إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ينهون حياتهم بمبيد الفئران والشنق تلاميذ ضحايا النتائج المدرسية ..يهربون من الفشل إلى الموت !

 

 

تونس-الصباح

رغم أن الحياة نعمة من الله وهبنا إياها لنعيشها ونتمتع بها، لكن البعض يختار الانسحاب منها عمدا بإنهاء حياته بالانتحار، والعديد من حالات الانتحار التي تطالعنا يوميا عبر وسائل الإعلام، وإلى هنا الأمر يعتبر عاديا للمنتحرين من الكهول أو الشيوخ ربما العديد من المشاكل وضغوطات الحياة تدفعهم إلى الانسحاب من الحياة واختيار الموت بتلك الطريقة، ولكن الأغرب أن عدوى الانتحار انتقلت الى التلاميذ الذين أصبح لدى البعض منهم هاجس ثقافة الموت و"عشّشت" في رؤوسهم تلك الفكرة والسبب سوء النتائج المدرسية أو طرد من المعهد.

صباح الشابي

فقد أقدمت مؤخرا تلميذتين بمدينة قابس على الانتحار بشرب مبيد الفئران نظرا للضغط النفسي الناجم عن تردي أعدادهما الدراسية وقد توفيت إحداهما وتبلغ من العمر 15 سنة بعد إقامتها بالمستشفى الجامعي وقد أذنت النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائية بقابس بفتح بحث تحقيقي على معنى الفصل 31 من مجلة الإجراءات الجزائية فيما نجت زميلتها التي تناولت جرعة قليلة فقط من نفس المبيد.

ورغم أنه لا يمكن أن نعتبر أن حالات انتحار التلاميذ ظاهرة ولكن يجب أن ندق ناقوس الخطر، خاصة وأن هذه الحوادث تتكرر تقريبا كل شهر ففي شهر فيفري المنقضي أقدم تلميذ على الانتحار شنقا بمنزل والديه الكائن بحي الزهور بمدينة غار الدماء بعد أن جدّ بينه وبين إدارة المعهد خلاف على خلفية مطالبته بإحضار وليه للاستفسار عن غياباته المتكرّرة، وقد عمد عدد كبير من التلامذة إلى إضرام النار في المعهد، وحرق بعض مكوناته وسرقة البعض الأخر، وتهشيم عدد من تجهيزاته.

وقد خلفت الحادثة حالة من الاحتقان والفوضى والعبث بمحتويات المؤسسة التربوية.

وكان المندوب الجهوي للتربية نفى ما راج حول اعتداء القيم العام على التلميذ المنتحر وحول تلقيه أية عقوبة قبل إقدامه على هذه العملية، قائلا "أن كل ما في الأمر أنه تم استدعاء ولي أمره".

في وقت سابق أقدم تلميذ بالمعهد الثانوي بسبيطلة في ولاية القصرين على إضرام النار في نفسه والانتحار حرقا في ساحة المعهد. وحسبما صرح به مدير المعهد لوسائل الإعلام في ذلك الوقت فقد تمّت عملية الانتحار، كردة فعل إثر إحالة التلميذ على مجلس التربية الّذي قرّر طرده من المعهد.

الانتحار شنقا في الصدارة

 يعد الانتحار شنقا الطريقة الشائعة بين الأطفال حيث قضى أغلب المنتحرين نحبهم شنقا، وتغيّـر التوزيـع الجهـوي لحـالات الانتحار ومحـاولات الانتحار، فبعـد أن كانت ولايـة القيروان فـي المرتبة الأولى بـ 48 حالـة سـنة 2019 و37 حالـة سـنة 2020 تصـدرت ولايـة تونـس الترتيـب بــ 24 حالـة سـنة 2021، بينما حلت القيروان في المرتبة الثانية بـ 22 حالة، وقد اختلفت الأسباب الّتي جعلت من القيروان في صدارة الولايات لسنوات من حيث تفاقم منسوب الجريمة على غرار الحاجة والفاقة والفقر، فتصدّرت المراتب الأولى من حيث عدد الجرائم المسجّلة لفترة طويلة مقارنة ببقيّة الولايات.

ووفق منظمة الصحة العالمية فإنه يموت كلَّ عام ما يقرب من مليون شخص بسبب الانتحار؛ 86٪ منهم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

سبب رئيسي للوفاة

يعد الانتحار من بين الأسباب الرئيسية الثلاثة للوفاة بين الشباب تحت سن 25، وهو يمثل 10% و20% من وفيات النساء حتى سنة واحدة بعد الولادة.

ووفق المنظمة فإن متوسط معدل الانتحار بالنسبة لبلدان إقليم شرق المتوسط هو 4,90 لكل 100000 شخص، مقارنة مع 6,55 بالنسبة لجميع دول العالم.

وكانت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن صرحت أن 7500 إشعارا يتعلق باعتداءات على الطفولة ورد على مكاتب مندوبي حماية الطفولة خلال سنة 2023 مسجلا بذلك زيادة بألفي إشعار مقارنة مع السنة قبل الماضية.

وقالت وزيرة المرأة إن من بين حالات الانتحار التي تم تسجيلها هناك ثماني حالات انتحار ضحاياها أطفال أي بمعدل حالتين كل شهر وأن 80٪ من محاولات الانتحار هي للإناث وقد قررت الوزارة الشروع في إنجاز دراسة علميّة معمّقة لهذه الظاهرة وفهم أسبابها قصد الاستناد إليها لتحديد السياسات وتصويب التدخلات الوقائيّة في هذا المجال.

 هاجس ثقافة الموت الذي تغلغل في أذهان العديد من التلاميذ سواء الذين قضوا نحبهم بعد أن وضعوا حدا لحياتهم أو الذين نجوا من الموت بأعجوبة يدفعنا إلى طرح العديد من التساؤلات، ما الذي يدفع طفل مازال في عمر الزهور وما زال الطريق أمامه إلى التفكير في الانتحار؟ وهل تتحمل الأسرة المسؤولية وحدها ؟ وما هو الحل لإيقاف هذه الفواجع؟

المختص في علم الاجتماع بلعيد أولاد عبد الله وخلال تفسيره لـ"الصباح" أسباب الانتحار في صفوف التلاميذ بين أن الحالات تتكرر من هنا وهناك خاصة في الوسط المدرسي، ورغم ذلك لا يمكن أن نعتبرها ظاهرة مضيفا أن هنالك بعدين الأول التربية الوالديّة والتنشئة الاجتماعية داخل الأسرة والبعد الثاني في علاقة بالمؤسسة التربوية والنظام التقييمي في تلك المؤسسة بمعنى أن الثقافة السائدة داخل الأسرة والمؤسسة التربوية هي ثقافة الإمتياز والنجاح كلفنا ذلك ما كلفنا وهذا يضع الطفل سواء كان ذكرا أو أنثى في هشاشة نفسية كبيرة جدا فعندما تكون نتائجه المدرسية ضعيفة أو يكون هناك إخفاق مدرسي ورسوب أو عملية تحرش أو إشكالية معينة داخل المؤسسة التربوية وفي حالة غياب الحوار داخل الأسرة لدراسة الأسباب وعوض أن تبني الأسرة من خلال الاستناد إلى تلك الأخطاء ترى نفسها أنها وفرت كل الظروف لأبنائها وبالتالي فهم مطالبون بالنتيجة معتبرا أنه أمام غياب الحوار وتكريس ثقافة الامتياز وثقافة الأفضل وترتيب التلاميذ بـ"السكور" وبالنتائج ومن الأفضل وبـ"معلقة شرف ومعلقة استحسان وشهادة امتياز" يضع التلاميذ في وضع هش، أضف إلى ذلك الهشاشة النفسية والإرهاق والتوتر الذي يعانيه التلاميذ اليوم كلها عوامل وأسباب وراء حوادث الانتحار في صفوف التلاميذ.

 مشيرا إلى أن هناك دراسات نفسية بينت أن الأطفال في الوسط المدرسي يعانون من الاكتئاب والإحباط وبالتالي فالانتحار في صفوف التلاميذ دلالة ومؤشر لوجود مشكل داخل الأسرة وداخل المؤسسة التربوية التي برامجها وآليات تقييمها تثمّن النّجاح ولا تعتبر الإخفاق كتجربة اجتماعيّة وبأنه ليس نهاية العالم ويجب إعطاء التلميذ فرصة ثانية.

 معتبرا أن المؤسسة التربوية وبرامجها لم تعد جاذبة للتلميذ وحتى عدد الأطفال في القسم ومقاييس الإصلاح والتقييمات لذلك فالأسرة هي التي تتحمل هذا الوزر الكبير كذلك المؤسسة التربوية التي تنقصها المرافقة النفسية والاجتماعية للأطفال خاصة في فترات الامتحانات.

وشدد على ضرورة إرساء علاقات حوار داخل الأسرة ومتابعة أي تغير في السلوك وإتباع أساليب التربية الصحية، ويجب كذلك على المؤسسة التربوية أن تراجع مقاييس التقييم بأن يجتمع خبراء في التربية وعلم النفس وعلوم الأطفال وعلوم التربية مع بعضهم لإيصال طرق التقييم للتلاميذ دون جعلهم في هشاشة نفسية قد تؤدي بهم إلى الانتحار.

 

 

 

 

ينهون حياتهم بمبيد الفئران والشنق تلاميذ ضحايا النتائج المدرسية ..يهربون من الفشل إلى الموت !

 

 

تونس-الصباح

رغم أن الحياة نعمة من الله وهبنا إياها لنعيشها ونتمتع بها، لكن البعض يختار الانسحاب منها عمدا بإنهاء حياته بالانتحار، والعديد من حالات الانتحار التي تطالعنا يوميا عبر وسائل الإعلام، وإلى هنا الأمر يعتبر عاديا للمنتحرين من الكهول أو الشيوخ ربما العديد من المشاكل وضغوطات الحياة تدفعهم إلى الانسحاب من الحياة واختيار الموت بتلك الطريقة، ولكن الأغرب أن عدوى الانتحار انتقلت الى التلاميذ الذين أصبح لدى البعض منهم هاجس ثقافة الموت و"عشّشت" في رؤوسهم تلك الفكرة والسبب سوء النتائج المدرسية أو طرد من المعهد.

صباح الشابي

فقد أقدمت مؤخرا تلميذتين بمدينة قابس على الانتحار بشرب مبيد الفئران نظرا للضغط النفسي الناجم عن تردي أعدادهما الدراسية وقد توفيت إحداهما وتبلغ من العمر 15 سنة بعد إقامتها بالمستشفى الجامعي وقد أذنت النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائية بقابس بفتح بحث تحقيقي على معنى الفصل 31 من مجلة الإجراءات الجزائية فيما نجت زميلتها التي تناولت جرعة قليلة فقط من نفس المبيد.

ورغم أنه لا يمكن أن نعتبر أن حالات انتحار التلاميذ ظاهرة ولكن يجب أن ندق ناقوس الخطر، خاصة وأن هذه الحوادث تتكرر تقريبا كل شهر ففي شهر فيفري المنقضي أقدم تلميذ على الانتحار شنقا بمنزل والديه الكائن بحي الزهور بمدينة غار الدماء بعد أن جدّ بينه وبين إدارة المعهد خلاف على خلفية مطالبته بإحضار وليه للاستفسار عن غياباته المتكرّرة، وقد عمد عدد كبير من التلامذة إلى إضرام النار في المعهد، وحرق بعض مكوناته وسرقة البعض الأخر، وتهشيم عدد من تجهيزاته.

وقد خلفت الحادثة حالة من الاحتقان والفوضى والعبث بمحتويات المؤسسة التربوية.

وكان المندوب الجهوي للتربية نفى ما راج حول اعتداء القيم العام على التلميذ المنتحر وحول تلقيه أية عقوبة قبل إقدامه على هذه العملية، قائلا "أن كل ما في الأمر أنه تم استدعاء ولي أمره".

في وقت سابق أقدم تلميذ بالمعهد الثانوي بسبيطلة في ولاية القصرين على إضرام النار في نفسه والانتحار حرقا في ساحة المعهد. وحسبما صرح به مدير المعهد لوسائل الإعلام في ذلك الوقت فقد تمّت عملية الانتحار، كردة فعل إثر إحالة التلميذ على مجلس التربية الّذي قرّر طرده من المعهد.

الانتحار شنقا في الصدارة

 يعد الانتحار شنقا الطريقة الشائعة بين الأطفال حيث قضى أغلب المنتحرين نحبهم شنقا، وتغيّـر التوزيـع الجهـوي لحـالات الانتحار ومحـاولات الانتحار، فبعـد أن كانت ولايـة القيروان فـي المرتبة الأولى بـ 48 حالـة سـنة 2019 و37 حالـة سـنة 2020 تصـدرت ولايـة تونـس الترتيـب بــ 24 حالـة سـنة 2021، بينما حلت القيروان في المرتبة الثانية بـ 22 حالة، وقد اختلفت الأسباب الّتي جعلت من القيروان في صدارة الولايات لسنوات من حيث تفاقم منسوب الجريمة على غرار الحاجة والفاقة والفقر، فتصدّرت المراتب الأولى من حيث عدد الجرائم المسجّلة لفترة طويلة مقارنة ببقيّة الولايات.

ووفق منظمة الصحة العالمية فإنه يموت كلَّ عام ما يقرب من مليون شخص بسبب الانتحار؛ 86٪ منهم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

سبب رئيسي للوفاة

يعد الانتحار من بين الأسباب الرئيسية الثلاثة للوفاة بين الشباب تحت سن 25، وهو يمثل 10% و20% من وفيات النساء حتى سنة واحدة بعد الولادة.

ووفق المنظمة فإن متوسط معدل الانتحار بالنسبة لبلدان إقليم شرق المتوسط هو 4,90 لكل 100000 شخص، مقارنة مع 6,55 بالنسبة لجميع دول العالم.

وكانت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن صرحت أن 7500 إشعارا يتعلق باعتداءات على الطفولة ورد على مكاتب مندوبي حماية الطفولة خلال سنة 2023 مسجلا بذلك زيادة بألفي إشعار مقارنة مع السنة قبل الماضية.

وقالت وزيرة المرأة إن من بين حالات الانتحار التي تم تسجيلها هناك ثماني حالات انتحار ضحاياها أطفال أي بمعدل حالتين كل شهر وأن 80٪ من محاولات الانتحار هي للإناث وقد قررت الوزارة الشروع في إنجاز دراسة علميّة معمّقة لهذه الظاهرة وفهم أسبابها قصد الاستناد إليها لتحديد السياسات وتصويب التدخلات الوقائيّة في هذا المجال.

 هاجس ثقافة الموت الذي تغلغل في أذهان العديد من التلاميذ سواء الذين قضوا نحبهم بعد أن وضعوا حدا لحياتهم أو الذين نجوا من الموت بأعجوبة يدفعنا إلى طرح العديد من التساؤلات، ما الذي يدفع طفل مازال في عمر الزهور وما زال الطريق أمامه إلى التفكير في الانتحار؟ وهل تتحمل الأسرة المسؤولية وحدها ؟ وما هو الحل لإيقاف هذه الفواجع؟

المختص في علم الاجتماع بلعيد أولاد عبد الله وخلال تفسيره لـ"الصباح" أسباب الانتحار في صفوف التلاميذ بين أن الحالات تتكرر من هنا وهناك خاصة في الوسط المدرسي، ورغم ذلك لا يمكن أن نعتبرها ظاهرة مضيفا أن هنالك بعدين الأول التربية الوالديّة والتنشئة الاجتماعية داخل الأسرة والبعد الثاني في علاقة بالمؤسسة التربوية والنظام التقييمي في تلك المؤسسة بمعنى أن الثقافة السائدة داخل الأسرة والمؤسسة التربوية هي ثقافة الإمتياز والنجاح كلفنا ذلك ما كلفنا وهذا يضع الطفل سواء كان ذكرا أو أنثى في هشاشة نفسية كبيرة جدا فعندما تكون نتائجه المدرسية ضعيفة أو يكون هناك إخفاق مدرسي ورسوب أو عملية تحرش أو إشكالية معينة داخل المؤسسة التربوية وفي حالة غياب الحوار داخل الأسرة لدراسة الأسباب وعوض أن تبني الأسرة من خلال الاستناد إلى تلك الأخطاء ترى نفسها أنها وفرت كل الظروف لأبنائها وبالتالي فهم مطالبون بالنتيجة معتبرا أنه أمام غياب الحوار وتكريس ثقافة الامتياز وثقافة الأفضل وترتيب التلاميذ بـ"السكور" وبالنتائج ومن الأفضل وبـ"معلقة شرف ومعلقة استحسان وشهادة امتياز" يضع التلاميذ في وضع هش، أضف إلى ذلك الهشاشة النفسية والإرهاق والتوتر الذي يعانيه التلاميذ اليوم كلها عوامل وأسباب وراء حوادث الانتحار في صفوف التلاميذ.

 مشيرا إلى أن هناك دراسات نفسية بينت أن الأطفال في الوسط المدرسي يعانون من الاكتئاب والإحباط وبالتالي فالانتحار في صفوف التلاميذ دلالة ومؤشر لوجود مشكل داخل الأسرة وداخل المؤسسة التربوية التي برامجها وآليات تقييمها تثمّن النّجاح ولا تعتبر الإخفاق كتجربة اجتماعيّة وبأنه ليس نهاية العالم ويجب إعطاء التلميذ فرصة ثانية.

 معتبرا أن المؤسسة التربوية وبرامجها لم تعد جاذبة للتلميذ وحتى عدد الأطفال في القسم ومقاييس الإصلاح والتقييمات لذلك فالأسرة هي التي تتحمل هذا الوزر الكبير كذلك المؤسسة التربوية التي تنقصها المرافقة النفسية والاجتماعية للأطفال خاصة في فترات الامتحانات.

وشدد على ضرورة إرساء علاقات حوار داخل الأسرة ومتابعة أي تغير في السلوك وإتباع أساليب التربية الصحية، ويجب كذلك على المؤسسة التربوية أن تراجع مقاييس التقييم بأن يجتمع خبراء في التربية وعلم النفس وعلوم الأطفال وعلوم التربية مع بعضهم لإيصال طرق التقييم للتلاميذ دون جعلهم في هشاشة نفسية قد تؤدي بهم إلى الانتحار.