وتبدو سنة 2024 وما بعدها أكثر دموية وفق الأرقام المسجلة خلال الشهرين الأولين منها
بقلم: ريم بالخذيري
تعتبر سنة 2023 الأكثر دمويّة منذ الحرب العالمية الثانية كما توسّعت فيها الصراعات والحروب على نطاق واسع يشبه الرقعة الجغرافية التي امتدت عليها تلك الحرب. فالحرب اليوم مشتعلة في ثلاث قارات ففي السودان يتساقط الضحايا من المدنيين يوميا بالمئات وبلغ عددهم التقريبي في أقل من سنة قتل ما لا يقل عن 20 ألف شخص وأصيب مثلهم كما نزح نحو الداخل والخارج حوالي 6 مليون شخص وبات 1.5 مليون شخص لاجئًا.
وفي أوكرانيا قتل ما لا يقل عن 10 آلاف مدني، بينهم أكثر من 560 طفلا، وأصيب أكثر من 18,500 آخرين منذ شن روسيا هجومها المسلح واسع النطاق في 24 فيفري 2022. وفي غزة قتل منذ بداية العدوان قبل أربعة أشهر حوالي 30 ألف فلسطيني وأصيب حوالي 70 ألف فيما تم تهجير ما لا يقل عن مليون ونصف من السكان. وقد توصلت دراسة نشرتها صحيفة إسرائيلية إلى أن حملة القصف الجوي التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة «غير مسبوقة»، وأنها تسببت في وقوع قتلى من المدنيين بنسبة أعلى من متوسط الضحايا المدنيين في جميع حروب القرن العشرين.
وخلصت الدراسة الى أنه في ثلاث غارات إسرائيلية سابقة على غزة، وقعت في الفترة من 2012 إلى 2022، لم تتعدَّ نسبة القتلى من المدنيين 40 في المائة من إجمالي عدد الضحايا.أما في الأسابيع الثلاثة الأولى فقط من حملة القصف الإسرائيلية الحالية، فقد ارتفعت نسبة القتلى المدنيين إلى 61 في المائة، وهو ما وصفه ليفي بأنه «عملية قتل غير مسبوقة» تنفذها القوات الإسرائيلية في غزة.
وتبدو سنة 2024 وما بعدها أكثر دموية وفق الأرقام المسجلة خلال الشهرين الأولين منها وقد بدا العالم عاجزا عن تخفيف المعاناة عن ملايين البشر في العالم من المضطهدين وفي مناطق النزاع المذكورة كما عجزت القوانين والمعاهدات الدولية عن كبح جماح المتعطشين للدماء والمجوّعين والمشردين للأطفال والمدنيين. هذا فضلا عن تغافلها عن حقوق هؤلاء في التغذية السليمة والغذاء والتعليم. وهو ما يقتضي إنشاء قانون انساني دولي جديد يحتوي ما تقدّم ذكره .
ما هو القانون الدولي الإنساني؟
لا يوجد نص واحد يحدّد هذا القانون وانما هو مجموعة معاهدات صيغت ابان الحرب العالمية الثانية (1949) وما يعرف بمعاهدات جينيف وهو الخطأ الذي وجب تلافيه والذي يضعف من نجاعة هذا القانون اذا لابد من صياغة نص واضح وواحد سنأتي على تفاصيله لاحقا .
دخلت اتفاقيات جنيف حيز التنفيذ في 21 أكتوبر 1950, واستمر الانضمام اليها والمصادقة عليها طوال عقود من الزمن حيث صادقت 74 دولة على الاتفاقيات في الخمسينيات, و48 دولة في الستينيات, و20 دولة وقعت الاتفاقيات في السبعينيات, و20 دولة أخرى في الثمانينيات. وفي التسعينيات, صادقت 26 دولة على الاتفاقيات ليبلغ عدد الدول المصادقة عليها 194, لتكون بذلك أكثر الاتفاقيات الواجبة التطبيق في العالم.
وخلال العقدين اللذين عقبا اعتماد هذه الاتفاقيات شهد العالم زيادة في عدد النزاعات المسلحة غير الدولية وحروب التحرير الوطني. وكرد فعل على ذلك تم اعتماد بروتوكولين إضافيين لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 في 1977. ويعزز البروتوكولان الحماية الممنوحة لضحايا النزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول الأول) وغير الدولية (البروتوكول الثاني) كما يفرضان قيوداً على طريقة خوض الحروب. وكان البروتوكول الثاني هو أولى المعاهدات الدولية المكرسة بالكامل لحالات النزاع المسلح غير الدولي.
وفي 2005 تم اعتماد بروتوكول إضافي ثالث لإنشاء شارة إضافية, ألا وهي الكريستالة (البلورة) الحمراء التي تتمتع بنفس الوضع الدولي الذي تتمتع به شارتا الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
وتهتم هذه الاتفاقيات ببروتوكولاتها بحماية الجرحى, والجنود, والمرضى في الحرب البرية. ولا تقتصر هذه الاتفاقيات على حماية الجرحى, والمرضى, بل تشمل أيضا موظفي الصحة, والوحدات الدينية, والوحدات الطبية, ووسائل النقل الطبي. كما تعترف الاتفاقية بالشارات المميزة, وتضم ملحقين اثنين يشملان مشروع اتفاق بشأن مناطق المستشفيات, وبطاقة نموذجية لموظفي الصحة والدين.
بناء على ما تقدّم فانّ القانون الدولي الإنساني لم يهتم بحماية المدنيين من التجويع والتهجير. وعليه فلابد من صياغة قانون دولي جديد يكون مواكبا للنزاعات الجديدة ويتصدّى لتطوّر أساليبها .
قانون جديد
عكس الحروب السابقة التي تكون فيها الجيوش هي أكثر الضحايا فان الحروب الجديدة كانت أشدّ وطأة على المدنيين والأطفال فهم الأكثر عرضة للقصف الجوي وللتهجير والتجويع ولا أدلّ على ذلك مما يحدث في غزة وأوكرانيا والسودان فهذه الشعوب دفعت ثمنا باهضا مقارنة بما دفعه المقاتلون الذين تكون لهم أولوية الغذاء والعلاج والحماية بل ان المساعدات الدولية يتم الاستيلاء عليها من قبل هؤلاء خاصة في السودان للاستفادة منها ومنحها لمن يواليهم . وبالتالي فقد تحوّلت سياسة التجويع والتهجير الى سلاح فتّاك وجب تحريم استعماله فهو لا يقل خطرا عن الأسلحة النووية .
العالم اليوم في حاجة الى تجديد نظرته التقليدية للحروب وللنزاعات والتأكيد على حماية المدنيين وحقوق الأسرى وحماية الطواقم الطبية لم تعد رغم أهميتها بل وجب اليوم:
* تجريم التجويع والتنصيص على الحق المطلق في الغذاء و في ادخال المساعدات الإنسانية والأدوية .
* تمتيع المعابر الحدودية لأماكن الصراع (معبر رفح الفلسطيني المصري مثلا) بالحماية الدولية واعتبار قصف قوافل المساعدات جريمة حرب تستهدف الحياة.
* تجريم القصف الجوي للأحياء السكنية مهما كانت المبررات وتجريم تواجد المقاتلين فيها .
* أولوية تحييد الأطفال عن ساحات القتال وتوفير وسائل الحماية لهم والحرص على مواصلة تعليمهم حتى في ظل الحرب.
هذه بعض النقاط التي يتحتّم أن تكون منطلقا لقانون انساني دولي جديد بوصلته الانسان بقطع النظر عن عرقه ولونه ومكانه.
وتبدو سنة 2024 وما بعدها أكثر دموية وفق الأرقام المسجلة خلال الشهرين الأولين منها
بقلم: ريم بالخذيري
تعتبر سنة 2023 الأكثر دمويّة منذ الحرب العالمية الثانية كما توسّعت فيها الصراعات والحروب على نطاق واسع يشبه الرقعة الجغرافية التي امتدت عليها تلك الحرب. فالحرب اليوم مشتعلة في ثلاث قارات ففي السودان يتساقط الضحايا من المدنيين يوميا بالمئات وبلغ عددهم التقريبي في أقل من سنة قتل ما لا يقل عن 20 ألف شخص وأصيب مثلهم كما نزح نحو الداخل والخارج حوالي 6 مليون شخص وبات 1.5 مليون شخص لاجئًا.
وفي أوكرانيا قتل ما لا يقل عن 10 آلاف مدني، بينهم أكثر من 560 طفلا، وأصيب أكثر من 18,500 آخرين منذ شن روسيا هجومها المسلح واسع النطاق في 24 فيفري 2022. وفي غزة قتل منذ بداية العدوان قبل أربعة أشهر حوالي 30 ألف فلسطيني وأصيب حوالي 70 ألف فيما تم تهجير ما لا يقل عن مليون ونصف من السكان. وقد توصلت دراسة نشرتها صحيفة إسرائيلية إلى أن حملة القصف الجوي التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة «غير مسبوقة»، وأنها تسببت في وقوع قتلى من المدنيين بنسبة أعلى من متوسط الضحايا المدنيين في جميع حروب القرن العشرين.
وخلصت الدراسة الى أنه في ثلاث غارات إسرائيلية سابقة على غزة، وقعت في الفترة من 2012 إلى 2022، لم تتعدَّ نسبة القتلى من المدنيين 40 في المائة من إجمالي عدد الضحايا.أما في الأسابيع الثلاثة الأولى فقط من حملة القصف الإسرائيلية الحالية، فقد ارتفعت نسبة القتلى المدنيين إلى 61 في المائة، وهو ما وصفه ليفي بأنه «عملية قتل غير مسبوقة» تنفذها القوات الإسرائيلية في غزة.
وتبدو سنة 2024 وما بعدها أكثر دموية وفق الأرقام المسجلة خلال الشهرين الأولين منها وقد بدا العالم عاجزا عن تخفيف المعاناة عن ملايين البشر في العالم من المضطهدين وفي مناطق النزاع المذكورة كما عجزت القوانين والمعاهدات الدولية عن كبح جماح المتعطشين للدماء والمجوّعين والمشردين للأطفال والمدنيين. هذا فضلا عن تغافلها عن حقوق هؤلاء في التغذية السليمة والغذاء والتعليم. وهو ما يقتضي إنشاء قانون انساني دولي جديد يحتوي ما تقدّم ذكره .
ما هو القانون الدولي الإنساني؟
لا يوجد نص واحد يحدّد هذا القانون وانما هو مجموعة معاهدات صيغت ابان الحرب العالمية الثانية (1949) وما يعرف بمعاهدات جينيف وهو الخطأ الذي وجب تلافيه والذي يضعف من نجاعة هذا القانون اذا لابد من صياغة نص واضح وواحد سنأتي على تفاصيله لاحقا .
دخلت اتفاقيات جنيف حيز التنفيذ في 21 أكتوبر 1950, واستمر الانضمام اليها والمصادقة عليها طوال عقود من الزمن حيث صادقت 74 دولة على الاتفاقيات في الخمسينيات, و48 دولة في الستينيات, و20 دولة وقعت الاتفاقيات في السبعينيات, و20 دولة أخرى في الثمانينيات. وفي التسعينيات, صادقت 26 دولة على الاتفاقيات ليبلغ عدد الدول المصادقة عليها 194, لتكون بذلك أكثر الاتفاقيات الواجبة التطبيق في العالم.
وخلال العقدين اللذين عقبا اعتماد هذه الاتفاقيات شهد العالم زيادة في عدد النزاعات المسلحة غير الدولية وحروب التحرير الوطني. وكرد فعل على ذلك تم اعتماد بروتوكولين إضافيين لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 في 1977. ويعزز البروتوكولان الحماية الممنوحة لضحايا النزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول الأول) وغير الدولية (البروتوكول الثاني) كما يفرضان قيوداً على طريقة خوض الحروب. وكان البروتوكول الثاني هو أولى المعاهدات الدولية المكرسة بالكامل لحالات النزاع المسلح غير الدولي.
وفي 2005 تم اعتماد بروتوكول إضافي ثالث لإنشاء شارة إضافية, ألا وهي الكريستالة (البلورة) الحمراء التي تتمتع بنفس الوضع الدولي الذي تتمتع به شارتا الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
وتهتم هذه الاتفاقيات ببروتوكولاتها بحماية الجرحى, والجنود, والمرضى في الحرب البرية. ولا تقتصر هذه الاتفاقيات على حماية الجرحى, والمرضى, بل تشمل أيضا موظفي الصحة, والوحدات الدينية, والوحدات الطبية, ووسائل النقل الطبي. كما تعترف الاتفاقية بالشارات المميزة, وتضم ملحقين اثنين يشملان مشروع اتفاق بشأن مناطق المستشفيات, وبطاقة نموذجية لموظفي الصحة والدين.
بناء على ما تقدّم فانّ القانون الدولي الإنساني لم يهتم بحماية المدنيين من التجويع والتهجير. وعليه فلابد من صياغة قانون دولي جديد يكون مواكبا للنزاعات الجديدة ويتصدّى لتطوّر أساليبها .
قانون جديد
عكس الحروب السابقة التي تكون فيها الجيوش هي أكثر الضحايا فان الحروب الجديدة كانت أشدّ وطأة على المدنيين والأطفال فهم الأكثر عرضة للقصف الجوي وللتهجير والتجويع ولا أدلّ على ذلك مما يحدث في غزة وأوكرانيا والسودان فهذه الشعوب دفعت ثمنا باهضا مقارنة بما دفعه المقاتلون الذين تكون لهم أولوية الغذاء والعلاج والحماية بل ان المساعدات الدولية يتم الاستيلاء عليها من قبل هؤلاء خاصة في السودان للاستفادة منها ومنحها لمن يواليهم . وبالتالي فقد تحوّلت سياسة التجويع والتهجير الى سلاح فتّاك وجب تحريم استعماله فهو لا يقل خطرا عن الأسلحة النووية .
العالم اليوم في حاجة الى تجديد نظرته التقليدية للحروب وللنزاعات والتأكيد على حماية المدنيين وحقوق الأسرى وحماية الطواقم الطبية لم تعد رغم أهميتها بل وجب اليوم:
* تجريم التجويع والتنصيص على الحق المطلق في الغذاء و في ادخال المساعدات الإنسانية والأدوية .
* تمتيع المعابر الحدودية لأماكن الصراع (معبر رفح الفلسطيني المصري مثلا) بالحماية الدولية واعتبار قصف قوافل المساعدات جريمة حرب تستهدف الحياة.
* تجريم القصف الجوي للأحياء السكنية مهما كانت المبررات وتجريم تواجد المقاتلين فيها .
* أولوية تحييد الأطفال عن ساحات القتال وتوفير وسائل الحماية لهم والحرص على مواصلة تعليمهم حتى في ظل الحرب.
هذه بعض النقاط التي يتحتّم أن تكون منطلقا لقانون انساني دولي جديد بوصلته الانسان بقطع النظر عن عرقه ولونه ومكانه.