إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح": عنف المدرسي .. ومشاهد قاتمة !!

 

تنامى العنف داخل المؤسسات التربوية بشكل غير مسبوق، وتتالت الاعتداءات في مشاهد سوداء وقاتمة تغزو مدارسنا ومعاهدنا، وتتمدد داخل وسطنا المدرسي، بشكل مرعب ومخيف، أرقام مفزعة، وتفاصيل مرعبة، لاعتداءات تجاوزت كل الخطوط الحمراء، والزرقاء والسوداء، في بشاعتها، وفظاعتها، سكاكين وسواطير ودماء، وتلاميذ برتبة "مجرمين"، يُقادون من قاعات الدروس إلى السجون، في سيناريوهات غريبة، مثل بعضها عناوين مغرية لوكالات أنباء عالمية.

سيناريوهات يطرح تكررها عديد الاستفهامات، في مسألة تبدو أبعد من بطاقات الإيداع، وأشمل من العقوبات التأديبية، وأكثر وأعمق من الأحكام الزجرية، بقدر ما تعكس فشلا مدويا للمنظومة التربوية، واخلالات التنشئة الاجتماعية، لاسيما أن تونس وجدت نفسها في المراتب الأولى عالميا في العنف المدرسي، وتتذيل ترتيب الانضباط المدرسي، في مفارقة تتطلب تحركا قويا، يوازي حجم "الكوارث" داخل مؤسساتنا التربوية.

من غير المقبول ولا المعقول أن تتغير الحكومات، ويذهب وزير ويأتي آخر، ووزارة التربية والجهات المتداخلة لم تخرج عن عادتها المألوفة، تدخل في حالة "استنفار" ظرفية، كلما حصلت حادثة كارثية، لتعقد اجتماعات عاجلة، وجلسات طارئة، تسفر عن قرارات وتوصيات ودعوات، سرعان ما "تتبخر" وتذهب في خبر كان، بمرور الأيام، لتهتز مجددا، وتتحرك فقط، على وقع كل فاجعة أو جريمة جديدة داخل الوسط المدرسي.

 ولعل ما يطرح أكثر من نقطة استفهام حائرة، أن ظاهرة العنف داخل الوسط المدرسي، ما فتئت تتفشى، وتزداد تغلغلا، مع كل يوم جديد، والأطراف المعنية لم تخرج منذ سنوات، عن دائرة اجتماعات السفسطة والتنظير، دون إيجاد حلول جذرية لهذا الخطر "الزاحف"، في وقت يقتضي تشخيصا دقيقا لمختلف أشكال العنف وأسبابه، ومعالجة هذه الظاهرة من جذورها العميقة، بما يمكن من اتخاذ الإجراءات اللازمة والناجعة، لوضع حد لهذا التيار الجارف، سواء من خلال قرارات تأديبية ومناهج تربوية، أو إجراءات قانونية وأحكام ردعية .

صحيح أن الخبراء والمختصين قد دقوا أجراس الخطر، منذ سنوات، وحذروا من التداعيات الكارثية، لتغلغل العنف، وتفشي الجريمة، في محيط أو داخل أسوار مؤسساتنا التربوية، لكن لم نسجل تحركات فعلية للأطراف المسؤولة، في حجم هذا "الغول المتمدد"، وصحيح أيضا أن الأصوات تتعالى مع كل فاجعة جديدة، لتوجه أصابع الاتهام للتلميذ المعتدي، الذي يجد نفسه فجأة، مجرما توجه له أبشع النعوت، في وقت أن هذا "المجرم الصغير" نفسه ضحية، عائلة غير مبالية، ومجتمع متجاهل، ومنظومة تربوية عاجزة على حماية أبنائها من الجنوح، والدخول في متاهات عواقبها وخيمة.

ولئن كنا واثقين انه لابد من الإسراع بالإصلاح التربوي، لمعالجة ثغرات المنظومة التربوية برمتها، بما سيمكن من إعادة النظر في الزمن المدرسي وإيجاد فضاءات للتلاميذ في ساعات الفراغ لحمايتهم من "التسكع"، فإننا على نفس الدرجة من الوثوق، بأنه يتوجب اتخاذ قرارات عاجلة، تتعلق بمراجعة النظام التأديبي للقضاء على كل مظاهر التسيب والانحلال، لأنه دون عقوبات تأديبية رادعة، سيتواصل نزيف العنف والاعتداءات، بل قد يزداد تفشيا وتغلغلا وتوسعا، كما أن هذه الوضعية الدقيقة تقتضي حماية محيط المؤسسات التربوية من كل ما له تأثير سلبي على سلوك التلاميذ.

ولاشك أن معالجة هذه الظاهرة، والحد منها، يقتضي بعث خلايا إنصات داخل المؤسسات التربوية يشرف عليها مختصون في علم الاجتماع وعلم النفس، مهمتها تشخيص، ومتابعة كل الحالات الاجتماعية، للوقوف على مشاكل التلاميذ، والإشكاليات التي تواجههم، لأنه دون مثل هذه الخطوة، ستزداد "الفواجع"، ليكون الوضع أكثر قتامة، ولو أن الواقع الحالي يفرض كذلك، السعي إلى تخصيص أيام السبت والأحد من كل أسبوع، للأنشطة الرياضية والثقافية، وتوفير رحلات لتلاميذ المناطق المهمشة والجهات المحرومة، بما قد يغذي نفوس التلاميذ، ويبعدهم عن مختلف المتاهات والمطبات.

ومهما تعددت المقترحات، فان مواصلة التعاطي مع ملف العنف المستشري داخل مؤسساتنا المدرسية، بـ"برود" و"رخاوة"، دون إجراءات حازمة وقرارات "ثقيلة"، سيزيده تفشيا وتمددا.

محمد صالح الربعاوي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنامى العنف داخل المؤسسات التربوية بشكل غير مسبوق، وتتالت الاعتداءات في مشاهد سوداء وقاتمة تغزو مدارسنا ومعاهدنا، وتتمدد داخل وسطنا المدرسي، بشكل مرعب ومخيف، أرقام مفزعة، وتفاصيل مرعبة، لاعتداءات تجاوزت كل الخطوط الحمراء، والزرقاء والسوداء، في بشاعتها، وفظاعتها، سكاكين وسواطير ودماء، وتلاميذ برتبة "مجرمين"، يُقادون من قاعات الدروس إلى السجون، في سيناريوهات غريبة، مثل بعضها عناوين مغرية لوكالات أنباء عالمية.

سيناريوهات يطرح تكررها عديد الاستفهامات، في مسألة تبدو أبعد من بطاقات الإيداع، وأشمل من العقوبات التأديبية، وأكثر وأعمق من الأحكام الزجرية، بقدر ما تعكس فشلا مدويا للمنظومة التربوية، واخلالات التنشئة الاجتماعية، لاسيما أن تونس وجدت نفسها في المراتب الأولى عالميا في العنف المدرسي، وتتذيل ترتيب الانضباط المدرسي، في مفارقة تتطلب تحركا قويا، يوازي حجم "الكوارث" داخل مؤسساتنا التربوية.

من غير المقبول ولا المعقول أن تتغير الحكومات، ويذهب وزير ويأتي آخر، ووزارة التربية والجهات المتداخلة لم تخرج عن عادتها المألوفة، تدخل في حالة "استنفار" ظرفية، كلما حصلت حادثة كارثية، لتعقد اجتماعات عاجلة، وجلسات طارئة، تسفر عن قرارات وتوصيات ودعوات، سرعان ما "تتبخر" وتذهب في خبر كان، بمرور الأيام، لتهتز مجددا، وتتحرك فقط، على وقع كل فاجعة أو جريمة جديدة داخل الوسط المدرسي.

 ولعل ما يطرح أكثر من نقطة استفهام حائرة، أن ظاهرة العنف داخل الوسط المدرسي، ما فتئت تتفشى، وتزداد تغلغلا، مع كل يوم جديد، والأطراف المعنية لم تخرج منذ سنوات، عن دائرة اجتماعات السفسطة والتنظير، دون إيجاد حلول جذرية لهذا الخطر "الزاحف"، في وقت يقتضي تشخيصا دقيقا لمختلف أشكال العنف وأسبابه، ومعالجة هذه الظاهرة من جذورها العميقة، بما يمكن من اتخاذ الإجراءات اللازمة والناجعة، لوضع حد لهذا التيار الجارف، سواء من خلال قرارات تأديبية ومناهج تربوية، أو إجراءات قانونية وأحكام ردعية .

صحيح أن الخبراء والمختصين قد دقوا أجراس الخطر، منذ سنوات، وحذروا من التداعيات الكارثية، لتغلغل العنف، وتفشي الجريمة، في محيط أو داخل أسوار مؤسساتنا التربوية، لكن لم نسجل تحركات فعلية للأطراف المسؤولة، في حجم هذا "الغول المتمدد"، وصحيح أيضا أن الأصوات تتعالى مع كل فاجعة جديدة، لتوجه أصابع الاتهام للتلميذ المعتدي، الذي يجد نفسه فجأة، مجرما توجه له أبشع النعوت، في وقت أن هذا "المجرم الصغير" نفسه ضحية، عائلة غير مبالية، ومجتمع متجاهل، ومنظومة تربوية عاجزة على حماية أبنائها من الجنوح، والدخول في متاهات عواقبها وخيمة.

ولئن كنا واثقين انه لابد من الإسراع بالإصلاح التربوي، لمعالجة ثغرات المنظومة التربوية برمتها، بما سيمكن من إعادة النظر في الزمن المدرسي وإيجاد فضاءات للتلاميذ في ساعات الفراغ لحمايتهم من "التسكع"، فإننا على نفس الدرجة من الوثوق، بأنه يتوجب اتخاذ قرارات عاجلة، تتعلق بمراجعة النظام التأديبي للقضاء على كل مظاهر التسيب والانحلال، لأنه دون عقوبات تأديبية رادعة، سيتواصل نزيف العنف والاعتداءات، بل قد يزداد تفشيا وتغلغلا وتوسعا، كما أن هذه الوضعية الدقيقة تقتضي حماية محيط المؤسسات التربوية من كل ما له تأثير سلبي على سلوك التلاميذ.

ولاشك أن معالجة هذه الظاهرة، والحد منها، يقتضي بعث خلايا إنصات داخل المؤسسات التربوية يشرف عليها مختصون في علم الاجتماع وعلم النفس، مهمتها تشخيص، ومتابعة كل الحالات الاجتماعية، للوقوف على مشاكل التلاميذ، والإشكاليات التي تواجههم، لأنه دون مثل هذه الخطوة، ستزداد "الفواجع"، ليكون الوضع أكثر قتامة، ولو أن الواقع الحالي يفرض كذلك، السعي إلى تخصيص أيام السبت والأحد من كل أسبوع، للأنشطة الرياضية والثقافية، وتوفير رحلات لتلاميذ المناطق المهمشة والجهات المحرومة، بما قد يغذي نفوس التلاميذ، ويبعدهم عن مختلف المتاهات والمطبات.

ومهما تعددت المقترحات، فان مواصلة التعاطي مع ملف العنف المستشري داخل مؤسساتنا المدرسية، بـ"برود" و"رخاوة"، دون إجراءات حازمة وقرارات "ثقيلة"، سيزيده تفشيا وتمددا.

محمد صالح الربعاوي

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews