-الترفيع في الدخل الفردي وحماية المستهلك أبرز الحلول لتقليص المديونية
تونس-الصباح
بعد أن اتخذ الاستهلاك الأسري للتونسيين نسقا تصاعديا في السنوات الأخيرة بسبب طبيعة تواتر المناسبات الاستهلاكية، عرف مؤشر المقدرة الشرائية في المجتمع التونسي تدهورا ملحوظا حتى أصبحت آلاف العائلات التونسية تتجه إلى البنوك للاقتراض منها لتلبية متطلبات الحياة اليومية الثقيلة، لترتفع بذلك القروض البنكية المسندة للأسر وتفوق الـ 55 مليار دينار...
وهذا ما كشفه آخر تقرير نشره المعهد الوطني للإحصاء بعنوان “ديون العاملين الاقتصاديين غير الماليين: قراءة في الحسابات المالية” الصادر بتاريخ في مارس 2024، وفيه تضاعفت القروض المسندة للأسر بين سنوات 2015 و2022 من 26.29 مليار دينار في سنة 2015 إلى 55.3 مليار دينار في سنة 2022، بما في ذلك قروض أصحاب “الباتينده”، والمنظمات والجمعيات التي ليس لها هدف ربحي..
ارتفاع سنوي في القروض بـ1.2 مليار دينار
وهذا الارتفاع القياسي لحجم القروض البنكية للأسر التونسية بـ 1.2 مليار دينار فقط في سنة واحدة وهي سنة 2023، يبعث الكثير من المخاوف من مزيد تآكل المقدرة الشرائية للتونسيين وتواصل ارتفاع الاستهلاك مما سيعمق مشكلة التداين الأسري في تونس حتى للأجيال القادمة...
ومن خلال تقرير المعهد الوطني للإحصاء فإن هذا الارتفاع، ناتج عن القروض الاستهلاكية، وعلى وجه التحديد القروض الممنوحة لتجديد أو تطوير السكن والنفقات، كما ارتفع صافي التدفق للقروض من 1.75 مليار دينار في سنة 2015 إلى 4.06 مليار دينار في سنة 2022.
كما أن معدل دين الأسر اليوم يتزايد بشكل مستمر بين سنوات 2015 و2019 (حوالي 41.6 بالمائة من الدخل الوطني المتاح في المتوسط) ليرتفع في سنة 2020 إلى 52.4 بالمائة وينخفض مرة أخرى إلى 49.5 بالمائة في سنة 2022.
وفي الوقت الذي تتعمق فيه التبعية المالية للتونسيين، تُراكم البنوك التونسية من سنة إلى أخرى عائدات هامة ومرابيح قياسية غذاها تزايد حجم القروض الاستهلاكية الممنوحة للتونسيين، التي تستفيد منها من خلال العمولات والفوائض "المجحفة"، حتى تحصد في آخر مؤشرات لها وبالتوازي مع أرقام تقرير المعهد الوطني للإحصاء، عائدات تقدر بـ 4365 مليون دينار، في شكل فوائض وعمولات موظفة على الحرفاء، خلال كامل سنة 2022، بعد أن تجاوز قائم ودائع الحرفاء الـ85 مليار دينار، 30 مليار دينار منها لدى البنوك العمومية، ليصل بذلك الناتج البنكي الصافي للبنوك التونسية، المدرجة بالبورصة، إلى قرابة الـ 6225 مليون دينار، نهاية 2022، أي بزيادة تُقدر بقرابة الـ 12%، مقارنة بسنة 2021.
هذه المؤشرات تؤكد توجه التونسيين المتزايد إلى الاقتراض، بعد أن أصبح ملاذهم الوحيد في ظل تدهور المقدرة الشرائية وغلاء المعيشة وسط تزايد متطلبات الحياة اليومية، ليفوق عدد الأسر التونسية المدانة لدى البنوك الـ900 ألف بقيمة قروض جملية تفوق الـ 55 مليار دينار، حسب آخر إحصائيات رسمية من المعهد الوطني للاستهلاك، في النصف منها قروض سكنية، وبقية القروض استهلاكية بامتياز تتجه نحو التعليم والسفر والصحة..
هذا الاستقطاب المتزايد، جعل أغلب البنوك التجارية العمومية منها والخاصة تتنافس في إطلاق خدمات جديدة بحوافز مغرية، مقابل مواصلتها لفرض عمولات وفوائض ثقيلة وخاصة "غير مفهومة"، لأنها تعتبرها مصادر ثمينة لا يستهان بها في توفير عائدات قياسية، والأخطر من ذلك أن هذه العمولات في تزايد مستمر وبشكل شهري تقريبا دون رقابة ولا محاسبة من قبل الدولة...
وينضاف إلى سياسات البنوك الاستنزافية، تزايد عدد المطالب المرفوضة لمنح قروض جديدة للتونسيين وصد أبواب عدد كبير من البنوك أمام المستثمرين ورفض تمويلهم بتعلة شح السيولة، والحال أن البنوك التونسية قد وجدت ضالتها في تمويل الدولة الذي تستفيد منه على مستوى المردودية الأكثر والمخاطر الأقل.
البنوك المستفيدة والدولة لا تتفاعل لصالح الحريف
بالمقابل، لم نر من الحكومة أي تفاعل لحماية المستهلك من هذا التوغل للبنوك وبقيت سياسة الاستنزاف متواصلة، إلى أن أقر البنك المركزي التونسي الهيكل الرقابي والمنظم للقطاع المصرفي في تونس جملة من الإجراءات التي تهدف بالأساس إلى دعم الاندماج الاقتصادي وتخفيف العملات على الحرفاء.
فقد البنك المركزي التونسي بداية من شهر فيفري المنقضي 2024 في تنفيذ إجراءات جديدة تمكن حرفاء البنوك من مراجعة بعض التعريفات مع مجانية عديد الخدمات على مدى سنة كاملة، وتشمل هذه الإجراءات تسقيف الرسوم الموظفة على الخدمات بـ3 دنانير شهريا بالنسبة للحرفاء الذين يقل دخلهم الشهري الصافي أو يساوي 1500 دينار.
وفي هذا الإطار، قال الخبير البنكي والمالي احمد كرم في تصريح إعلامي إن هذه الإجراءات هامة لأنها تشجع على الاندماج المالي والدفع الالكتروني، لافتا إلى أنها مساهمة من القطاع البنكي في مساعدة حرفائه...
كما اعتبر البنك المركزي التونسي، أن هذه الإجراءات الرامية إلى حماية حرفاء البنوك، تندرج بالأساس في إطار تدعيم مهمة حماية مستعملي الخدمات البنكية المناطة بعهدته كمؤسسة الإصدار الوطنية المراقبة للبنوك في علاقة بحرفائها...
وفي سياق مواصلة تعزيز منظومته الترتيبية، كان قد أصدر البنك المركزي منشورين يتعلق أحدهما بضبط شروط تسويق المنتجات والخدمات المالية وتسعيرها فيما يهم الآخر مراجعة بعض العمولات البنكية:
ويتعلّق المنشور عدد 2 لسنة 2024 بضبط شروط تسويق المنتجات والخدمات المالية وتسعيرها، حيث يهدف إلى وضع المتطلبات التي يتعين على البنوك والمؤسسات المالية الالتزام بها قبل تسويق أي منتج أو خدمة مالية بالإضافة إلى المتطلبات المتعلقة بالتسعيرة.
ويتعلّق المنشور عدد 3 لسنة 2024 بمراجعة بعض العمولات البنكية، ويهدف إلى مراجعة مستوى تسعير ستّ عمولات بنكية تماشيا مع الجهود الوطنية الرامية إلى مكافحة الإقصاء المالي وإلى تطوير وسائل الدفع الرقمية.
كما تجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي التونسي يرمي من خلال إصدار هذين المنشورين إلى تكريس مسؤولية البنوك والمؤسسات المالية في إرساء سياسة تجارية وتسعيرية شفافة كفيلة بتعزيز الإدماج المالي وتضع مصلحة الحريف أولوية إستراتيجية، وفق بلاغه.
إجراءات البنك المركزي غير كافية لامتصاص المديونية
وقد لا تكون هذه الإجراءات الصادرة عن مؤسسة الإصدار الوطنية ناجعة للتخفيف من ثقل مديونية الأسر التونسية في قادم الأيام، باعتبار أن التقليص أو تجميد بعض العمولات والاداءات البنكية لن تكون بمفردها كافية لحل المشكل لان الإشكال هيكلي بالأساس ويتطلب دراسة لمستوى عيش التونسي ومعدل دخله الشهري الذي لم يشهد تحسنا منذ سنوات، ففي الوقت الذي ارتفع فيه الدخل الفردي في أغلب دول العالم، تذيلت تونس مراتب متأخرة من حيث الدول ذات الدخل المنخفض، علما وأن العديد من الدراسات المحلية والعالمية، قيمت تراجع الدخل الفردي للتونسي إلى أكثر من 30% خلال العشرية الماضية.
كما دعت العديد من الجهات الدولية تونس إلى ضرورة مواكبة التغيرات العالمية للرفع من دخل الفرد التونسي، ونشر البنك الدولي، مؤخرا، تقريرا حول اقتصاديات دول العالم للعام الحالي، وصنفها إلى أربع مجموعات، ما بين مرتفع أكثر من 13,205 دولار، ومتوسط 4,256 -13,205 دولار، ومنخفض 1,086- 4,256 دولار، ومنخفض جدا أقل من 1085 دولارا، ويتم تحديث التصنيفات كل عام في غرة جويلية، وتستند تقديرات البنك الدولي الرسمية لحجم الاقتصاديات إلى الدخل القومي الإجمالي المحول إلى الدولار الأمريكي.
ومن بين الدول العربية ذات الدخل المرتفع كانت دول الخليج، الكويت، السعودية، قطر، الإمارات، عمان، البحرين، أما الدول العربية ذات الدخل المتوسط فهي العراق، ليبيا والأردن، أما باقي الدول العربية أغلبها في فئة الدخل المنخفض كالمغرب، مصر، لبنان، موريتانيا، جزر القمر، تونس، الجزائر، جيبوتي والأراضي الفلسطينية، وهي يلدان بلغ معدل الدخل الفردي فيها اقل من 4255 دولارا، أما سوريا، اليمن، السودان، والصومال فهي تحت فئة دول الدخل المنخفض جدا، والتي تصل إلى أقل من 1085 دولارا.
ويتراوح معدل الدخل الفردي للتونسي كامل اليوم في حدود 15 دينارا تونسيا إلى 30 دينارا تونسيا، أي مابين 5 اورو إلى 10 اورو، وهذا لا يكفي إطلاقا لتلبية احتياجاته في بلد يحتوي على ثروات طبيعية هائلة، كما تصنف أجور التونسيين من اقل الأجور إقليميا، بالإضافة إلى أنها الأقل على مستوى العالم، في بلد يحقق إيرادات تقارب 39 مليار دولار سنويا...
هذا الوضع يؤكد ضرورة العمل على مراجعة الأجور في تونس، وتحسين معدل الدخل الفردي للتونسيين، لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وضمان حقوق العمال، وخاصة للتقليص من حجم ديون الأسر لدى البنوك والتي بلغت أرقاما قياسية، علما وان الأجور التونسية لم تشهد تحسنا منذ السبعينات من القرن الماضي، وذلك اثر قرار حكومي في الحط منها لجلب الاستثمارات الخارجية....
وفاء بن محمد
-الترفيع في الدخل الفردي وحماية المستهلك أبرز الحلول لتقليص المديونية
تونس-الصباح
بعد أن اتخذ الاستهلاك الأسري للتونسيين نسقا تصاعديا في السنوات الأخيرة بسبب طبيعة تواتر المناسبات الاستهلاكية، عرف مؤشر المقدرة الشرائية في المجتمع التونسي تدهورا ملحوظا حتى أصبحت آلاف العائلات التونسية تتجه إلى البنوك للاقتراض منها لتلبية متطلبات الحياة اليومية الثقيلة، لترتفع بذلك القروض البنكية المسندة للأسر وتفوق الـ 55 مليار دينار...
وهذا ما كشفه آخر تقرير نشره المعهد الوطني للإحصاء بعنوان “ديون العاملين الاقتصاديين غير الماليين: قراءة في الحسابات المالية” الصادر بتاريخ في مارس 2024، وفيه تضاعفت القروض المسندة للأسر بين سنوات 2015 و2022 من 26.29 مليار دينار في سنة 2015 إلى 55.3 مليار دينار في سنة 2022، بما في ذلك قروض أصحاب “الباتينده”، والمنظمات والجمعيات التي ليس لها هدف ربحي..
ارتفاع سنوي في القروض بـ1.2 مليار دينار
وهذا الارتفاع القياسي لحجم القروض البنكية للأسر التونسية بـ 1.2 مليار دينار فقط في سنة واحدة وهي سنة 2023، يبعث الكثير من المخاوف من مزيد تآكل المقدرة الشرائية للتونسيين وتواصل ارتفاع الاستهلاك مما سيعمق مشكلة التداين الأسري في تونس حتى للأجيال القادمة...
ومن خلال تقرير المعهد الوطني للإحصاء فإن هذا الارتفاع، ناتج عن القروض الاستهلاكية، وعلى وجه التحديد القروض الممنوحة لتجديد أو تطوير السكن والنفقات، كما ارتفع صافي التدفق للقروض من 1.75 مليار دينار في سنة 2015 إلى 4.06 مليار دينار في سنة 2022.
كما أن معدل دين الأسر اليوم يتزايد بشكل مستمر بين سنوات 2015 و2019 (حوالي 41.6 بالمائة من الدخل الوطني المتاح في المتوسط) ليرتفع في سنة 2020 إلى 52.4 بالمائة وينخفض مرة أخرى إلى 49.5 بالمائة في سنة 2022.
وفي الوقت الذي تتعمق فيه التبعية المالية للتونسيين، تُراكم البنوك التونسية من سنة إلى أخرى عائدات هامة ومرابيح قياسية غذاها تزايد حجم القروض الاستهلاكية الممنوحة للتونسيين، التي تستفيد منها من خلال العمولات والفوائض "المجحفة"، حتى تحصد في آخر مؤشرات لها وبالتوازي مع أرقام تقرير المعهد الوطني للإحصاء، عائدات تقدر بـ 4365 مليون دينار، في شكل فوائض وعمولات موظفة على الحرفاء، خلال كامل سنة 2022، بعد أن تجاوز قائم ودائع الحرفاء الـ85 مليار دينار، 30 مليار دينار منها لدى البنوك العمومية، ليصل بذلك الناتج البنكي الصافي للبنوك التونسية، المدرجة بالبورصة، إلى قرابة الـ 6225 مليون دينار، نهاية 2022، أي بزيادة تُقدر بقرابة الـ 12%، مقارنة بسنة 2021.
هذه المؤشرات تؤكد توجه التونسيين المتزايد إلى الاقتراض، بعد أن أصبح ملاذهم الوحيد في ظل تدهور المقدرة الشرائية وغلاء المعيشة وسط تزايد متطلبات الحياة اليومية، ليفوق عدد الأسر التونسية المدانة لدى البنوك الـ900 ألف بقيمة قروض جملية تفوق الـ 55 مليار دينار، حسب آخر إحصائيات رسمية من المعهد الوطني للاستهلاك، في النصف منها قروض سكنية، وبقية القروض استهلاكية بامتياز تتجه نحو التعليم والسفر والصحة..
هذا الاستقطاب المتزايد، جعل أغلب البنوك التجارية العمومية منها والخاصة تتنافس في إطلاق خدمات جديدة بحوافز مغرية، مقابل مواصلتها لفرض عمولات وفوائض ثقيلة وخاصة "غير مفهومة"، لأنها تعتبرها مصادر ثمينة لا يستهان بها في توفير عائدات قياسية، والأخطر من ذلك أن هذه العمولات في تزايد مستمر وبشكل شهري تقريبا دون رقابة ولا محاسبة من قبل الدولة...
وينضاف إلى سياسات البنوك الاستنزافية، تزايد عدد المطالب المرفوضة لمنح قروض جديدة للتونسيين وصد أبواب عدد كبير من البنوك أمام المستثمرين ورفض تمويلهم بتعلة شح السيولة، والحال أن البنوك التونسية قد وجدت ضالتها في تمويل الدولة الذي تستفيد منه على مستوى المردودية الأكثر والمخاطر الأقل.
البنوك المستفيدة والدولة لا تتفاعل لصالح الحريف
بالمقابل، لم نر من الحكومة أي تفاعل لحماية المستهلك من هذا التوغل للبنوك وبقيت سياسة الاستنزاف متواصلة، إلى أن أقر البنك المركزي التونسي الهيكل الرقابي والمنظم للقطاع المصرفي في تونس جملة من الإجراءات التي تهدف بالأساس إلى دعم الاندماج الاقتصادي وتخفيف العملات على الحرفاء.
فقد البنك المركزي التونسي بداية من شهر فيفري المنقضي 2024 في تنفيذ إجراءات جديدة تمكن حرفاء البنوك من مراجعة بعض التعريفات مع مجانية عديد الخدمات على مدى سنة كاملة، وتشمل هذه الإجراءات تسقيف الرسوم الموظفة على الخدمات بـ3 دنانير شهريا بالنسبة للحرفاء الذين يقل دخلهم الشهري الصافي أو يساوي 1500 دينار.
وفي هذا الإطار، قال الخبير البنكي والمالي احمد كرم في تصريح إعلامي إن هذه الإجراءات هامة لأنها تشجع على الاندماج المالي والدفع الالكتروني، لافتا إلى أنها مساهمة من القطاع البنكي في مساعدة حرفائه...
كما اعتبر البنك المركزي التونسي، أن هذه الإجراءات الرامية إلى حماية حرفاء البنوك، تندرج بالأساس في إطار تدعيم مهمة حماية مستعملي الخدمات البنكية المناطة بعهدته كمؤسسة الإصدار الوطنية المراقبة للبنوك في علاقة بحرفائها...
وفي سياق مواصلة تعزيز منظومته الترتيبية، كان قد أصدر البنك المركزي منشورين يتعلق أحدهما بضبط شروط تسويق المنتجات والخدمات المالية وتسعيرها فيما يهم الآخر مراجعة بعض العمولات البنكية:
ويتعلّق المنشور عدد 2 لسنة 2024 بضبط شروط تسويق المنتجات والخدمات المالية وتسعيرها، حيث يهدف إلى وضع المتطلبات التي يتعين على البنوك والمؤسسات المالية الالتزام بها قبل تسويق أي منتج أو خدمة مالية بالإضافة إلى المتطلبات المتعلقة بالتسعيرة.
ويتعلّق المنشور عدد 3 لسنة 2024 بمراجعة بعض العمولات البنكية، ويهدف إلى مراجعة مستوى تسعير ستّ عمولات بنكية تماشيا مع الجهود الوطنية الرامية إلى مكافحة الإقصاء المالي وإلى تطوير وسائل الدفع الرقمية.
كما تجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي التونسي يرمي من خلال إصدار هذين المنشورين إلى تكريس مسؤولية البنوك والمؤسسات المالية في إرساء سياسة تجارية وتسعيرية شفافة كفيلة بتعزيز الإدماج المالي وتضع مصلحة الحريف أولوية إستراتيجية، وفق بلاغه.
إجراءات البنك المركزي غير كافية لامتصاص المديونية
وقد لا تكون هذه الإجراءات الصادرة عن مؤسسة الإصدار الوطنية ناجعة للتخفيف من ثقل مديونية الأسر التونسية في قادم الأيام، باعتبار أن التقليص أو تجميد بعض العمولات والاداءات البنكية لن تكون بمفردها كافية لحل المشكل لان الإشكال هيكلي بالأساس ويتطلب دراسة لمستوى عيش التونسي ومعدل دخله الشهري الذي لم يشهد تحسنا منذ سنوات، ففي الوقت الذي ارتفع فيه الدخل الفردي في أغلب دول العالم، تذيلت تونس مراتب متأخرة من حيث الدول ذات الدخل المنخفض، علما وأن العديد من الدراسات المحلية والعالمية، قيمت تراجع الدخل الفردي للتونسي إلى أكثر من 30% خلال العشرية الماضية.
كما دعت العديد من الجهات الدولية تونس إلى ضرورة مواكبة التغيرات العالمية للرفع من دخل الفرد التونسي، ونشر البنك الدولي، مؤخرا، تقريرا حول اقتصاديات دول العالم للعام الحالي، وصنفها إلى أربع مجموعات، ما بين مرتفع أكثر من 13,205 دولار، ومتوسط 4,256 -13,205 دولار، ومنخفض 1,086- 4,256 دولار، ومنخفض جدا أقل من 1085 دولارا، ويتم تحديث التصنيفات كل عام في غرة جويلية، وتستند تقديرات البنك الدولي الرسمية لحجم الاقتصاديات إلى الدخل القومي الإجمالي المحول إلى الدولار الأمريكي.
ومن بين الدول العربية ذات الدخل المرتفع كانت دول الخليج، الكويت، السعودية، قطر، الإمارات، عمان، البحرين، أما الدول العربية ذات الدخل المتوسط فهي العراق، ليبيا والأردن، أما باقي الدول العربية أغلبها في فئة الدخل المنخفض كالمغرب، مصر، لبنان، موريتانيا، جزر القمر، تونس، الجزائر، جيبوتي والأراضي الفلسطينية، وهي يلدان بلغ معدل الدخل الفردي فيها اقل من 4255 دولارا، أما سوريا، اليمن، السودان، والصومال فهي تحت فئة دول الدخل المنخفض جدا، والتي تصل إلى أقل من 1085 دولارا.
ويتراوح معدل الدخل الفردي للتونسي كامل اليوم في حدود 15 دينارا تونسيا إلى 30 دينارا تونسيا، أي مابين 5 اورو إلى 10 اورو، وهذا لا يكفي إطلاقا لتلبية احتياجاته في بلد يحتوي على ثروات طبيعية هائلة، كما تصنف أجور التونسيين من اقل الأجور إقليميا، بالإضافة إلى أنها الأقل على مستوى العالم، في بلد يحقق إيرادات تقارب 39 مليار دولار سنويا...
هذا الوضع يؤكد ضرورة العمل على مراجعة الأجور في تونس، وتحسين معدل الدخل الفردي للتونسيين، لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وضمان حقوق العمال، وخاصة للتقليص من حجم ديون الأسر لدى البنوك والتي بلغت أرقاما قياسية، علما وان الأجور التونسية لم تشهد تحسنا منذ السبعينات من القرن الماضي، وذلك اثر قرار حكومي في الحط منها لجلب الاستثمارات الخارجية....