إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

توسع يتعارض مع تحديات الدولة .. "التهام" البناءات والمساكن للمساحات الزراعية طريق أزمة غذاء

عضو المكتب التنفيذي لإتحاد الفلاحين لـ"الصباح":  هذه الحلول ممكنة واتخاذ قرارات سيادية صارمة حل لحماية الأمن الغذائي والأجيال القادمة

تونس – الصباح

صيحات فزع متواترة ما انفك يطلقها ممثلو مؤسسات ومنظمات وغيرها من الهياكل الرسمية والمدنية لدعوة السلطات الرسمية للتحرك ووضع حد لظاهرة نزيف الأراضي الفلاحية المتفشية وتحويل صبغتها إلى عقارات سكنية بشكل عشوائي، بسبب خطر تمدد الزحف السكاني و"التهام" البناءات والمساكن لمساحات كبيرة من الأراضي ذات الصبغة الفلاحية بالأساس وما تشكله هذه الظاهرة من تهديد للأمن الغذائي الوطني لاسيما في ظل التغيرات التي يشهدها المناخ في العالم وتداعيات ذلك على الاقتصاد الوطني وأزمة الغذاء، لاسيما أن هذه الظاهرة تفشت في سنوات ما بعد ثورة 2011 في أراض فلاحية بامتياز بولايات من الشمال التونسي على غرار منوبة وأريانة وبن عروس وجندوبة وبنزرت ونابل وزغوان، خاصة أن الجهات الرسمية تؤكد أن نسبة التصحر تجاوزت 50 % من الأراضي التونسية والنسبة مرشحة للزيادة في ظل النقص في نزول الأمطار والارتفاع المسجل في درجات الحرارة على الأرض كنتائج لتغير المناخ في العالم.

تداعيات انفلات البناء العشوائي

ويكفي العودة إلى مصالح وزارات الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية وأملاك الدولة والشؤون العقارية والعدل وغيرها لمعرفة نتائج وتداعيات انفلات البناء العشوائي في السنوات الأخيرة مساعي جميع الأطراف لإيجاد حلول لتسوية وضعيات أصحاب هؤلاء في البناءات.

إذ لم تستطع التشريعات المتعلقة بحماية الأراضي الفلاحية سواء منها التي تمتلكها الدولة أو العقارات التي يملكها الخواص، على غرار القانون عدد 87 لسنة 1983 أو القانون عدد 67 لسنة 2016 المتعلق بإتمام نفس القانون، لتتواصل عمليات استنزاف المساحات الفلاحية لفائدة البناءات السكنية. وقد ساهمت عدة عوامل في استفحال هذه الظاهرة بشكل عشوائي لعل من أبرزها تغافل الجهات الرسمية وعدم اتخاذ قرارات تمنع توسع الظاهرة وأخرى ردعية ضد المخالفين والمتخاذلين من ناحية، وارتفاع أسعار العقارات السكنية لاسيما في الجهات التابعة لتونس الكبرى وانخراط شركات ناشطة في المجال دون إيلاء أي طرف أهمية لخطورة ذلك وطنيا بتقليص المساحات الفلاحية رغم مساعي بعض الجهات المختصة أو الرسمية بالتعاون مع منظمات وجهات دولية لوضع برامج وأجندات استشرافية للنهوض بالإنتاج الفلاحي في ظل العوامل المناخية والطبيعية المستجدة وتأثيراتها السلبية على الغذاء ودون مراعاة مدى خطورة هذه الظاهرة على الأجيال القادمة.

تراجع مخيف

لئن اعتبر حسين الريحيلي، الخبير المختص في المياه، في عدة مناسبات أن الأراضي الصالحة للزراعة في بلادنا والتي قدرت في السنوات الأخيرة بنسبة 32 % من التراب الوطني، في تراجع كبير مقابل تزايد التصحر لتصبح أكثر من 50 % من الأراضي الجملية صحراء بسبب نقص الأمطار وشح المياه، فإن عدة جهات أخرى تؤكد أن تراجع المساحات الغابية أيضا بسبب الحرائق والاعتداءات أو الاستغلال العشوائي لها من شانه أن يؤثر أيضا على المساحات الخضراء في بلادنا ومن ثمة استفحال أزمة الغذاء لاسيما في ظل الارتفاع في أسعار الحبوب ومشتقاتها وكل المواد الغذائية. الأمر الذي من شانه أن يصعب مهمة القائمين على المساعي لتوفير مستلزمات الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني في بعض المواد والمنتوجات. فيما أكدت وزارة البيئة في بيان رسمي لها منذ مدة أن 75% من التراب الوطني مهدد بالتصحر في ظل التحديات البيئية والمناخية المطروحة اليوم.

نداء واجب

في سياق متصل اعتبر محمد رجايبية، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالزراعات الكبرى، في حديثه عن المسألة لـ"الصباح"، أن ظاهرة تقلص المساحات الفلاحية وخاصة منها الصالحة للزراعة بالمناطق الزراعية أصبحت حقيقة تدعو الجهات الرسمية للتحرك ووضع حد لها قبل فوات الأوان. وأضاف قائلا: "صحيح أن الظاهرة موجودة منذ عقود ولكنها استفحلت في سنوات ما بعد الثورة وسبق لمنظمتنا أن نبهت السلطات الرسمية وسجلنا في نفس السياق تحرك للمجتمع المدني للتنديد بهذه الظاهرة و"أنانية" البعض في البحث عن الربح الآني والمصلحة الذاتية دون تفكير في الأجيال القادمة ولكن دون توصل لحلول تضع حد لهذه الظاهرة".

واعتبر محدثنا أنه على السلطات الرسمية التحرك ومنع هذه الظاهرة التي تستنزف المساحات الزراعية وتشكل خطرا على الراهن بما يتعارض وسياسة الدولة اليوم لتوفير الأمن الغذائي ووضع استراتيجيات كفيلة بالتعويل على الذات في الإنتاج الفلاحي من ناحية ومن شأنه أن يحرم الأجيال القادمة من التمتع بأراضي زراعية في بلاده.

كما اعتبر محمد رجايبية "أن التوسع العمراني في المساحات الزراعية والخصبة بالأساس ساهم في تقليص المساحات الفلاحية المخصصة للإنتاج وهذا يتطلب ضرورة تدخل السلطات الرسمية لوضع حد للظاهرة لأنها أشبه بجريمة في حق كل التونسيين على حد السواء باعتبار أن الظاهرة متواصلة في كامل جهات الجمهورية".

ودعا عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين السلطات الرسمية إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لوضع حد للظاهرة والمضي إلى الخيارات الأخرى في توفير السكن على غرار ما هو معمول به في أغلب البلدان التي اختارت منع التوسع العمراني غير المدروس والمحافظة على المساحات الزراعية والفلاحية وذلك بالتوجه إلى البناءات العمودية وتنظيم البناء الأفقي، وذلك باختيار المساحات غير الصالحة للزراعة وتهيئتها للغرض. ونزل ذلك في سياق اتخاذ الاحتياطات اللازمة لضمان تمتع الأجيال القادمة بإنتاج فلاحي وطني.

كما أكد أن إيقاف نزيف التوسع العمراني على المساكن الزراعية خاصة منها الخصبة يعد وجوبيا اليوم بما يتماشى والنظرة الاستشرافية لمستقبل البلاد والأجيال وذلك عبر وضع قوانين واتخاذ قرارات صارمة في الغرض لحماية ما يمكن حمايته من المساحات الصالحة للزراعة المتبقية في ظل تأكيد الخبراء وغيرهم من الجهات الرسمية في بلادنا، وأيضا المنظمات العالمية بأن العالم مقبل على تغيرات مناخية واقتصادية كبرى. مضيفا بالقول: "فبلادنا اليوم تستورد 95% من القمح اللين بعد تتالي سنوات الجفاف في حين كانت توفر أكثر من 50% القمح الصلب ولكن ما يحدث اليوم من سرعة وسهولة تغيير في صبغة الأراضي الفلاحية وتحويلها إلى أراض سكنية ينذر بخطورة الوضع ويتعارض مع الاستراتيجيات الوطنية لتعزيز الإنتاج وتوفير الاكتفاء الذاتي في بعض المنتوجات الفلاحية".

ويذكر أن المساحات المبذورة حبوبا في الموسم الفلاحي 2023 - 2024 في بلادنا بلغت 971 ألف هكتار من إجمالي 1.194 مليون هكتار مبرمجة، أي بنسبة إنجاز 81%.

نزيهة الغضباني

 

 

 

 

 

 

توسع يتعارض مع تحديات الدولة .. "التهام" البناءات والمساكن للمساحات الزراعية طريق أزمة غذاء

عضو المكتب التنفيذي لإتحاد الفلاحين لـ"الصباح":  هذه الحلول ممكنة واتخاذ قرارات سيادية صارمة حل لحماية الأمن الغذائي والأجيال القادمة

تونس – الصباح

صيحات فزع متواترة ما انفك يطلقها ممثلو مؤسسات ومنظمات وغيرها من الهياكل الرسمية والمدنية لدعوة السلطات الرسمية للتحرك ووضع حد لظاهرة نزيف الأراضي الفلاحية المتفشية وتحويل صبغتها إلى عقارات سكنية بشكل عشوائي، بسبب خطر تمدد الزحف السكاني و"التهام" البناءات والمساكن لمساحات كبيرة من الأراضي ذات الصبغة الفلاحية بالأساس وما تشكله هذه الظاهرة من تهديد للأمن الغذائي الوطني لاسيما في ظل التغيرات التي يشهدها المناخ في العالم وتداعيات ذلك على الاقتصاد الوطني وأزمة الغذاء، لاسيما أن هذه الظاهرة تفشت في سنوات ما بعد ثورة 2011 في أراض فلاحية بامتياز بولايات من الشمال التونسي على غرار منوبة وأريانة وبن عروس وجندوبة وبنزرت ونابل وزغوان، خاصة أن الجهات الرسمية تؤكد أن نسبة التصحر تجاوزت 50 % من الأراضي التونسية والنسبة مرشحة للزيادة في ظل النقص في نزول الأمطار والارتفاع المسجل في درجات الحرارة على الأرض كنتائج لتغير المناخ في العالم.

تداعيات انفلات البناء العشوائي

ويكفي العودة إلى مصالح وزارات الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية وأملاك الدولة والشؤون العقارية والعدل وغيرها لمعرفة نتائج وتداعيات انفلات البناء العشوائي في السنوات الأخيرة مساعي جميع الأطراف لإيجاد حلول لتسوية وضعيات أصحاب هؤلاء في البناءات.

إذ لم تستطع التشريعات المتعلقة بحماية الأراضي الفلاحية سواء منها التي تمتلكها الدولة أو العقارات التي يملكها الخواص، على غرار القانون عدد 87 لسنة 1983 أو القانون عدد 67 لسنة 2016 المتعلق بإتمام نفس القانون، لتتواصل عمليات استنزاف المساحات الفلاحية لفائدة البناءات السكنية. وقد ساهمت عدة عوامل في استفحال هذه الظاهرة بشكل عشوائي لعل من أبرزها تغافل الجهات الرسمية وعدم اتخاذ قرارات تمنع توسع الظاهرة وأخرى ردعية ضد المخالفين والمتخاذلين من ناحية، وارتفاع أسعار العقارات السكنية لاسيما في الجهات التابعة لتونس الكبرى وانخراط شركات ناشطة في المجال دون إيلاء أي طرف أهمية لخطورة ذلك وطنيا بتقليص المساحات الفلاحية رغم مساعي بعض الجهات المختصة أو الرسمية بالتعاون مع منظمات وجهات دولية لوضع برامج وأجندات استشرافية للنهوض بالإنتاج الفلاحي في ظل العوامل المناخية والطبيعية المستجدة وتأثيراتها السلبية على الغذاء ودون مراعاة مدى خطورة هذه الظاهرة على الأجيال القادمة.

تراجع مخيف

لئن اعتبر حسين الريحيلي، الخبير المختص في المياه، في عدة مناسبات أن الأراضي الصالحة للزراعة في بلادنا والتي قدرت في السنوات الأخيرة بنسبة 32 % من التراب الوطني، في تراجع كبير مقابل تزايد التصحر لتصبح أكثر من 50 % من الأراضي الجملية صحراء بسبب نقص الأمطار وشح المياه، فإن عدة جهات أخرى تؤكد أن تراجع المساحات الغابية أيضا بسبب الحرائق والاعتداءات أو الاستغلال العشوائي لها من شانه أن يؤثر أيضا على المساحات الخضراء في بلادنا ومن ثمة استفحال أزمة الغذاء لاسيما في ظل الارتفاع في أسعار الحبوب ومشتقاتها وكل المواد الغذائية. الأمر الذي من شانه أن يصعب مهمة القائمين على المساعي لتوفير مستلزمات الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني في بعض المواد والمنتوجات. فيما أكدت وزارة البيئة في بيان رسمي لها منذ مدة أن 75% من التراب الوطني مهدد بالتصحر في ظل التحديات البيئية والمناخية المطروحة اليوم.

نداء واجب

في سياق متصل اعتبر محمد رجايبية، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالزراعات الكبرى، في حديثه عن المسألة لـ"الصباح"، أن ظاهرة تقلص المساحات الفلاحية وخاصة منها الصالحة للزراعة بالمناطق الزراعية أصبحت حقيقة تدعو الجهات الرسمية للتحرك ووضع حد لها قبل فوات الأوان. وأضاف قائلا: "صحيح أن الظاهرة موجودة منذ عقود ولكنها استفحلت في سنوات ما بعد الثورة وسبق لمنظمتنا أن نبهت السلطات الرسمية وسجلنا في نفس السياق تحرك للمجتمع المدني للتنديد بهذه الظاهرة و"أنانية" البعض في البحث عن الربح الآني والمصلحة الذاتية دون تفكير في الأجيال القادمة ولكن دون توصل لحلول تضع حد لهذه الظاهرة".

واعتبر محدثنا أنه على السلطات الرسمية التحرك ومنع هذه الظاهرة التي تستنزف المساحات الزراعية وتشكل خطرا على الراهن بما يتعارض وسياسة الدولة اليوم لتوفير الأمن الغذائي ووضع استراتيجيات كفيلة بالتعويل على الذات في الإنتاج الفلاحي من ناحية ومن شأنه أن يحرم الأجيال القادمة من التمتع بأراضي زراعية في بلاده.

كما اعتبر محمد رجايبية "أن التوسع العمراني في المساحات الزراعية والخصبة بالأساس ساهم في تقليص المساحات الفلاحية المخصصة للإنتاج وهذا يتطلب ضرورة تدخل السلطات الرسمية لوضع حد للظاهرة لأنها أشبه بجريمة في حق كل التونسيين على حد السواء باعتبار أن الظاهرة متواصلة في كامل جهات الجمهورية".

ودعا عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين السلطات الرسمية إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لوضع حد للظاهرة والمضي إلى الخيارات الأخرى في توفير السكن على غرار ما هو معمول به في أغلب البلدان التي اختارت منع التوسع العمراني غير المدروس والمحافظة على المساحات الزراعية والفلاحية وذلك بالتوجه إلى البناءات العمودية وتنظيم البناء الأفقي، وذلك باختيار المساحات غير الصالحة للزراعة وتهيئتها للغرض. ونزل ذلك في سياق اتخاذ الاحتياطات اللازمة لضمان تمتع الأجيال القادمة بإنتاج فلاحي وطني.

كما أكد أن إيقاف نزيف التوسع العمراني على المساكن الزراعية خاصة منها الخصبة يعد وجوبيا اليوم بما يتماشى والنظرة الاستشرافية لمستقبل البلاد والأجيال وذلك عبر وضع قوانين واتخاذ قرارات صارمة في الغرض لحماية ما يمكن حمايته من المساحات الصالحة للزراعة المتبقية في ظل تأكيد الخبراء وغيرهم من الجهات الرسمية في بلادنا، وأيضا المنظمات العالمية بأن العالم مقبل على تغيرات مناخية واقتصادية كبرى. مضيفا بالقول: "فبلادنا اليوم تستورد 95% من القمح اللين بعد تتالي سنوات الجفاف في حين كانت توفر أكثر من 50% القمح الصلب ولكن ما يحدث اليوم من سرعة وسهولة تغيير في صبغة الأراضي الفلاحية وتحويلها إلى أراض سكنية ينذر بخطورة الوضع ويتعارض مع الاستراتيجيات الوطنية لتعزيز الإنتاج وتوفير الاكتفاء الذاتي في بعض المنتوجات الفلاحية".

ويذكر أن المساحات المبذورة حبوبا في الموسم الفلاحي 2023 - 2024 في بلادنا بلغت 971 ألف هكتار من إجمالي 1.194 مليون هكتار مبرمجة، أي بنسبة إنجاز 81%.

نزيهة الغضباني