إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أبيننا وبين العمل عداوة؟

بوصلة خدمة الوطن والدفاع عنه والولاء له غائبة في كثير من الاحيان

بدأ العدّ التنازلي لشهر رمضان. أدار الإشهار ظهره للحديث عن استقبال هذا الشهر وما لذّ وطاب من مأكولات ومشروبات دون مراعاة من تقبّضت أكفهم المرتجفة من سغب على ما كانت تصل إليه من إملاق. وفي هذه الأيام، أصبح الإشهار مركزا على عيد الفطر وحلوياته وملابسه وهداياه وفطور أول أيامه حسب عادات كلّ جهة أو منطقة في بلادنا وتقاليدها. ومن ناحية أخرى، بدأ يقلّ الحديث عن فقدان المواد الغذائية في الأسواق من خضر وغلال وحليب وطحين وزيت. وربما يعود ذلك إلى توفرها نسبيّا أو إلى أنّ اللّهفة قد تحوّلت إلى مستلزمات العيد.

كانت الأجواء على مدار الأربع والعشرين ساعة في الاعلام المرئي والسمعي روحانيّة منصبّة على العبادة في رمضان. وكأنّ العبادة تكون مرّة في السنة. وكأنّنا نعبد رمضان وننسى من كتب علينا صيام رمضان. وكأنّ الرّحمة والتّآزر والتّعاطف وملء قفة الفقراء والمحتاجين لا تصحّ إلاّ في شهر رمضان. وتراجع بثّ الأناشيد الدّينية التي تُقحم في كثير من الأحيان الرّسول وحفيديه الحسن والحسين والأولياء الصالحين ولو كان في ذلك إشراك بالله.

ولو أردنا الاطلاع على ما يدور من حوارات في وسائل الإعلام عموما حول الوضع السياسي والاقتصادي والنقابي والاجتماعي في بلادنا لوجدنا أن النقاشات تبدأ في أول الأسبوع بما انتهت به في آخره شكلا ومضمونا. حدّة التهم بين المحاورين تبلغ أشدها. وتعاليق قادحة أو مادحة لنشاط رئيس الدولة ورئيس الحكومة وكافة الوزارات والمنظمات الوطنية تكرّر نفسها.

نلاحظ كذلك الاهتمام بمتابعة كلّ ما يجدّ من محاكمات لسياسيين أو نقابيين أو فاعلين في المجتمع المدني دون ترك شاردة أو واردة. تتعالى الأصوات ويحتد السّجال. فهذا يحتجّ بالقول "اُنصر أخاك ظالما أو مظلوما" وذاك يبرّئ فلانا أو علاّنا والآخر يساند الجهاز القضائي وسيرورته مساندة مطلقة.

هناك أيضا من يستغلّ موجة الإيقافات والايداع في السجن لتوظيفها حزبيّا وايديولوجيا وتبرير ما أصاب حزبه أو مجموعته أو كتلته من خواء مطبق وركود مستفحل...

ولو أخذنا مسافة عن هذه الأجواء المشحونة وتأملنا بعمق تعاطي إعلامنا المكتوب والمرئي والسمعي مع المواسم الدينية أو المسائل الحقوقية لوجدنا أنّ بوصلة خدمة الوطن والدفاع عنه والولاء له غائبة في كثير من الاحيان. فأغلب النّاس تائهون يصنعون زبدا يذهب جفاء.

وبمجرّد أن نمرّ بأيّة مؤسسة من مؤسسات الدولة نزداد يقينا بأنّ حال بلادنا يبعث على الرّثاء. فهو تعيس بائس يائس لا توجد مؤشرات إيجابية لتجاوزه. وحتى نكون صادقين مع أنفسنا ومتصالحين مع واقعنا المعيش فإنّ وضع البلاد يدلّ على أنّ أغلبية مواطنيه لا يرجون له الخير. الكلّ يهرع لتحقيق مآربه. الكلّ لا يهتم بالمصلحة العمومية. الكلّ في حال عطالة. بينه وبين العمل عداوة. بينه وبين الإصلاح قطيعة. الكلّ يدعي ألاّ رأي إلاّ رأيه ولا نجاح للبلاد إلاّ بفضله.

يموج بعضنا في بعض. تسير تونس دون برامج على المدى القريب ولا المتوسط ولا البعيد. تونس أكبر الخاسرين بعد أن تخاصم أبناؤها انتصارا لأنفسهم لا دفاعا عن مصلحتها العليا. تونس خاسرة بسبب استفحال التفاهة والرداءة وموجة الخرافة وقراءة الفنجان والكفّ في محطاتنا الإعلامية وصحفنا اليومية.

وعلى العموم، فإنّ بلادنا تعيش في تصاعد مستمر لحال من الجمود الفكري ومزيد التشبث بالتقاليد والعادات البالية. ويعيش أبناؤها في تناقض مقيت فهم لا يفرّقون مثلا بين حرية الفكر والرّأي وانتقاد السّلطة وبين تجاوز الأخلاق باسم الحرية للسبّ والشّتم وهتك الأعراض. ويخلط كثيرون بين حق الاضراب والتمرد وعدم الانضباط والقيام بالواجب.

لا سبيل إلى أن يتواصل الوضع في بلادنا على ما هو عليه من تسيّب وإمعان في التسيب وعدم تحمل للمسؤولية.

مصدّق الشّريف

 

 

 

أبيننا وبين العمل عداوة؟

بوصلة خدمة الوطن والدفاع عنه والولاء له غائبة في كثير من الاحيان

بدأ العدّ التنازلي لشهر رمضان. أدار الإشهار ظهره للحديث عن استقبال هذا الشهر وما لذّ وطاب من مأكولات ومشروبات دون مراعاة من تقبّضت أكفهم المرتجفة من سغب على ما كانت تصل إليه من إملاق. وفي هذه الأيام، أصبح الإشهار مركزا على عيد الفطر وحلوياته وملابسه وهداياه وفطور أول أيامه حسب عادات كلّ جهة أو منطقة في بلادنا وتقاليدها. ومن ناحية أخرى، بدأ يقلّ الحديث عن فقدان المواد الغذائية في الأسواق من خضر وغلال وحليب وطحين وزيت. وربما يعود ذلك إلى توفرها نسبيّا أو إلى أنّ اللّهفة قد تحوّلت إلى مستلزمات العيد.

كانت الأجواء على مدار الأربع والعشرين ساعة في الاعلام المرئي والسمعي روحانيّة منصبّة على العبادة في رمضان. وكأنّ العبادة تكون مرّة في السنة. وكأنّنا نعبد رمضان وننسى من كتب علينا صيام رمضان. وكأنّ الرّحمة والتّآزر والتّعاطف وملء قفة الفقراء والمحتاجين لا تصحّ إلاّ في شهر رمضان. وتراجع بثّ الأناشيد الدّينية التي تُقحم في كثير من الأحيان الرّسول وحفيديه الحسن والحسين والأولياء الصالحين ولو كان في ذلك إشراك بالله.

ولو أردنا الاطلاع على ما يدور من حوارات في وسائل الإعلام عموما حول الوضع السياسي والاقتصادي والنقابي والاجتماعي في بلادنا لوجدنا أن النقاشات تبدأ في أول الأسبوع بما انتهت به في آخره شكلا ومضمونا. حدّة التهم بين المحاورين تبلغ أشدها. وتعاليق قادحة أو مادحة لنشاط رئيس الدولة ورئيس الحكومة وكافة الوزارات والمنظمات الوطنية تكرّر نفسها.

نلاحظ كذلك الاهتمام بمتابعة كلّ ما يجدّ من محاكمات لسياسيين أو نقابيين أو فاعلين في المجتمع المدني دون ترك شاردة أو واردة. تتعالى الأصوات ويحتد السّجال. فهذا يحتجّ بالقول "اُنصر أخاك ظالما أو مظلوما" وذاك يبرّئ فلانا أو علاّنا والآخر يساند الجهاز القضائي وسيرورته مساندة مطلقة.

هناك أيضا من يستغلّ موجة الإيقافات والايداع في السجن لتوظيفها حزبيّا وايديولوجيا وتبرير ما أصاب حزبه أو مجموعته أو كتلته من خواء مطبق وركود مستفحل...

ولو أخذنا مسافة عن هذه الأجواء المشحونة وتأملنا بعمق تعاطي إعلامنا المكتوب والمرئي والسمعي مع المواسم الدينية أو المسائل الحقوقية لوجدنا أنّ بوصلة خدمة الوطن والدفاع عنه والولاء له غائبة في كثير من الاحيان. فأغلب النّاس تائهون يصنعون زبدا يذهب جفاء.

وبمجرّد أن نمرّ بأيّة مؤسسة من مؤسسات الدولة نزداد يقينا بأنّ حال بلادنا يبعث على الرّثاء. فهو تعيس بائس يائس لا توجد مؤشرات إيجابية لتجاوزه. وحتى نكون صادقين مع أنفسنا ومتصالحين مع واقعنا المعيش فإنّ وضع البلاد يدلّ على أنّ أغلبية مواطنيه لا يرجون له الخير. الكلّ يهرع لتحقيق مآربه. الكلّ لا يهتم بالمصلحة العمومية. الكلّ في حال عطالة. بينه وبين العمل عداوة. بينه وبين الإصلاح قطيعة. الكلّ يدعي ألاّ رأي إلاّ رأيه ولا نجاح للبلاد إلاّ بفضله.

يموج بعضنا في بعض. تسير تونس دون برامج على المدى القريب ولا المتوسط ولا البعيد. تونس أكبر الخاسرين بعد أن تخاصم أبناؤها انتصارا لأنفسهم لا دفاعا عن مصلحتها العليا. تونس خاسرة بسبب استفحال التفاهة والرداءة وموجة الخرافة وقراءة الفنجان والكفّ في محطاتنا الإعلامية وصحفنا اليومية.

وعلى العموم، فإنّ بلادنا تعيش في تصاعد مستمر لحال من الجمود الفكري ومزيد التشبث بالتقاليد والعادات البالية. ويعيش أبناؤها في تناقض مقيت فهم لا يفرّقون مثلا بين حرية الفكر والرّأي وانتقاد السّلطة وبين تجاوز الأخلاق باسم الحرية للسبّ والشّتم وهتك الأعراض. ويخلط كثيرون بين حق الاضراب والتمرد وعدم الانضباط والقيام بالواجب.

لا سبيل إلى أن يتواصل الوضع في بلادنا على ما هو عليه من تسيّب وإمعان في التسيب وعدم تحمل للمسؤولية.

مصدّق الشّريف

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews