إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

درس انتخابي من السينغال

فاز فاي منذ الدورة الأولى بالرئاسة، ولم يلبث مكي سال أن هاتفه وهنأه وهنا تتجلى درجة المسؤولية وحب الوطن لدى رجال الدولة السينغاليين

رشيد خشانة*

أنقذ الرئيس السينغالي مكي سال بلاده من حرب أهلية طاحنة، بقبوله خوض معركة انتخابية سلمية وشفافة، مع منافسه الرئيسي بصيرو فاي، وتقبُله للنتائج بعد ذلك، بالرغم من أنها كرست هزيمته. وسيكون الرئيس المقبل فاي أصغر رئيس يتولى حكم السنغال، إذ لا يتجاوز سنه 44 عاما، وهو مرشح حزب المعارضة الرئيسي.

في البداية كانت الأمور تبعث على الفزع، إذ أرجأ مكي سال الانتخابات شهرا، وهي علامة ارتباك واضحة، لسد الطريق أمام المنافس الرئيسي، بينما كان برميل البارود يُهدد بالانفجار. وقبل عشرة أيام فقط من يوم الاقتراع، كان فاي قابعا في سجن كاب مانوال، في جنوب العاصمة دكار. وكانت البلاد متوغلة في أزمة دستورية وسياسية، حتى أن الحملة الانتخابية "مرت مرور البرق" مثلما كتبت مبعوثة صحيفة "لوموند" إلى دكار كومبا كان.

وطنية ومسؤولية

فاز فاي منذ الدورة الأولى بالرئاسة، ولم يلبث مكي سال أن هاتفه وهنأه بالفوز. وهنا تتجلى درجة المسؤولية وحب الوطن لدى رجال الدولة السينغاليين. وسبقت هذا الانتقال العسير في 2024، تجربةٌ مشابهة في نهاية الدورات الرئاسية للرئيس الأسبق عبدو ضيوف (1981-2000)، الذي خلف الرئيس/ الشاعر ليوبولد سيدار سنغور، أول رئيس للسينغال (بداية من 1960)، إذ أصر ضيوف على إقصاء منافسيه ولم يقبل نتائج الاقتراع، التي لم تكن لصالحه. لكن عندما شارف البلد على الدخول في حرب أهلية، تراجع ضيوف وأخلى مقعد الرئاسة لمنافسه عبد الله واد. ومن أمارات الذكاء السياسي للرئيس المنتخب فال، أنه أعلن مباشرة بعد الفوز، أنه سيركز على تحقيق المصالحة، التي أكد أنها ستكون أولوية الأولويات لديه. وهذه أمارة أخرى من أمارات دقة الرؤية وصدق الالتزام والشعور بالمسؤولية، فالرئيس الجديد أبطل، برسائله الواضحة، مفعول القنابل التي كانت ستتفجر لو ركب سال رأسه وانتصر لشق على آخر. ولا ينبغي التقليل هنا من دور المؤسسات الدستورية، التي صمدت في هذا الاختبار الكبير، وحافظت على المكاسب التي راكمها السينغاليون، على مدى أكثر من نصف قرن، من المسار الديمقراطي.

النموذج المُضاد

يتفق المراقبون على أن التجربة الديمقراطية السينغالية، وهي من المنارات القليلة في القارة الإفريقية، مرت بمراحل دقيقة ومعقدة، منذ "استقلال" البلد في 1960، وكادت تنهار تحت ضربات الحكام الأفارقة الاستبداديين، الذين رأوا في تلك التجربة الغضة، مثالا سيئا يمكن أن يشجع نُخبهم على المطالبة بمثله. غير أن الرئيس ليوبولد سنغور كان على قناعة راسخة بضرورة وضع بلاده على سكة التعددية والديمقراطية. وهذا دليل على أنه يحترم شعبه ويعتبره جديرا بحياة سياسية متطورة.

أكثر من ذلك كان سنغور يسعى لإقناع الحكام الأفارقة الآخرين بالانطلاق في مسار التعددية. وكان من بين من قدم لهم النصح الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، إلا أن "المجاهد الأكبر" رفض النصيحة... واغتاظ من صديقه سنغور.

من السجن إلى الرئاسة

في 14 أفريل الماضي، أي منذ أقل من سنة، أدخل المعارض فاي، الذي أصبح اليوم رئيسا، إلى السجن بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، قبل أن تضطر السلطات إلى إخلاء سبيله قبل الاقتراع بأربعة أيام، ومن ثم انفتح طريق القصر الرئاسي أمامه. هي تجربة تستحق التأمل في أطوارها ومنعرجاتها، بُغية استخلاص بعض الدروس، من تجربة ديمقراطية نادرة، تنتمي إلى قارتنا.

* سياسي وإعلامي

 

 

 

 

درس انتخابي من السينغال

فاز فاي منذ الدورة الأولى بالرئاسة، ولم يلبث مكي سال أن هاتفه وهنأه وهنا تتجلى درجة المسؤولية وحب الوطن لدى رجال الدولة السينغاليين

رشيد خشانة*

أنقذ الرئيس السينغالي مكي سال بلاده من حرب أهلية طاحنة، بقبوله خوض معركة انتخابية سلمية وشفافة، مع منافسه الرئيسي بصيرو فاي، وتقبُله للنتائج بعد ذلك، بالرغم من أنها كرست هزيمته. وسيكون الرئيس المقبل فاي أصغر رئيس يتولى حكم السنغال، إذ لا يتجاوز سنه 44 عاما، وهو مرشح حزب المعارضة الرئيسي.

في البداية كانت الأمور تبعث على الفزع، إذ أرجأ مكي سال الانتخابات شهرا، وهي علامة ارتباك واضحة، لسد الطريق أمام المنافس الرئيسي، بينما كان برميل البارود يُهدد بالانفجار. وقبل عشرة أيام فقط من يوم الاقتراع، كان فاي قابعا في سجن كاب مانوال، في جنوب العاصمة دكار. وكانت البلاد متوغلة في أزمة دستورية وسياسية، حتى أن الحملة الانتخابية "مرت مرور البرق" مثلما كتبت مبعوثة صحيفة "لوموند" إلى دكار كومبا كان.

وطنية ومسؤولية

فاز فاي منذ الدورة الأولى بالرئاسة، ولم يلبث مكي سال أن هاتفه وهنأه بالفوز. وهنا تتجلى درجة المسؤولية وحب الوطن لدى رجال الدولة السينغاليين. وسبقت هذا الانتقال العسير في 2024، تجربةٌ مشابهة في نهاية الدورات الرئاسية للرئيس الأسبق عبدو ضيوف (1981-2000)، الذي خلف الرئيس/ الشاعر ليوبولد سيدار سنغور، أول رئيس للسينغال (بداية من 1960)، إذ أصر ضيوف على إقصاء منافسيه ولم يقبل نتائج الاقتراع، التي لم تكن لصالحه. لكن عندما شارف البلد على الدخول في حرب أهلية، تراجع ضيوف وأخلى مقعد الرئاسة لمنافسه عبد الله واد. ومن أمارات الذكاء السياسي للرئيس المنتخب فال، أنه أعلن مباشرة بعد الفوز، أنه سيركز على تحقيق المصالحة، التي أكد أنها ستكون أولوية الأولويات لديه. وهذه أمارة أخرى من أمارات دقة الرؤية وصدق الالتزام والشعور بالمسؤولية، فالرئيس الجديد أبطل، برسائله الواضحة، مفعول القنابل التي كانت ستتفجر لو ركب سال رأسه وانتصر لشق على آخر. ولا ينبغي التقليل هنا من دور المؤسسات الدستورية، التي صمدت في هذا الاختبار الكبير، وحافظت على المكاسب التي راكمها السينغاليون، على مدى أكثر من نصف قرن، من المسار الديمقراطي.

النموذج المُضاد

يتفق المراقبون على أن التجربة الديمقراطية السينغالية، وهي من المنارات القليلة في القارة الإفريقية، مرت بمراحل دقيقة ومعقدة، منذ "استقلال" البلد في 1960، وكادت تنهار تحت ضربات الحكام الأفارقة الاستبداديين، الذين رأوا في تلك التجربة الغضة، مثالا سيئا يمكن أن يشجع نُخبهم على المطالبة بمثله. غير أن الرئيس ليوبولد سنغور كان على قناعة راسخة بضرورة وضع بلاده على سكة التعددية والديمقراطية. وهذا دليل على أنه يحترم شعبه ويعتبره جديرا بحياة سياسية متطورة.

أكثر من ذلك كان سنغور يسعى لإقناع الحكام الأفارقة الآخرين بالانطلاق في مسار التعددية. وكان من بين من قدم لهم النصح الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، إلا أن "المجاهد الأكبر" رفض النصيحة... واغتاظ من صديقه سنغور.

من السجن إلى الرئاسة

في 14 أفريل الماضي، أي منذ أقل من سنة، أدخل المعارض فاي، الذي أصبح اليوم رئيسا، إلى السجن بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، قبل أن تضطر السلطات إلى إخلاء سبيله قبل الاقتراع بأربعة أيام، ومن ثم انفتح طريق القصر الرئاسي أمامه. هي تجربة تستحق التأمل في أطوارها ومنعرجاتها، بُغية استخلاص بعض الدروس، من تجربة ديمقراطية نادرة، تنتمي إلى قارتنا.

* سياسي وإعلامي

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews