إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد.. هل باتت الهدنة وشيكة.. وبأي ثمن؟

 

 بالتزامن مع إعلان تعيين رجل الاقتصاد محمد مصطفى رئيسا للحكومة الفلسطينية كشفت حماس عن مبادرة جديدة على مرحلتين للتهدئة والوصول إلى تبادل للأسرى.. قد تكون الصدفة شاءت أن يتزامن الحدثان ولكن قناعتنا انه لا مكان للصدفة في مثل هذه المسائل ..

وبعيدا عن قراءة النوايا واستباق الأحداث يبقى الثابت أن التوصل إلى هدنة تمثل أولوية الأولويات ويفترض أنها تكون اليوم هدفا مصيريا لإيقاف المجازر الحاصلة وإنهاء جرائم الإبادة الجماعية في حق مليوني فلسطيني في غزة ووضع حد لكل سيناريوهات التهجير القسري التي يقودها الاحتلال في السر والعلن عبر الأسلحة الفتاكة كما عبر سلاح التجويع والحصار ومنع الدواء وغير ذلك من الأسلحة ..

وبعيدا أيضا عن التشاؤم والتفاؤل يمكن القول أن الظروف بدأت تنضج نحو تحقيق هدنة قابلة للتمديد رغم إصرار الآلة العسكرية الإسرائيلية على حصد الأرواح واستباحة ما بقي في غزة لاسيما وأن العالم بدأ يستشعر بشاعة الحرب ويدرك ثقل الكارثة إنسانيا وأخلاقيا وسياسيا ..

قد يبدو الحديث عن هدنة في خضم مشاهد الدم اليومية وأشلاء الضحايا أشبه بالسراب ولكن الحقيقة أن معاناة غزة ونساءها وأطفالها بلغت درجة من التوحش غير المسبوق في ظل لامبالاة دولية مريبة..

صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تسريب تفاصيل هدنة مطروحة للنقاش بين الأطراف المعنية قبل أن تفشل كل الجهود، وإذا استثنينا الهدنتين المؤقتين في نوفمبر الماضي لأربعة أيام وثانية في ديسمبر لمدة سبعة أيام وانهتا بإطلاق عدد من الرهائن الإسرائيليين مقابل عدد من الأسيرات والأطفال الفلسطينيين قبل أن تفشل كل الجهود في إيقاف المحرقة الإسرائيلية المتأججة.. فان كل المبادرات كانت تنهار قبل أن تبدأ بسبب تعنت الاحتلال..

بعد أكثر من خمسة أشهر من الحرب الهمجية وسياسة الأرض المحروقة التي لجأ إليها الاحتلال لإجبار أهالي غزة على الرحيل القسري وتكرار سيناريوهات النكبة والنكسة يعود مجددا الحديث عن هدنة يحتاجها أهالي غزة و يتطلعون إليها أكثر من أي وقت مضى لاستعادة الأنفاس والعثور على ذويهم وإخراج من وقعوا تحت الأنقاض وإعادة أعمار ما تهدم ..

نقول هذا الكلام و نحن نتابع ما يحدث في الداخل الإسرائيلي أيضا من انقسامات داخل الكابينت الإسرائيلي والتي بدأت تمتد تداعياتها إلى العلاقات مع الإدارة الأمريكية التي بدأت بدورها تشعر بالإحراج من الانتقادات والاتهامات التي تلاحق حليفها الإسرائيلي إلى جانب مواقف بعض الدول الأوروبية التي بدأت تطالب بالتوقف عن تسليح إسرائيل وبعض الدول التي عادت بعد التوقف عن تمويل "الأونروا" لتتراجع عن ذلك بعد أن فشل الاحتلال في تبرير حملته ضد "الأنوروا".

إلى جانب كل ذلك تأتي الاحتجاجات اليومية الإسرائيلية ضد حكومة ناتنياهو والتحركات اليومية لعائلات وأهالي الأسرى الذي يطالبون بعودتهم إلى جانب بعض المنظمات الإنسانية التي بدأت تطالب بوقف الحرب على غزة... ومعها تأتي التحركات و الاحتجاجات في العواصم الغربية الرافضة لجرائم الإبادة في غزة ..

هذه الأسباب وغيرها إلى جانب فشل ناتنياهو في تحقيق أهدافه العسكرية المعلنة منذ بداية الحرب في تحرير الرهائن والقضاء على حماس وقبل ذلك الفشل الذريع في استباق عملية طوفان الأقصى يجعل الهدنة مطلبا إسرائيليا أيضا ولكن إسرائيل تريده أن يكون مقنعا ويخفي هزائمها الأخلاقية والسياسية والقانونية التي لم تستطع إخفاءها عبر القوة العسكرية التي تحظى بها بفضل السخاء الأمريكي و الأوروبي ..

من الجانب الفلسطيني ندرك جيدا أن تعيين رئيس حكومة جديد لم يكن من منطلق البحث عن تحقيق الوحدة المنشودة والإصلاح التي طالب به الكثير من الفلسطينيين و لكن جاء بضغط و طلب أمريكي لإجراء إصلاحات عل المؤسسات الفلسطينية و هو الأمر الذي أقدم عليه الرئيس عباس منفردا بقراره والحال انه يدرك جيدا أن أي سلطة تفرض على القطاع ستكون مرفوضة في غزة ولن يكون لها شعبية أو قبول لدى الأهالي الذين لا يخفون استياؤهم من سلطة رام الله التي يعتبرون أنها خذلتهم في محنتهم أو هذا على الأقل ما يبدو.. في المقابل فان حماس التي تحظى بشعبية في الضفة وفي القطاع غير مقبولة لدى القوى الدولية كطرف سياسي يمكن التفاوض معه وهذا الموقف بدوره لا يخل من التناقض لان كل المحادثات التي جرت وتجري لتبادل الأسرى تتم مع حماس سواء مباشرة أو عن طريق الوسطاء ..

الساعات القادمة قد تكون حاسمة اذا قررت واشنطن الخروج عن انحيازها الأعمى ومارست الضغط المطلوب على ناتنياهو لإيقاف العدوان ...

و رغم التعنت الذي يجاهر به ناتنياهو وتصريحاته بعدم إيقاف الحرب قبل تحقيق أهدافه العسكرية المعلنة في القضاء على حماس واستعادة كل الرهائن، فان في الإعلان من الجانب الإسرائيلي عن اجتماع عاجل لمجلسي الحرب وللمجلس الأمني الإسرائيلي ما يؤكد وجود مباحثات في هذا الشأن.. طبعا سيسعى الجانب الإسرائيلي إلى محاولة ربح الوقت والرهان مجددا على الخلافات الداخلية الإسرائيلية- الإسرائيلية للعودة إلى النقطة الصفر وتحميل المقاومة مسؤولية الحرب وتجاهل أسباب الصراع التاريخية ودور الاحتلال الإسرائيلي في مختلف الحروب التي عرفتها المنطقة منذ تأسيس هذا الكيان.. اللحظة حاسمة وتستوجب من الجانب الفلسطيني وأكثر من أي وقت مضى ترتيب البيت والاستعداد وتجنب الأسوأ وعدم التفريط في التضحيات الجسام التي قدمها ويقدمها الفلسطينيون.

اسيا العتروس

 

 

 

 

 

ممنوع من الحياد..   هل باتت الهدنة وشيكة.. وبأي ثمن؟

 

 بالتزامن مع إعلان تعيين رجل الاقتصاد محمد مصطفى رئيسا للحكومة الفلسطينية كشفت حماس عن مبادرة جديدة على مرحلتين للتهدئة والوصول إلى تبادل للأسرى.. قد تكون الصدفة شاءت أن يتزامن الحدثان ولكن قناعتنا انه لا مكان للصدفة في مثل هذه المسائل ..

وبعيدا عن قراءة النوايا واستباق الأحداث يبقى الثابت أن التوصل إلى هدنة تمثل أولوية الأولويات ويفترض أنها تكون اليوم هدفا مصيريا لإيقاف المجازر الحاصلة وإنهاء جرائم الإبادة الجماعية في حق مليوني فلسطيني في غزة ووضع حد لكل سيناريوهات التهجير القسري التي يقودها الاحتلال في السر والعلن عبر الأسلحة الفتاكة كما عبر سلاح التجويع والحصار ومنع الدواء وغير ذلك من الأسلحة ..

وبعيدا أيضا عن التشاؤم والتفاؤل يمكن القول أن الظروف بدأت تنضج نحو تحقيق هدنة قابلة للتمديد رغم إصرار الآلة العسكرية الإسرائيلية على حصد الأرواح واستباحة ما بقي في غزة لاسيما وأن العالم بدأ يستشعر بشاعة الحرب ويدرك ثقل الكارثة إنسانيا وأخلاقيا وسياسيا ..

قد يبدو الحديث عن هدنة في خضم مشاهد الدم اليومية وأشلاء الضحايا أشبه بالسراب ولكن الحقيقة أن معاناة غزة ونساءها وأطفالها بلغت درجة من التوحش غير المسبوق في ظل لامبالاة دولية مريبة..

صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تسريب تفاصيل هدنة مطروحة للنقاش بين الأطراف المعنية قبل أن تفشل كل الجهود، وإذا استثنينا الهدنتين المؤقتين في نوفمبر الماضي لأربعة أيام وثانية في ديسمبر لمدة سبعة أيام وانهتا بإطلاق عدد من الرهائن الإسرائيليين مقابل عدد من الأسيرات والأطفال الفلسطينيين قبل أن تفشل كل الجهود في إيقاف المحرقة الإسرائيلية المتأججة.. فان كل المبادرات كانت تنهار قبل أن تبدأ بسبب تعنت الاحتلال..

بعد أكثر من خمسة أشهر من الحرب الهمجية وسياسة الأرض المحروقة التي لجأ إليها الاحتلال لإجبار أهالي غزة على الرحيل القسري وتكرار سيناريوهات النكبة والنكسة يعود مجددا الحديث عن هدنة يحتاجها أهالي غزة و يتطلعون إليها أكثر من أي وقت مضى لاستعادة الأنفاس والعثور على ذويهم وإخراج من وقعوا تحت الأنقاض وإعادة أعمار ما تهدم ..

نقول هذا الكلام و نحن نتابع ما يحدث في الداخل الإسرائيلي أيضا من انقسامات داخل الكابينت الإسرائيلي والتي بدأت تمتد تداعياتها إلى العلاقات مع الإدارة الأمريكية التي بدأت بدورها تشعر بالإحراج من الانتقادات والاتهامات التي تلاحق حليفها الإسرائيلي إلى جانب مواقف بعض الدول الأوروبية التي بدأت تطالب بالتوقف عن تسليح إسرائيل وبعض الدول التي عادت بعد التوقف عن تمويل "الأونروا" لتتراجع عن ذلك بعد أن فشل الاحتلال في تبرير حملته ضد "الأنوروا".

إلى جانب كل ذلك تأتي الاحتجاجات اليومية الإسرائيلية ضد حكومة ناتنياهو والتحركات اليومية لعائلات وأهالي الأسرى الذي يطالبون بعودتهم إلى جانب بعض المنظمات الإنسانية التي بدأت تطالب بوقف الحرب على غزة... ومعها تأتي التحركات و الاحتجاجات في العواصم الغربية الرافضة لجرائم الإبادة في غزة ..

هذه الأسباب وغيرها إلى جانب فشل ناتنياهو في تحقيق أهدافه العسكرية المعلنة منذ بداية الحرب في تحرير الرهائن والقضاء على حماس وقبل ذلك الفشل الذريع في استباق عملية طوفان الأقصى يجعل الهدنة مطلبا إسرائيليا أيضا ولكن إسرائيل تريده أن يكون مقنعا ويخفي هزائمها الأخلاقية والسياسية والقانونية التي لم تستطع إخفاءها عبر القوة العسكرية التي تحظى بها بفضل السخاء الأمريكي و الأوروبي ..

من الجانب الفلسطيني ندرك جيدا أن تعيين رئيس حكومة جديد لم يكن من منطلق البحث عن تحقيق الوحدة المنشودة والإصلاح التي طالب به الكثير من الفلسطينيين و لكن جاء بضغط و طلب أمريكي لإجراء إصلاحات عل المؤسسات الفلسطينية و هو الأمر الذي أقدم عليه الرئيس عباس منفردا بقراره والحال انه يدرك جيدا أن أي سلطة تفرض على القطاع ستكون مرفوضة في غزة ولن يكون لها شعبية أو قبول لدى الأهالي الذين لا يخفون استياؤهم من سلطة رام الله التي يعتبرون أنها خذلتهم في محنتهم أو هذا على الأقل ما يبدو.. في المقابل فان حماس التي تحظى بشعبية في الضفة وفي القطاع غير مقبولة لدى القوى الدولية كطرف سياسي يمكن التفاوض معه وهذا الموقف بدوره لا يخل من التناقض لان كل المحادثات التي جرت وتجري لتبادل الأسرى تتم مع حماس سواء مباشرة أو عن طريق الوسطاء ..

الساعات القادمة قد تكون حاسمة اذا قررت واشنطن الخروج عن انحيازها الأعمى ومارست الضغط المطلوب على ناتنياهو لإيقاف العدوان ...

و رغم التعنت الذي يجاهر به ناتنياهو وتصريحاته بعدم إيقاف الحرب قبل تحقيق أهدافه العسكرية المعلنة في القضاء على حماس واستعادة كل الرهائن، فان في الإعلان من الجانب الإسرائيلي عن اجتماع عاجل لمجلسي الحرب وللمجلس الأمني الإسرائيلي ما يؤكد وجود مباحثات في هذا الشأن.. طبعا سيسعى الجانب الإسرائيلي إلى محاولة ربح الوقت والرهان مجددا على الخلافات الداخلية الإسرائيلية- الإسرائيلية للعودة إلى النقطة الصفر وتحميل المقاومة مسؤولية الحرب وتجاهل أسباب الصراع التاريخية ودور الاحتلال الإسرائيلي في مختلف الحروب التي عرفتها المنطقة منذ تأسيس هذا الكيان.. اللحظة حاسمة وتستوجب من الجانب الفلسطيني وأكثر من أي وقت مضى ترتيب البيت والاستعداد وتجنب الأسوأ وعدم التفريط في التضحيات الجسام التي قدمها ويقدمها الفلسطينيون.

اسيا العتروس