إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الحشاشين وفكرة تغيير العالم (2/2)

أخطر ما جاءت به حركة الحشاشين هي فكرة العمل السري واستعمال وسيلة التخفي والتقية والتكتم والحيلة وخاصة استعمال القتل والتصفية الجسدية للمخالفين والمعارضين

رغم كل الجدل حول الكثير من المعطيات التاريخية التي أبرزها مسلسل الحشاشين والتي لا تلقى إجماعا حولها وأبرزها الأستاذ الدكتور خالد حسن محمود الذي ترأس فريق المراجعة التاريخية وكان قد صرح أنه فوجئ بعد مشاهدته للمسلسل بهذا الكم الكبير من الأخطاء بعد أن قدم وفريق عمله للقائمين على هذا العمل الدرامي مراجعة دقيقة للأحداث التاريخية ولكن تم تجاهلها ولم يؤخذ بها ليتم إلقاء هذه المراجعة في سلة المهملات – كما قال - وتم التنفيذ برؤية خاصة بصناع المسلسل الذي اعتبره كارثيا، وهو جدل يتعلق بحقيقة التقاء أبو علي الطوسي المعروف بنظام الملك أهم وزير في الدولة السلجوقية والشاعر والعالم والفيلسوف عمر الخيام وحسن الصباح مؤسس أخطر حركة باطنية وتعاهدهم في فترة شبابهم على أن الذي يصل أولا للملك يمد يده للآخرين وهي مسألة تاريخية دقيقة ينفيها الكثير من المهتمين بالتاريخ ومسألة تعاطي اتباع هذه الحركة الحشيش المخدر حتى يتمكن أتباعها من تنفيذ الأعمال التي يكلفون بها ومسألة التفصي من الالتزامات الدينية وتعاطي المحرمات وممارسة الجنس بناء على تأويل ديني باطني ومسألة الخوارق والخرافات والتنبؤ بالغيب والقدرة على كشفه والكرامات التي يمتلكها حسن الصباح وأظهرها المسلسل ومسألة اشتهار حركة الحشاشين بالقتل وتصفية المعارضين وأنها في العمق حركة دموية إرهابية تقوم على القتل وتصفية المعارضين لها ، إذا تجاوزنا كل هذه النقاط الخلافية التي تشكل الجدل الحاد الذي أشعله هذا المسلسل في العالم العربي وحتى الغربي بما أنه يبث في عدة دول أوروبية فإن اللافت الذي نخرج به هو أن حسن الصباح أراد تأسيس حركة سرية تابعة للفكر الباطني الشيعي بحثا عن معنى وغاية جديدتين للحياة وحقيقة أخرى للوجود وعن طريق جديد للإنسان المؤمن من خارج الدائرة السنية ومن خارج الولاء للخلافة العباسية ومن خارج المعرفة الدينية التي ينشرها فقهاء السنة وعلماؤها. أراد البحث عن حقيقة مختلفة عما تفكر فيه العامة والدهماء المتحالفة مع حكامها وعلمائها السنيين أراد من وراء انتمائه للفكر الباطني القائم على فكرة التأويل للنصوص الدينية المقدسة باعتماد آلية الظاهر والباطن ومن خلال فكرة أن للنص الديني معنى ظاهرا وآخر باطنا لا يمكن فهمه ومعرفة حقيقته إلا من بعد تجاوز فهمه الظاهر وعدم الاكتفاء بما تقدمه ظاهر النصوص وفكرة أن للنصوص أسرارا مكنونة وإشارات خفية ومعان باطنية لا تفقهها إلا النخبة من أهل المعرفة بالله تعالى وفكرة أن التكاليف الشرعية من أوامر ونواه لا تؤخذ وتحمل على الظاهر وأن العبادات والشعائر الدينية تفسر على أنها رموز واسرار وتأويلات باطنية خفية يجب البحث عنها ولا يتقيد بما تقدمه ظاهر هذه العبادات، أراد من وراء هذه الأيديولوجيا الدينية فهم العالم وتغييره.

لقد أراد إصلاح الأوضاع المتردية التي عرفها العالم الإسلامي في فترة تراجعه وانحداره ونشر العدل الاجتماعي والدعوة إلى إسعاد الناس وتوفير حاجياتهم الأساسية وأولها الأمن النفسي والغذائي انطلاقا من هذه المعرفة ومن خلال هذا الفكر وهذه العقيدة التي اعتبرت أخطر ما يهدد الدين الإسلامي حينما أخرج نصوصه المقدسة من الفهم الأول الذي قامت عليه في زمن المعلم الأول والمؤسس الأول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .

 كما أعتبر أن أخطر ما جاءت به حركة الحشاشين هي فكرة العمل السري والعمل على نشر المذهب والأفكار والمعتقد الديني والسياسي خارج الفضاء العلني وباستعمال وسيلة التخفي والتقية والتكتم والحيلة وانتهاز الفرص وخاصة استعمال القتل والتصفية الجسدية للمخالفين والمعارضين وهي مسألة وإن حام حولها جدل كبير إلا أنها لصقت بهم .

الأخطر من كل هذا الذي ذكرناه ما يردده الكثيرون من أن الحشاشين ليست فكرة لجماعة ظهرت في فترة من التاريخ في سياقات معلومة وزمن عمت فيه الفوضى في كل شيء وفكرة بدأت وانتهت مع موت صاحبها والقضاء على أتباعه وهدم قلعتهم وإنما الحشاشون هي فكرة مازلت حية بيننا نجدها عند الكثير من المنظمات السرية والمذاهب المتخفية في العالم تحت يافطات كثيرة هي مواصلة لفكر الحشاشين واستمرارا لنفس فكرة التأسيس الباطني الشيعي الأول الذي يعمل على تقويض كل حكم غير حكم الشيعة ونشر العقيدة وفكر آل البيت بقراءات متطرفة خطيرة .. الخطير في الانطباع الذي تشكل حول حركة الحشاشين من كونها دعوة مجهولة من أجل مجهول وإمام مقتول عائد من أجل غاية لا أحد يعلمها وليس له من حلقة وصل إلا حسن الصباح.

الخطير في الربط بين حركة الحشاشين كما ظهرت وكما يروج لها وبين ما يعرف بالدولة العالمية الخفية التي لا نعلمها ولا نعلم من ورائها هي من تدير العالم اليوم في الخفاء ولها اتباع نافذون في كل الهيئات والمنظمات والمحافل يعملون في السر ويبشرون بأفكارهم على طريقة الحشاشين ويسيطرون على كل شيء بيننا ويتحكمون في حياتنا وإراداتنا..رؤية للتدبر لمسلسل تناول أبطال وأباطيل من وحي التاريخ كما قال عنه مخرجه بيتر ميمي.

 

 

 

 

الحشاشين وفكرة تغيير العالم (2/2)

أخطر ما جاءت به حركة الحشاشين هي فكرة العمل السري واستعمال وسيلة التخفي والتقية والتكتم والحيلة وخاصة استعمال القتل والتصفية الجسدية للمخالفين والمعارضين

رغم كل الجدل حول الكثير من المعطيات التاريخية التي أبرزها مسلسل الحشاشين والتي لا تلقى إجماعا حولها وأبرزها الأستاذ الدكتور خالد حسن محمود الذي ترأس فريق المراجعة التاريخية وكان قد صرح أنه فوجئ بعد مشاهدته للمسلسل بهذا الكم الكبير من الأخطاء بعد أن قدم وفريق عمله للقائمين على هذا العمل الدرامي مراجعة دقيقة للأحداث التاريخية ولكن تم تجاهلها ولم يؤخذ بها ليتم إلقاء هذه المراجعة في سلة المهملات – كما قال - وتم التنفيذ برؤية خاصة بصناع المسلسل الذي اعتبره كارثيا، وهو جدل يتعلق بحقيقة التقاء أبو علي الطوسي المعروف بنظام الملك أهم وزير في الدولة السلجوقية والشاعر والعالم والفيلسوف عمر الخيام وحسن الصباح مؤسس أخطر حركة باطنية وتعاهدهم في فترة شبابهم على أن الذي يصل أولا للملك يمد يده للآخرين وهي مسألة تاريخية دقيقة ينفيها الكثير من المهتمين بالتاريخ ومسألة تعاطي اتباع هذه الحركة الحشيش المخدر حتى يتمكن أتباعها من تنفيذ الأعمال التي يكلفون بها ومسألة التفصي من الالتزامات الدينية وتعاطي المحرمات وممارسة الجنس بناء على تأويل ديني باطني ومسألة الخوارق والخرافات والتنبؤ بالغيب والقدرة على كشفه والكرامات التي يمتلكها حسن الصباح وأظهرها المسلسل ومسألة اشتهار حركة الحشاشين بالقتل وتصفية المعارضين وأنها في العمق حركة دموية إرهابية تقوم على القتل وتصفية المعارضين لها ، إذا تجاوزنا كل هذه النقاط الخلافية التي تشكل الجدل الحاد الذي أشعله هذا المسلسل في العالم العربي وحتى الغربي بما أنه يبث في عدة دول أوروبية فإن اللافت الذي نخرج به هو أن حسن الصباح أراد تأسيس حركة سرية تابعة للفكر الباطني الشيعي بحثا عن معنى وغاية جديدتين للحياة وحقيقة أخرى للوجود وعن طريق جديد للإنسان المؤمن من خارج الدائرة السنية ومن خارج الولاء للخلافة العباسية ومن خارج المعرفة الدينية التي ينشرها فقهاء السنة وعلماؤها. أراد البحث عن حقيقة مختلفة عما تفكر فيه العامة والدهماء المتحالفة مع حكامها وعلمائها السنيين أراد من وراء انتمائه للفكر الباطني القائم على فكرة التأويل للنصوص الدينية المقدسة باعتماد آلية الظاهر والباطن ومن خلال فكرة أن للنص الديني معنى ظاهرا وآخر باطنا لا يمكن فهمه ومعرفة حقيقته إلا من بعد تجاوز فهمه الظاهر وعدم الاكتفاء بما تقدمه ظاهر النصوص وفكرة أن للنصوص أسرارا مكنونة وإشارات خفية ومعان باطنية لا تفقهها إلا النخبة من أهل المعرفة بالله تعالى وفكرة أن التكاليف الشرعية من أوامر ونواه لا تؤخذ وتحمل على الظاهر وأن العبادات والشعائر الدينية تفسر على أنها رموز واسرار وتأويلات باطنية خفية يجب البحث عنها ولا يتقيد بما تقدمه ظاهر هذه العبادات، أراد من وراء هذه الأيديولوجيا الدينية فهم العالم وتغييره.

لقد أراد إصلاح الأوضاع المتردية التي عرفها العالم الإسلامي في فترة تراجعه وانحداره ونشر العدل الاجتماعي والدعوة إلى إسعاد الناس وتوفير حاجياتهم الأساسية وأولها الأمن النفسي والغذائي انطلاقا من هذه المعرفة ومن خلال هذا الفكر وهذه العقيدة التي اعتبرت أخطر ما يهدد الدين الإسلامي حينما أخرج نصوصه المقدسة من الفهم الأول الذي قامت عليه في زمن المعلم الأول والمؤسس الأول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .

 كما أعتبر أن أخطر ما جاءت به حركة الحشاشين هي فكرة العمل السري والعمل على نشر المذهب والأفكار والمعتقد الديني والسياسي خارج الفضاء العلني وباستعمال وسيلة التخفي والتقية والتكتم والحيلة وانتهاز الفرص وخاصة استعمال القتل والتصفية الجسدية للمخالفين والمعارضين وهي مسألة وإن حام حولها جدل كبير إلا أنها لصقت بهم .

الأخطر من كل هذا الذي ذكرناه ما يردده الكثيرون من أن الحشاشين ليست فكرة لجماعة ظهرت في فترة من التاريخ في سياقات معلومة وزمن عمت فيه الفوضى في كل شيء وفكرة بدأت وانتهت مع موت صاحبها والقضاء على أتباعه وهدم قلعتهم وإنما الحشاشون هي فكرة مازلت حية بيننا نجدها عند الكثير من المنظمات السرية والمذاهب المتخفية في العالم تحت يافطات كثيرة هي مواصلة لفكر الحشاشين واستمرارا لنفس فكرة التأسيس الباطني الشيعي الأول الذي يعمل على تقويض كل حكم غير حكم الشيعة ونشر العقيدة وفكر آل البيت بقراءات متطرفة خطيرة .. الخطير في الانطباع الذي تشكل حول حركة الحشاشين من كونها دعوة مجهولة من أجل مجهول وإمام مقتول عائد من أجل غاية لا أحد يعلمها وليس له من حلقة وصل إلا حسن الصباح.

الخطير في الربط بين حركة الحشاشين كما ظهرت وكما يروج لها وبين ما يعرف بالدولة العالمية الخفية التي لا نعلمها ولا نعلم من ورائها هي من تدير العالم اليوم في الخفاء ولها اتباع نافذون في كل الهيئات والمنظمات والمحافل يعملون في السر ويبشرون بأفكارهم على طريقة الحشاشين ويسيطرون على كل شيء بيننا ويتحكمون في حياتنا وإراداتنا..رؤية للتدبر لمسلسل تناول أبطال وأباطيل من وحي التاريخ كما قال عنه مخرجه بيتر ميمي.

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews