إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

قطاع مُحرّكات السيارات المُستعملة في تونس.. فوضى "مُقننة".. "لوبيات".. مقبرة لخردة أوروبا وتهديد للبيئة والصحة

 

ارتفاع مهول لأسعار قطع الغيار في العالم مع ارتفاع أسعار السيارات.. أزمة توريد وانتظار بالأشهر لاستجلاب قطعة أصلية.. ازدحام السوق بالقطع المقلدة التي لا تتوفر فيها غالبا المواصفات المطلوبة..، الحاجة الملحة لاستعمال السيارة اليوم بصفة دورية.. كل هذا جعل التوجه نحو سوق السيارات المُستعملة أمر حتمي لأغلب أصحاب السيارات..، قطع مستعملة باتت لها أسواق ومناطق خاصة بها يتحول إليها صاحب السيارة غالبا مع الميكانيكي للبحث عن غايته ضمن حطام سيارة أو ضمن محرك مستعمل تم توريده..

توريد قطع غيار السيارات المستعملة ومحركاتها جعل عديد الأسئلة تطرح: هل تخضع هذه المحركات للمراقبة؟ وهل تلبي الحد الأدنى من الشروط والمواصفات التقنية والبيئية؟ وهل تستطيع أن توفر السلامة لسائق السيارة؟.. وماذا عن السوق الموازية التي تنشط فيها تجارة قطع غيار محركات مجهولة المصدر؟...

 تختلف الأجوبة، لكن الكلّ يعلم أنّ "هذه المحركات متأتية من دول أوروبية خاصة فرنسا بعد أن تم إخراجها من الخدمة، لعدة أسباب منها حوادث المرور ونهاية عمرها الافتراضي المسموح به للسيارة أو المحرك، أو لوجود خلل تقني فيها، وتم الاستغناء عنها ووضعها في أماكن لا يمكن وصفها إلا بـ"مقابر" أو"مصبات" قطع غيار السيارات المُستعملة..

نقاط طرحناها في هذا التحقيق الاستقصائي الذي حاولنا فيه إبراز حجم انتشار ظاهرة التجارة المُوازية لمحركات وقطع غيار السيارات المُستعملة ومجهولة المصدر، وتأثيرها على سلامة الأسطول الوطني للعربات وعلى نسبة تجديده وتطوره، وانعكاسات نقص الرقابة والردع على تفاقم أضرارها البيئية والصحية وتضاعف حوادث المرور الخطيرة والقاتلة التي يذهب ضحيتها مئات التونسيين وهي من أرفع المعدلات في العالم..

كما طرحنا في التحقيق فرضية "تورط" الدولة عن غير قصد في انتشار تجاوزات خطيرة في قطاع يتسم بالضبابية وتشابك العلاقات المُريبة بين الجهات المُتداخلة، وذلك من خلال تقنين عملية توريد محركات لا تحترم المُواصفات المطلوبة، وسط "صمت وعدم مراقبة" من الدولة.. فهل أنّ هؤلاء الموردين مسنودين من الدولة أم أنهم ينشطون في إطار مُنظم.. أم أنهم فرضوا عودتهم بقوة القانون بعد أن كان توقف نشاطهم إبان الثورة خاصة أنه قبل ذلك كان مجالا محتكرا من طرف أصهار وأقارب الرئيس الأسبق بن علي الذين تعاملوا مع هذه السوق دون رقيب ولا منافسة؟

كما أنّ الدولة بدورها أصبحت تلجأ بشكل رسمي إلى توريد حافلات نقل مُستعملة من فرنسا أساسا لأسباب مالية واقتصادية عوضا عن تجديد الأسطول وتطوير قطاع النقل..

أما السؤال الأبرز في هذا الخضم، هل من ضمان حقيقي للمواطن.. وهل تحترم تونس المعايير البيئية من خلال استعمال هذه المحركات المُستعملة؟

  تحقيق: عبير الطرابلسي

ولئن كانت نقطة انطلاقنا في هذا التحقيق الاستقصائي من وزارة التجارة وتنمية الصادرات، فإن المديرة العامة للتجارة الخارجية رفضت مدنا بأي تصريح، مُعتبرة أنه لا جديد يُذكر في هذا القطاع، خاصة وأنه كان لنا معها حوار في مارس سنة 2022 قدّمت فيه كل المعطيات مع تأكيدها أنّ القطاع مُنظم ومُقنن بكراس شروط تم وضعه في الغرض.

الديوانة في الموعد

تتعدد الأطراف في هذا الموضوع، وتعتبر الديوانة أحد أهم العناصر المُتداخلة، وقد كان لنا حديث مع الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للديوانة العميد شكري الجبري، الذي قال إن توريد المحركات يخضع لكراس شروط مضبوطة من قبل وزارة التجارة. واعتبر أن التوريد يشمل محركات السيارة بكل مكوناتها وبصفة مُجمعة، علما وأنه يمنع منعا باتا توريد محركات القوارب والبواخر والزوارق السريعة.

كما أكد أنه يمنع توريد المحركات التي تحتوي على زيوت وشحوم مُضرة بالبيئة والصحة، مُشددا على ضرورة أن يتم توريد المحركات التي بها أرقام تسلسلية لمتابعتها.

وبخصوص عملية التوريد، أفاد أنه يجب أن تكون مرفوقة بقائمة مُفصلة بالمحركات بأنواعها وأرقامها التسلسلية.  كما قال إن هنالك عملية مراقبة دقيقة بالميناء إذْ يتم تفتيش المجرورة تفتيشا دقيقا والتثبت إن كانت هنالك "مطالة وطولة" وقطع غيار مُنفصلة باعتبار أن هذه المواد لا يتم توريدها قانونا.. كما يتم التثبت من عدد المحركات المُوردة ومدى تطابقها مع ما يتمّ التصريح به والفواتير المُصاحبة.

 ومن جهة أخرى، أشار الجبري إلى وجود رقابة مرورية في الطرقات باعتبار أن محركات السيارات تخضع لقاعدة إثبات المصدر، مُضيفا أنّه توجد أيضا رقابة في محلات البيع بصفة روتينية للتثبت من الأرقام التسلسلية ومدى مطابقتها مع قائمة التوريد.

وعن عمليات التوريد خلال سنة 2023، قال الجبري أن 570 مؤسسة تولت توريد 29639 محرك سيارة مُستعمل.

وبخصوص الحجز، أعلن حجز 380 محرك سيارة لم يستظهر بوثائق ثبوت المصدر، كما تم حجز 76560 قطعة غيار سيارات دون سند قانوني.

وعندما تكون هنالك أرقام، فكيف تكون قيمة ورقم الأموال المتأتية من هذا القطاع غير متاحة، وكيف لا يمكن ملاحظة ثراء بعض موردي القطاع خاصة في الجهات الداخلية.

كل هذا دفعنا لوضع مطلب نفاذ للمعلومة لدى البنك المركزي للتعرف على عدد الحسابات الجارية بالعملة الصعبة التي تم فتحها سنتي 2022 و2023 من قبل هؤلاء الموردين للقيام بعملية الشراء وكانت النتيجة، وردّا على مطلبنا، أفاد المكلف بالنفاذ إلى المعلومة بالبنك المركزي أنّ "التصاريح التي يوجهها الوسطاء المقبولون إلى البنك المركزي فيما يتعلق بالحسابات المهنية المفتوحة لصالح الأشخاص الطبيعيين والمعنويين تقتصر حصرا على المعرف الجبائي، والرمز الديواني، والتسمية الاجتماعية لتحديد الشركات دون الإشارة إلى قطاع النشاط".

منظمة الأعراف ترفض "الخردة"

 من جهته، أكّد البشير بوجدي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ورئيس الجامعة الوطنية للميكانيك، أهمية محرك السيارة في العربة، مُشيرا إلى أنّه لأسباب مالية تمّ التوجه لسوق المُحركات المُستعملة، غير أنه أكّد رفض منظمة الأعراف توريد المحركات المُستعملة من قبل الموردين حتى وإن تمّ تجديدها..

وواصل بوجدي بالقول:"نحترم رأي الدولة.. ولكن نؤكّد أنّ تونس ليست سوق "خردة للقديم" ومن الصعب اعتبار هذه المحركات صديقة للبيئة"، مُستدركا بالقول: "يبقى إننا مُلزمون بالتوجه لهذه السوق لصعوبة الوضع الاقتصادي بالبلاد.. غير أنه يجب أن نحصل على الضمانات الكافية باعتبار أنّ لا شيء يضمن سلامة استعمال أو صلوحية المحركات المُستعملة".

مصنعو السيارات: لا تعامل مع القطاع

الغرفة النقابية الوطنية لوكلاء ومصنّعي السيارات التابعة لمنظمة الأعراف، أكّدت أنه لا يتم التعامل مع مُوردي المُحركات المُستعملة خاصة وأنّ هؤلاء المُوردين يتعاملون مع "الخرداجية" في الدول الأوروبية وليس مع شركات، مُشيرة إلى وجود ضبابية في التعامل مع هذا الملف.

 كما أكدت انه يمنع على وكلاء ومُصنعي السيارات حتى توريد المحركات المُرسكلة ولو بضمان، والاقتصار فقط على توريد المُحركات الجديدة من المصنعين.

واعتبرت الغرفة أنه وبعد أن كان هذا القطاع حكرا على مجموعة معينة قبل الثورة، وبعد منع هذا النشاط بعد الثورة احتجّ عدد من الذين يشتغلون فيه أمام وزارة التجارة وعند ذلك تم وضع كراس شروط على المقاس ليتركوهم يعملون، حسب نفس المصدر.

وتساءلت الغرفة عن مدى اعتماد نظام "فوترة" من قبل هؤلاء؟ ومدى صحة وجود رقابة حقيقية؟.

الحرس: محجوزات وتفكيك شبكات

من جهته، قال الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني العميد حسام الدين الجبابلي إنّ وحدات الحرس الوطني تمكنت خلال سنة 2023 من حجز 1097 محرك سيارة بين مستعمل ومُهرّب.

وأوضح الجبابلي أنّ عمليات الحجز تمت بمختلف جهات الجمهورية، خاصة بولايات القيروان وصفاقس وقابس ومدنين وسيدي بوزيد وبن عروس وببعض الطرقات السيارة الراجعة بالنظر لتدخلات الحرس الوطني، مُشيرا إلى أن المحركات الجديدة تم حجزها بجهة سيدي بوزيد، بينما تم حجز محركات مُستعملة بكل من قابس والقيروان.

وفي هذا السياق، قال إنّ وحدات الحرس الوطني تمكنت من تفكيك شبكات تقوم بسرقة الشاحنات والسيارات وتتولى تفكيكها في ولاية القيروان، لتقوم ببيع قطع غيار تلك العربات في وقت لاحق.

وفيما يهمّ المحركات المستعملة، قال إنّه يوجد قطاع مُنظم يقوم بتوريد تلك المحركات أو يقتنيها من السوق الداخلية، غير أن العديد يعمل خارج الأطر القانونية، وتم في مناسبات عدة التفطن لذلك خلال عمليات مراقبة إذ لم تكن هناك فواتير في الغرض أو ما يثبت مسك تلك المُحركات.

وذكّر الجبابلي بحصيلة حملة أمنية نفذتها وحدات مناطق إقليم الحرس الوطني ببن عروس بمستودعات "اليهودية" مع بداية سنة 2024، أسفرت عن حجز 17 بطاقة رمادية من أجل عدم الإعلام عن تحطيم عربة وتحرير 6 محاضر عدلية من أجل امتهان نشاط بيع قطع الغيار المستعملة دون رخصة وتحرير 26 محضرا متعلقا بعدم وجود شهادة وقاية وعدم تأمين المسؤولية المدنية من أخطار الحرائق وتحرير محضر عدلي من أجل مسك واستعمال مدلس وبيع ما لا يملك وذلك بعد ضبط عقد بيع مرمي بالتدليس، إضافة إلى حجز 6 وثائق لوسائل مفتش عنها.

مُوردون يتبرؤون من التهم

ومن جانب آخر، أكّد أحد الموردين والذين تحدثنا معهم، مع تسجيل صدّ من قبل هؤلاء ورفضهم الإفصاح عن معطيات تتعلق بعملية التوريد والأسعار الحقيقية عند الاقتناء، وعن جودة محركاتهم.

مورد من جهة منزل كامل قبِل الحديث معنا وأكّد أنه يستورد سنويا 400 محرك مستعمل من فرنسا وتتم عملية التوريد عن طريق ميناء مرسيليا، حيث توجد رقابة دقيقة للمحركات الموردة والتثبت من مدى احترامها للمعايير البيئية، وقال إنّ عملية الاقتناء تتم من الـ"casse"  وأن عملية بيع تلك المحركات في تونس لا تقتضي دائما أن تكون بعد عملية غسل المحرّك باعتبار أن هناك محركات يتم اقتناؤها وتكون جيدة ولا تتطلب ذلك.

كما أشار مورد آخر بجهة الوسط، إلى أنّ القطاع منخرط في عجلة الاقتصاد وأنّ عملية الاقتناءات تتم عن طريق البنوك وفتح حساب جار بالعملة الصعبة، إضافة إلى دفع الموردين للمعاليم الجبائية حسب قيمة الفاتورات إضافة إلى استخلاص 3500 مليم عن كل كلغ من مجموع الشحن وكذلك معلوم خلاص "الحاوية"، وهو ما يُكبّد المُوردين مصاريف إضافية وأعباء تثقل كاهلهم.

وأكّد أن اقتناء المحركات المستعملة من الخارج بأسعار لا تتجاوز أحيانا الـ200 أورو، وأشار آخر إلى أنّ سعر بيع محركات السيارات المُستعملة في تونس هو أقل بكثير من تلك الجديدة هذا إن وُجدت باعتبار تهرّم أسطول النقل بالبلاد وفقدان بعض الأنواع من المُحركات وقطع الغيار.

وتحدث مورد حول مسألة الضمان، التي أكّد أنها تتمّ ولكن لمدة شهر فقط لا أكثر.

وحول حملات الرقابة، قال إنّ الوحدات الديوانية تقوم بالتثبت في البضاعة الموردة بطريقة دقيقة، في حين أن الرقابة من قبل وزارة التجارة تهمّ التثبت من المقر والوثائق الرسمية والفاتورات كلما تم طلب الترخيص الذي تم بمقتضاه توريد المحركات.

وبخصوص اعتماد نظام الفوترة، أفادنا شخص في علاقة بسوق توريد المُحركات المُستعملة أنّها لا تعتمد إلا عند تقديم ملفات طلب تراخيص التوريد أو لخلاص القباضات المالية غير أنها تكون وفقا للمداخيل التي يحددونها".

أوروبا.. قيود جديدة على انبعاثات السيارات

توريد المحركات وقطع غيار السيارات المستعملة يطرح اليوم ضرورة الرجوع إلى القوانين والمعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال في الدول التي تتعامل معها تونس، وحسب ما استقيناه من أهل القطاع، فإن عمليات الاقتناء تتم أكثر من فرنسا وبدرجة اقل إيطاليا وبلجيكا وألمانيا..

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الاتحاد الأوروبي وضع خطة للتخلص التدريجي من مبيعات السيارات الجديدة التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2035، وذلك بغاية الدفع باتجاه شراء سيارات كهربائية بنسبة 100٪. ويعد الحظر المفروض على محركات الاحتراق الداخلي مفتاحًا لخطط الاتحاد الأوروبي الطموحة لتصبح منطقة الاتحاد الأوروبي اقتصادًا “محايدًا مناخيًا” بحلول عام 2050، مع انبعاثات صافية من غازات الاحتباس الحراري. ووفقًا للاتحاد الأوروبي، يتسبب تلوث الهواء المرتبط بالنقل البري في وفاة 70 ألف شخص كل عام.

كما اتفق مفاوضون من برلمان الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في التكتل على فرض قيود جديدة على انبعاثات السيارات والحافلات وغيرها من المركبات تحت اسم "معايير يورو7" إذ تتضمن القواعد الجديدة ولأول مرة، ليس فقط انبعاثات السيارات من غازات العادم مثل أكسيد النيتروجين ولكن أيضا الملوثات الأخرى للبيئة عبر حركة المرور مثل الجزيئات متناهية الصغر الناجمة عن تأكل الإطارات والمكابح. وهو ما يعني أن المركبات الكهربائية والمركبات التي تعمل بوقود الهيدروجين ستخضع أيضا لـ"معايير يورو 7".

كما أقر البرلمان الأوروبي حظر بيع السيارات العاملة بالبنزين والديزل المصدرة لانبعاثات الكربون بحلول 2035 .

ومع بداية سنة 2024، قامت العديد من المدن الفرنسية بتغيير قواعد القيادة فيها أو عبرها خاصة في المناطق ذات الانبعاثات المتخصصة zfe حيث يتوجب على جميع المركبات التي تدخل مناطق zfe أن تضع ملصقا برقم Crit'air (درجة تلويث السيارة للجو) على الزجاج الأمامي لها ويشمل ذلك الدراجات النارية والشاحنات الصغيرة وجميع المركبات ذات اللوحات الأجنبية حتى لو كانت تمر فقط من تلك المناطق حيث سيكون أصحاب السيارات التي لا تحمل ملصقCrit'air عرضة للغرامة المالية في حال مخالفتهم للقوانين.

وفي هذا الإطار، حظرت مدن ليون وغرونوبل وستراسبورغ دخول مركبات 4 Crit'air التي تعمل بالديزيل وتم تسجيلها للمرة الأولى في الفترة الواقعة بين عامي2001 و2006 والمركبات ذات العجلتين المسجلة بين عامي 2006 و2004 كما منعت مدينة ليون سيارات Crit'air من المستوى 5 أيضا من المرور في مناطق zfe  خلال العام الماضي.

أما بالنسبة لغرونوبل فقد منعت مركبات Crit'air من المستوى 4 من القيادة في مناطق zfe من الاثنين إلى الجمعة، ويستثنى من ذلك الأشخاص الذين يقودون سياراتهم للحصول على الخدمات الصحية أو العمال الذين لديهم ساعات عمل معينة أو مركبات العمال، أو الشركات.

وقد خضعت القوانين الجديدة لفترة تجريبية مدتها ستة أشهر لن يتم خلالها فرض غرامات مالية.

وفي السياق ذاته، حظرت ستراسبورغ جميع مركبات Crit'air 4 في مناطق zfe كما حظرت 3 مركبات Crit'air اعتبارا من شهر فيفري الماضي، وسيتم فرض غرامات عالية وذلك بعد فترة تجريبية مدتها عام.

تقادم أسطول الحافلات..  و"المُستعمل" "إيكولوجي"؟؟؟

هذه الترسانة من القوانين الأوروبية وغيرها، تجعل الحافلات تفتقد لعدة معايير تُخوّل لها الجولان في الدول الأوروبية، ومنها فرنسا، فتتوقف عن العمل، غير أنّ بعضها تكون وجهتها تونس، وهو ما سُجّل في عدة مناسبات ببلادنا ولعلّ آخرها الدفعة الأخيرة التي وصلت بلادنا من الحافلات ومنها الذي ستستغله شركة نقل تونس... وهو ما دفعنا للحديث مع أحد إطارات شركة "نقل تونس" لتوضيح عدة نقاط.

وقد أفادنا مصدرنا أن أسطول الحافلات الحالي للشركة يتكون من أسطول مُسند يُقدّر بـ1110 حافلة منها 250 حافلة تتوفّر فيها شروط الإحالة على عدم الاستغلال، وأسطول آخر قابل للاستغلال يبلغ 860 حافلة، تتوزع بين 450 حافلة مُتجوّلة منها 182 حافلة مستعملة، و410 حافلة مُتوقفة بسبب أعطاب مختلفة وسيتمّ إعادة استغلال 140 حافلة أواخر السنة الحالية ليكون عدد الحافلات الجاهزة للاستغلال مع موفى سنة 2024 ما يقرب عن  637 (450 +140+47 (القسط الثاني من الحافلات مستعملة)) دون اعتبار القسط الأخير من صفقة الحافلات المستعملة الذي يتضمّن 131 حافلة.

ويبلغ معدّل عمر الأسطول إلى حدود 31 جانفي 2024، 12,57 سنة ومنها 56% فوق 10 سنوات، فيما يبلغ معدّل عمر الحافلات المستعملة حوالي 20 سنة.

ووفق ذات المصدر فان أسباب تقادم أسطول الحافلات بالشركة يعود إلى تأخير تنفيذ برامج الاقتناءات الجديدة بصفة دورية ومستمرّة بسبب تدهور الوضعية المالية للشركة وتعذّر الحصول على التمويل، بحيث يهم آخر برنامج سنوات 2006-2007-2008 والذي تم تنفيذه خلال سنوات 2010-2011-2012 وقد تضمّن 310 حافلة.. إضافة إلى تعذّر تنفيذ برامج اقتناءات 2009- 2015. وقد تم اقتناء 144 حافلة عادية جديدة دخلت حيز الاستغلال بين أفريل 2016 وجانفي 2017.. هذا إضافة إلى اتخاذ إجراء/ترخيص استثنائي من قبل مجلس وزاري منعقد في شهر جوان 2015 لاقتناء300 حافلة مستعملة من الوكالة المستقلة للنقل بباريس تم استلامها خلال سنوات 2015-2016-2017.

وتجدر الإشارة إلى ضرورة الحصول على ترخيص استثنائي مسبق باعتبار أن التشريع التونسي يمنع توريد العربات المستعملة، كما تمّ الحصول على موافقة اللجنة العليا لمراقبة الصفقات العمومية لإبرام عقد بصيغة التفاوض المباشر مع الوكالة المستقلة للنقل بباريس باعتبار نوعية الحافلات المعروضة للبيع وعددها المتوفّر بالإضافة إلى مقبولية سعر البيع بعد التفاوض.

كما تولت شركة "نقل تونس" إبرام صفقة عامّة عن طريق ديوان التجارة خاصة بشركات النقل العمومي البرّي كانت حصة شركة النقل بتونس 494 حافلة. وقد تم استلام 245 منها (50 حافلة سنة 2017 و33 حافلة سنة 2018 و152 حافلة منها 55 مزدوجة سنة 2019 و10 حافلات مزدوجة سنة 2020) قبل فسخ العقد من قبل شركة النقل بتونس بسبب إخلال المزوّد بالتزاماته.

إضافة إلى ذلك تحصلت "نقل تونس" على موافقة مجلس وزاري منعقد في شهر أفريل 2022 على تقديم طلب لاقتناء 300 حافلة مستعملة من الوكالة المستقلة للنقل بباريس وقد تم في أوت منح ترخيص استثنائي لذلك من قبل رئاسة الحكومة. وقد تم استلام الدفعة الأولى التي تضمّنت 122 حافلة منها 32 مزدوجة بتاريخ 19 أوت 2023 وتم تسلّم الدفعة الثانية يوم الجمعة 9 فيفري 2024 وهي تتضمّن 47 حافلة منها 9 حافلات مزدوجة على أن يتم تسليم بقية الصفقة (131حافلة) موفّى السنة الحالية، مع توخّي الشركة لنفس الإجراءات المعتمدة خلال الصفقة الأولى.

ذات المصادر، أكّد أنّ الحافلات المُستعملة التي تمّ اقتناؤها من فرنسا، هي حافلات إيكولوجية محافظة على البيئة، إذ أنه بالنسبة للصفقة الأولى(2015-2017) فتلك الحافلات تستجيب للمواصفات الأوروبية "Euro 4" المحافظة على البيئة  فهي حافلات معدّلة فنّـيا من خلال تجهيزها بمصفاة جزيئات (filtre à particules) .  وبلغت كلفة هذه الصفقة 9,5 مليون دينار، بينما الصفقة الثانية (2023-2024) والتي تتضمّن 300 حافلة وتبلغ قيمتها16 مليون دينار فتلك الحافلات تستجيب للمواصفات الأوروبية "Euro 5" المحافظة على البيئة. وهي أوّل الحافلات التي تدخل الاستغلال في تونس بهذه المواصفات .

وتجدر الإشارة إلى أنّ السعر الحالي للحافلة العادية الجديدة يتراوح بين 400 و450 ألف دينار في حين يتراوح سعر الحافلة المُزدوجة بين 700 و750 ألف دينار.

كما أفادت مصادرنا أنّ الحافلات المُستعملة المقتناة في الصفقتين، ذات هيكل منخفض (châssis bas) ومجهّـزة بدرج أوتوماتيكي (rampe) لتمكين ذوي الهمم من الصعود إلى الفضاء المهيّأ لهم، كما لا تزال 60 حافلة مستعملة التي تم اقتناؤها في الصفقة الأولى (2015-2017) حيّز الاستغلال بالرغم من أنّ الهدف عند الاقتناء كان استغلالها لمدّة 5 سنوات كأقصى تقدير وذلك بفضل برامج التدخلات والمراقبة الفنية والصيانة الدورية التي تخضع لها.

علما وأنه يتمّ تكوين لجنة فنية ممثلة لوزارة النقل، شركة النقل بتونس والوكالة الفنية للنقل البرّي تتولّى التنقل إلى باريس للقيام بالمعاينة الميدانية واختيار الأفضل من بين الحافلات المعروضة للبيع وإبداء الملاحظات والتوصيات بخصوص عدد منها. هذا ويقع إعداد محضر استلام على مستوى مستودعات الشركة للوقوف على مدى تطبيق البائع لهذه التوصيات، إضافة إلى ذلك يتمّ إخضاع هذه الحافلات إلى المعاينة الفنية من قبل مصالح الوكالة الفنية للنقل البرّي وإتمام الإجراءات الإدارية قبل دخولها حيّز الاستغلال. هذا ويتمّ إخضاع الحافلات إلى اختبار فني ثان ومراقبتها بتونس حال تسلّمها.

 خبير بيئي: تونس "سلّة مهملات"

  أمّا الخبير البيئي حمدي شعبان فقد قال انه بالنسبة لمحركات السيارات المُستعملة، فإن أوروبا ترى في إفريقيا ومن بينها تونس "سلّة مهملات" للتخلص من الآليات والصناعات القديمة التي لا تستجيب لمعايير البيئية الأوروبية بأسعار تفاضلية.

وقال إن هناك احتمالا كبيرا في مُساهمة محركات السيارات المستعملة في تلوث الهواء وخلق مشاكل بيئية.

لكن شعبان استدرك بالقول انه ربما يكون سبب اللجوء إلى هذا الحل محدودية دخل التونسيين باعتبار غلاء أسعار قطع الغيار الجديدة هذا إن توفرت أمام تهرّم أسطول النقل.

وأشار أيضا إلى توجه تونس بسبب وضعها الاقتصادي إلى توريد حافلات مُستعملة، وهي بدورها تحمل محركات مُستعملة، ما يطرح عدة تساؤلات حول ملاءمة هذه الحافلات للمعايير البيئية، وفق قوله.

كما قال انه ربما وقع استغلال الضائقة المعيشية للدول الفقيرة لإتاحة الفرصة لتوريد هذه المحركات التي لا يرى، وفق تعبيره، "أنها تخضع للمعايير البيئية إن وجدت، خاصة وأنّ الفساد مستشري في تونس في عديد هياكل الدولة مع احتمال أن تكون هذه المحركات تساهم في تدهور البيئة ونوعية الهواء بينما تغضّ الدولة الطرف باعتبار محدودية دخل المواطنين".

وواصل بالقول: "حتى لو كانت هنالك رقابة.. فهل تطبق فعليا؟؟.. التساؤلات لا تنتهي خاصة والفساد مستشر منذ دخول المحركات إلى حين تركيبها.. وتوجد أيضا نظرة استعلائية واستعمارية لبعض الدول ورؤيتها إلينا.. ولا نريد أن نتحول إلى ساحة خردة لسيارات الاتحاد الأوروبي.. فهذه المحركات خردة ويجب أن نشاهد وقفة صارمة للدولة والناشطين البيئيين في هذا القطاع الذي لا نوليه اهتماما كبيرا.. فهذه من بين الأشياء المسببة في تلوث الهواء وتدهوره.. ونوعية الهواء اليوم في تونس متوسطة وقريبة من الجيد مقارنة بدول أخرى لكن لو استمر الوضع على حاله ستكون هنالك تداعيات بيئية سلبية وكذلك على صحة المواطن.. ولهذا يجب أن تفرض الدولة معايير جديدة للحفاظ على سلامة البيئة وصحة المواطن وترفض استيراد هكذا محركات خردة".

الكثافة المرورية وانبعاث عوادم السيارات

 ولا حديث عن سلامة صحة المواطن دون بيئة نظيفة، والتقليل من الانبعاثات الملوثة للهواء، وهذه النقطة كانت محور حديثنا مع مسؤول بالوكالة الوطنية لحماية المحيط والذي أفادنا أن هناك شبكة وطنية لمراقبة جودة الهواء بها محطات قارة لمراقبة نوعية الهواء مُتأتية من مصادر ثابتة بمناطق صناعية وأخرى بمناطق عمرانية مثل محطة باب سعدون بتونس العاصمة وهدفها قيس نوعية الهواء بمناطق بها كثافة مرورية، بالإضافة إلى محطة أخرى بمفترق سهلول بسوسة وهناك أخرى متنقلة لمتابعة نوعية الهواء الطلق وأخرى من المصادر الثابتة.

 وبخصوص محطة باب سعدون، قال إنه يتم تسجيل تجاوزات وارتفاع للملوثات مثل الغبار (جزئيات عالقة) وأحادي أكسيد الكربون المتأتي من عمليات الاحتراق خاصة من الساعة 7 إلى الساعة 18، حيث تقل هذه النسب ليلا، كما تقلصت بصفة واضحة زمن أزمة كوفيد-19.

واعتبر محدثنا أن ضغط حركة المرور وكثافتها يتسبب في مزيد الانبعاث من عوادم السيارات.

كما أشار إلى وجود مراقبة فنية على عوادم السيارات والمُحدد بقانون الطرقات، إضافة إلى وجود عمليات مراقبة قطاعية خلال فترات معينة وأخرى حينية تبعا للتبليغات.

وعن الحلول المقترحة، شدد على ضرورة تحيين نسب التلوث المحددة في مجلة الطرقات مع إضافة عوادم أخرى لمحركات السيارات عند عملية الفحص الفني، وكذلك تحيين وتطوير الإطار القانوني للعربات المُستوردة الجديدة وضرورة تطابقها للمعايير الأوروبية التي بلغت "أورو7"، غير أننا في تونس ووفق دراسات سابقة فإننا لا يمكن أن نتجاوز "اورو3"، مُضيفا بأنه لا يمكن لوم مستعمل العربة طالما لا يوجد إطار قانوني مُنظم لهذه المعايير في القوانين التونسية.

كما قال مُحدثنا: "نحن نريد تحسين نوعية تنقل المواطنين ونحن نناضل من أجل تطبيق مخططات المحافظة على نوعية الهواء، وقد استكملنا مرحلة الدراسة في هذا المخطط بتونس الكبرى، حيث ثبت أن 2/3  من المُلوثات مُتأتية من العربات".

ولم يفوت محدثنا الفرصة للتذكير بأن تونس قد أعلنت وضع هدف لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45 بالمائة لغاية عام 2030، وذلك خلال أشغال "كوب 28".

وسائل النقل البري وتلوث الهواء

مسؤول بإدارة حفظ صحة الوسط وحـمايـة المـحيــط بوزارة الصحة، أفادنا أن "تلوث الهواء الخارجي يُعدّ إحدى أكبر مشاكل الصحة البيئية التي يتضرر منها جميع المواطنين المعرضين لهذا التلوث الذي يمكن أن يتأتى من النشاط الصناعي أو وسائل النقل البري من سيارات وشاحنات وحافلات التي تعد المصدر الرئيسي لتلوث الهواء خاصة بالمدن التي تشهد كثافة في حركة المرور حيث تعتبر وسائل النقل من أهم مصادر تلوث الهواء، وتعتبر الانبعاثات الناجمة عن المركبات هي المصدر الرئيسي لتلوث هواء المدن خاصة وأن أعداد المركبات في تزايد مستمر، وينتج احتراق الوقود داخل محركات السيارات العديد من الملوثات ومن أهمها أول أكسيد الكربون، المركبات العضوية الطيارة هيدروكربونات، وأكسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت والجسيمات العالقة بالإضافة إلى مركبات الرصاص السامة الناتجة من العادم عند استخدام وقود البنزين الذي يحتوي على نسبة من الرصاص وغيره من المعادن كمواد إضافية".

كما أشار إلى "الأدلة على الآثار الضارة لتلوث الهواء على الصحة في السنوات الأخيرة" حيث توجد تأثيرات قصيرة المدى، إذ تتفق الدراسات الوطنية والدولية على وجود ارتباط وثيق بين الأوزون والوفيات الكلية والوفيات القلبية التنفسية، والأوزون والاستشفاء لأسباب تنفسية. كما ترتبط المواد العالقة في الهواء PM10 أيضًا بزيادة في الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب وزيادة في حالات العلاج والتوافد بالمستشفيات لأسباب تتعلق بالجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية. هذا وأظهرت الدراسات، وفق ذات المصدر، آثارا صحية أكبر نتيجة للتعرض طويل المدى لتلوث الهواء حيث وجدت أدلة على وجود روابط بين التعرض المزمن للجسيمات أوثاني أكسيد الكبريت، والأمراض القلبية-الرئوية وسرطان الرئة.

وأكّد المسؤول أنّ المصالح المختصة للوزارة تتولى التنسيق مع المؤسسات المعنيّة في مجال القيام بدراسات تتعلق بتقييم نوعية الهواء واتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب تأثيراته السلبية على الصحة وذلك بهدف تعزيز الوقاية من الأمراض ذات العلاقة، حيث بادرت وزارة الصحة بإجراء أول دراسة وطنية خلال سنة 1992 حول الملوثات الكيميائيّة للهواء مكّنت من معرفة الملوثات وترتيبها كما مكّنت من تصنيف المناطق الأكثر عرضة للتلوث وهي على التوالي مدينة قابس، وصفاقس، وقفصة، وبن عروس وبنزرت وان انخفضت نسبة التلوث فإن هذه الولايات لازالت تستوجب مزيدا من البرامج الهادفة إلى دعم مقاومة التلوث الهوائي، وتلتها دراسات أخرى في المجال، حسب مصدرنا.

 كما تمّ خلال سنة 2014 القيام بدراسة لتقييم تأثير التلوث الهوائي على نسبة التوافد على المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي على مستوى تونس الكبرى (أريانة، وتونس، وبن عروس ومنوبة)، وقد بيّنت هذه الدراسة التي تناولت بالدرس المعطيات المتوفرة خلال سنوات 2007، 2008، 2009 و2010 ارتفاعا ملحوظا في التوافد على المستشفيات بسبب الأمراض التنفسيّة خاصّة فيما يتعلّق بمؤشر المواد العالقة.

 وتعتبر الجسيمات العالقة في الهواء من الملوثات التي تسعى وزارة الصحة لمقاومتها وذلك من خلال التنسيق مع الوزارة المكلّفة بالبيئة لوضع برنامج لخفض مستوى التلوث بالنسبة للمؤسسات الصناعيّة الكبرى المتواجدة في بعض المدن الصناعية التونسيّة ووضع مخططات للمحافظة على نوعية الهواء بالمناطق المعرّضة في إطار الإستراتيجية الوطنية للأمراض غير المعدية والوقاية من الأمراض التي يمكن أن تترتب عن ارتفاع هذا المؤشر. وتتجه السياسات الوطنية وفي ظل التغيرات المناخية الحالية للتحول إلى استخدام أنماط نظيفة لتوليد الطاقة الكهربائية، واستخدام مركبات وأنواع وقود منخفضة الانبعاثات، بما في ذلك أنواع الوقود المحتوية على نسب منخفضة من الكبريت والرصاص.

وتعمل وزارة الصحة بالتنسيق مع مختلف الهياكل المتدخلة في هذا الشأن من وزارة النقل ووزارة البيئة ووزارة الصناعة والمختصين في الشأن الصحي على التشجيع على اعتماد سلوكيات سليمة تحد من التلوث الهوائي على غرار، استعمال الدراجات الهوائية، اعتماد المشي كطريقة للحد من استعمال السيارات للتسوق، التقليل من استعمال السيارات للتنقل إلا عند الحالات القصوى، استعمال وسائل النقل العمومي، وتنظيم أيام دون وسائل نقل.

 الوكالة الفنية للنقل البري والتشريعات

 الوكالة الفنية للنقل البري، احد المتداخلين في القطاع، كهيكل رقابة، إذ أكّد لنا مسؤول بالوكالة تهرّم الأسطول الذي بلغ معدل عمره 20 سنة مع عدد كيلومترات كبير جدا، مُعتبرة أنّ موضوع توريد المحركات المستعملة موضوع قديم والمواطنون يلجأون للمحركات المُستعملة بسبب تدهور المقدرة الشرائية، إضافة إلى أن المواطن إذا تحول إلى السوق الجديدة فقد لا يجد محركات بسبب عمر السيارة وهو ما قد يُفسّر توجّه الدولة إلى توريد محركات السيارات المستعملة بهدف الضغط على التكلفة.

وأشار إلى أنّه من الناحية التجارية، فإنّ مُوردي المحركات المُستعملة يُوردون تلك الأكثر استعمالا خاصة التي هي في علاقة بعربات النقل غير المنتظم مثل التاكسي والنقل الريفي إضافة إلى الحافلات والشاحنات، خاصة وأنّ هذا القطاع يدرّ أرباحا كبيرة، والمحركات المستعملة مطلوبة بالسوق فهم يدرسون جيدا المتطلبات ومنهم من يأتي بتلك المحركات من أوروبا خاصة حسب الطلب.

وأضاف مصدرنا أنه ومن الناحية القانونية لا يمكن التساؤل عن أسباب تغيير المحركات من نفس النوع، لكن الإشكال يحدث عند تغيير نوع المحرك من حيث القوة والطاقة وهو ما يعتبر "إدخال تغيير جوهري" ويتطلب تقديم مطلب للمصالح بالوكالة للحصول على ترخيص مسبق وفقا للشروط من حيث مصدر المحرك ومدى تطابق استعماله مع السيارة.

ويعتبر تغييرا جوهريا لعربة سبق قبولها أو تسجيلها بالبلاد التونسية، كل تغيير يتعلق بقاعدة العربة أو ينتج عنه تغيير إحدى الخاصيات الفنية المنصوص عليها بالبيان الوصفي أو بشهادة التسجيل.

وتتمثل هذه التغييرات خاصة في: تغيير الأوزان وإدخال تغيير على القاعدة أو تعويضها وإضافة طاقة جديدة وتعويض المحرك والتخفيض أو الترفيع في عدد البقاع..

وأكّد ذات المصدر، أنه عند إدخال أي تغيير جوهري يجب الحصول على ترخيص ولا يوجد رقم خاص بعدد الذين تولوا تغيير محركات السيارات باعتبار أنّ القانون ينص على تحديد وجود تغيير فقط، مشيرا إلى أن اقل رقم في التغييرات الجوهرية يتمثل في تغيير المحركات.

كما اعتبر أنّ المنظومة الجديدة ستكون محددة وسيتم التنصيص فيها على طبيعة التغيير خاصة أنه لا يمكن الانتباه عند تغيير المحرك بآخر بنفس السعة والنوع، مُشيرا إلى أنّ التغيير الجوهري دن ترخيص يترتب عنه محضر عدلي وإعادة العربة لطبيعتها.

وفي سياق آخر، أشار مصدرنا إلى أنّه يتمّ خلال عملية الفحص الفني قيس الانبعاثات المتأتية من العربة، حيث يقع المرور بجميع الأجهزة.

وحول ما يتداول بشأن تعطّب عدد من هذه الآلات ببعض المراكز ورغم ذلك تتحصل العربات على شهادة الفحص الفني، قال مصدرنا إنه يوجد 30 مركز فحص فني بها 86 رواقا بكل واحد أجهزة قيس تلوث وحتى إن سجّل عطب فلا يبقى لمدة طويلة حيث تمّ منذ سنة 2021 تغيير 44 رواقا بأجهزة حديثة، مُؤكّدا أنّ رئيس المركز هو المسؤول عن سلامة العربة وعلى استكمالها كل مراحل الفحص الفني وهو ما يحتمه نظام الجودة في خدمات الوكالة الفنية للنقل البري.

كما أضاف، أنّ 32  بالمائة من جملة الاعطاب التي تؤجل من اجلها العربة خلال عملية الفحص الفني هي التلوث، مُشيرا إلى أنّ الرقابة في علاقة باحترام المعايير البيئية موجودة، وأنّ السيارات الجديدة لا تؤجل بسبب التلوث لكن بالنسبة للسيارات القديمة فيمكن تأجيل حصول العربة على الفحص الفني بسبب غاز أكسيد الكربون إذ تجاوزت نسبته الـ4.5 بالمائة وهو رقم يبقى مرتفعا ويوجد تفكير جدي لتغيير هذه النسبة بالتنسيق مع سلطة الإشراف أي وزارة النقل.

وأكّد أن أي عملية تتم عن طريق الآلات الموجودة بمراكز الفحص الفني لا يمكن أن يتدخل فيها أي طرف ولا يتمّ التلاعب فيها، لتبقى الرقابة العينية محل تثبت.

وحول وجود سماسرة أمام مقرات مراكز الفحص الفني، ردّ بالقول: "لا أجزم ولا أنفي تورط أعواننا.. وكل شبهة يفتح فيها تحقيق وتسلّط عقوبات، إذ تشمل عقوبات الطرد ما بين 6 أو 5 أعوان في السنة صلب الوكالة الفنية للنقل البري.. وقد راسلنا وزارة الداخلية في شأن سماسرة تتواجد أمام المراكز الفنية، ولكن لا يمكن توفير فرق أمنية قارة أمام كل مركز فحص فني"، قائلا إنه يوجد سماسرة أمام مراكز الفحص الفني تتولى ابتزاز المواطنين عبر إيهامهم بإمكانية التدخل لفائدتهم، ودعت الوكالة المواطنين إلى الاتصال برئيس مركز الفحص الفني وأن لا يتواصلوا مع أي شخص خارج المركز.

ومن جهة أخرى، أشارت الوكالة إلى وجود فئة من المواطنين تقوم بكراء بعض قطع غيار السيارة لإيهام الفنيين بمركز الفحص الفني بأن العربة في وضعية جيدة، معتبرة أن هذه ظاهرة جديدة ويتم توفير هذه القطع في الغالب من محلات بيع غيار السيارات خاصة أمام ارتفاع أسعارها.

ووفق الأرقام الرسمية التي تحصلنا عليها، يبلغ أسطول العربات التي ترددت على الفحص الفني خلال سنة 2023، مليون و380 ألفا في حين أنّ العدد النظري وصل إلى 2 مليون و400 ألف عربة ليكون هناك فارق بأكثر من مليون عربة لا يعلم أين توجد.

الإطار التشريعي بالبلاد

وللتذكير فإنه طبقا لتشريع التجارة الخارجية، يخضع توريد قطع الغيار والمحركات المستعملة لترخيص مُسبق من وزارة التجارة وفقا للأمر 1743 لسنة 1994 المتعلق بضبط طرق القيام بعمليات التجارة الخارجية وخاصة الفصل 80 منه، وذلك باعتبارها مُنتجات مُستعملة، وقد شهد هذا القطاع، ثلاث حقبات، انطلقت أولها بالتوريد العشوائي والتجاوزات قبل ثورة الحرية والكرامة، إذْ لم يتم الترخيص حينها في توريد هذه المنتجات وذلك لاعتبارات تهمّ البيئة وبشفافية المعاملات التجارية. واستحوذ أفراد عائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي على توريد هذه المنتجات غير أن نشاطهم  اقتصر على التوسط في توريد قطع الغيار المستعملة لفائدة تجار انتصبوا أساسا بمنزل كامل ثم بالجم مقابل عمولة بلغت 60 ألف دينار للحاوية. أمّا بعد الثورة فقد تولت مصالح الديوانة ولأول مرة حجز حاويات المحركات المستعملة لتنطلق اثر ذلك التحركات الاحتجاجية لتجار قطع الغيار المستعملة مُطالبين بتحرير القطاع.

ليتمّ بعد ذلك وفي حقبة جديدة تنظيم التوريد بمقتضى مقرر وزارة التجارة وانطلق العمل به ابتداء من سنة 2013، وقد تم تنقيحه مرتين بتاريخ 14/5/2014 و27/9/2017، ويتعلق بإحداث لجنة فنية مكلفة بدراسة مطالب رخص توريد المحركات وقطع الغيار المُستعملة المُخصصة للعربات لبيعها على حالتها بالسوق المحلية مع اشتراط عملية التجديد قبل البيع، واعتماد نظام الحصص، المقدر حاليا بـ400 لكل مورد يستجيب للشروط المُحددة، بعد أن كانت في حدود 500، وفق أرقام رسمية.

علما وأنه يمنع توريد كل ما هو "طولة" والاكتفاء بتوريد المحركات والتي تكون مرتبطة بالقطع الآتية: علبة تغيير السرعة (boite a vitesse) ، والمشغل(demarreur)، والمولد الكهربائي (alternateur)، مع إلزام المورد قبل كل عملية توريد عند طلب الحصول على رخصة بتقديم شهادة مسلمة من المصالح المختصة في بلد التصدير تنص على عدم احتواء المحركات وعلب تغيير السرعة والمولدات الكهربائية والمشغلات الموردة، على زيوت تشحيم ومواد خطرة على الصحة والبيئة وفاتورة أولية أصلية مفصلة تحمل هوية المزود الأجنبي وعنوانه ومعرفه الجبائي لدى بلد المنشأ وكافة المعطيات المتعلقة بالبضاعة موضوع التوريد.

كما أن الفصل61 من القانون عدد 71 لسنة 1999 المؤرخ في 26 جويلية 1999 المتعلق بإصدار مجلة الطرقات ينص على انه لا يحوز استعمال أي سيارة أو مجرورة أو نصف مجرورة للجولان إلا إذا كانت تستجيب لقواعد فنية تتعلق خاصة بتشخيصها وأوزانها وأطواقها وحجمها الخارجي وأبعادها وشروط حمولتها وتجهيزها وتهيئتها وشروط ربطها وبتحديد مستويات التلوث والضجيج.

 كما ينص الفصل6، من نفس القانون على انه يمكن لأعوان الشرطة والحرس الوطني وكذلك للأعوان التابعين للوزارتين المكلفتين بالنقل والبيئة المؤهلين للغرض والمحلفين أن يأذنوا عند الاقتضاء بإجراء فحوص فنية عرضية.

وبخصوص جرائم الجولان فان الفصل 85 (نقح بالقانون عدد66 لسنة2009 المؤرخ في 12 أوت 2009) ينص على انه يعاقب بخطية تتراوح من 100 دينار إلى 200 دينار كل مرتكب استعمال عربة تنفث دخانا أو تحدث ضجيجا يتجاوز المقاييس المسموح بها بنسبة تساوي أو تفوق الخمسين بالمائة.

كما انه ووفقا للفصل105 من نفس القانون فانه يتم توقيف العربات على الفور إذا كانت العربة تنفث دخانا أو تحدث ضجيجا يتجاوز المقاييس المسموح بها بنسبة تساوي أو تفوق الخمسين بالمائة،(أضيفت بالقانون 74لسنة2004 المؤرخ في 2 أوت 2004).

هذا وتعمل معظم السيارات والشاحنات بالوقود الأحفوري، مما يجعل النقل مساهمًا رئيسيًا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وخاصةً انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وتمثل العربات، وفق عدد من الدراسات، الجزء الأكبر من احتراق المنتجات القائمة على البترول، مثل البنزين، في محركات الاحتراق الداخلي. وتشير الاتجاهات إلى زيادةٍ كبيرة في استخدام الطاقة لأغراض النقل خلال السنوات القادمة.

وبالتالي يبقى السؤال المطروح اليوم، وخاصة بعد ما صرح به رئيس الجمهورية قيس سعيد، خلال لقائه مُؤخرا رئيس الحكومة احمد الحشاني، حول ضرورة مراجعة عدد من كراسات الشروط التي وُضعت على مقاس اللوبيات التي استأثرت بعدد من القطاعات حتى لا ينافسها فيها أحد واعتبار أن ''هذه الكراسات التي وُصفت بأنها بديل عن التراخيص هي في الواقع احتكار مقنّع وبها شروط لا يستطيع الاستجابة إليها إلا من دأب على المضاربة والإقصاء"، فماذا تنتظر الدولة، ومنها وزارة التجارة لمراجعة كراس الشروط الخاص بنشاط مُوردي المُحركات المُستعملة للسيارات خاصة مع وجود إجماع على أنّ لهذا القطاع الذي بدأ يندثر من الدولة المُصدّرة لهذه القطع، مضار على البيئة والإنسان، ومنها كذلك الاقتصاد الوطني في ظل وجود غموض تام حول نظام الفوترة المعتمد من قبل المُوردين. كما لم تنف أطراف متداخلة أن هذه المحركات متأتية من "خردة" دول أوروبية فنكون متقبّلا سلبيا همه الأول سعر أقل، دون الانتباه للمخاطر الصحية والبيئية.. والتي من المفروض الحفاظ عليها وتجنب تلويث البيئة وتجنب استعمال الأجهزة والآلات الملوثة والتي تسبب انبعاث الغازات الضارة، والعمل على استعمال الطاقة النظيفة... فهل تكون صحة الإنسان أهم من المصالح الضيقة لفئات مُستكرشة؟؟؟

قطاع مُحرّكات السيارات المُستعملة في تونس..   فوضى "مُقننة".. "لوبيات".. مقبرة لخردة أوروبا وتهديد للبيئة والصحة

 

ارتفاع مهول لأسعار قطع الغيار في العالم مع ارتفاع أسعار السيارات.. أزمة توريد وانتظار بالأشهر لاستجلاب قطعة أصلية.. ازدحام السوق بالقطع المقلدة التي لا تتوفر فيها غالبا المواصفات المطلوبة..، الحاجة الملحة لاستعمال السيارة اليوم بصفة دورية.. كل هذا جعل التوجه نحو سوق السيارات المُستعملة أمر حتمي لأغلب أصحاب السيارات..، قطع مستعملة باتت لها أسواق ومناطق خاصة بها يتحول إليها صاحب السيارة غالبا مع الميكانيكي للبحث عن غايته ضمن حطام سيارة أو ضمن محرك مستعمل تم توريده..

توريد قطع غيار السيارات المستعملة ومحركاتها جعل عديد الأسئلة تطرح: هل تخضع هذه المحركات للمراقبة؟ وهل تلبي الحد الأدنى من الشروط والمواصفات التقنية والبيئية؟ وهل تستطيع أن توفر السلامة لسائق السيارة؟.. وماذا عن السوق الموازية التي تنشط فيها تجارة قطع غيار محركات مجهولة المصدر؟...

 تختلف الأجوبة، لكن الكلّ يعلم أنّ "هذه المحركات متأتية من دول أوروبية خاصة فرنسا بعد أن تم إخراجها من الخدمة، لعدة أسباب منها حوادث المرور ونهاية عمرها الافتراضي المسموح به للسيارة أو المحرك، أو لوجود خلل تقني فيها، وتم الاستغناء عنها ووضعها في أماكن لا يمكن وصفها إلا بـ"مقابر" أو"مصبات" قطع غيار السيارات المُستعملة..

نقاط طرحناها في هذا التحقيق الاستقصائي الذي حاولنا فيه إبراز حجم انتشار ظاهرة التجارة المُوازية لمحركات وقطع غيار السيارات المُستعملة ومجهولة المصدر، وتأثيرها على سلامة الأسطول الوطني للعربات وعلى نسبة تجديده وتطوره، وانعكاسات نقص الرقابة والردع على تفاقم أضرارها البيئية والصحية وتضاعف حوادث المرور الخطيرة والقاتلة التي يذهب ضحيتها مئات التونسيين وهي من أرفع المعدلات في العالم..

كما طرحنا في التحقيق فرضية "تورط" الدولة عن غير قصد في انتشار تجاوزات خطيرة في قطاع يتسم بالضبابية وتشابك العلاقات المُريبة بين الجهات المُتداخلة، وذلك من خلال تقنين عملية توريد محركات لا تحترم المُواصفات المطلوبة، وسط "صمت وعدم مراقبة" من الدولة.. فهل أنّ هؤلاء الموردين مسنودين من الدولة أم أنهم ينشطون في إطار مُنظم.. أم أنهم فرضوا عودتهم بقوة القانون بعد أن كان توقف نشاطهم إبان الثورة خاصة أنه قبل ذلك كان مجالا محتكرا من طرف أصهار وأقارب الرئيس الأسبق بن علي الذين تعاملوا مع هذه السوق دون رقيب ولا منافسة؟

كما أنّ الدولة بدورها أصبحت تلجأ بشكل رسمي إلى توريد حافلات نقل مُستعملة من فرنسا أساسا لأسباب مالية واقتصادية عوضا عن تجديد الأسطول وتطوير قطاع النقل..

أما السؤال الأبرز في هذا الخضم، هل من ضمان حقيقي للمواطن.. وهل تحترم تونس المعايير البيئية من خلال استعمال هذه المحركات المُستعملة؟

  تحقيق: عبير الطرابلسي

ولئن كانت نقطة انطلاقنا في هذا التحقيق الاستقصائي من وزارة التجارة وتنمية الصادرات، فإن المديرة العامة للتجارة الخارجية رفضت مدنا بأي تصريح، مُعتبرة أنه لا جديد يُذكر في هذا القطاع، خاصة وأنه كان لنا معها حوار في مارس سنة 2022 قدّمت فيه كل المعطيات مع تأكيدها أنّ القطاع مُنظم ومُقنن بكراس شروط تم وضعه في الغرض.

الديوانة في الموعد

تتعدد الأطراف في هذا الموضوع، وتعتبر الديوانة أحد أهم العناصر المُتداخلة، وقد كان لنا حديث مع الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للديوانة العميد شكري الجبري، الذي قال إن توريد المحركات يخضع لكراس شروط مضبوطة من قبل وزارة التجارة. واعتبر أن التوريد يشمل محركات السيارة بكل مكوناتها وبصفة مُجمعة، علما وأنه يمنع منعا باتا توريد محركات القوارب والبواخر والزوارق السريعة.

كما أكد أنه يمنع توريد المحركات التي تحتوي على زيوت وشحوم مُضرة بالبيئة والصحة، مُشددا على ضرورة أن يتم توريد المحركات التي بها أرقام تسلسلية لمتابعتها.

وبخصوص عملية التوريد، أفاد أنه يجب أن تكون مرفوقة بقائمة مُفصلة بالمحركات بأنواعها وأرقامها التسلسلية.  كما قال إن هنالك عملية مراقبة دقيقة بالميناء إذْ يتم تفتيش المجرورة تفتيشا دقيقا والتثبت إن كانت هنالك "مطالة وطولة" وقطع غيار مُنفصلة باعتبار أن هذه المواد لا يتم توريدها قانونا.. كما يتم التثبت من عدد المحركات المُوردة ومدى تطابقها مع ما يتمّ التصريح به والفواتير المُصاحبة.

 ومن جهة أخرى، أشار الجبري إلى وجود رقابة مرورية في الطرقات باعتبار أن محركات السيارات تخضع لقاعدة إثبات المصدر، مُضيفا أنّه توجد أيضا رقابة في محلات البيع بصفة روتينية للتثبت من الأرقام التسلسلية ومدى مطابقتها مع قائمة التوريد.

وعن عمليات التوريد خلال سنة 2023، قال الجبري أن 570 مؤسسة تولت توريد 29639 محرك سيارة مُستعمل.

وبخصوص الحجز، أعلن حجز 380 محرك سيارة لم يستظهر بوثائق ثبوت المصدر، كما تم حجز 76560 قطعة غيار سيارات دون سند قانوني.

وعندما تكون هنالك أرقام، فكيف تكون قيمة ورقم الأموال المتأتية من هذا القطاع غير متاحة، وكيف لا يمكن ملاحظة ثراء بعض موردي القطاع خاصة في الجهات الداخلية.

كل هذا دفعنا لوضع مطلب نفاذ للمعلومة لدى البنك المركزي للتعرف على عدد الحسابات الجارية بالعملة الصعبة التي تم فتحها سنتي 2022 و2023 من قبل هؤلاء الموردين للقيام بعملية الشراء وكانت النتيجة، وردّا على مطلبنا، أفاد المكلف بالنفاذ إلى المعلومة بالبنك المركزي أنّ "التصاريح التي يوجهها الوسطاء المقبولون إلى البنك المركزي فيما يتعلق بالحسابات المهنية المفتوحة لصالح الأشخاص الطبيعيين والمعنويين تقتصر حصرا على المعرف الجبائي، والرمز الديواني، والتسمية الاجتماعية لتحديد الشركات دون الإشارة إلى قطاع النشاط".

منظمة الأعراف ترفض "الخردة"

 من جهته، أكّد البشير بوجدي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ورئيس الجامعة الوطنية للميكانيك، أهمية محرك السيارة في العربة، مُشيرا إلى أنّه لأسباب مالية تمّ التوجه لسوق المُحركات المُستعملة، غير أنه أكّد رفض منظمة الأعراف توريد المحركات المُستعملة من قبل الموردين حتى وإن تمّ تجديدها..

وواصل بوجدي بالقول:"نحترم رأي الدولة.. ولكن نؤكّد أنّ تونس ليست سوق "خردة للقديم" ومن الصعب اعتبار هذه المحركات صديقة للبيئة"، مُستدركا بالقول: "يبقى إننا مُلزمون بالتوجه لهذه السوق لصعوبة الوضع الاقتصادي بالبلاد.. غير أنه يجب أن نحصل على الضمانات الكافية باعتبار أنّ لا شيء يضمن سلامة استعمال أو صلوحية المحركات المُستعملة".

مصنعو السيارات: لا تعامل مع القطاع

الغرفة النقابية الوطنية لوكلاء ومصنّعي السيارات التابعة لمنظمة الأعراف، أكّدت أنه لا يتم التعامل مع مُوردي المُحركات المُستعملة خاصة وأنّ هؤلاء المُوردين يتعاملون مع "الخرداجية" في الدول الأوروبية وليس مع شركات، مُشيرة إلى وجود ضبابية في التعامل مع هذا الملف.

 كما أكدت انه يمنع على وكلاء ومُصنعي السيارات حتى توريد المحركات المُرسكلة ولو بضمان، والاقتصار فقط على توريد المُحركات الجديدة من المصنعين.

واعتبرت الغرفة أنه وبعد أن كان هذا القطاع حكرا على مجموعة معينة قبل الثورة، وبعد منع هذا النشاط بعد الثورة احتجّ عدد من الذين يشتغلون فيه أمام وزارة التجارة وعند ذلك تم وضع كراس شروط على المقاس ليتركوهم يعملون، حسب نفس المصدر.

وتساءلت الغرفة عن مدى اعتماد نظام "فوترة" من قبل هؤلاء؟ ومدى صحة وجود رقابة حقيقية؟.

الحرس: محجوزات وتفكيك شبكات

من جهته، قال الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني العميد حسام الدين الجبابلي إنّ وحدات الحرس الوطني تمكنت خلال سنة 2023 من حجز 1097 محرك سيارة بين مستعمل ومُهرّب.

وأوضح الجبابلي أنّ عمليات الحجز تمت بمختلف جهات الجمهورية، خاصة بولايات القيروان وصفاقس وقابس ومدنين وسيدي بوزيد وبن عروس وببعض الطرقات السيارة الراجعة بالنظر لتدخلات الحرس الوطني، مُشيرا إلى أن المحركات الجديدة تم حجزها بجهة سيدي بوزيد، بينما تم حجز محركات مُستعملة بكل من قابس والقيروان.

وفي هذا السياق، قال إنّ وحدات الحرس الوطني تمكنت من تفكيك شبكات تقوم بسرقة الشاحنات والسيارات وتتولى تفكيكها في ولاية القيروان، لتقوم ببيع قطع غيار تلك العربات في وقت لاحق.

وفيما يهمّ المحركات المستعملة، قال إنّه يوجد قطاع مُنظم يقوم بتوريد تلك المحركات أو يقتنيها من السوق الداخلية، غير أن العديد يعمل خارج الأطر القانونية، وتم في مناسبات عدة التفطن لذلك خلال عمليات مراقبة إذ لم تكن هناك فواتير في الغرض أو ما يثبت مسك تلك المُحركات.

وذكّر الجبابلي بحصيلة حملة أمنية نفذتها وحدات مناطق إقليم الحرس الوطني ببن عروس بمستودعات "اليهودية" مع بداية سنة 2024، أسفرت عن حجز 17 بطاقة رمادية من أجل عدم الإعلام عن تحطيم عربة وتحرير 6 محاضر عدلية من أجل امتهان نشاط بيع قطع الغيار المستعملة دون رخصة وتحرير 26 محضرا متعلقا بعدم وجود شهادة وقاية وعدم تأمين المسؤولية المدنية من أخطار الحرائق وتحرير محضر عدلي من أجل مسك واستعمال مدلس وبيع ما لا يملك وذلك بعد ضبط عقد بيع مرمي بالتدليس، إضافة إلى حجز 6 وثائق لوسائل مفتش عنها.

مُوردون يتبرؤون من التهم

ومن جانب آخر، أكّد أحد الموردين والذين تحدثنا معهم، مع تسجيل صدّ من قبل هؤلاء ورفضهم الإفصاح عن معطيات تتعلق بعملية التوريد والأسعار الحقيقية عند الاقتناء، وعن جودة محركاتهم.

مورد من جهة منزل كامل قبِل الحديث معنا وأكّد أنه يستورد سنويا 400 محرك مستعمل من فرنسا وتتم عملية التوريد عن طريق ميناء مرسيليا، حيث توجد رقابة دقيقة للمحركات الموردة والتثبت من مدى احترامها للمعايير البيئية، وقال إنّ عملية الاقتناء تتم من الـ"casse"  وأن عملية بيع تلك المحركات في تونس لا تقتضي دائما أن تكون بعد عملية غسل المحرّك باعتبار أن هناك محركات يتم اقتناؤها وتكون جيدة ولا تتطلب ذلك.

كما أشار مورد آخر بجهة الوسط، إلى أنّ القطاع منخرط في عجلة الاقتصاد وأنّ عملية الاقتناءات تتم عن طريق البنوك وفتح حساب جار بالعملة الصعبة، إضافة إلى دفع الموردين للمعاليم الجبائية حسب قيمة الفاتورات إضافة إلى استخلاص 3500 مليم عن كل كلغ من مجموع الشحن وكذلك معلوم خلاص "الحاوية"، وهو ما يُكبّد المُوردين مصاريف إضافية وأعباء تثقل كاهلهم.

وأكّد أن اقتناء المحركات المستعملة من الخارج بأسعار لا تتجاوز أحيانا الـ200 أورو، وأشار آخر إلى أنّ سعر بيع محركات السيارات المُستعملة في تونس هو أقل بكثير من تلك الجديدة هذا إن وُجدت باعتبار تهرّم أسطول النقل بالبلاد وفقدان بعض الأنواع من المُحركات وقطع الغيار.

وتحدث مورد حول مسألة الضمان، التي أكّد أنها تتمّ ولكن لمدة شهر فقط لا أكثر.

وحول حملات الرقابة، قال إنّ الوحدات الديوانية تقوم بالتثبت في البضاعة الموردة بطريقة دقيقة، في حين أن الرقابة من قبل وزارة التجارة تهمّ التثبت من المقر والوثائق الرسمية والفاتورات كلما تم طلب الترخيص الذي تم بمقتضاه توريد المحركات.

وبخصوص اعتماد نظام الفوترة، أفادنا شخص في علاقة بسوق توريد المُحركات المُستعملة أنّها لا تعتمد إلا عند تقديم ملفات طلب تراخيص التوريد أو لخلاص القباضات المالية غير أنها تكون وفقا للمداخيل التي يحددونها".

أوروبا.. قيود جديدة على انبعاثات السيارات

توريد المحركات وقطع غيار السيارات المستعملة يطرح اليوم ضرورة الرجوع إلى القوانين والمعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال في الدول التي تتعامل معها تونس، وحسب ما استقيناه من أهل القطاع، فإن عمليات الاقتناء تتم أكثر من فرنسا وبدرجة اقل إيطاليا وبلجيكا وألمانيا..

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الاتحاد الأوروبي وضع خطة للتخلص التدريجي من مبيعات السيارات الجديدة التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2035، وذلك بغاية الدفع باتجاه شراء سيارات كهربائية بنسبة 100٪. ويعد الحظر المفروض على محركات الاحتراق الداخلي مفتاحًا لخطط الاتحاد الأوروبي الطموحة لتصبح منطقة الاتحاد الأوروبي اقتصادًا “محايدًا مناخيًا” بحلول عام 2050، مع انبعاثات صافية من غازات الاحتباس الحراري. ووفقًا للاتحاد الأوروبي، يتسبب تلوث الهواء المرتبط بالنقل البري في وفاة 70 ألف شخص كل عام.

كما اتفق مفاوضون من برلمان الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في التكتل على فرض قيود جديدة على انبعاثات السيارات والحافلات وغيرها من المركبات تحت اسم "معايير يورو7" إذ تتضمن القواعد الجديدة ولأول مرة، ليس فقط انبعاثات السيارات من غازات العادم مثل أكسيد النيتروجين ولكن أيضا الملوثات الأخرى للبيئة عبر حركة المرور مثل الجزيئات متناهية الصغر الناجمة عن تأكل الإطارات والمكابح. وهو ما يعني أن المركبات الكهربائية والمركبات التي تعمل بوقود الهيدروجين ستخضع أيضا لـ"معايير يورو 7".

كما أقر البرلمان الأوروبي حظر بيع السيارات العاملة بالبنزين والديزل المصدرة لانبعاثات الكربون بحلول 2035 .

ومع بداية سنة 2024، قامت العديد من المدن الفرنسية بتغيير قواعد القيادة فيها أو عبرها خاصة في المناطق ذات الانبعاثات المتخصصة zfe حيث يتوجب على جميع المركبات التي تدخل مناطق zfe أن تضع ملصقا برقم Crit'air (درجة تلويث السيارة للجو) على الزجاج الأمامي لها ويشمل ذلك الدراجات النارية والشاحنات الصغيرة وجميع المركبات ذات اللوحات الأجنبية حتى لو كانت تمر فقط من تلك المناطق حيث سيكون أصحاب السيارات التي لا تحمل ملصقCrit'air عرضة للغرامة المالية في حال مخالفتهم للقوانين.

وفي هذا الإطار، حظرت مدن ليون وغرونوبل وستراسبورغ دخول مركبات 4 Crit'air التي تعمل بالديزيل وتم تسجيلها للمرة الأولى في الفترة الواقعة بين عامي2001 و2006 والمركبات ذات العجلتين المسجلة بين عامي 2006 و2004 كما منعت مدينة ليون سيارات Crit'air من المستوى 5 أيضا من المرور في مناطق zfe  خلال العام الماضي.

أما بالنسبة لغرونوبل فقد منعت مركبات Crit'air من المستوى 4 من القيادة في مناطق zfe من الاثنين إلى الجمعة، ويستثنى من ذلك الأشخاص الذين يقودون سياراتهم للحصول على الخدمات الصحية أو العمال الذين لديهم ساعات عمل معينة أو مركبات العمال، أو الشركات.

وقد خضعت القوانين الجديدة لفترة تجريبية مدتها ستة أشهر لن يتم خلالها فرض غرامات مالية.

وفي السياق ذاته، حظرت ستراسبورغ جميع مركبات Crit'air 4 في مناطق zfe كما حظرت 3 مركبات Crit'air اعتبارا من شهر فيفري الماضي، وسيتم فرض غرامات عالية وذلك بعد فترة تجريبية مدتها عام.

تقادم أسطول الحافلات..  و"المُستعمل" "إيكولوجي"؟؟؟

هذه الترسانة من القوانين الأوروبية وغيرها، تجعل الحافلات تفتقد لعدة معايير تُخوّل لها الجولان في الدول الأوروبية، ومنها فرنسا، فتتوقف عن العمل، غير أنّ بعضها تكون وجهتها تونس، وهو ما سُجّل في عدة مناسبات ببلادنا ولعلّ آخرها الدفعة الأخيرة التي وصلت بلادنا من الحافلات ومنها الذي ستستغله شركة نقل تونس... وهو ما دفعنا للحديث مع أحد إطارات شركة "نقل تونس" لتوضيح عدة نقاط.

وقد أفادنا مصدرنا أن أسطول الحافلات الحالي للشركة يتكون من أسطول مُسند يُقدّر بـ1110 حافلة منها 250 حافلة تتوفّر فيها شروط الإحالة على عدم الاستغلال، وأسطول آخر قابل للاستغلال يبلغ 860 حافلة، تتوزع بين 450 حافلة مُتجوّلة منها 182 حافلة مستعملة، و410 حافلة مُتوقفة بسبب أعطاب مختلفة وسيتمّ إعادة استغلال 140 حافلة أواخر السنة الحالية ليكون عدد الحافلات الجاهزة للاستغلال مع موفى سنة 2024 ما يقرب عن  637 (450 +140+47 (القسط الثاني من الحافلات مستعملة)) دون اعتبار القسط الأخير من صفقة الحافلات المستعملة الذي يتضمّن 131 حافلة.

ويبلغ معدّل عمر الأسطول إلى حدود 31 جانفي 2024، 12,57 سنة ومنها 56% فوق 10 سنوات، فيما يبلغ معدّل عمر الحافلات المستعملة حوالي 20 سنة.

ووفق ذات المصدر فان أسباب تقادم أسطول الحافلات بالشركة يعود إلى تأخير تنفيذ برامج الاقتناءات الجديدة بصفة دورية ومستمرّة بسبب تدهور الوضعية المالية للشركة وتعذّر الحصول على التمويل، بحيث يهم آخر برنامج سنوات 2006-2007-2008 والذي تم تنفيذه خلال سنوات 2010-2011-2012 وقد تضمّن 310 حافلة.. إضافة إلى تعذّر تنفيذ برامج اقتناءات 2009- 2015. وقد تم اقتناء 144 حافلة عادية جديدة دخلت حيز الاستغلال بين أفريل 2016 وجانفي 2017.. هذا إضافة إلى اتخاذ إجراء/ترخيص استثنائي من قبل مجلس وزاري منعقد في شهر جوان 2015 لاقتناء300 حافلة مستعملة من الوكالة المستقلة للنقل بباريس تم استلامها خلال سنوات 2015-2016-2017.

وتجدر الإشارة إلى ضرورة الحصول على ترخيص استثنائي مسبق باعتبار أن التشريع التونسي يمنع توريد العربات المستعملة، كما تمّ الحصول على موافقة اللجنة العليا لمراقبة الصفقات العمومية لإبرام عقد بصيغة التفاوض المباشر مع الوكالة المستقلة للنقل بباريس باعتبار نوعية الحافلات المعروضة للبيع وعددها المتوفّر بالإضافة إلى مقبولية سعر البيع بعد التفاوض.

كما تولت شركة "نقل تونس" إبرام صفقة عامّة عن طريق ديوان التجارة خاصة بشركات النقل العمومي البرّي كانت حصة شركة النقل بتونس 494 حافلة. وقد تم استلام 245 منها (50 حافلة سنة 2017 و33 حافلة سنة 2018 و152 حافلة منها 55 مزدوجة سنة 2019 و10 حافلات مزدوجة سنة 2020) قبل فسخ العقد من قبل شركة النقل بتونس بسبب إخلال المزوّد بالتزاماته.

إضافة إلى ذلك تحصلت "نقل تونس" على موافقة مجلس وزاري منعقد في شهر أفريل 2022 على تقديم طلب لاقتناء 300 حافلة مستعملة من الوكالة المستقلة للنقل بباريس وقد تم في أوت منح ترخيص استثنائي لذلك من قبل رئاسة الحكومة. وقد تم استلام الدفعة الأولى التي تضمّنت 122 حافلة منها 32 مزدوجة بتاريخ 19 أوت 2023 وتم تسلّم الدفعة الثانية يوم الجمعة 9 فيفري 2024 وهي تتضمّن 47 حافلة منها 9 حافلات مزدوجة على أن يتم تسليم بقية الصفقة (131حافلة) موفّى السنة الحالية، مع توخّي الشركة لنفس الإجراءات المعتمدة خلال الصفقة الأولى.

ذات المصادر، أكّد أنّ الحافلات المُستعملة التي تمّ اقتناؤها من فرنسا، هي حافلات إيكولوجية محافظة على البيئة، إذ أنه بالنسبة للصفقة الأولى(2015-2017) فتلك الحافلات تستجيب للمواصفات الأوروبية "Euro 4" المحافظة على البيئة  فهي حافلات معدّلة فنّـيا من خلال تجهيزها بمصفاة جزيئات (filtre à particules) .  وبلغت كلفة هذه الصفقة 9,5 مليون دينار، بينما الصفقة الثانية (2023-2024) والتي تتضمّن 300 حافلة وتبلغ قيمتها16 مليون دينار فتلك الحافلات تستجيب للمواصفات الأوروبية "Euro 5" المحافظة على البيئة. وهي أوّل الحافلات التي تدخل الاستغلال في تونس بهذه المواصفات .

وتجدر الإشارة إلى أنّ السعر الحالي للحافلة العادية الجديدة يتراوح بين 400 و450 ألف دينار في حين يتراوح سعر الحافلة المُزدوجة بين 700 و750 ألف دينار.

كما أفادت مصادرنا أنّ الحافلات المُستعملة المقتناة في الصفقتين، ذات هيكل منخفض (châssis bas) ومجهّـزة بدرج أوتوماتيكي (rampe) لتمكين ذوي الهمم من الصعود إلى الفضاء المهيّأ لهم، كما لا تزال 60 حافلة مستعملة التي تم اقتناؤها في الصفقة الأولى (2015-2017) حيّز الاستغلال بالرغم من أنّ الهدف عند الاقتناء كان استغلالها لمدّة 5 سنوات كأقصى تقدير وذلك بفضل برامج التدخلات والمراقبة الفنية والصيانة الدورية التي تخضع لها.

علما وأنه يتمّ تكوين لجنة فنية ممثلة لوزارة النقل، شركة النقل بتونس والوكالة الفنية للنقل البرّي تتولّى التنقل إلى باريس للقيام بالمعاينة الميدانية واختيار الأفضل من بين الحافلات المعروضة للبيع وإبداء الملاحظات والتوصيات بخصوص عدد منها. هذا ويقع إعداد محضر استلام على مستوى مستودعات الشركة للوقوف على مدى تطبيق البائع لهذه التوصيات، إضافة إلى ذلك يتمّ إخضاع هذه الحافلات إلى المعاينة الفنية من قبل مصالح الوكالة الفنية للنقل البرّي وإتمام الإجراءات الإدارية قبل دخولها حيّز الاستغلال. هذا ويتمّ إخضاع الحافلات إلى اختبار فني ثان ومراقبتها بتونس حال تسلّمها.

 خبير بيئي: تونس "سلّة مهملات"

  أمّا الخبير البيئي حمدي شعبان فقد قال انه بالنسبة لمحركات السيارات المُستعملة، فإن أوروبا ترى في إفريقيا ومن بينها تونس "سلّة مهملات" للتخلص من الآليات والصناعات القديمة التي لا تستجيب لمعايير البيئية الأوروبية بأسعار تفاضلية.

وقال إن هناك احتمالا كبيرا في مُساهمة محركات السيارات المستعملة في تلوث الهواء وخلق مشاكل بيئية.

لكن شعبان استدرك بالقول انه ربما يكون سبب اللجوء إلى هذا الحل محدودية دخل التونسيين باعتبار غلاء أسعار قطع الغيار الجديدة هذا إن توفرت أمام تهرّم أسطول النقل.

وأشار أيضا إلى توجه تونس بسبب وضعها الاقتصادي إلى توريد حافلات مُستعملة، وهي بدورها تحمل محركات مُستعملة، ما يطرح عدة تساؤلات حول ملاءمة هذه الحافلات للمعايير البيئية، وفق قوله.

كما قال انه ربما وقع استغلال الضائقة المعيشية للدول الفقيرة لإتاحة الفرصة لتوريد هذه المحركات التي لا يرى، وفق تعبيره، "أنها تخضع للمعايير البيئية إن وجدت، خاصة وأنّ الفساد مستشري في تونس في عديد هياكل الدولة مع احتمال أن تكون هذه المحركات تساهم في تدهور البيئة ونوعية الهواء بينما تغضّ الدولة الطرف باعتبار محدودية دخل المواطنين".

وواصل بالقول: "حتى لو كانت هنالك رقابة.. فهل تطبق فعليا؟؟.. التساؤلات لا تنتهي خاصة والفساد مستشر منذ دخول المحركات إلى حين تركيبها.. وتوجد أيضا نظرة استعلائية واستعمارية لبعض الدول ورؤيتها إلينا.. ولا نريد أن نتحول إلى ساحة خردة لسيارات الاتحاد الأوروبي.. فهذه المحركات خردة ويجب أن نشاهد وقفة صارمة للدولة والناشطين البيئيين في هذا القطاع الذي لا نوليه اهتماما كبيرا.. فهذه من بين الأشياء المسببة في تلوث الهواء وتدهوره.. ونوعية الهواء اليوم في تونس متوسطة وقريبة من الجيد مقارنة بدول أخرى لكن لو استمر الوضع على حاله ستكون هنالك تداعيات بيئية سلبية وكذلك على صحة المواطن.. ولهذا يجب أن تفرض الدولة معايير جديدة للحفاظ على سلامة البيئة وصحة المواطن وترفض استيراد هكذا محركات خردة".

الكثافة المرورية وانبعاث عوادم السيارات

 ولا حديث عن سلامة صحة المواطن دون بيئة نظيفة، والتقليل من الانبعاثات الملوثة للهواء، وهذه النقطة كانت محور حديثنا مع مسؤول بالوكالة الوطنية لحماية المحيط والذي أفادنا أن هناك شبكة وطنية لمراقبة جودة الهواء بها محطات قارة لمراقبة نوعية الهواء مُتأتية من مصادر ثابتة بمناطق صناعية وأخرى بمناطق عمرانية مثل محطة باب سعدون بتونس العاصمة وهدفها قيس نوعية الهواء بمناطق بها كثافة مرورية، بالإضافة إلى محطة أخرى بمفترق سهلول بسوسة وهناك أخرى متنقلة لمتابعة نوعية الهواء الطلق وأخرى من المصادر الثابتة.

 وبخصوص محطة باب سعدون، قال إنه يتم تسجيل تجاوزات وارتفاع للملوثات مثل الغبار (جزئيات عالقة) وأحادي أكسيد الكربون المتأتي من عمليات الاحتراق خاصة من الساعة 7 إلى الساعة 18، حيث تقل هذه النسب ليلا، كما تقلصت بصفة واضحة زمن أزمة كوفيد-19.

واعتبر محدثنا أن ضغط حركة المرور وكثافتها يتسبب في مزيد الانبعاث من عوادم السيارات.

كما أشار إلى وجود مراقبة فنية على عوادم السيارات والمُحدد بقانون الطرقات، إضافة إلى وجود عمليات مراقبة قطاعية خلال فترات معينة وأخرى حينية تبعا للتبليغات.

وعن الحلول المقترحة، شدد على ضرورة تحيين نسب التلوث المحددة في مجلة الطرقات مع إضافة عوادم أخرى لمحركات السيارات عند عملية الفحص الفني، وكذلك تحيين وتطوير الإطار القانوني للعربات المُستوردة الجديدة وضرورة تطابقها للمعايير الأوروبية التي بلغت "أورو7"، غير أننا في تونس ووفق دراسات سابقة فإننا لا يمكن أن نتجاوز "اورو3"، مُضيفا بأنه لا يمكن لوم مستعمل العربة طالما لا يوجد إطار قانوني مُنظم لهذه المعايير في القوانين التونسية.

كما قال مُحدثنا: "نحن نريد تحسين نوعية تنقل المواطنين ونحن نناضل من أجل تطبيق مخططات المحافظة على نوعية الهواء، وقد استكملنا مرحلة الدراسة في هذا المخطط بتونس الكبرى، حيث ثبت أن 2/3  من المُلوثات مُتأتية من العربات".

ولم يفوت محدثنا الفرصة للتذكير بأن تونس قد أعلنت وضع هدف لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45 بالمائة لغاية عام 2030، وذلك خلال أشغال "كوب 28".

وسائل النقل البري وتلوث الهواء

مسؤول بإدارة حفظ صحة الوسط وحـمايـة المـحيــط بوزارة الصحة، أفادنا أن "تلوث الهواء الخارجي يُعدّ إحدى أكبر مشاكل الصحة البيئية التي يتضرر منها جميع المواطنين المعرضين لهذا التلوث الذي يمكن أن يتأتى من النشاط الصناعي أو وسائل النقل البري من سيارات وشاحنات وحافلات التي تعد المصدر الرئيسي لتلوث الهواء خاصة بالمدن التي تشهد كثافة في حركة المرور حيث تعتبر وسائل النقل من أهم مصادر تلوث الهواء، وتعتبر الانبعاثات الناجمة عن المركبات هي المصدر الرئيسي لتلوث هواء المدن خاصة وأن أعداد المركبات في تزايد مستمر، وينتج احتراق الوقود داخل محركات السيارات العديد من الملوثات ومن أهمها أول أكسيد الكربون، المركبات العضوية الطيارة هيدروكربونات، وأكسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت والجسيمات العالقة بالإضافة إلى مركبات الرصاص السامة الناتجة من العادم عند استخدام وقود البنزين الذي يحتوي على نسبة من الرصاص وغيره من المعادن كمواد إضافية".

كما أشار إلى "الأدلة على الآثار الضارة لتلوث الهواء على الصحة في السنوات الأخيرة" حيث توجد تأثيرات قصيرة المدى، إذ تتفق الدراسات الوطنية والدولية على وجود ارتباط وثيق بين الأوزون والوفيات الكلية والوفيات القلبية التنفسية، والأوزون والاستشفاء لأسباب تنفسية. كما ترتبط المواد العالقة في الهواء PM10 أيضًا بزيادة في الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب وزيادة في حالات العلاج والتوافد بالمستشفيات لأسباب تتعلق بالجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية. هذا وأظهرت الدراسات، وفق ذات المصدر، آثارا صحية أكبر نتيجة للتعرض طويل المدى لتلوث الهواء حيث وجدت أدلة على وجود روابط بين التعرض المزمن للجسيمات أوثاني أكسيد الكبريت، والأمراض القلبية-الرئوية وسرطان الرئة.

وأكّد المسؤول أنّ المصالح المختصة للوزارة تتولى التنسيق مع المؤسسات المعنيّة في مجال القيام بدراسات تتعلق بتقييم نوعية الهواء واتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب تأثيراته السلبية على الصحة وذلك بهدف تعزيز الوقاية من الأمراض ذات العلاقة، حيث بادرت وزارة الصحة بإجراء أول دراسة وطنية خلال سنة 1992 حول الملوثات الكيميائيّة للهواء مكّنت من معرفة الملوثات وترتيبها كما مكّنت من تصنيف المناطق الأكثر عرضة للتلوث وهي على التوالي مدينة قابس، وصفاقس، وقفصة، وبن عروس وبنزرت وان انخفضت نسبة التلوث فإن هذه الولايات لازالت تستوجب مزيدا من البرامج الهادفة إلى دعم مقاومة التلوث الهوائي، وتلتها دراسات أخرى في المجال، حسب مصدرنا.

 كما تمّ خلال سنة 2014 القيام بدراسة لتقييم تأثير التلوث الهوائي على نسبة التوافد على المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي على مستوى تونس الكبرى (أريانة، وتونس، وبن عروس ومنوبة)، وقد بيّنت هذه الدراسة التي تناولت بالدرس المعطيات المتوفرة خلال سنوات 2007، 2008، 2009 و2010 ارتفاعا ملحوظا في التوافد على المستشفيات بسبب الأمراض التنفسيّة خاصّة فيما يتعلّق بمؤشر المواد العالقة.

 وتعتبر الجسيمات العالقة في الهواء من الملوثات التي تسعى وزارة الصحة لمقاومتها وذلك من خلال التنسيق مع الوزارة المكلّفة بالبيئة لوضع برنامج لخفض مستوى التلوث بالنسبة للمؤسسات الصناعيّة الكبرى المتواجدة في بعض المدن الصناعية التونسيّة ووضع مخططات للمحافظة على نوعية الهواء بالمناطق المعرّضة في إطار الإستراتيجية الوطنية للأمراض غير المعدية والوقاية من الأمراض التي يمكن أن تترتب عن ارتفاع هذا المؤشر. وتتجه السياسات الوطنية وفي ظل التغيرات المناخية الحالية للتحول إلى استخدام أنماط نظيفة لتوليد الطاقة الكهربائية، واستخدام مركبات وأنواع وقود منخفضة الانبعاثات، بما في ذلك أنواع الوقود المحتوية على نسب منخفضة من الكبريت والرصاص.

وتعمل وزارة الصحة بالتنسيق مع مختلف الهياكل المتدخلة في هذا الشأن من وزارة النقل ووزارة البيئة ووزارة الصناعة والمختصين في الشأن الصحي على التشجيع على اعتماد سلوكيات سليمة تحد من التلوث الهوائي على غرار، استعمال الدراجات الهوائية، اعتماد المشي كطريقة للحد من استعمال السيارات للتسوق، التقليل من استعمال السيارات للتنقل إلا عند الحالات القصوى، استعمال وسائل النقل العمومي، وتنظيم أيام دون وسائل نقل.

 الوكالة الفنية للنقل البري والتشريعات

 الوكالة الفنية للنقل البري، احد المتداخلين في القطاع، كهيكل رقابة، إذ أكّد لنا مسؤول بالوكالة تهرّم الأسطول الذي بلغ معدل عمره 20 سنة مع عدد كيلومترات كبير جدا، مُعتبرة أنّ موضوع توريد المحركات المستعملة موضوع قديم والمواطنون يلجأون للمحركات المُستعملة بسبب تدهور المقدرة الشرائية، إضافة إلى أن المواطن إذا تحول إلى السوق الجديدة فقد لا يجد محركات بسبب عمر السيارة وهو ما قد يُفسّر توجّه الدولة إلى توريد محركات السيارات المستعملة بهدف الضغط على التكلفة.

وأشار إلى أنّه من الناحية التجارية، فإنّ مُوردي المحركات المُستعملة يُوردون تلك الأكثر استعمالا خاصة التي هي في علاقة بعربات النقل غير المنتظم مثل التاكسي والنقل الريفي إضافة إلى الحافلات والشاحنات، خاصة وأنّ هذا القطاع يدرّ أرباحا كبيرة، والمحركات المستعملة مطلوبة بالسوق فهم يدرسون جيدا المتطلبات ومنهم من يأتي بتلك المحركات من أوروبا خاصة حسب الطلب.

وأضاف مصدرنا أنه ومن الناحية القانونية لا يمكن التساؤل عن أسباب تغيير المحركات من نفس النوع، لكن الإشكال يحدث عند تغيير نوع المحرك من حيث القوة والطاقة وهو ما يعتبر "إدخال تغيير جوهري" ويتطلب تقديم مطلب للمصالح بالوكالة للحصول على ترخيص مسبق وفقا للشروط من حيث مصدر المحرك ومدى تطابق استعماله مع السيارة.

ويعتبر تغييرا جوهريا لعربة سبق قبولها أو تسجيلها بالبلاد التونسية، كل تغيير يتعلق بقاعدة العربة أو ينتج عنه تغيير إحدى الخاصيات الفنية المنصوص عليها بالبيان الوصفي أو بشهادة التسجيل.

وتتمثل هذه التغييرات خاصة في: تغيير الأوزان وإدخال تغيير على القاعدة أو تعويضها وإضافة طاقة جديدة وتعويض المحرك والتخفيض أو الترفيع في عدد البقاع..

وأكّد ذات المصدر، أنه عند إدخال أي تغيير جوهري يجب الحصول على ترخيص ولا يوجد رقم خاص بعدد الذين تولوا تغيير محركات السيارات باعتبار أنّ القانون ينص على تحديد وجود تغيير فقط، مشيرا إلى أن اقل رقم في التغييرات الجوهرية يتمثل في تغيير المحركات.

كما اعتبر أنّ المنظومة الجديدة ستكون محددة وسيتم التنصيص فيها على طبيعة التغيير خاصة أنه لا يمكن الانتباه عند تغيير المحرك بآخر بنفس السعة والنوع، مُشيرا إلى أنّ التغيير الجوهري دن ترخيص يترتب عنه محضر عدلي وإعادة العربة لطبيعتها.

وفي سياق آخر، أشار مصدرنا إلى أنّه يتمّ خلال عملية الفحص الفني قيس الانبعاثات المتأتية من العربة، حيث يقع المرور بجميع الأجهزة.

وحول ما يتداول بشأن تعطّب عدد من هذه الآلات ببعض المراكز ورغم ذلك تتحصل العربات على شهادة الفحص الفني، قال مصدرنا إنه يوجد 30 مركز فحص فني بها 86 رواقا بكل واحد أجهزة قيس تلوث وحتى إن سجّل عطب فلا يبقى لمدة طويلة حيث تمّ منذ سنة 2021 تغيير 44 رواقا بأجهزة حديثة، مُؤكّدا أنّ رئيس المركز هو المسؤول عن سلامة العربة وعلى استكمالها كل مراحل الفحص الفني وهو ما يحتمه نظام الجودة في خدمات الوكالة الفنية للنقل البري.

كما أضاف، أنّ 32  بالمائة من جملة الاعطاب التي تؤجل من اجلها العربة خلال عملية الفحص الفني هي التلوث، مُشيرا إلى أنّ الرقابة في علاقة باحترام المعايير البيئية موجودة، وأنّ السيارات الجديدة لا تؤجل بسبب التلوث لكن بالنسبة للسيارات القديمة فيمكن تأجيل حصول العربة على الفحص الفني بسبب غاز أكسيد الكربون إذ تجاوزت نسبته الـ4.5 بالمائة وهو رقم يبقى مرتفعا ويوجد تفكير جدي لتغيير هذه النسبة بالتنسيق مع سلطة الإشراف أي وزارة النقل.

وأكّد أن أي عملية تتم عن طريق الآلات الموجودة بمراكز الفحص الفني لا يمكن أن يتدخل فيها أي طرف ولا يتمّ التلاعب فيها، لتبقى الرقابة العينية محل تثبت.

وحول وجود سماسرة أمام مقرات مراكز الفحص الفني، ردّ بالقول: "لا أجزم ولا أنفي تورط أعواننا.. وكل شبهة يفتح فيها تحقيق وتسلّط عقوبات، إذ تشمل عقوبات الطرد ما بين 6 أو 5 أعوان في السنة صلب الوكالة الفنية للنقل البري.. وقد راسلنا وزارة الداخلية في شأن سماسرة تتواجد أمام المراكز الفنية، ولكن لا يمكن توفير فرق أمنية قارة أمام كل مركز فحص فني"، قائلا إنه يوجد سماسرة أمام مراكز الفحص الفني تتولى ابتزاز المواطنين عبر إيهامهم بإمكانية التدخل لفائدتهم، ودعت الوكالة المواطنين إلى الاتصال برئيس مركز الفحص الفني وأن لا يتواصلوا مع أي شخص خارج المركز.

ومن جهة أخرى، أشارت الوكالة إلى وجود فئة من المواطنين تقوم بكراء بعض قطع غيار السيارة لإيهام الفنيين بمركز الفحص الفني بأن العربة في وضعية جيدة، معتبرة أن هذه ظاهرة جديدة ويتم توفير هذه القطع في الغالب من محلات بيع غيار السيارات خاصة أمام ارتفاع أسعارها.

ووفق الأرقام الرسمية التي تحصلنا عليها، يبلغ أسطول العربات التي ترددت على الفحص الفني خلال سنة 2023، مليون و380 ألفا في حين أنّ العدد النظري وصل إلى 2 مليون و400 ألف عربة ليكون هناك فارق بأكثر من مليون عربة لا يعلم أين توجد.

الإطار التشريعي بالبلاد

وللتذكير فإنه طبقا لتشريع التجارة الخارجية، يخضع توريد قطع الغيار والمحركات المستعملة لترخيص مُسبق من وزارة التجارة وفقا للأمر 1743 لسنة 1994 المتعلق بضبط طرق القيام بعمليات التجارة الخارجية وخاصة الفصل 80 منه، وذلك باعتبارها مُنتجات مُستعملة، وقد شهد هذا القطاع، ثلاث حقبات، انطلقت أولها بالتوريد العشوائي والتجاوزات قبل ثورة الحرية والكرامة، إذْ لم يتم الترخيص حينها في توريد هذه المنتجات وذلك لاعتبارات تهمّ البيئة وبشفافية المعاملات التجارية. واستحوذ أفراد عائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي على توريد هذه المنتجات غير أن نشاطهم  اقتصر على التوسط في توريد قطع الغيار المستعملة لفائدة تجار انتصبوا أساسا بمنزل كامل ثم بالجم مقابل عمولة بلغت 60 ألف دينار للحاوية. أمّا بعد الثورة فقد تولت مصالح الديوانة ولأول مرة حجز حاويات المحركات المستعملة لتنطلق اثر ذلك التحركات الاحتجاجية لتجار قطع الغيار المستعملة مُطالبين بتحرير القطاع.

ليتمّ بعد ذلك وفي حقبة جديدة تنظيم التوريد بمقتضى مقرر وزارة التجارة وانطلق العمل به ابتداء من سنة 2013، وقد تم تنقيحه مرتين بتاريخ 14/5/2014 و27/9/2017، ويتعلق بإحداث لجنة فنية مكلفة بدراسة مطالب رخص توريد المحركات وقطع الغيار المُستعملة المُخصصة للعربات لبيعها على حالتها بالسوق المحلية مع اشتراط عملية التجديد قبل البيع، واعتماد نظام الحصص، المقدر حاليا بـ400 لكل مورد يستجيب للشروط المُحددة، بعد أن كانت في حدود 500، وفق أرقام رسمية.

علما وأنه يمنع توريد كل ما هو "طولة" والاكتفاء بتوريد المحركات والتي تكون مرتبطة بالقطع الآتية: علبة تغيير السرعة (boite a vitesse) ، والمشغل(demarreur)، والمولد الكهربائي (alternateur)، مع إلزام المورد قبل كل عملية توريد عند طلب الحصول على رخصة بتقديم شهادة مسلمة من المصالح المختصة في بلد التصدير تنص على عدم احتواء المحركات وعلب تغيير السرعة والمولدات الكهربائية والمشغلات الموردة، على زيوت تشحيم ومواد خطرة على الصحة والبيئة وفاتورة أولية أصلية مفصلة تحمل هوية المزود الأجنبي وعنوانه ومعرفه الجبائي لدى بلد المنشأ وكافة المعطيات المتعلقة بالبضاعة موضوع التوريد.

كما أن الفصل61 من القانون عدد 71 لسنة 1999 المؤرخ في 26 جويلية 1999 المتعلق بإصدار مجلة الطرقات ينص على انه لا يحوز استعمال أي سيارة أو مجرورة أو نصف مجرورة للجولان إلا إذا كانت تستجيب لقواعد فنية تتعلق خاصة بتشخيصها وأوزانها وأطواقها وحجمها الخارجي وأبعادها وشروط حمولتها وتجهيزها وتهيئتها وشروط ربطها وبتحديد مستويات التلوث والضجيج.

 كما ينص الفصل6، من نفس القانون على انه يمكن لأعوان الشرطة والحرس الوطني وكذلك للأعوان التابعين للوزارتين المكلفتين بالنقل والبيئة المؤهلين للغرض والمحلفين أن يأذنوا عند الاقتضاء بإجراء فحوص فنية عرضية.

وبخصوص جرائم الجولان فان الفصل 85 (نقح بالقانون عدد66 لسنة2009 المؤرخ في 12 أوت 2009) ينص على انه يعاقب بخطية تتراوح من 100 دينار إلى 200 دينار كل مرتكب استعمال عربة تنفث دخانا أو تحدث ضجيجا يتجاوز المقاييس المسموح بها بنسبة تساوي أو تفوق الخمسين بالمائة.

كما انه ووفقا للفصل105 من نفس القانون فانه يتم توقيف العربات على الفور إذا كانت العربة تنفث دخانا أو تحدث ضجيجا يتجاوز المقاييس المسموح بها بنسبة تساوي أو تفوق الخمسين بالمائة،(أضيفت بالقانون 74لسنة2004 المؤرخ في 2 أوت 2004).

هذا وتعمل معظم السيارات والشاحنات بالوقود الأحفوري، مما يجعل النقل مساهمًا رئيسيًا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وخاصةً انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وتمثل العربات، وفق عدد من الدراسات، الجزء الأكبر من احتراق المنتجات القائمة على البترول، مثل البنزين، في محركات الاحتراق الداخلي. وتشير الاتجاهات إلى زيادةٍ كبيرة في استخدام الطاقة لأغراض النقل خلال السنوات القادمة.

وبالتالي يبقى السؤال المطروح اليوم، وخاصة بعد ما صرح به رئيس الجمهورية قيس سعيد، خلال لقائه مُؤخرا رئيس الحكومة احمد الحشاني، حول ضرورة مراجعة عدد من كراسات الشروط التي وُضعت على مقاس اللوبيات التي استأثرت بعدد من القطاعات حتى لا ينافسها فيها أحد واعتبار أن ''هذه الكراسات التي وُصفت بأنها بديل عن التراخيص هي في الواقع احتكار مقنّع وبها شروط لا يستطيع الاستجابة إليها إلا من دأب على المضاربة والإقصاء"، فماذا تنتظر الدولة، ومنها وزارة التجارة لمراجعة كراس الشروط الخاص بنشاط مُوردي المُحركات المُستعملة للسيارات خاصة مع وجود إجماع على أنّ لهذا القطاع الذي بدأ يندثر من الدولة المُصدّرة لهذه القطع، مضار على البيئة والإنسان، ومنها كذلك الاقتصاد الوطني في ظل وجود غموض تام حول نظام الفوترة المعتمد من قبل المُوردين. كما لم تنف أطراف متداخلة أن هذه المحركات متأتية من "خردة" دول أوروبية فنكون متقبّلا سلبيا همه الأول سعر أقل، دون الانتباه للمخاطر الصحية والبيئية.. والتي من المفروض الحفاظ عليها وتجنب تلويث البيئة وتجنب استعمال الأجهزة والآلات الملوثة والتي تسبب انبعاث الغازات الضارة، والعمل على استعمال الطاقة النظيفة... فهل تكون صحة الإنسان أهم من المصالح الضيقة لفئات مُستكرشة؟؟؟

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews