إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صباح الخير .. إدارة فاشلة لا تصنع دولة ناجحة !

الافتتاحية

 

من الخيارات الكبرى التي تتبناها الدولة اليوم بحرص سياسي شديد من رئيس الجمهورية والحكومة هو مسألة التدقيق في الانتدابات أو تطهير الإدارة من الانتدابات العشوائية التي تمت عن طريق المحاباة وليس الكفاءة، وقد تطرقنا سابقا إلى اعتبار أن هذا التوجّه محمود وصائب ويدعّم الثقة في الدولة كجهاز تنفيذي يجب أن يكون محكوما بالشفافية والنزاهة، رغم التحفّظ على مصطلح "التطهير" الذي يحيل على مرجعيات غير حقوقية، إلا أن ذلك لا ينفي أن هذا التدقيق بات عملية ضرورية لتخليص الإدارة من المكبلات البشرية واللوجستية حتى تقوم بدورها كما يجب وهي الإدارة العاجزة والبيروقراطية التي تثقل جهاز الدولة ولا تساعده في الإنجاز والنجاعة !

غير أنه وإلى اليوم وبعد أشهر من إقرار هذا التوجّه ما يزال برنامج التدقيق متعثّرا.. ووفق المعطيات التي صرّحت بها لجنة قيادة عمليات التدقيق في الانتدابات والإدماج بالوظيفة العمومية والهيئات والمؤسسات فإن عملية التدقيق هذه ستشمل حوالي 432 ألف انتدابا بعد الثورة وهو عدد مهول يتطلب الكثير من الإمكانيات اللوجستية والمادية، ووفق بلاغ رئاسة الجمهورية الأخير، فإن نسبة الاستجابة لمطالب التدقيق التي وجهتها لجنة القيادة الى الإدارة لم تتم إلا بنسبة 60 بالمائة من هذه المطالب !

وهذه النسبة تعكس بوضوح عدم تفاعل الإدارات العمومية مع القرار السياسي بشكل مرن وناجع، بقدر ما يؤكّد مرة أخرى أن مشاكل الإدارة أعمق من هذه الانتدابات غير القانونية، بل هي مشكلة هيكلية في مستوى أن الإدارة التونسية ما تزال الى اليوم متخلّفة عن مجاراة التطور التكنولوجي وأنها ما تزال إدارة بدائية مكبّلة بالتراتبية الوظيفية وكثرة التواقيع التي أنتجت بيروقراطية متكلسة يصعب تجاوزها مع تكّدس عشرات المناشير والقوانين التي تحدّ من النجاعة ولا تخدمها ..

كما أنه بعد الثورة ومع التغييرات السياسية المتسارعة وعدم الاستقرار السياسي والحكومي وحتى تحمي أغلب الإدارات نفسها من رياح التغيير تلك، تقوقعت جلّ المصالح الإدارية على نفسها وأصبح التعامل معها شديد التعقيد وخاضع لتراتبية وظيفية رتيبة ومملة وغير منسجمة بتاتا مع السرعة التي تتطلبها بعض القرارات والخيارات في الإنجاز !

ولأجل كل ذلك فإن إصلاح الإدارة يتجاوز مسألة التدقيق في الانتدابات والتي هي جزء فقط من هذا الإصلاح.. ولكن مع وضعية الإدارة اليوم فإن الأمر يمكن أن يستغرق سنوات ودون أن نصل في النهاية الى تحقيق نتيجة إيجابية أو عادلة، ولكن ما ينبغي المسارعة للقيام به هو تطهير الإدارة من ترسانة المناشير والقوانين والأوامر التي تثقل العمل الإداري وتكرّس بيروقراطية مزمنة في كل المصالح، وإحداث تشريعات جديدة تستجيب لتطورات العصر وتراهن على السرعة والنجاعة والانجاز، الى جانب إعادة هيكلة المصالح الوزارية والإدارية وعصرنتها والعمل على إدماجها تكنولوجيا والتخلّص من تلك التراتبية الوظيفية المتكلسة التي تعيق العمل الإداري ..

فلا يمكن أن تتقدّم الدولة وتنهض وهي مثقلة بكل تلك المشاكل التي حولت بعض الإدارات الى مصالح روتينية، رتيبة، فاقدة للنجاعة وروح المبادرة والى جانب الذهنية السائدة لدى أغلب الموظفين الذين ينقصهم الخلق والإبداع ويكتفون بأداء وظائفهم بشكل رتيب وممل لا يخدم لا الدولة ولا المواطن !

منية العرفاوي

الافتتاحية

 

من الخيارات الكبرى التي تتبناها الدولة اليوم بحرص سياسي شديد من رئيس الجمهورية والحكومة هو مسألة التدقيق في الانتدابات أو تطهير الإدارة من الانتدابات العشوائية التي تمت عن طريق المحاباة وليس الكفاءة، وقد تطرقنا سابقا إلى اعتبار أن هذا التوجّه محمود وصائب ويدعّم الثقة في الدولة كجهاز تنفيذي يجب أن يكون محكوما بالشفافية والنزاهة، رغم التحفّظ على مصطلح "التطهير" الذي يحيل على مرجعيات غير حقوقية، إلا أن ذلك لا ينفي أن هذا التدقيق بات عملية ضرورية لتخليص الإدارة من المكبلات البشرية واللوجستية حتى تقوم بدورها كما يجب وهي الإدارة العاجزة والبيروقراطية التي تثقل جهاز الدولة ولا تساعده في الإنجاز والنجاعة !

غير أنه وإلى اليوم وبعد أشهر من إقرار هذا التوجّه ما يزال برنامج التدقيق متعثّرا.. ووفق المعطيات التي صرّحت بها لجنة قيادة عمليات التدقيق في الانتدابات والإدماج بالوظيفة العمومية والهيئات والمؤسسات فإن عملية التدقيق هذه ستشمل حوالي 432 ألف انتدابا بعد الثورة وهو عدد مهول يتطلب الكثير من الإمكانيات اللوجستية والمادية، ووفق بلاغ رئاسة الجمهورية الأخير، فإن نسبة الاستجابة لمطالب التدقيق التي وجهتها لجنة القيادة الى الإدارة لم تتم إلا بنسبة 60 بالمائة من هذه المطالب !

وهذه النسبة تعكس بوضوح عدم تفاعل الإدارات العمومية مع القرار السياسي بشكل مرن وناجع، بقدر ما يؤكّد مرة أخرى أن مشاكل الإدارة أعمق من هذه الانتدابات غير القانونية، بل هي مشكلة هيكلية في مستوى أن الإدارة التونسية ما تزال الى اليوم متخلّفة عن مجاراة التطور التكنولوجي وأنها ما تزال إدارة بدائية مكبّلة بالتراتبية الوظيفية وكثرة التواقيع التي أنتجت بيروقراطية متكلسة يصعب تجاوزها مع تكّدس عشرات المناشير والقوانين التي تحدّ من النجاعة ولا تخدمها ..

كما أنه بعد الثورة ومع التغييرات السياسية المتسارعة وعدم الاستقرار السياسي والحكومي وحتى تحمي أغلب الإدارات نفسها من رياح التغيير تلك، تقوقعت جلّ المصالح الإدارية على نفسها وأصبح التعامل معها شديد التعقيد وخاضع لتراتبية وظيفية رتيبة ومملة وغير منسجمة بتاتا مع السرعة التي تتطلبها بعض القرارات والخيارات في الإنجاز !

ولأجل كل ذلك فإن إصلاح الإدارة يتجاوز مسألة التدقيق في الانتدابات والتي هي جزء فقط من هذا الإصلاح.. ولكن مع وضعية الإدارة اليوم فإن الأمر يمكن أن يستغرق سنوات ودون أن نصل في النهاية الى تحقيق نتيجة إيجابية أو عادلة، ولكن ما ينبغي المسارعة للقيام به هو تطهير الإدارة من ترسانة المناشير والقوانين والأوامر التي تثقل العمل الإداري وتكرّس بيروقراطية مزمنة في كل المصالح، وإحداث تشريعات جديدة تستجيب لتطورات العصر وتراهن على السرعة والنجاعة والانجاز، الى جانب إعادة هيكلة المصالح الوزارية والإدارية وعصرنتها والعمل على إدماجها تكنولوجيا والتخلّص من تلك التراتبية الوظيفية المتكلسة التي تعيق العمل الإداري ..

فلا يمكن أن تتقدّم الدولة وتنهض وهي مثقلة بكل تلك المشاكل التي حولت بعض الإدارات الى مصالح روتينية، رتيبة، فاقدة للنجاعة وروح المبادرة والى جانب الذهنية السائدة لدى أغلب الموظفين الذين ينقصهم الخلق والإبداع ويكتفون بأداء وظائفهم بشكل رتيب وممل لا يخدم لا الدولة ولا المواطن !

منية العرفاوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews