إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد.. لماذا يريد بايدن جر إيران إلى الحرب؟

 

 كثيرة هي المؤشرات التي باتت تدفع إلى محاولات تحويل الأنظار عن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ أكثر من ستة أشهر وتوجيهها بدلا من ذلك إلى إيران واعتبارها الخطر الداهم الذي يتعين على إسرائيل وأمريكا مواجهته دون تأجيل.. صحيح أن طهران وجهت أكثر من رسالة تهديد بأنها بصدد الإعداد لرد انتقامي على القصف الإسرائيلي الذي استهدف قنصليتها في العاصمة السورية دمشق واستهدف سبعة من ضباط الحرس الثوري الإيراني، وصحيح أيضا أن وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان استبق الأحداث معتبرا أن أي رد قد تقدم عليه بلاده سيكون "دفاعا مشروعا لمعاقبة المعتدي".

وقبل ذلك كان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، قال إن إسرائيل "ارتكبت خطأ" عندما قتلت الجنرال زاهدي، قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان.. وهذه التصريحات وغيرها جعلت أغلب العواصم الغربية تعلن حالة الاستنفار والتأهب تحسبا لكل التطورات المحتملة.. وطبعا تحركت ديبلوماسية الهواتف من برلين إلى باريس تحث إيران على ضبط النفس وعدم الانجرار إلى الرد العسكري بعد العملية العسكرية الإسرائيلية قبل أيام على مقر قنصليتها في سوريا وهي حتما ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بعد أن طبعت إسرائيل مع هذه الاعتداءات المتتالية من سوريا إلى العراق دون أن تجد رادعا على ذلك..

الواقع أن حالة الاستنفار في المنطقة وتعجيل واشنطن بإعادة إرسال سفنها الحربية إلى المتوسط لم تكن من فراغ وهي نتيجة مباشرة للقصف الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق في عملية أعلنت واشنطن أنها لم تمنح إيران عليها الضوء الأخضر وعلمت بها قبل دقائق من تنفيذها عندما كانت الطائرات الإسرائيلية في الجو.. وقناعتنا أن الإشكال الحقيقي والخطير ليس في معرفة واشنطن بقصف القنصلية الإيرانية من عدمه فالأهداف الإسرائيلية والأمريكية واحدة ولا تختلف لعبة المصالح بين واشنطن وتل أبيب ولكن الخطر الحقيقي والمتكرر أن الولايات المتحدة الحليف الأساسي والأهم للكيان الإسرائيلي دأبت على القبول بكل ما تقوم به إسرائيل مهما تعارضت مع مبادئ القانون الدولي ومعاهدات فيينا، ومهما خرقت وانتهكت حصانة الأشخاص والمواقع الدبلوماسية بالكامل.. وهو ما جعل الحليف الإسرائيلي بكل ما يقترفه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني أو في الأراضي السورية والعراقية وفي كل مكان تصله يد الموساد محصنة من أي ملاحقة أو عقاب..

المثير في الحالة الراهنة أن الإدارة الأمريكية من أطلقت التحذيرات منذ أول أمس الجمعة من استعداد إيران للقيام بعملية عسكرية وشيكة ضد إسرائيل وأن واشنطن عادت لتعلن لاحقا على لسان الرئيس بايدن ووزير الدفاع الأمريكي أوستن أنها لن تترك إسرائيل وحدها في هذه المواجهة وأنها ستتصدى لأي عملية تستهدف إسرائيل وهو ما يضعنا أمام افتراضين، وأولهما أن تكون واشنطن رصدت فعلا استعدادات إيران للانتقام من إسرائيل بعد تكرر الاعتداءات على مصالحها حفاظا على مصداقيتها أمام الرأي العام الإيراني الداخلي، ولكن أيضا أمام الرأي العام الدولي والتأكيد على أن إيران ليست بالضعف الذي تعتقده إسرائيل.. أما الافتراض الثاني ونحسبه الأقرب إلى الواقع فان إيران أظهرت حتى الآن الكثير من ضبط النفس والهدوء وتجنبت التشنج والانسياق وراء أي رد فعل غير محسوب بعد تعرض قنصليتها للقصف على عكس ما توقعته أمريكا وإسرائيل والأرجح أن إيران لا تريد الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل وهذا ليس هدفها وليس من مصلحتها وعموما فان دورها بقي حتى هذه المرحلة من العدوان المستمر على غزة منذ أكثر من ستة أشهر عن بعد، ولكن يبدو أن هناك إصرارا متعمدا على استفزاز إيران لإقحامها في الحرب ودفعها دفعا إلى القيام بعمل عسكري انتقامي ضد إسرائيل ومن ثمة توفر كل الأسباب لجر إيران إلى الحرب ودفع الجيش الإيراني لإخراج ما لديه من سلاح والدخول في سيناريو قد لا يختلف كثيرا عن سيناريو اجتياح العراق للوصول إلى تدمير القوات الإيرانية بعد تدمير القوات العراقية والسورية بعد تحييد مصر بفضل اتفاقيات كامب دايفيد.. لكن الواقع أيضا أن حسابات واشنطن وإسرائيل قد لا تكون مضمونة بالنظر إلى عدم توفر كل المعلومات المطلوبة بشأن القدرات العسكرية الإيرانية التي لا يمكن التقليل من شأنها أو الاستهانة بها تماما كما كان الحال مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتعويل واشنطن والغرب عموما على انهيار وسقوط الجيش الروسي خلال أسابيع قبل أن تنهار كل التوقعات.. وها أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا تدخل عامها الثالث على التوالي ولا يزال زيلنسكي يتوسل الغرب لتقديم مزيد من السلاح له..

سيكون من الغباء والسذاجة الاعتقاد أن ظهور المرشد الأعلى بإيران، علي خامنئي وبندقية كانت على منصة خطبة الجمعة وراء الاستنفار والتأهب الحاصل في المنطقة..

كسبت إيران جولة أولى من خلال الإجماع الدولي على إدانة العدوان الإسرائيلي على قنصليتها واعتباره عدوانا على الأراضي الإيرانية، إلا أن مجلس الأمن الدولي لم يذهب إلى حد إدانة ما أقدمت عليه إسرائيل بما يشكك في التصريحات الأمريكية السابقة بعدم علمها بالعملية الإسرائيلية..

جر إيران إلى المواجهة عملية مدروسة في أهدافها الآنية والمستقبلية وستمنح إسرائيل الوقت لإنهاء مخططاتها في غزة وتمنح ناتنياهو بدوره فرصة تجنب الانهيار والسقوط والملاحقة في الداخل والخارج وهي يعني بكل بساطة محاولات تحويل الأنظار عن الجرائم الإسرائيلية والإبادة الجماعية المستمرة في غزة.. حقائق لا نخالها تغيب عن أعين مراقب ولا عن حسابات إيران والجيش الإيراني...

اسيا العتروس

 

 

 كثيرة هي المؤشرات التي باتت تدفع إلى محاولات تحويل الأنظار عن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ أكثر من ستة أشهر وتوجيهها بدلا من ذلك إلى إيران واعتبارها الخطر الداهم الذي يتعين على إسرائيل وأمريكا مواجهته دون تأجيل.. صحيح أن طهران وجهت أكثر من رسالة تهديد بأنها بصدد الإعداد لرد انتقامي على القصف الإسرائيلي الذي استهدف قنصليتها في العاصمة السورية دمشق واستهدف سبعة من ضباط الحرس الثوري الإيراني، وصحيح أيضا أن وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان استبق الأحداث معتبرا أن أي رد قد تقدم عليه بلاده سيكون "دفاعا مشروعا لمعاقبة المعتدي".

وقبل ذلك كان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، قال إن إسرائيل "ارتكبت خطأ" عندما قتلت الجنرال زاهدي، قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان.. وهذه التصريحات وغيرها جعلت أغلب العواصم الغربية تعلن حالة الاستنفار والتأهب تحسبا لكل التطورات المحتملة.. وطبعا تحركت ديبلوماسية الهواتف من برلين إلى باريس تحث إيران على ضبط النفس وعدم الانجرار إلى الرد العسكري بعد العملية العسكرية الإسرائيلية قبل أيام على مقر قنصليتها في سوريا وهي حتما ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بعد أن طبعت إسرائيل مع هذه الاعتداءات المتتالية من سوريا إلى العراق دون أن تجد رادعا على ذلك..

الواقع أن حالة الاستنفار في المنطقة وتعجيل واشنطن بإعادة إرسال سفنها الحربية إلى المتوسط لم تكن من فراغ وهي نتيجة مباشرة للقصف الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق في عملية أعلنت واشنطن أنها لم تمنح إيران عليها الضوء الأخضر وعلمت بها قبل دقائق من تنفيذها عندما كانت الطائرات الإسرائيلية في الجو.. وقناعتنا أن الإشكال الحقيقي والخطير ليس في معرفة واشنطن بقصف القنصلية الإيرانية من عدمه فالأهداف الإسرائيلية والأمريكية واحدة ولا تختلف لعبة المصالح بين واشنطن وتل أبيب ولكن الخطر الحقيقي والمتكرر أن الولايات المتحدة الحليف الأساسي والأهم للكيان الإسرائيلي دأبت على القبول بكل ما تقوم به إسرائيل مهما تعارضت مع مبادئ القانون الدولي ومعاهدات فيينا، ومهما خرقت وانتهكت حصانة الأشخاص والمواقع الدبلوماسية بالكامل.. وهو ما جعل الحليف الإسرائيلي بكل ما يقترفه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني أو في الأراضي السورية والعراقية وفي كل مكان تصله يد الموساد محصنة من أي ملاحقة أو عقاب..

المثير في الحالة الراهنة أن الإدارة الأمريكية من أطلقت التحذيرات منذ أول أمس الجمعة من استعداد إيران للقيام بعملية عسكرية وشيكة ضد إسرائيل وأن واشنطن عادت لتعلن لاحقا على لسان الرئيس بايدن ووزير الدفاع الأمريكي أوستن أنها لن تترك إسرائيل وحدها في هذه المواجهة وأنها ستتصدى لأي عملية تستهدف إسرائيل وهو ما يضعنا أمام افتراضين، وأولهما أن تكون واشنطن رصدت فعلا استعدادات إيران للانتقام من إسرائيل بعد تكرر الاعتداءات على مصالحها حفاظا على مصداقيتها أمام الرأي العام الإيراني الداخلي، ولكن أيضا أمام الرأي العام الدولي والتأكيد على أن إيران ليست بالضعف الذي تعتقده إسرائيل.. أما الافتراض الثاني ونحسبه الأقرب إلى الواقع فان إيران أظهرت حتى الآن الكثير من ضبط النفس والهدوء وتجنبت التشنج والانسياق وراء أي رد فعل غير محسوب بعد تعرض قنصليتها للقصف على عكس ما توقعته أمريكا وإسرائيل والأرجح أن إيران لا تريد الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل وهذا ليس هدفها وليس من مصلحتها وعموما فان دورها بقي حتى هذه المرحلة من العدوان المستمر على غزة منذ أكثر من ستة أشهر عن بعد، ولكن يبدو أن هناك إصرارا متعمدا على استفزاز إيران لإقحامها في الحرب ودفعها دفعا إلى القيام بعمل عسكري انتقامي ضد إسرائيل ومن ثمة توفر كل الأسباب لجر إيران إلى الحرب ودفع الجيش الإيراني لإخراج ما لديه من سلاح والدخول في سيناريو قد لا يختلف كثيرا عن سيناريو اجتياح العراق للوصول إلى تدمير القوات الإيرانية بعد تدمير القوات العراقية والسورية بعد تحييد مصر بفضل اتفاقيات كامب دايفيد.. لكن الواقع أيضا أن حسابات واشنطن وإسرائيل قد لا تكون مضمونة بالنظر إلى عدم توفر كل المعلومات المطلوبة بشأن القدرات العسكرية الإيرانية التي لا يمكن التقليل من شأنها أو الاستهانة بها تماما كما كان الحال مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتعويل واشنطن والغرب عموما على انهيار وسقوط الجيش الروسي خلال أسابيع قبل أن تنهار كل التوقعات.. وها أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا تدخل عامها الثالث على التوالي ولا يزال زيلنسكي يتوسل الغرب لتقديم مزيد من السلاح له..

سيكون من الغباء والسذاجة الاعتقاد أن ظهور المرشد الأعلى بإيران، علي خامنئي وبندقية كانت على منصة خطبة الجمعة وراء الاستنفار والتأهب الحاصل في المنطقة..

كسبت إيران جولة أولى من خلال الإجماع الدولي على إدانة العدوان الإسرائيلي على قنصليتها واعتباره عدوانا على الأراضي الإيرانية، إلا أن مجلس الأمن الدولي لم يذهب إلى حد إدانة ما أقدمت عليه إسرائيل بما يشكك في التصريحات الأمريكية السابقة بعدم علمها بالعملية الإسرائيلية..

جر إيران إلى المواجهة عملية مدروسة في أهدافها الآنية والمستقبلية وستمنح إسرائيل الوقت لإنهاء مخططاتها في غزة وتمنح ناتنياهو بدوره فرصة تجنب الانهيار والسقوط والملاحقة في الداخل والخارج وهي يعني بكل بساطة محاولات تحويل الأنظار عن الجرائم الإسرائيلية والإبادة الجماعية المستمرة في غزة.. حقائق لا نخالها تغيب عن أعين مراقب ولا عن حسابات إيران والجيش الإيراني...

اسيا العتروس

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews