إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

فيما استحسنت إصلاحاتها وتوجهاتها الأخيرة .. مراجعات أخرى مطلوبة من الصناديق الاجتماعية أبرزها المنح العائلية

 

-كم ضاع على التونسيين بسبب تجاهل البعد الاجتماعي الحقيقي في سياسات الدولة؟

-الدولة في تونس تأسست على فلسفة تمنح للبعد الاجتماعي قيمة أساسية، قبل أن تفقد بوصلتها في الأثناء

تونس- الصباح

عندما نلاحظ ما كانت تقدمه الصناديق الاجتماعية من  قروض شخصية وغيرها ذات قيمة ضئيلة ظلت كما هي لسنوات ولم تقع مراعاة ارتفاع تكاليف المعيشة والغلاء المتصاعد وحاجة المواطنين الى مرافقة حقيقية، من حقنا أن نتساءل كيف كان المسؤولون في البلاد يفكرون وكيف كانت الدولة التونسية تدار؟

نعم فقد كانت هذه الصناديق تمنح بعض الملاليم للمواطنين في شكل قروض شخصية مع مطالبتهم برزمة من الأوراق والوثائق الإدارية حيث كان مبلغ القرض الشخصي بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (قطاع خاص) لا يتجاوز أجرة شهر ونصف تسدد على 12 شهرا، في حين لا تتجاوز قيمة القرض أجرة شهرين ونصف بالنسبة للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (القطاع العمومي) ويسدد على 12 شهر.  وهي مبالغ زهيدة جدا ولا تفي بالحاجة. نفس الشيء بالنسبة لقروض السيارات. مبالغ زهيدة (10 آلاف دينار كأقصى حد) وشروط مجحفة ونفس الشيء بالنسبة للقروض السكنية التي كان سقفها لا يتعدى  15 ألف دينار (مع إمكانية دخول القرين على الخط). وقد دفع غياب الدولة المواطن للالتجاء الى البنوك التي تضخم دورها في الأثناء نظرا لغياب البدائل، ليجد هذا المواطن، نفسه مثقلا بالديون التي تلاحقه أحيانا الى ما بعد التقاعد.

القروض تمثل ثقلا في المطلق

اليوم تغيرت الأمور بشكل كبير حتى وإن وجب الاعتراف بأن القروض تبقى دائما تمثل ثقلا كبيرا وهمّا يلاحق صاحبه لكن تبقى الإجراءات الجديدة التي أعلنت عنها وزارة الشؤون الاجتماعية أفضل من عدم وجودها وهي بشكل أو بآخر تعتبر متنفسا للموظف التونسي الذي ثبت أنه لا يمكنه أن يحقق أي شيء دون الالتجاء الى الاقتراض. وبما أن هذا الاقتراض شر لا بد منه، فإنه يستحسن أن يكون هناك أكثر من اختيار. وفعلا لقد وضعت الإجراءات الجديدة التي تتمثل في الترفيع في سقف كل أنواع القروض التي تمنحها الصناديق الاجتماعية، بنسب هامة، انطلق العمل بها منذ فيفري من العام الجاري، بالنسبة للقطاع العمومي وتم تفعيلها بداية من غرة أفريل الجاري بالنسبة للقطاع الخاص، حدا لاستفراد البنوك بالموظف الذي يمكنه اليوم أن يقترض من هذه الصناديق بشروط أقل إجحافا مما تفرضه البنوك.

أولا، لقد تم الترفيع في قيمة القروض الشخصية، وما أدراك ما القروض الشخصية، قبلة الموظف التونسي وملجأه في كل المناسبات، حيث أصبح بإمكان المضمون الاجتماعي الحصول على قرض شخصي تصل قيمته الى 25 ألف دينار ويسدد على امتداد ثلاث سنوات.

ثانيا، لقد تم الترفيع في قيمة قرض السيارة من 10 الى 50 ألف دينار وتسدد على امتداد خمس سنوات.

ثالثا، لقد تم الترفيع في قيمة القرض السكني ليصل الى 100 ألف دينار، مع نسب فائدة قدرت بأنها مناسبة خاصة مقارنة بما تفرضه البنوك.

وإضافة الى الترفيع في قيمة القروض، فقد تم التعهد بتسهيل الإجراءات وهو أمر مشجع خاصة إذا ما علمنا انه من أصعب الأمور في تونس تكوين ملف للحصول على قرض بما في ذلك من الصناديق الاجتماعية. وقد شجعت هذه الإجراءات المنخرطين في الصناديق الاجتماعية على التقدم للحصول على قروض إذ تلقى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، مثلا في مارس، ما لا يقل عن عشرين ألف مطلب للحصول على قرض وفق تصريح للرئيس المدير العام للصندوق للغرض لجريدة "الصباح" (الصباح الجمعة 22 مارس) مع التشديد في نفس التصريح على أن النسبة الأكبر من المطالب تهم القروض الشخصية. ومفهوم أن التونسي يقبل عموما على القروض الشخصية لان ملف الحصول عليها سواء من البنوك أو من الصناديق الاجتماعية عادة ما يكون اقل تعقيدا حتى وإن كانت نسب الفائدة أعلى – فيما يخص البنوك على الأقل- مع العلم أن القروض الشخصية الجديدة التي تمنحها الصناديق الاجتماعية توظف نسب فائدة قارة وقد وجبت الإشارة للمسألة نظرا ما يعانيه المقترض من البنوك التي تعتمد على نسب فائدة غير قارة ترتفع كلما قام البنك المركزي بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية، وقد عمد البنك المركزي الى ذلك عدة مرات في الفترة الأخيرة وهو ما أثقل كاهل الكثير من المقترضين من البنوك وخاصة أصحاب القروض الشخصية.

تعقيدات إدارية أقل

ويتوقع أن تكون المطالب الموجهة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بنفس الكثافة مع تعهدات من الدولة ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية بالتقليص من التعقيدات الإدارية واختزال الآجال وإجابة أصحاب المطالب في آجال معقولة.

وتعتبر هذه الإجراءات محاولة للتخفيف من حدة الأزمة الاجتماعية التي تمر بها البلاد منذ سنوات، حتى طال أمدها نسبيا وأثرت على تركيبة المجتمع التونسي، إذ تهالكت الطبقة المتوسطة وفقدت هذه الفئة التي تتكون بالأساس من الموظفين الكثير من مواردها وهي مهددة بالتفقير وفق الخبراء الذين حذروا كثيرا من تهاوي الطبقة المتوسطة التي تضطلع عادة بدور هام في ضمان توازن المجتمع.

صحيح، لن يحل المواطن مشاكله بالقروض ولن يحقق المجتمع التونسي النقلة النوعية المنتظرة بالقروض الاجتماعية، ولكن هذه القروض الاجتماعية تعتبر اليوم وفي السياق الصعب الذي تمر به البلاد وخاصة في غياب المشاريع التنموية الكبرى، آلية يمكن أن تساعد  على حل بعض الإشكاليات. فالقروض الميسرة يمكن أن تشجع على استهلاك أفضل، الأمر الذي يمكن بدوره أن يشجع على إنتاج أفضل وعلى خلق ديناميكية أفضل وبالتالي تحريك عجلة الاقتصاد الوطني.

ولنا أن نذكر بأن الدولة عملت، بداية من هذا العام، على الترفيع في سقف المصاريف التي يمكن للمواطن استرجاعها من الصندوق الوطني للتأمين على المرض "الكنام" وقد أصدرت الوزارة بلاغا في الغرض أوردت فيه تفاصيل حول "الترفيع في السقف السنوي لمبالغ الخدمات الصحية الخارجية المتكفل بها في إطار النظام القاعدي للتأمين على المرض بعنوان المنظومة العلاجية الخاصة أو نظام استرجاع المصاريف". وهذه التفاصيل موجودة على صفحتها الرسمية بالفايسبوك. مع العلم أن موضوع استرجاع مصاريف العلاج يبقى موضوعا شائكا وخلق العديد من الإشكاليات سواء في تعامل المواطن مع "الكنام" مباشرة أو في تعامل الصندوق مع المؤسسات الصحية والعلاجية، لكن هذا لا ينفي قيمة الإجراءات المعلن عنها وخاصة الترفيع في استرجاع المصاريف التي سمح الصندوق بموجبها لأول مرة بتخطي حجم المساهمة المدفوعة من طرف المضمون الاجتماعي، وفق ما كان قد أكده وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي في الغرض عندما أعلن عن القرارات الجديدة حول الـ"كنام" في بداية فيفري المنقضي.

وتعزز هذه القرارات بطبيعة الحال دور الدولة الاجتماعي الذي تنصلت منه سابقا رغم أن الدولة التونسية الحديثة قد تأسست على فلسفة تمنح للبعد الاجتماعي قيمة أساسية وذلك قبل أن تفقد بوصلتها في الأثناء وتحكم على تونس بالتراجع والتخلف لان طبيعة تونس تجعلها لا تستطيع أن تتقدم وجزء منه مكبل بالفقر أو معطل أو غير قادر بأي شكل من الأشكال عن المشاركة في عملية البناء.

وقد نتفهم أن تتحرك الدولة اليوم بخطوات بطيئة في هذا الاتجاه. فنحن في وضعية صعبة وموارد الدولة قليلة، لكن المراهنة على استعادة الدور الاجتماعي وان كانت معادلة صعبة اليوم فهي ستكون في النهاية مربحة لأن عودة الدينامكية في البلاد وعودة الروح للمجتمع لن تكون إلا بإعادة الأمل للجميع وخاصة للفئة الاجتماعية المتوسطة التي أرهقت وأيضا للفئات المهمشة التي فقدت مع الوقت إحساسها بالانتماء. فبلادنا في حاجة الى كل القوى وهي التي، كما قال جيل البناة، قد تأسست بالفكر والسواعد.

خطوات بطيئة ولكن..

ولئن كانت الإجراءات الاجتماعية الأخيرة مشجعة فإننا نتوقع أن تكون مرفوقة بإجراءات أخرى ضرورية من بينها مثلا مراجعة قيمة المنح العائلية، فالأسرة مازالت تتلقى منحا لم تراجع قيمتها منذ بداية عهد الاستقلال. ومازالت الأسر تحصل على مبالغ ضئيلة جدا (بضعة دنانير) عن كل طفل (في حدود ثلاثة أطفال). وهذه المنح رغم ضآلة قيمتها المادية تبقى مكسبا مهما، نعتقد أن الدولة عليها أن تستثمر فيه بشكل يتماشى مع تطور العصر وحاجيات الأسر في البلاد.

طبعا لم نتحدث عن المنح الاجتماعية الأخرى التي يكتمل بها دور الدولة الاجتماعي ومن بينها منح البطالة ومنح بعناوين أخرى يمكن أن تحل مشاكل كثيرة وأن تحمي المجتمع في الآن نفسه من مشاكل كثيرة مثل العنف والانحراف.

لكن قبل هذا وذاك، نتصور أن الدولة مطالبة بمراجعة قوانين التشغيل حفاظا على الطاقة التشغيلية (في القطاعين العمومي والخاص) في البلاد التي تم استنزافها في العموم على امتداد عقود وظلت حبيسة قوانين تجاوزها الزمن والعصر.

حياة السايب

فيما استحسنت إصلاحاتها وتوجهاتها الأخيرة .. مراجعات أخرى مطلوبة من الصناديق الاجتماعية أبرزها المنح العائلية

 

-كم ضاع على التونسيين بسبب تجاهل البعد الاجتماعي الحقيقي في سياسات الدولة؟

-الدولة في تونس تأسست على فلسفة تمنح للبعد الاجتماعي قيمة أساسية، قبل أن تفقد بوصلتها في الأثناء

تونس- الصباح

عندما نلاحظ ما كانت تقدمه الصناديق الاجتماعية من  قروض شخصية وغيرها ذات قيمة ضئيلة ظلت كما هي لسنوات ولم تقع مراعاة ارتفاع تكاليف المعيشة والغلاء المتصاعد وحاجة المواطنين الى مرافقة حقيقية، من حقنا أن نتساءل كيف كان المسؤولون في البلاد يفكرون وكيف كانت الدولة التونسية تدار؟

نعم فقد كانت هذه الصناديق تمنح بعض الملاليم للمواطنين في شكل قروض شخصية مع مطالبتهم برزمة من الأوراق والوثائق الإدارية حيث كان مبلغ القرض الشخصي بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (قطاع خاص) لا يتجاوز أجرة شهر ونصف تسدد على 12 شهرا، في حين لا تتجاوز قيمة القرض أجرة شهرين ونصف بالنسبة للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (القطاع العمومي) ويسدد على 12 شهر.  وهي مبالغ زهيدة جدا ولا تفي بالحاجة. نفس الشيء بالنسبة لقروض السيارات. مبالغ زهيدة (10 آلاف دينار كأقصى حد) وشروط مجحفة ونفس الشيء بالنسبة للقروض السكنية التي كان سقفها لا يتعدى  15 ألف دينار (مع إمكانية دخول القرين على الخط). وقد دفع غياب الدولة المواطن للالتجاء الى البنوك التي تضخم دورها في الأثناء نظرا لغياب البدائل، ليجد هذا المواطن، نفسه مثقلا بالديون التي تلاحقه أحيانا الى ما بعد التقاعد.

القروض تمثل ثقلا في المطلق

اليوم تغيرت الأمور بشكل كبير حتى وإن وجب الاعتراف بأن القروض تبقى دائما تمثل ثقلا كبيرا وهمّا يلاحق صاحبه لكن تبقى الإجراءات الجديدة التي أعلنت عنها وزارة الشؤون الاجتماعية أفضل من عدم وجودها وهي بشكل أو بآخر تعتبر متنفسا للموظف التونسي الذي ثبت أنه لا يمكنه أن يحقق أي شيء دون الالتجاء الى الاقتراض. وبما أن هذا الاقتراض شر لا بد منه، فإنه يستحسن أن يكون هناك أكثر من اختيار. وفعلا لقد وضعت الإجراءات الجديدة التي تتمثل في الترفيع في سقف كل أنواع القروض التي تمنحها الصناديق الاجتماعية، بنسب هامة، انطلق العمل بها منذ فيفري من العام الجاري، بالنسبة للقطاع العمومي وتم تفعيلها بداية من غرة أفريل الجاري بالنسبة للقطاع الخاص، حدا لاستفراد البنوك بالموظف الذي يمكنه اليوم أن يقترض من هذه الصناديق بشروط أقل إجحافا مما تفرضه البنوك.

أولا، لقد تم الترفيع في قيمة القروض الشخصية، وما أدراك ما القروض الشخصية، قبلة الموظف التونسي وملجأه في كل المناسبات، حيث أصبح بإمكان المضمون الاجتماعي الحصول على قرض شخصي تصل قيمته الى 25 ألف دينار ويسدد على امتداد ثلاث سنوات.

ثانيا، لقد تم الترفيع في قيمة قرض السيارة من 10 الى 50 ألف دينار وتسدد على امتداد خمس سنوات.

ثالثا، لقد تم الترفيع في قيمة القرض السكني ليصل الى 100 ألف دينار، مع نسب فائدة قدرت بأنها مناسبة خاصة مقارنة بما تفرضه البنوك.

وإضافة الى الترفيع في قيمة القروض، فقد تم التعهد بتسهيل الإجراءات وهو أمر مشجع خاصة إذا ما علمنا انه من أصعب الأمور في تونس تكوين ملف للحصول على قرض بما في ذلك من الصناديق الاجتماعية. وقد شجعت هذه الإجراءات المنخرطين في الصناديق الاجتماعية على التقدم للحصول على قروض إذ تلقى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، مثلا في مارس، ما لا يقل عن عشرين ألف مطلب للحصول على قرض وفق تصريح للرئيس المدير العام للصندوق للغرض لجريدة "الصباح" (الصباح الجمعة 22 مارس) مع التشديد في نفس التصريح على أن النسبة الأكبر من المطالب تهم القروض الشخصية. ومفهوم أن التونسي يقبل عموما على القروض الشخصية لان ملف الحصول عليها سواء من البنوك أو من الصناديق الاجتماعية عادة ما يكون اقل تعقيدا حتى وإن كانت نسب الفائدة أعلى – فيما يخص البنوك على الأقل- مع العلم أن القروض الشخصية الجديدة التي تمنحها الصناديق الاجتماعية توظف نسب فائدة قارة وقد وجبت الإشارة للمسألة نظرا ما يعانيه المقترض من البنوك التي تعتمد على نسب فائدة غير قارة ترتفع كلما قام البنك المركزي بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية، وقد عمد البنك المركزي الى ذلك عدة مرات في الفترة الأخيرة وهو ما أثقل كاهل الكثير من المقترضين من البنوك وخاصة أصحاب القروض الشخصية.

تعقيدات إدارية أقل

ويتوقع أن تكون المطالب الموجهة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بنفس الكثافة مع تعهدات من الدولة ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية بالتقليص من التعقيدات الإدارية واختزال الآجال وإجابة أصحاب المطالب في آجال معقولة.

وتعتبر هذه الإجراءات محاولة للتخفيف من حدة الأزمة الاجتماعية التي تمر بها البلاد منذ سنوات، حتى طال أمدها نسبيا وأثرت على تركيبة المجتمع التونسي، إذ تهالكت الطبقة المتوسطة وفقدت هذه الفئة التي تتكون بالأساس من الموظفين الكثير من مواردها وهي مهددة بالتفقير وفق الخبراء الذين حذروا كثيرا من تهاوي الطبقة المتوسطة التي تضطلع عادة بدور هام في ضمان توازن المجتمع.

صحيح، لن يحل المواطن مشاكله بالقروض ولن يحقق المجتمع التونسي النقلة النوعية المنتظرة بالقروض الاجتماعية، ولكن هذه القروض الاجتماعية تعتبر اليوم وفي السياق الصعب الذي تمر به البلاد وخاصة في غياب المشاريع التنموية الكبرى، آلية يمكن أن تساعد  على حل بعض الإشكاليات. فالقروض الميسرة يمكن أن تشجع على استهلاك أفضل، الأمر الذي يمكن بدوره أن يشجع على إنتاج أفضل وعلى خلق ديناميكية أفضل وبالتالي تحريك عجلة الاقتصاد الوطني.

ولنا أن نذكر بأن الدولة عملت، بداية من هذا العام، على الترفيع في سقف المصاريف التي يمكن للمواطن استرجاعها من الصندوق الوطني للتأمين على المرض "الكنام" وقد أصدرت الوزارة بلاغا في الغرض أوردت فيه تفاصيل حول "الترفيع في السقف السنوي لمبالغ الخدمات الصحية الخارجية المتكفل بها في إطار النظام القاعدي للتأمين على المرض بعنوان المنظومة العلاجية الخاصة أو نظام استرجاع المصاريف". وهذه التفاصيل موجودة على صفحتها الرسمية بالفايسبوك. مع العلم أن موضوع استرجاع مصاريف العلاج يبقى موضوعا شائكا وخلق العديد من الإشكاليات سواء في تعامل المواطن مع "الكنام" مباشرة أو في تعامل الصندوق مع المؤسسات الصحية والعلاجية، لكن هذا لا ينفي قيمة الإجراءات المعلن عنها وخاصة الترفيع في استرجاع المصاريف التي سمح الصندوق بموجبها لأول مرة بتخطي حجم المساهمة المدفوعة من طرف المضمون الاجتماعي، وفق ما كان قد أكده وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي في الغرض عندما أعلن عن القرارات الجديدة حول الـ"كنام" في بداية فيفري المنقضي.

وتعزز هذه القرارات بطبيعة الحال دور الدولة الاجتماعي الذي تنصلت منه سابقا رغم أن الدولة التونسية الحديثة قد تأسست على فلسفة تمنح للبعد الاجتماعي قيمة أساسية وذلك قبل أن تفقد بوصلتها في الأثناء وتحكم على تونس بالتراجع والتخلف لان طبيعة تونس تجعلها لا تستطيع أن تتقدم وجزء منه مكبل بالفقر أو معطل أو غير قادر بأي شكل من الأشكال عن المشاركة في عملية البناء.

وقد نتفهم أن تتحرك الدولة اليوم بخطوات بطيئة في هذا الاتجاه. فنحن في وضعية صعبة وموارد الدولة قليلة، لكن المراهنة على استعادة الدور الاجتماعي وان كانت معادلة صعبة اليوم فهي ستكون في النهاية مربحة لأن عودة الدينامكية في البلاد وعودة الروح للمجتمع لن تكون إلا بإعادة الأمل للجميع وخاصة للفئة الاجتماعية المتوسطة التي أرهقت وأيضا للفئات المهمشة التي فقدت مع الوقت إحساسها بالانتماء. فبلادنا في حاجة الى كل القوى وهي التي، كما قال جيل البناة، قد تأسست بالفكر والسواعد.

خطوات بطيئة ولكن..

ولئن كانت الإجراءات الاجتماعية الأخيرة مشجعة فإننا نتوقع أن تكون مرفوقة بإجراءات أخرى ضرورية من بينها مثلا مراجعة قيمة المنح العائلية، فالأسرة مازالت تتلقى منحا لم تراجع قيمتها منذ بداية عهد الاستقلال. ومازالت الأسر تحصل على مبالغ ضئيلة جدا (بضعة دنانير) عن كل طفل (في حدود ثلاثة أطفال). وهذه المنح رغم ضآلة قيمتها المادية تبقى مكسبا مهما، نعتقد أن الدولة عليها أن تستثمر فيه بشكل يتماشى مع تطور العصر وحاجيات الأسر في البلاد.

طبعا لم نتحدث عن المنح الاجتماعية الأخرى التي يكتمل بها دور الدولة الاجتماعي ومن بينها منح البطالة ومنح بعناوين أخرى يمكن أن تحل مشاكل كثيرة وأن تحمي المجتمع في الآن نفسه من مشاكل كثيرة مثل العنف والانحراف.

لكن قبل هذا وذاك، نتصور أن الدولة مطالبة بمراجعة قوانين التشغيل حفاظا على الطاقة التشغيلية (في القطاعين العمومي والخاص) في البلاد التي تم استنزافها في العموم على امتداد عقود وظلت حبيسة قوانين تجاوزها الزمن والعصر.

حياة السايب

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews