إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أي حضور وأي معنى للماركسية في زمن التحولات ؟ (2/2)

فهل نفهم ماركس من خلال ما أنتجه هو نفسه أم من خلال ما أنتجه الماركسيون بعده؟

نوفل سلامة

الجواب فيما قدمه أنتونيو قرامشي (مناضل ماركسي إيطالي ولد سنة 1891 وتوفى في سنة 1937) وحنّة أرنت ( مفكرة ماركسية ألمانية ولدت سنة 1906 وتوفيت سنة 1975) وغيرهما من المجددين للنص الماركسي وكل الكتاب الذي حاولوا أن يطوروا ماركس ويجعلوه راهنيا وغير معني فقط بزمانه وإشكاليات واقعه وقضايا عصره فـ"قرامشي" مثلا قلب نظرية ماركس رأسا على عقب وقال بأن البنى الفوقية من فكر وثقافة ودين وأخلاق وقوانين هي التي تؤثر على البنى التحتية بما هي علاقات داخل المجتمع بما يعني وعلى عكس ما قاله ماركس فإن القوانين والدين والفكر والثقافة هي التي تحدد نوع العلاقة داخل المجتمع وطبيعتها فالتغيير يقع من الفوق من خلال الفكر والثقافة والتعليم ولمح إلى أن الصراع تقوده الأبنية الفوقية ومن يملكها باستطاعته التحكم في المجتمع وتغييره لذلك يجب حسب رأيه أن نكون أغلبية حتى نتمكن من فرض أفكارنا. وهذا يحيلنا على النقاش الذي ما زال مثارا إلى اليوم داخل العائلة اليسارية الماركسية حول أيهما أسبق الوعي أم الواقع ؟ وهل أن الوعي ينتج الواقع أم أن الواقع هو من يصنع وعي الناس ؟ فهل أن الوعي بالاستيلاب والهيمنة هو نتاج الواقع أم هو حالة ذهنية سابقة عنه؟ فالمراجعة التي قام بها" قرامشي" للنص الماركسي كما كتبه ماركس مهمة لفهم لماذا لم تحقق أفكار ماركس ثورة في ألمانيا وقد كانت حينها مهيأة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وحتى الفكرية لذلك؟ ولماذا لم تقع الثورة في انقلترا كما توقع لها وإنما حصلت في روسيا القيصرية البلد الذي لا يتوفر على طبقة عمالية مضطهدة وإنما على طبقة من الفلاحين هي التي قادت الثورة البلشفية التي غيرت العالم ؟

ما قدمه قرامشي هو تصحيح للكثير من الأخطاء في التفكير الماركسي بعد أن تخلى عن الكثير من المقولات التي أنتجها النص المؤسس الأول والكثير من رؤى صاحب نظرية التأسيس الأول وقدم صورة عن الدولة البديلة التي تقوم على فكرة مجتمع مدني ومجتمع سياسي متجانس وبنى قمعية متصارعة معه وجاء بفكرة الكتلة التاريخية والمثقف العضوي محركين للتغيير الاجتماعي ودافع عن فكرة البنية الفوقية هي المحرك للتغيير على عكس الماركسية التقليدية فـ"قرامشي" يتحول اليوم إلى مرجع أساسي لفهم المتغيرات العالمية وقضايا الإنسان المعاصر. فهل كنا في حاجة إلى هذه التعديلات حتى نتحدث عن راهنية ماركس؟

أراد" قرامشي" إنتاج ثقافة تقاوم الهيمنة واعتبر أن الأفراد لا يحكمون بالقوة وإنما بالأفكار،هو من بنى مفهوم الهيمنة والوعي الفوقي وقد استفادت الثورات من أفكاره ومن مفهوم الهيمنة الذي طوره، كان يؤمن بأن الثورة هي حلم كل إنسان مضطهد ومستلب وجاء بفكرة التغيير من خلال حرب المواقع طويلة الأمد أي إنتاج الهيمنة المضادة ونصرة المقموعين وسكان الهوامش من خلال إنتاج مثقفين يتحولون إلى كتلة تاريخية تقوم بدور تاريخي بعد الالتحاق بالقوى المستضعفة للقيام بثورتها.

التحدي الذي يعترض مطلب راهنية ماركس والإحراج الذي وقفت عليه هذه الندوة عن ماركس في ذكرى وفاته في الحديث عن أهمية استحضار الفكر الماركسي اليوم واستدعاء النصوص الأولى لماركس فهل أن الراهنية تكون بالعودة للنص الأصلي لكارل ماركس أم أن الراهنية فيما كتبه المجددون من الماركسين وما قدموه من إضافات وتجديد ومراجعات للنظرية الأولى وأسسها الفكرية كما كتبها ماركس لتفسير التاريخ وفهم العالم نحو تغييره ؟

التحدي فيما عجزت عن تفسيره والإجابة عليه من أسئلة جديدة ظهرت بعد وفاته في قضايا تلامس حقوق الأقليات وموضوع العنصرية والمسألة النسوية والمثلية الجنسية والقضايا الايكولوجية التي لا يمكن أن نجيب عليها باعتماد على أدوات التحليل والمفاهيم التي أنتجها ماركس عن المجتمع الرأسمالي في القرن التاسع عشر.

التحدي أمام الراهنية المطلوبة للنص الماركسي في التيار الشعبوي الذي بدأ يكتسح الفضاءات العامة والمجال السياسي والمناخات السياسية التي قدمت هذا التيار حلا لكل الخيارات التي تقوم عليها المجتمعات والدولة الحديثة وقدمت الشعبوية تجاوزا للفكر الماركسي وتخليا على أهم أدوات التحليل الذي جاء بها ماركس القائمة على فكرة صراع الطبقات والبنية التحتية محركا للتغيير الاجتماعي والعنف الثوري ودولة "البروليتاريا" ودور العمال في تحقيق التغيير والثورة . كيف يكون ماركس راهنيا ومفيدا ولا يمكن الاستغناء عنه والشعبوية تكتسح العالم بقوة والأحداث تتغير وتؤثر فيها عوامل كثيرة غير العامل الوحيد الذي حدده ماركس والذي حصره في العامل الاقتصادي ؟

فهل نفهم ماركس من خلال ما أنتجه هو نفسه أم من خلال ما أنتجه الماركسيون بعده؟ هل نفهم الراهنية بالعودة إلى النص الأصلي لماركس لفهم العالم وتشريحه نحو تغييره أم من خلال الكتابات الماركسية التي وصفت بالتجديدية والتحريفية المتجاوزة ؟ هل نفهم راهنية ماركس في الفراغات التي نجدها في النص المؤسس لماركس والتي لا تجيب على سؤال العنصرية والمثلية والمهاجرين والنسوية وقضايا البيئة والأقليات وبقيت حبيسة إشكاليات قديمة في قضايا القرن التاسع عشر؟

للخروج من هذا المأزق الذي وقعت فيه هذه الندوة حينما حشرت ماركس مع "قرامشي" وغيره من المجددين للماركسية فيما ختم به الأستاذ فتحي التريكي من أن الماركسية لا يمكن أن تكون إلا شعبوية وإذا أقصينا الشعب وطلباته من الماركسية نكون قد تحولنا من الواقع إلى النقاش الفلسفي.إن الراهنية مطلوبة لأن المقصود منها هو إعادة إنتاج الفكرة التي لم تمت وإنما الذي مات هو النموذج الذي تبناها في مرحلة ما من التاريخ. الماركسية لم تمت لأن الفكرة رؤية يمكن إعادة إنتاجها كلما توفرت ظروفها وما قدمه كارل ماركس يبقى حيا لأنه قدم للإنسانية أدوات تحليل وآليات تفكير ومفاهيم ومقاربات وطريقة تحليل لا يمكن الاستغناء عنها مهما تقدم التاريخ .

والسؤال الذي يبقى مطروحا إلى أي حد يقنع هذا الكلام في عالم كل شيء فيه متحرك ومعقد ومركب وقابل للتحول في أية لحظة وأخر هذه الأسئلة الحرجة لراهنية ماركس سؤال غزة وكيف نفهم انطلاقا من النص المؤسس الذي أنتجه كارل ماركس ما يحصل اليوم من حرب بين غزة والاحتلال الإسرائيلي ؟ وكيف نفهم بالعودة إلى ماركس ما يحصل من تحولات عالمية تسببت فيها عملية طوفان الأقصى ؟ وكيف نفهم الكثير من القضايا المعاصرة بالاستعانة بالجهاز المفاهيمي لماركس الذي خرج عنه وتجاوزه المجددون من الماركسيين ؟

 

 

 

 

 

أي حضور وأي معنى للماركسية في زمن التحولات ؟ (2/2)

فهل نفهم ماركس من خلال ما أنتجه هو نفسه أم من خلال ما أنتجه الماركسيون بعده؟

نوفل سلامة

الجواب فيما قدمه أنتونيو قرامشي (مناضل ماركسي إيطالي ولد سنة 1891 وتوفى في سنة 1937) وحنّة أرنت ( مفكرة ماركسية ألمانية ولدت سنة 1906 وتوفيت سنة 1975) وغيرهما من المجددين للنص الماركسي وكل الكتاب الذي حاولوا أن يطوروا ماركس ويجعلوه راهنيا وغير معني فقط بزمانه وإشكاليات واقعه وقضايا عصره فـ"قرامشي" مثلا قلب نظرية ماركس رأسا على عقب وقال بأن البنى الفوقية من فكر وثقافة ودين وأخلاق وقوانين هي التي تؤثر على البنى التحتية بما هي علاقات داخل المجتمع بما يعني وعلى عكس ما قاله ماركس فإن القوانين والدين والفكر والثقافة هي التي تحدد نوع العلاقة داخل المجتمع وطبيعتها فالتغيير يقع من الفوق من خلال الفكر والثقافة والتعليم ولمح إلى أن الصراع تقوده الأبنية الفوقية ومن يملكها باستطاعته التحكم في المجتمع وتغييره لذلك يجب حسب رأيه أن نكون أغلبية حتى نتمكن من فرض أفكارنا. وهذا يحيلنا على النقاش الذي ما زال مثارا إلى اليوم داخل العائلة اليسارية الماركسية حول أيهما أسبق الوعي أم الواقع ؟ وهل أن الوعي ينتج الواقع أم أن الواقع هو من يصنع وعي الناس ؟ فهل أن الوعي بالاستيلاب والهيمنة هو نتاج الواقع أم هو حالة ذهنية سابقة عنه؟ فالمراجعة التي قام بها" قرامشي" للنص الماركسي كما كتبه ماركس مهمة لفهم لماذا لم تحقق أفكار ماركس ثورة في ألمانيا وقد كانت حينها مهيأة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وحتى الفكرية لذلك؟ ولماذا لم تقع الثورة في انقلترا كما توقع لها وإنما حصلت في روسيا القيصرية البلد الذي لا يتوفر على طبقة عمالية مضطهدة وإنما على طبقة من الفلاحين هي التي قادت الثورة البلشفية التي غيرت العالم ؟

ما قدمه قرامشي هو تصحيح للكثير من الأخطاء في التفكير الماركسي بعد أن تخلى عن الكثير من المقولات التي أنتجها النص المؤسس الأول والكثير من رؤى صاحب نظرية التأسيس الأول وقدم صورة عن الدولة البديلة التي تقوم على فكرة مجتمع مدني ومجتمع سياسي متجانس وبنى قمعية متصارعة معه وجاء بفكرة الكتلة التاريخية والمثقف العضوي محركين للتغيير الاجتماعي ودافع عن فكرة البنية الفوقية هي المحرك للتغيير على عكس الماركسية التقليدية فـ"قرامشي" يتحول اليوم إلى مرجع أساسي لفهم المتغيرات العالمية وقضايا الإنسان المعاصر. فهل كنا في حاجة إلى هذه التعديلات حتى نتحدث عن راهنية ماركس؟

أراد" قرامشي" إنتاج ثقافة تقاوم الهيمنة واعتبر أن الأفراد لا يحكمون بالقوة وإنما بالأفكار،هو من بنى مفهوم الهيمنة والوعي الفوقي وقد استفادت الثورات من أفكاره ومن مفهوم الهيمنة الذي طوره، كان يؤمن بأن الثورة هي حلم كل إنسان مضطهد ومستلب وجاء بفكرة التغيير من خلال حرب المواقع طويلة الأمد أي إنتاج الهيمنة المضادة ونصرة المقموعين وسكان الهوامش من خلال إنتاج مثقفين يتحولون إلى كتلة تاريخية تقوم بدور تاريخي بعد الالتحاق بالقوى المستضعفة للقيام بثورتها.

التحدي الذي يعترض مطلب راهنية ماركس والإحراج الذي وقفت عليه هذه الندوة عن ماركس في ذكرى وفاته في الحديث عن أهمية استحضار الفكر الماركسي اليوم واستدعاء النصوص الأولى لماركس فهل أن الراهنية تكون بالعودة للنص الأصلي لكارل ماركس أم أن الراهنية فيما كتبه المجددون من الماركسين وما قدموه من إضافات وتجديد ومراجعات للنظرية الأولى وأسسها الفكرية كما كتبها ماركس لتفسير التاريخ وفهم العالم نحو تغييره ؟

التحدي فيما عجزت عن تفسيره والإجابة عليه من أسئلة جديدة ظهرت بعد وفاته في قضايا تلامس حقوق الأقليات وموضوع العنصرية والمسألة النسوية والمثلية الجنسية والقضايا الايكولوجية التي لا يمكن أن نجيب عليها باعتماد على أدوات التحليل والمفاهيم التي أنتجها ماركس عن المجتمع الرأسمالي في القرن التاسع عشر.

التحدي أمام الراهنية المطلوبة للنص الماركسي في التيار الشعبوي الذي بدأ يكتسح الفضاءات العامة والمجال السياسي والمناخات السياسية التي قدمت هذا التيار حلا لكل الخيارات التي تقوم عليها المجتمعات والدولة الحديثة وقدمت الشعبوية تجاوزا للفكر الماركسي وتخليا على أهم أدوات التحليل الذي جاء بها ماركس القائمة على فكرة صراع الطبقات والبنية التحتية محركا للتغيير الاجتماعي والعنف الثوري ودولة "البروليتاريا" ودور العمال في تحقيق التغيير والثورة . كيف يكون ماركس راهنيا ومفيدا ولا يمكن الاستغناء عنه والشعبوية تكتسح العالم بقوة والأحداث تتغير وتؤثر فيها عوامل كثيرة غير العامل الوحيد الذي حدده ماركس والذي حصره في العامل الاقتصادي ؟

فهل نفهم ماركس من خلال ما أنتجه هو نفسه أم من خلال ما أنتجه الماركسيون بعده؟ هل نفهم الراهنية بالعودة إلى النص الأصلي لماركس لفهم العالم وتشريحه نحو تغييره أم من خلال الكتابات الماركسية التي وصفت بالتجديدية والتحريفية المتجاوزة ؟ هل نفهم راهنية ماركس في الفراغات التي نجدها في النص المؤسس لماركس والتي لا تجيب على سؤال العنصرية والمثلية والمهاجرين والنسوية وقضايا البيئة والأقليات وبقيت حبيسة إشكاليات قديمة في قضايا القرن التاسع عشر؟

للخروج من هذا المأزق الذي وقعت فيه هذه الندوة حينما حشرت ماركس مع "قرامشي" وغيره من المجددين للماركسية فيما ختم به الأستاذ فتحي التريكي من أن الماركسية لا يمكن أن تكون إلا شعبوية وإذا أقصينا الشعب وطلباته من الماركسية نكون قد تحولنا من الواقع إلى النقاش الفلسفي.إن الراهنية مطلوبة لأن المقصود منها هو إعادة إنتاج الفكرة التي لم تمت وإنما الذي مات هو النموذج الذي تبناها في مرحلة ما من التاريخ. الماركسية لم تمت لأن الفكرة رؤية يمكن إعادة إنتاجها كلما توفرت ظروفها وما قدمه كارل ماركس يبقى حيا لأنه قدم للإنسانية أدوات تحليل وآليات تفكير ومفاهيم ومقاربات وطريقة تحليل لا يمكن الاستغناء عنها مهما تقدم التاريخ .

والسؤال الذي يبقى مطروحا إلى أي حد يقنع هذا الكلام في عالم كل شيء فيه متحرك ومعقد ومركب وقابل للتحول في أية لحظة وأخر هذه الأسئلة الحرجة لراهنية ماركس سؤال غزة وكيف نفهم انطلاقا من النص المؤسس الذي أنتجه كارل ماركس ما يحصل اليوم من حرب بين غزة والاحتلال الإسرائيلي ؟ وكيف نفهم بالعودة إلى ماركس ما يحصل من تحولات عالمية تسببت فيها عملية طوفان الأقصى ؟ وكيف نفهم الكثير من القضايا المعاصرة بالاستعانة بالجهاز المفاهيمي لماركس الذي خرج عنه وتجاوزه المجددون من الماركسيين ؟

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews