجمعيات والمختصّين في الغوص.

غير أنّه، ومنذ بعث هذا الهيكل، بدأ الأمل في تحقيق المنشود يتلاشى شيئا فشيئا.

اذ رغم الكفاءة العالية للمشرف الأوّل على أهمّ حلقة في اللجنة الوزارية لشؤون البحر، فقد عرف هذا الهيكل تعثّرا واضحا في بدايته، اذ لم ينعقد أوّل اجتماع للجنة الاّ في 24-12-2021 تحت رئاسة السيّدة نجلاء بودن.

 كما أنّه، وحسب صفحته الرسميّة على شبكة التواصل الاجتماعي، لم يقم هذا الهيكل بأيّ لقاء رسمي مع الجامعة التونسية لأنشطة الغوص والإنقاذ، وهي الهيكل الرسمي، والمعترف به دوليا، المشرف حاليا على هذا النشاط، تأطيرا وتكوينا واشهادا، في أنواعه الترفيهيّة والرياضيّة والتقنيّة والعلمية. كما أنّه، ورغم تمثيل الكتابة العامة لشؤون البحر في تركيبة كلّ اللجان والمجالس الوطنية المعنية بالشأن البحري بمقتضى الأمر 717-2022، فأنّه، وللأسف، بقيت الكتابة القارّة في نشاطها المتعلّق بالمساهمة مع غيرها من الهياكل الرسمية والرياضية المعنية بالغوص، دون المأمول، خاصة في الإصغاء وإيجاد الحلول.

ورغم المسافة التي قطعتها هذه اللجنة وكتابتها القارة، في رحلة البحث عن الصلاحياّت، ومسك أدوات صناعة القرار في النشاط الذي يهمّنا، أي الغوص، ورغم أنّه خلال أمر بعثها، كانت بمثابة "وزارة بحر" بصلاحيات سيادية بمقتضى النصّ، فانّ الواقع فرض كلمته في الآخر. حيث انّ بقاء اللجنة الوطنية للغوص خارج دائرة إشرافها، وهي التي تعتبر الحلقة الرئيسية والمركزية لمنظومة الغوص في تونس، يطرح أكثر من نقطة استفهام.

بل وحتّى في الأنشطة الأخرى المنصوص عليها في الفصل الأوّل من الأمر 1836-1997 والتي قد تستوجب ممارستها، القيام بنشاط الغوص، فانّ الوزارة المختصّة، بقيت صاحبة القرار. وأكثر من ذلك، فانّ تركيبة اللجنة المحدثة داخل الكتابة العامة، يبدو عليها، من خلال الفصل 3 من قرار السيد رئيس الحكومة، عدم توازن عضويتها بين الوزارات، وتغييب واضح للمختصّين، سواء المستقلّين، أو الممثلين عن هياكلهم المهنية والرياضيّة.

كما أنّها بقيت لجنة استشارية، تعوّض اللجنة الاستشارية المحدثة بالفصل 8 من الأمر 1836-1997، دون أن يكون رأيها ملزما للوزير المختص في إعطاء الرخصة من عدمه. أمّا محتوى الفصل 5 وما بعده في القرار المنشور في الرائد الرسمي 45-2024 فهو منسوخ حرفيا عن محتوى الفصل 9 وما بعده من أمر 1997.

كلّ هذا يطرح سؤالا إضافيا، حيث أن الفصل 9 من أمر 1997 ينص على توجيه الوزارة المختصة الملفّ الى الوزارات المعنية لإبداء الرأي في أجل لا يتجاوز 15 يوما من تاريخ إيداع مطلب الرخصة. ثمّ، وبعد شهر و10 أيام على أقصى تقدير، تحيل الوزارة المختصة الملفّ للجنة الاستشارية بالكتابة العامة، والمتكونة من نفس الوزارات، المعنية بالأساس، لإبداء الرأي دون ضرورة الأخذ به. يعني يقع استشارة الطرف الوزاري مرتين في شهرين حول نفس الملفّ. فما الداعي من ذلك ؟ لولا مزيد تعقيد المسائل وإغراق مسار المطلب في دوّامة البيروقراطية. وهنا، كان من المنطقي حذف الفقرة الثانية والثالثة من الفصل 9 من أمر 1997، وتوجيه الملف مباشرة للجنة لإبداء رأيها، وأن يصبح رأيها وجوبيّا مع تسقيف زمني لإبدائه، وأن تصبح تركيبتها أكثر توازنا وأكثر تمثيليّة للمعنيّين بالنشاط البحري.

 

حول بعث مؤسسة التكوين المهني في الغوص بجرجيس

أحدثت بمقتضى الأمر 48-2024 مؤسسة التكوين المهني في الغوص بجرجيس، وهي المؤسسة التي طال انتظارها، نظرا لطبيعة التكوين المنتظر تقديمه من قبلها، وكذلك لقيمة البنية التحتية المتوفّرة لفائدتها والتي قدّرت بـ20 مليون دينار، بالإضافة الى القامة المشهود لها محليّا ودوليّا التي كلّفت بتسييرها، العميد بالبحرية السيّد لطفي الزكراوي، وهو ما سيحدث بالأكيد نقلة نوعيّة في نشاط الغوص في تونس وكامل محيطنا الإقليمي. وقد نصّ الفصل 2 من هذا الأمر أنّه سيقع "الاستئناس بالمعايير المعتمدة في المجال على مستوى الجمعيات والمنظمات الدولية التي تُعنى بالغوص المحترف سواء من حيث محتوى برامج التكوين ومدّته أو طبيعة الشهائد المسندة في الاختصاصات المتوفرة وشروط إسنادها" وهو ما يمكن اعتباره، من قبل المهتمّين بالمدوّنة القانونية لنشاط الغوص، ثورة حقيقيّة. اذ يعتبر ذلك، ولأوّل مرّة، اعترافا صريحا بمحدودية الأمر 2568 - 2008، والذي عبّر جميع المختصّين في الغوص، عن خروجه عن السياق الدولي في مجال الغوص، وتغريده خارج المنظومة الدولية. كما أنّ هذا الاعتراف الضمني إقرار كذلك بضرورة الاندماج في المنظومة الدولية للغوص لضمان الاعتراف الدولي للشهائد المقدّمة من قبل المؤسسة وضمان تشغيلية المتخرّجين. يبقى الأمل قائما أن تطال هذه المراجعات الجذريّة مجال الغوص الهاوي، في إطار مقاربة تشاركية تفسح المجال لجميع المتدخّلين والمعنيّين في رسم واقع الغوص ومستقبله، على مستوى الهاوي والمحترف.

في اعتماد مقاربة تشاركية

كان قد مثّل اجتماع اللجنة الوطنية للغوص المنعقد بحلق الوادي بتاريخ 30 جوان 2021 نقطة مضيئة في مسار التشريع، خلناها بادرة في وضع معالم مقاربة تشاركية في المجال. حيث تم الاتفاق خلاله على تكوين فريق عمل متعدد الأطراف قصد إعداد المادة الفنية والتقنية لمشروع أمر حكومي متعلّق بشروط المصادقة على مؤسسات التكوين ومراكز التنشيط السياحي وشروط إسناد شهادات الكفاءة ومنح التراخيص بالغوص.

وحيث انعقدت أربع جلسات عمل للغرض بمقر وزارة السياحة بحضور الأطراف الحكومية والمهنيّة والرياضية، غير أنّه والى غاية هذه اللحظة، لم يقدّم فريق العمل مخرجات أشغاله. التذكير بهذه التجربة، رغم موتها السريري، يؤكّد مرّة أخرى أنّه من الممكن اعتماد مقاربة تشاركية في صياغة القرار المتعلّق بالغوص، مقاربة تجنّب الجميع إصدار نصوص مثل التي صدرت في الرائد الرسمي 45-2024 ، أو ما سبقها قبل 2011 ، نصوص جوفاء، غير قابلة للتطبيق، تفتقد للإجماع الضروري من قبل المهنيين والممارسين مما يؤدّي الى افتقادها للمشروعيّة اللازمة لتطبيقها.

انّ إصدار النص الترتيبي لكيفية الإعلام بنشاط الغوص مؤخّرا، أثار تخوّفات عُبّر عنها في فضاء التواصل الاجتماعي، وسلّط الضوء على ما يعانيه القطاع من إشكالات متعلّقة بالنصوص القانونية، ومدى تطبيقها. كما مثّل فرصة، حسب اعتقادنا، للتفكير جديّا في فتح حوار جدّي ومسؤول يجمع كلّ المعنيين، يفضي الى مراجعات جذرية في المنهجيات والمقاربات المعتمدة في صياغة النصوص القانونية المؤطّرة للنشاط والتي تعتبر حجر الأساس في ممارسة هذا النشاط الأفقي، والعابر للمجالات، في تونس.

*مدرّب دولي ومختص في شؤون الغوص

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews