يعتمد الاحتلال الصهيوني منذ بداية عدوانه ضد غزة على مجموعة من الأكاذيب والخدع ربطها بعملية 7 أكتوبر
مع استمرار العدوان الصهيوني على غزة، وكلما اشتد الخناق حول الاحتلال وتعالت الأصوات العالمية الرافضة للحرب والداعية للوقف الفوري لإطلاق النار، يعود الاحتلال إلى الاعتماد على "البروباغندا" لترويج أكاذيبه وتهيئة الرأي العالمي لمزيد من الجرائم وتشويه الفلسطينيين والبحث عن مبررات لمواصلة حربه.
"البروباغندا" أو الدعاية هي عبارة عن عملية نشر للمعلومات بطريقة موجهة أحادية المنظور، تتضمن مجموعة مركزة من الرسائل تهدف للتأثير في أراء أكبر عدد ممكن من الأشخاص والتأثير على سلوكهم ومواقفهم.
يعتمد الاحتلال منذ بداية عدوانه على مجموعة من الأكاذيب والخدع ربطها بعملية 7 أكتوبر، وتتمثل جملة هذه الأكاذيب في اختراع قصص من نوع العثور على أربعين طفلا مقطوعي الرأس أو قصة الطفل الذي تم حرقه في فرن أو فقع بطن امرأة حامل وإخراج جنينها. لكن تبقى الكذبة الأشهر التي عمل الاحتلال على ترويجها بشكل واسع هي قصة الاعتداء الجنسي والاغتصاب الجماعي التي عملت إسرائيل ووكلائه للترويج إلى أنها جزء من استراتيجية حماس في عمليتها التي أطلقتها يوم 7 أكتوبر، وإقناع العالم بذلك.
كيف بدأت "البروباغندا" الإسرائيلية؟
ساعات بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية من غزة، قام الاحتلال بعدوان عسكري همجي على غزة في إطار رده على عملية المقاومة، هذا العدوان العسكري تزامن مع إطلاق إسرائيل حملات دعائية تضليلية ضخمة روجت لها بالاعتماد على اللوبي التابع لها في مختلف دول العالم وخاصة الدول الغربية.
في بداية حملتها قامت إسرائيل بالاعتماد على مقتطفات من فيديوهات نشرها الفلسطينيين لعملية القبض على الأسرى، حيث قام الاحتلال باقتصاص الصور والتلاعب بها وإرفاقها بكلمات تحريضية مضللة توحي بأن تلك دليل على أن حماس قامت بعمليات اغتصاب جماعية ممنهجة كجزء من استراتيجيتها في العملية التي أطلقتها.
إثر ذلك، استندت إسرائيل على الشهادات لدعم روايتها، حيث قامت بترويج عدد من الشهادات لأشخاص يتم تقديمهم على أنهم شهود على حوادث اغتصاب، فيبدؤوا بسرد قصص فضيعة يتم تحريرها وإخراجها وترويجها بأشكال مقنعة.
بعدها قامت إسرائيل بالارتكاز على وسائل الإعلام العالمية المؤيدة لها لإيصال جملة هذه الادعاءات، تلا ذلك حملات ممولة على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم الاعتماد على المنظمات والجمعيات الداعمة للاحتلال للقيام بتحركات ميدانية واحتجاجات في مختلف عواصم العالم.
كيف تعمل "البروباغندا" الإسرائيلية؟
تبذل حكومة الاحتلال الإسرائيلي عبر وزارة الإعلام ووحدة "الهاسبار" التي تدار من قبل ضباط الاستخبارات والأمن السيبراني الإسرائيلي جهودا ضخمة لإغراق شبكات التواصل الاجتماعي بالمحتوى الداعم والمؤيد لإسرائيل، وتعتمد في ذلك على تجنيد المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي والصحفيين للترويج لسرديتها، حتى أن هذه "الجيوش من المؤثرين" باتت تعتبرهم إسرائيل أفضل سلاح تمتلكه في هذه الحرب الإعلامية.
في هذا السياق، الصحفية الأمريكية المؤيدة لإسرائيل باري فايس هي نموذج للصحفيين الذين يعتمد عليهم الاحتلال لترويج سرديته، حيث تستغل هذه الصحفية صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي ذات العدد الكبير من المتابعين لنشر السردية الإسرائيلية، وبالخصوص مشاركة مقالات من صحيفة جويش كرونيكل، وهي صحيفة أسبوعية يهودية مؤيدة هي الأخرى لإسرائيل ومقرها في لندن، حيث يتم في إطار لجان رقمية الترويج إلى شهادات مزعومة لأشخاص ناجين أو شهود على حوادث اغتصاب.
الشهادات أو الشهود الذين تعتمد عليهم وسائل الإعلام أو المؤثرين للترويج للبروباغندا الإسرائيلية ليسوا عبثيين، بل يتم توظيفهم واختيارهم بعناية من قبل الكيان الصهيوني، حيث يتعمد التضليل وتوظيف مجندين على أساس أنهم خبراء أو شهود عيان على حوادث.
كوخاف الكيام ليفي، تم تعريفها في أحد التقارير التي بثتها CNN أو التقارير التي نشرتها دوتشي فيلا على أنها باحثة نسوية وخبيرة دولة في مجال حقوق الإنسان وأنها قامت بتشكيل لجنة مدنية للتحقيق وتوثيق الأدلة على انتهاكات حماس ضد النساء والأطفال، ليتبين فيما بعد أن كوخاف إلكايام ليفي هي أحد الموظفين في مكتب المدعي العام للحكومة الإسرائيلية، وهي من تقوم بتقديم المبرر القانوني للمسؤولين الإسرائيليين لارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، كما كانت قد نشرت دليلا إرشاديا لصانعي السياسات والمسؤولين الحكوميين والمستشارين القانونيين في إدارة الإضرابات عن الطعام، كما قامت بتقديم دليلا مفصلا من خلال التشريعات واللوائح فيما يتعلق بالتغذية القسرية، وهو فعل يصنف على كونه من أعمال التعذيب الوحشية التي بات يعتمدها الاحتلال لكسر إضرابات الجوع للسجناء الفلسطينيين.
أذرع البروباغندا الإسرائيلية
لتسويق البروباغندا الصهيونية على مستوى سياسي رفيع، يلجأ الاحتلال للاعتماد على وزارة خارجيته كأبرز الأذرع للترويج لأكاذيبه، وللعب هذا الدور كثفت وزارة خارجية الاحتلال من جهودها للتأثير على المنظمات النسوية العالمية والاستفادة من اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر لتسليط الضوء على الادعاءات الإسرائيلية المتعلقة بالاعتداءات الجنسية، حيث قام الاحتلال بإطلاق حملة إعلانية ضخمة تضم ممثلات وعارضات أزياء إسرائيليات يرددن أحد الشعارات الذي أنهى به الصحفي "جيك تابر" تقريره على شبكة CNN "إذا لم يعد اغتصاب النساء الإسرائيليات اغتصابا".
على مستوى أقل، يعتمد الاحتلال أيضا على سفاراته في مختلف الدول وخاصة الغربية لنشر المقاطع الدعائية والأخبار عن التظاهرات والاحتجاجات التي تقوم بها جهات داعمة لإسرائيل، على غرار ما قامت به سفارة الاحتلال في أمريكا والتي قامت بمشاركة مقاطع فيديو لاحتجاجات قامت بها مجموعة من النساء الداعمة لإسرائيل للاحتجاج ضد المزاعم بشأن الاغتصاب.
يعمل الاحتلال أيضا على توظيف المنظمات الداعمة للصهيونية للضغط في الشوارع الغربية والقيام بتحركات ميدانية تجذب وسائل الإعلام وجعلها تنقل أخبارا عن المزاعم الإسرائيلية بخصوص اعتماد حماس على الاعتداءات الجنسية والاغتصاب كجزء من استراتيجيتها في عمليتها يوم 7 أكتوبر.
إلى جانب كل ذلك يستغل الاحتلال كل ما تتيحه منصات التواصل الاجتماعي من خصائص لترويج دعايته وضمان انتشارها على نطاق واسع ومشاركته ووصولها لأكبر قدر من الأشخاص خاصة في الدول الغربية، حيث يتم مزج كل سبق الإشارة إليه بهاشتاغات تزعم الظلم الذي يتعرض له اليهود مثل #metoo_unless_you_are_a_Jew وأخرى تدعم إسرائيل مثل #StandWithIsrael وهاشتاغات تشيطن الفلسطينيين وتشبههم بداعش مثل #HamasIsISIS
تورط الإعلام الغربي في الترويج
إلى جانب كل الآليات المشار إليها، اعتمد الكيان الصهيوني على وسائل الإعلام الغربية أيضا لترويج دعايته خاصة كبرى الشبكات الإعلامية، والتعويل عليها كمحمل يمكن عبره مخاطبة شريحة أوسع من المجتمعات الغربية والتأثير في مواقفها من حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها في غزة، حيث تقوم إسرائيل في كل مرة بنشر مشاهد جديدة من يوم 07 أكتوبر والاعتماد عليها لترويج قصص شنيعة مزعومة معتمدة على شهود وشهادات مضللة، لكن الغريب في هذه النقطة هي أن وسائل الإعلام الغربية تتناول الرواية الإسرائيلية وتروج لها دون تثبت أو مطالبة بأدلة أو حتى التحقق من هوية الشهود، متجاهلين حق الفلسطينيين في الدفاع عن روايتهم وحقهم في الدفاع عن أنفسهم ونفي التهم الموجهة إليهم.
في هذا السياق، نشرت صحيفة الواشنطن بوست يوم 25 نوفمبر 2023، تزامنا مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، مقالا بعنوان مثير يشير إلى استخدام حماس "الاغتصاب كسلاح في الحرب"، وتضمن متن المقال محاولة لرسم صورة عن الفلسطينيين الهمجيين الذين اغتصبوا ونهبوا في إسرائيل. بدورها قامت نيويورك بوست بالترويج لذات الادعاءات بشأن الجرائم البشعة والاغتصاب كما أراد أن يروج لها الاحتلال، معتمدة في ذلك على ذات المصادر.
CNN أيضا، قمت بعنونة أحد مقالاتها بالإشارة إلى اعتماد المقاومة الفلسطينية للاغتصاب كجزء من استراتيجيتها يوم 07 أكتوبر، ورغم ما يدعيه العنوان، تقول CNN في متن المقال أن الشرطة الإسرائيلية صرحت بأنه لا يوجد ضحايا تم التعرف عليهم رغم جمع أكثر من 1000 إفادة ومراجعة أكثر من 60 ألف مقطع فيديو تتعلق بالهجمات التي تتضمن روايات لأشخاص أبلغوا عن رؤية نساء تعرضن للاغتصاب.
بايدن.. العرّاب
يعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن من أبرز المتهمين بالترويج لدعاية الاحتلال وأول من ساهم في انتشارها وذلك لمصالح سياسية واستراتيجية تربطه مع إسرائيل، حيث تعمد بايدن في خطاباته التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة إلى الترويج الى الادعاءات الإسرائيلية على غرار قصة الأربعين طفلا مقطوعي الرأس وحالات الاغتصاب، دون أن يطلع على دليلا واحد يدعم تلك المزاعم، واستمر بايدن في تكرار هذه الادعاءات رغم نفي البيت الأبيض لذلك.
ويأتي هذه الحرص الأمريكي في تبني البروباغندا الإسرائيلية في محاولة لإشغال الرأي العالمي وللتعتيم على ما يجري في غزة من جرائم وخلق ذرائع لمواصلة إسرائيل عدوانها ومنحها غطاء دوليا.
البروباغندا الإسرائيلية تستعر في أوقات مدروسة
تعود إسرائيل لترويج دعايتها بالاعتماد على كل الآليات والوسائل تزامنا مع أي مناسبة دولية تتم فيها إدانتها بارتكاب جرائم حرب في غزة أو أي مناسبة يتم التضامن فيها مع الفلسطينيين.
فمع اقتراب جلسات الاستماع الخاصة بالدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، داخل محكمة العدل الدولية في لاهاي، قامت إسرائيل بمحاولة لإغراق مواقع التواصل الاجتماعي بالمحتوى الداعم لها، كما أعادت الترويج إلى أن حماس اعتمدت على الاغتصاب والاعتداءات الجنسية كجزء من استراتيجيتها يوم 07 أكتوبر، وذلك في محاولة للتأثير على الرأي العالمي الذي بات مهتما بجلسات محكمة العدل الدولية، وفي محاولة لاستباق القرارات التي ستصدر ضد إسرائيل.
وتزامنا مع انطلاق جلسات الاستماع، وتجمهر مجموعات من الداعمين لفلسطين والداعين لوقف العدوان على غزة، سعت إسرائيل إلى ترويج جملة من الحملات الدعائية في ساحات لاهاي، لكن مساعيها لم تفلح حيث رفضت 10 شركات دعاية هولندية نشر أية إعلانات دعائية إسرائيلية، خاصة وهي تحاكم بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
أن تكون معنا أو لا تكون
تقوم البروباغندا الإسرائيلية على أدوار ومهام لكل جهة أو لكل طرف فاعل فيها، فهناك جهات مكلفة بترويج الأكاذيب وأخرى بتضخيمها، لكن توجد لديها أيضا أطرافا مهمتها مهاجمة كل من يقوم بإدانة إسرائيل أو يدعم الفلسطينيين.
في هذا السياق، نجد موقع "كناري ميشن" الذي تستغله الاستخبارات الإسرائيلية، وهو موقع يعمل على التشهير بمنتقدي الممارسات الإسرائيلية ويصنفهم على كونهم "معادين للسامية"، حيث يقوم بنشر المعلومات الشخصية للأفراد على الأنترانت ويقوم بنشر أخبار زائفة حولهم وذلك بقصد تشويههم ومنع تطور حياتهم المهنية.
إلى جانب ذلك يبرز دور المجتمعات اليهودية المؤيدة لإسرائيل واللوبيات الصهيونية التي تعمل على تكوين شبكات ضغط لإسكات وتشويه أي صوت منتقد لسياسات إسرائيل.
بروباغندا مبنية على الأكاذيب
رغم قدرتهم على الترويج والتضليل، ورغم توفيرهم إمكانيات مادية وتكنولوجية ودعم سياسي وإعلامي ودبلوماسي للترويج لهذه الأكاذيب، فشلت إسرائيل في الحصول على أدلة مادية ملموسة تثبت ادعاءاتها بشأن اعتماد حماس للاغتصاب كجزء من استراتيجيتها يوم 07 أكتوبر.
هذا الأمر هو ذاته ما لخصت إليه صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" دون أن تعترف به، حيث أشارت في أحد مقالاتها إلى حدوث الكثير من حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية.. لكنها في المقابل أشارت إلى أنه لا يوجد دليلا مادي واحد يؤكد ذلك.
هذا الفشل يتضح أيضا من خلال خسارة إسرائيل لمعركتها أمام الرأي العام العالمي الذي بات ينتفض ضد سياستها يوميا في مختلف العواصم، متهما إياها بارتكاب "أم الجرائم".. جريمة الإبادة الجماعية في غزة.
أحمد كحلاني
إعلامي
يعتمد الاحتلال الصهيوني منذ بداية عدوانه ضد غزة على مجموعة من الأكاذيب والخدع ربطها بعملية 7 أكتوبر
مع استمرار العدوان الصهيوني على غزة، وكلما اشتد الخناق حول الاحتلال وتعالت الأصوات العالمية الرافضة للحرب والداعية للوقف الفوري لإطلاق النار، يعود الاحتلال إلى الاعتماد على "البروباغندا" لترويج أكاذيبه وتهيئة الرأي العالمي لمزيد من الجرائم وتشويه الفلسطينيين والبحث عن مبررات لمواصلة حربه.
"البروباغندا" أو الدعاية هي عبارة عن عملية نشر للمعلومات بطريقة موجهة أحادية المنظور، تتضمن مجموعة مركزة من الرسائل تهدف للتأثير في أراء أكبر عدد ممكن من الأشخاص والتأثير على سلوكهم ومواقفهم.
يعتمد الاحتلال منذ بداية عدوانه على مجموعة من الأكاذيب والخدع ربطها بعملية 7 أكتوبر، وتتمثل جملة هذه الأكاذيب في اختراع قصص من نوع العثور على أربعين طفلا مقطوعي الرأس أو قصة الطفل الذي تم حرقه في فرن أو فقع بطن امرأة حامل وإخراج جنينها. لكن تبقى الكذبة الأشهر التي عمل الاحتلال على ترويجها بشكل واسع هي قصة الاعتداء الجنسي والاغتصاب الجماعي التي عملت إسرائيل ووكلائه للترويج إلى أنها جزء من استراتيجية حماس في عمليتها التي أطلقتها يوم 7 أكتوبر، وإقناع العالم بذلك.
كيف بدأت "البروباغندا" الإسرائيلية؟
ساعات بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية من غزة، قام الاحتلال بعدوان عسكري همجي على غزة في إطار رده على عملية المقاومة، هذا العدوان العسكري تزامن مع إطلاق إسرائيل حملات دعائية تضليلية ضخمة روجت لها بالاعتماد على اللوبي التابع لها في مختلف دول العالم وخاصة الدول الغربية.
في بداية حملتها قامت إسرائيل بالاعتماد على مقتطفات من فيديوهات نشرها الفلسطينيين لعملية القبض على الأسرى، حيث قام الاحتلال باقتصاص الصور والتلاعب بها وإرفاقها بكلمات تحريضية مضللة توحي بأن تلك دليل على أن حماس قامت بعمليات اغتصاب جماعية ممنهجة كجزء من استراتيجيتها في العملية التي أطلقتها.
إثر ذلك، استندت إسرائيل على الشهادات لدعم روايتها، حيث قامت بترويج عدد من الشهادات لأشخاص يتم تقديمهم على أنهم شهود على حوادث اغتصاب، فيبدؤوا بسرد قصص فضيعة يتم تحريرها وإخراجها وترويجها بأشكال مقنعة.
بعدها قامت إسرائيل بالارتكاز على وسائل الإعلام العالمية المؤيدة لها لإيصال جملة هذه الادعاءات، تلا ذلك حملات ممولة على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم الاعتماد على المنظمات والجمعيات الداعمة للاحتلال للقيام بتحركات ميدانية واحتجاجات في مختلف عواصم العالم.
كيف تعمل "البروباغندا" الإسرائيلية؟
تبذل حكومة الاحتلال الإسرائيلي عبر وزارة الإعلام ووحدة "الهاسبار" التي تدار من قبل ضباط الاستخبارات والأمن السيبراني الإسرائيلي جهودا ضخمة لإغراق شبكات التواصل الاجتماعي بالمحتوى الداعم والمؤيد لإسرائيل، وتعتمد في ذلك على تجنيد المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي والصحفيين للترويج لسرديتها، حتى أن هذه "الجيوش من المؤثرين" باتت تعتبرهم إسرائيل أفضل سلاح تمتلكه في هذه الحرب الإعلامية.
في هذا السياق، الصحفية الأمريكية المؤيدة لإسرائيل باري فايس هي نموذج للصحفيين الذين يعتمد عليهم الاحتلال لترويج سرديته، حيث تستغل هذه الصحفية صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي ذات العدد الكبير من المتابعين لنشر السردية الإسرائيلية، وبالخصوص مشاركة مقالات من صحيفة جويش كرونيكل، وهي صحيفة أسبوعية يهودية مؤيدة هي الأخرى لإسرائيل ومقرها في لندن، حيث يتم في إطار لجان رقمية الترويج إلى شهادات مزعومة لأشخاص ناجين أو شهود على حوادث اغتصاب.
الشهادات أو الشهود الذين تعتمد عليهم وسائل الإعلام أو المؤثرين للترويج للبروباغندا الإسرائيلية ليسوا عبثيين، بل يتم توظيفهم واختيارهم بعناية من قبل الكيان الصهيوني، حيث يتعمد التضليل وتوظيف مجندين على أساس أنهم خبراء أو شهود عيان على حوادث.
كوخاف الكيام ليفي، تم تعريفها في أحد التقارير التي بثتها CNN أو التقارير التي نشرتها دوتشي فيلا على أنها باحثة نسوية وخبيرة دولة في مجال حقوق الإنسان وأنها قامت بتشكيل لجنة مدنية للتحقيق وتوثيق الأدلة على انتهاكات حماس ضد النساء والأطفال، ليتبين فيما بعد أن كوخاف إلكايام ليفي هي أحد الموظفين في مكتب المدعي العام للحكومة الإسرائيلية، وهي من تقوم بتقديم المبرر القانوني للمسؤولين الإسرائيليين لارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، كما كانت قد نشرت دليلا إرشاديا لصانعي السياسات والمسؤولين الحكوميين والمستشارين القانونيين في إدارة الإضرابات عن الطعام، كما قامت بتقديم دليلا مفصلا من خلال التشريعات واللوائح فيما يتعلق بالتغذية القسرية، وهو فعل يصنف على كونه من أعمال التعذيب الوحشية التي بات يعتمدها الاحتلال لكسر إضرابات الجوع للسجناء الفلسطينيين.
أذرع البروباغندا الإسرائيلية
لتسويق البروباغندا الصهيونية على مستوى سياسي رفيع، يلجأ الاحتلال للاعتماد على وزارة خارجيته كأبرز الأذرع للترويج لأكاذيبه، وللعب هذا الدور كثفت وزارة خارجية الاحتلال من جهودها للتأثير على المنظمات النسوية العالمية والاستفادة من اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر لتسليط الضوء على الادعاءات الإسرائيلية المتعلقة بالاعتداءات الجنسية، حيث قام الاحتلال بإطلاق حملة إعلانية ضخمة تضم ممثلات وعارضات أزياء إسرائيليات يرددن أحد الشعارات الذي أنهى به الصحفي "جيك تابر" تقريره على شبكة CNN "إذا لم يعد اغتصاب النساء الإسرائيليات اغتصابا".
على مستوى أقل، يعتمد الاحتلال أيضا على سفاراته في مختلف الدول وخاصة الغربية لنشر المقاطع الدعائية والأخبار عن التظاهرات والاحتجاجات التي تقوم بها جهات داعمة لإسرائيل، على غرار ما قامت به سفارة الاحتلال في أمريكا والتي قامت بمشاركة مقاطع فيديو لاحتجاجات قامت بها مجموعة من النساء الداعمة لإسرائيل للاحتجاج ضد المزاعم بشأن الاغتصاب.
يعمل الاحتلال أيضا على توظيف المنظمات الداعمة للصهيونية للضغط في الشوارع الغربية والقيام بتحركات ميدانية تجذب وسائل الإعلام وجعلها تنقل أخبارا عن المزاعم الإسرائيلية بخصوص اعتماد حماس على الاعتداءات الجنسية والاغتصاب كجزء من استراتيجيتها في عمليتها يوم 7 أكتوبر.
إلى جانب كل ذلك يستغل الاحتلال كل ما تتيحه منصات التواصل الاجتماعي من خصائص لترويج دعايته وضمان انتشارها على نطاق واسع ومشاركته ووصولها لأكبر قدر من الأشخاص خاصة في الدول الغربية، حيث يتم مزج كل سبق الإشارة إليه بهاشتاغات تزعم الظلم الذي يتعرض له اليهود مثل #metoo_unless_you_are_a_Jew وأخرى تدعم إسرائيل مثل #StandWithIsrael وهاشتاغات تشيطن الفلسطينيين وتشبههم بداعش مثل #HamasIsISIS
تورط الإعلام الغربي في الترويج
إلى جانب كل الآليات المشار إليها، اعتمد الكيان الصهيوني على وسائل الإعلام الغربية أيضا لترويج دعايته خاصة كبرى الشبكات الإعلامية، والتعويل عليها كمحمل يمكن عبره مخاطبة شريحة أوسع من المجتمعات الغربية والتأثير في مواقفها من حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها في غزة، حيث تقوم إسرائيل في كل مرة بنشر مشاهد جديدة من يوم 07 أكتوبر والاعتماد عليها لترويج قصص شنيعة مزعومة معتمدة على شهود وشهادات مضللة، لكن الغريب في هذه النقطة هي أن وسائل الإعلام الغربية تتناول الرواية الإسرائيلية وتروج لها دون تثبت أو مطالبة بأدلة أو حتى التحقق من هوية الشهود، متجاهلين حق الفلسطينيين في الدفاع عن روايتهم وحقهم في الدفاع عن أنفسهم ونفي التهم الموجهة إليهم.
في هذا السياق، نشرت صحيفة الواشنطن بوست يوم 25 نوفمبر 2023، تزامنا مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، مقالا بعنوان مثير يشير إلى استخدام حماس "الاغتصاب كسلاح في الحرب"، وتضمن متن المقال محاولة لرسم صورة عن الفلسطينيين الهمجيين الذين اغتصبوا ونهبوا في إسرائيل. بدورها قامت نيويورك بوست بالترويج لذات الادعاءات بشأن الجرائم البشعة والاغتصاب كما أراد أن يروج لها الاحتلال، معتمدة في ذلك على ذات المصادر.
CNN أيضا، قمت بعنونة أحد مقالاتها بالإشارة إلى اعتماد المقاومة الفلسطينية للاغتصاب كجزء من استراتيجيتها يوم 07 أكتوبر، ورغم ما يدعيه العنوان، تقول CNN في متن المقال أن الشرطة الإسرائيلية صرحت بأنه لا يوجد ضحايا تم التعرف عليهم رغم جمع أكثر من 1000 إفادة ومراجعة أكثر من 60 ألف مقطع فيديو تتعلق بالهجمات التي تتضمن روايات لأشخاص أبلغوا عن رؤية نساء تعرضن للاغتصاب.
بايدن.. العرّاب
يعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن من أبرز المتهمين بالترويج لدعاية الاحتلال وأول من ساهم في انتشارها وذلك لمصالح سياسية واستراتيجية تربطه مع إسرائيل، حيث تعمد بايدن في خطاباته التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة إلى الترويج الى الادعاءات الإسرائيلية على غرار قصة الأربعين طفلا مقطوعي الرأس وحالات الاغتصاب، دون أن يطلع على دليلا واحد يدعم تلك المزاعم، واستمر بايدن في تكرار هذه الادعاءات رغم نفي البيت الأبيض لذلك.
ويأتي هذه الحرص الأمريكي في تبني البروباغندا الإسرائيلية في محاولة لإشغال الرأي العالمي وللتعتيم على ما يجري في غزة من جرائم وخلق ذرائع لمواصلة إسرائيل عدوانها ومنحها غطاء دوليا.
البروباغندا الإسرائيلية تستعر في أوقات مدروسة
تعود إسرائيل لترويج دعايتها بالاعتماد على كل الآليات والوسائل تزامنا مع أي مناسبة دولية تتم فيها إدانتها بارتكاب جرائم حرب في غزة أو أي مناسبة يتم التضامن فيها مع الفلسطينيين.
فمع اقتراب جلسات الاستماع الخاصة بالدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، داخل محكمة العدل الدولية في لاهاي، قامت إسرائيل بمحاولة لإغراق مواقع التواصل الاجتماعي بالمحتوى الداعم لها، كما أعادت الترويج إلى أن حماس اعتمدت على الاغتصاب والاعتداءات الجنسية كجزء من استراتيجيتها يوم 07 أكتوبر، وذلك في محاولة للتأثير على الرأي العالمي الذي بات مهتما بجلسات محكمة العدل الدولية، وفي محاولة لاستباق القرارات التي ستصدر ضد إسرائيل.
وتزامنا مع انطلاق جلسات الاستماع، وتجمهر مجموعات من الداعمين لفلسطين والداعين لوقف العدوان على غزة، سعت إسرائيل إلى ترويج جملة من الحملات الدعائية في ساحات لاهاي، لكن مساعيها لم تفلح حيث رفضت 10 شركات دعاية هولندية نشر أية إعلانات دعائية إسرائيلية، خاصة وهي تحاكم بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
أن تكون معنا أو لا تكون
تقوم البروباغندا الإسرائيلية على أدوار ومهام لكل جهة أو لكل طرف فاعل فيها، فهناك جهات مكلفة بترويج الأكاذيب وأخرى بتضخيمها، لكن توجد لديها أيضا أطرافا مهمتها مهاجمة كل من يقوم بإدانة إسرائيل أو يدعم الفلسطينيين.
في هذا السياق، نجد موقع "كناري ميشن" الذي تستغله الاستخبارات الإسرائيلية، وهو موقع يعمل على التشهير بمنتقدي الممارسات الإسرائيلية ويصنفهم على كونهم "معادين للسامية"، حيث يقوم بنشر المعلومات الشخصية للأفراد على الأنترانت ويقوم بنشر أخبار زائفة حولهم وذلك بقصد تشويههم ومنع تطور حياتهم المهنية.
إلى جانب ذلك يبرز دور المجتمعات اليهودية المؤيدة لإسرائيل واللوبيات الصهيونية التي تعمل على تكوين شبكات ضغط لإسكات وتشويه أي صوت منتقد لسياسات إسرائيل.
بروباغندا مبنية على الأكاذيب
رغم قدرتهم على الترويج والتضليل، ورغم توفيرهم إمكانيات مادية وتكنولوجية ودعم سياسي وإعلامي ودبلوماسي للترويج لهذه الأكاذيب، فشلت إسرائيل في الحصول على أدلة مادية ملموسة تثبت ادعاءاتها بشأن اعتماد حماس للاغتصاب كجزء من استراتيجيتها يوم 07 أكتوبر.
هذا الأمر هو ذاته ما لخصت إليه صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" دون أن تعترف به، حيث أشارت في أحد مقالاتها إلى حدوث الكثير من حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية.. لكنها في المقابل أشارت إلى أنه لا يوجد دليلا مادي واحد يؤكد ذلك.
هذا الفشل يتضح أيضا من خلال خسارة إسرائيل لمعركتها أمام الرأي العام العالمي الذي بات ينتفض ضد سياستها يوميا في مختلف العواصم، متهما إياها بارتكاب "أم الجرائم".. جريمة الإبادة الجماعية في غزة.