إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي.. «المطبخ العالمي» يفضح أخلاق الغرب


بقلم: عماد الدين حسين
أن تقتل إسرائيل أكثر من 33 ألف فلسطيني، وتصيب أكثر من 75 ألفاً آخرين، فهذا أمر لا يهم ولا يقلق الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية كثيراً، لكن أن تقتل إسرائيل 7 من عمال وموظفي الإغاثة الغربيين العاملين في "المطبخ المركزي العالمي"، فهو أمر يهز الغرب ويحركه ويدعوه إلى مطالبة بالتحقيق والاعتذار.
جيش العدوان الإسرائيلي استهدف، الأسبوع الماضي، قافلة لمنظمة "وورلد سنترال كيتشن" في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة، وقتل 7موظفين أجانب يحملون جنسيات أستراليا وبولندا وبريطانيا وأمريكا وكندا وفلسطين، كانوا يوزعون الوجبات الغذائية على سكان غزة.
المفروض أن كل البشر متساؤون وحياتهم مهمة بصرف النظر عن عرقهم ودينهم ولونهم وطوائفهم، لكن أحد الدروس المهمة التي كشفها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أن هذه الحقيقة التي كنا نظن أنها بديهية ليست كذلك على أرض الواقع. العالم الغربي يرددها ليلا نهارا على مسامعنا، ويقدم لنا كل يوم دروساً متنوعة في حقوق الإنسان، وكنا نعتقد أنه صادق في ذلك حتى داهمتنا الحقيقة المُرة، وهي أن الغرب لا يتعامل معنا باعتبارنا بشراً على نفس الدرجة التي يعامل بها الإسرائيليون.
في اليوم الأول للعدوان وصف وزير الدفاع الإسرائيلي، يواف غالانت، الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية، وبعده تبارى العديد من المسؤولين الإسرائيليين في التأكيد على أن الإسرائيليين أكثر سمواً وعلواً وتحضراً وإنسانية من الفلسطينيين، وأنه لا يمكن المساواة بينهم، وبالتالي فإن تطبيق ذلك على الأرض يعني أنه إذا قام فلسطيني بقتل إسرائيلي، فإن من حق إسرائيل أن تقتل مقابله أكثر من مائة فلسطيني، وإذا تسببت عملية "طوفان الأقصى" في تدمير وإتلاف مائة منزل في المستوطنات الإسرائيلية، فإن من حق إسرائيل أن تدمر قطاع غزة بأكمله على رؤوس ساكنيه، وتشرد أكثر من مليون ونصف المليون إنسان، وتحشرهم في بقعة صغيرة في رفح، وتطارد الفلسطينيين وتقتلهم في أي مكان حتى لو كان مسجداً أو كنيسة أو مستشفى أو مدرسة حتى تدفعهم إلى الرحيل.
إسرائيل ترتكب جرائم حرب، وحوّلت القطاع إلى مكان غير آمن، وتقتل أي شخص يتحرك سواء كان مدنياً أو أجنبياً، خصوصاً إذا كان ذلك في شمال القطاع.
كنا نعتقد أن كل ما سبق أمر يخص فقط التفكير الصهيوني المتطرف الذي يحكم إسرائيل منذ سنوات، وليس كل الإسرائيليين، لكن العدوان كشف أن غالبية الإسرائيليين لا يختلفون كثيراً في نظرتهم إلى العرب، وفي حادث دير البلح الأخير كشفت ردود الفعل الغربية على الحادث أن غالبية الحكومات الغربية لا تختلف كثيراً عن التفكير الإسرائيلي فيما يتعلق برؤيتها لقيمة الإنسان الفلسطيني.
كل التحية والتقدير والاحترام لهؤلاء الشهداء السبعة، الذين خاطروا بحياتهم، وتركوا بيوتهم وأهاليهم وجاؤوا إلى قلب الجحيم لمساعدة الفلسطينيين، وهو أمر لم يفعله غالبية العرب والمسلمين.
مقتل هؤلاء كشف حقيقة النظرة الصهيونية لبقية البشر. طبعاً إسرائيل تحاول التملص، وتقول: إنها لم تكن تقصد قتلهم، وإن صعوبة تحديد الأهداف ليلاً وظروف الحرب المعقدة هي التي تسببت في الحادث، لكن هذا الأمر لا يهمنا كثيراً، لأن إسرائيل كشفت عن جوهرها الحقيقي خلال هذا العدوان. ما يشغلني ويفترض أن يشغلنا جميعاً هو أن غالبية الحكومات والدوائر الغربية انتفضت لمقتل هؤلاء الموظفين السبعة، وهو أمر طبيعي، لكن الذي يثير التساؤل والدهشة، هو: ألمْ يحرك مقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال ضمير هذه الحكومات؟! ألمْ يروا ما يتعرض له أطفال غزة؟ ألمْ يهزهم موت الأطفال جوعاً، أو حرق مستشفى الشفاء وهدمه على رؤوس من فيه؟!
النفاق الغربي أنفضح تماماً في هذا العدوان، وظهر على حقيقته السافرة الفجة. هولا يؤمن إطلاقاً بحقوق الإنسان، إلا إذا كان الإنسان "الغربي". وصار مفضوحاً أن هذه الورقة تستخدم فقط لابتزاز بقية دول العالم، واستخدامها أداة للحصول على مصالح ومنافع وأثمان من بقية دول العالم الآخر.
هي تعتذر للدول الست التي ينتمي إليها الشهداء، لكنها لا تعتذر عن مقتل وإصابة أكثر من مائة ألف فلسطيني.
رحم الله شهداء "المطبخ المركزي العالمي"، ولا عزاء في الانحدار الحضاري والقيمي والإنساني والأخلاقي الذي أصاب غالبية الحكومات الغربية.

رأي..  «المطبخ العالمي» يفضح أخلاق الغرب


بقلم: عماد الدين حسين
أن تقتل إسرائيل أكثر من 33 ألف فلسطيني، وتصيب أكثر من 75 ألفاً آخرين، فهذا أمر لا يهم ولا يقلق الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية كثيراً، لكن أن تقتل إسرائيل 7 من عمال وموظفي الإغاثة الغربيين العاملين في "المطبخ المركزي العالمي"، فهو أمر يهز الغرب ويحركه ويدعوه إلى مطالبة بالتحقيق والاعتذار.
جيش العدوان الإسرائيلي استهدف، الأسبوع الماضي، قافلة لمنظمة "وورلد سنترال كيتشن" في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة، وقتل 7موظفين أجانب يحملون جنسيات أستراليا وبولندا وبريطانيا وأمريكا وكندا وفلسطين، كانوا يوزعون الوجبات الغذائية على سكان غزة.
المفروض أن كل البشر متساؤون وحياتهم مهمة بصرف النظر عن عرقهم ودينهم ولونهم وطوائفهم، لكن أحد الدروس المهمة التي كشفها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أن هذه الحقيقة التي كنا نظن أنها بديهية ليست كذلك على أرض الواقع. العالم الغربي يرددها ليلا نهارا على مسامعنا، ويقدم لنا كل يوم دروساً متنوعة في حقوق الإنسان، وكنا نعتقد أنه صادق في ذلك حتى داهمتنا الحقيقة المُرة، وهي أن الغرب لا يتعامل معنا باعتبارنا بشراً على نفس الدرجة التي يعامل بها الإسرائيليون.
في اليوم الأول للعدوان وصف وزير الدفاع الإسرائيلي، يواف غالانت، الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية، وبعده تبارى العديد من المسؤولين الإسرائيليين في التأكيد على أن الإسرائيليين أكثر سمواً وعلواً وتحضراً وإنسانية من الفلسطينيين، وأنه لا يمكن المساواة بينهم، وبالتالي فإن تطبيق ذلك على الأرض يعني أنه إذا قام فلسطيني بقتل إسرائيلي، فإن من حق إسرائيل أن تقتل مقابله أكثر من مائة فلسطيني، وإذا تسببت عملية "طوفان الأقصى" في تدمير وإتلاف مائة منزل في المستوطنات الإسرائيلية، فإن من حق إسرائيل أن تدمر قطاع غزة بأكمله على رؤوس ساكنيه، وتشرد أكثر من مليون ونصف المليون إنسان، وتحشرهم في بقعة صغيرة في رفح، وتطارد الفلسطينيين وتقتلهم في أي مكان حتى لو كان مسجداً أو كنيسة أو مستشفى أو مدرسة حتى تدفعهم إلى الرحيل.
إسرائيل ترتكب جرائم حرب، وحوّلت القطاع إلى مكان غير آمن، وتقتل أي شخص يتحرك سواء كان مدنياً أو أجنبياً، خصوصاً إذا كان ذلك في شمال القطاع.
كنا نعتقد أن كل ما سبق أمر يخص فقط التفكير الصهيوني المتطرف الذي يحكم إسرائيل منذ سنوات، وليس كل الإسرائيليين، لكن العدوان كشف أن غالبية الإسرائيليين لا يختلفون كثيراً في نظرتهم إلى العرب، وفي حادث دير البلح الأخير كشفت ردود الفعل الغربية على الحادث أن غالبية الحكومات الغربية لا تختلف كثيراً عن التفكير الإسرائيلي فيما يتعلق برؤيتها لقيمة الإنسان الفلسطيني.
كل التحية والتقدير والاحترام لهؤلاء الشهداء السبعة، الذين خاطروا بحياتهم، وتركوا بيوتهم وأهاليهم وجاؤوا إلى قلب الجحيم لمساعدة الفلسطينيين، وهو أمر لم يفعله غالبية العرب والمسلمين.
مقتل هؤلاء كشف حقيقة النظرة الصهيونية لبقية البشر. طبعاً إسرائيل تحاول التملص، وتقول: إنها لم تكن تقصد قتلهم، وإن صعوبة تحديد الأهداف ليلاً وظروف الحرب المعقدة هي التي تسببت في الحادث، لكن هذا الأمر لا يهمنا كثيراً، لأن إسرائيل كشفت عن جوهرها الحقيقي خلال هذا العدوان. ما يشغلني ويفترض أن يشغلنا جميعاً هو أن غالبية الحكومات والدوائر الغربية انتفضت لمقتل هؤلاء الموظفين السبعة، وهو أمر طبيعي، لكن الذي يثير التساؤل والدهشة، هو: ألمْ يحرك مقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال ضمير هذه الحكومات؟! ألمْ يروا ما يتعرض له أطفال غزة؟ ألمْ يهزهم موت الأطفال جوعاً، أو حرق مستشفى الشفاء وهدمه على رؤوس من فيه؟!
النفاق الغربي أنفضح تماماً في هذا العدوان، وظهر على حقيقته السافرة الفجة. هولا يؤمن إطلاقاً بحقوق الإنسان، إلا إذا كان الإنسان "الغربي". وصار مفضوحاً أن هذه الورقة تستخدم فقط لابتزاز بقية دول العالم، واستخدامها أداة للحصول على مصالح ومنافع وأثمان من بقية دول العالم الآخر.
هي تعتذر للدول الست التي ينتمي إليها الشهداء، لكنها لا تعتذر عن مقتل وإصابة أكثر من مائة ألف فلسطيني.
رحم الله شهداء "المطبخ المركزي العالمي"، ولا عزاء في الانحدار الحضاري والقيمي والإنساني والأخلاقي الذي أصاب غالبية الحكومات الغربية.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews