لو كتب للنبي أيوب أن يعود لاستحى من شكواه أمام حال غزة ونسائها وأطفالها وكل ما فيها..
تونس- الصباح
لا شيء في غزة غير أخبار الموت الزاحف، أو الانتظار أن يجرف الموت البطيء بسبب الجوع أو تلوث الماء أو غياب الدواء ألاف الأجساد المنهكة التي لم تعد قادرة على التحمل.. أطفالا تحولوا إلى هياكل عظمية وانطفؤوا تحت أنظار أمهات عاجزات عن توفير ما يسد الرمق ويحفظ الحياة.. حتى الأمس بلغ عدد الموتى جوعا من الأطفال ثلاث وعشرون ولا أحد يدري ما يمكن أن تسجله الساعات الفاصلة بين كتابة ونشر هذه الفقرات.. أما حصيلة الضحايا منذ بداية العدوان، وهي طبعا حصيلة مؤقتة، فهي تقترب بعجلة من عتبة الواحد والثلاثين ألف ضحية دون اعتبار المفقودين تحت الأنقاض ولنحو مائة ألف مصاب لا يجدون الرعاية أو العلاج...
-الموت جوعا أمام الكاميرا
صورة الطفل "يزن الكفارنة" وقبلها جنى قديح ماتوا جوعا ولم يتحرك العالم لانتشالهم مما هم فيه، بعض الأمهات عمدن إلى ربط حجر على بطون أطفالهن لطرد الجوع ...هذا حال غزة على بعد ساعات من حلول شهر رمضان بين مأساة وأخرى يستمرعدّاد الموت في ارتفاعه الجنوني ويستمر في المقابل صمت العالم.. العلاج الوحيد المتوفر في غزة ولكنه غير قابل للصرف في أرصدة البنوك الدولية وأنظمة "البترودولار" هو الصبر ومزيد الصبر ولو كتب للنبي أيوب أن يعود لاستحى من شكواه أمام ما وصل إليه حال نساء غزة وأطفالها وشيوخها ومرضاها وكل ما فيها بعد أن بلغ الاحتلال الإسرائيلي من التوحش درجة لم تعد الكلمات قادرة على نقلها ومعها بلغ تواطؤ وعجز العالم أيضا درجة غير مسبوقة من الانصياع وراء تتار العصر الذي تجاوز بشاعات النازية والفاشية... وفيما يحصد كيان الاحتلال مزيد السلاح العابر للحدود من مختلف مصانع الغرب يواصل الفلسطينيون إحصاء ضحاياهم، يضاف إلى أسباب الموت سبب أخر بعد أن تسببت صناديق المساعدات المسقطة عشوائيا في قتل خمسة فلسطينيين كانوا ينتظرون بعض الطعام.. وهذا طبعا دون أن ننسى المجازر التي اقترفها جيش الاحتلال عندما فتح النار على حشود الجوعى الذين انتظروا طوال الليل للحصول على الغذاء ليختلط الطحين والحليب بالدم...
-كل يوم يمضي دون إيقاف الحرب يعني مزيد المجازر
الحقيقة الوحيدة الواضحة في غزة أن هناك شعب يباد عن بكرة أبيه، وإن كل يوم يمضي دون إيقاف الحرب يعني امتداد حصيلة الضحايا في هذه المجزرة المفتوحة التي تجاوزت بشهادة كل العالم وتحديدا من الهيئات الدولية كل الحروب الكونية السابقة في حجم الخراب والدمار والقتل الممنهج ونزع إنسانية الإنسان، ما يحدث في غزة كشف أبشع ما في هذا النظام الدولي الذي فقد كل مقوماته بعد أن تاهت كل الأهداف التي تأسس لأجلها، والتي باتت اليوم مجرد سرابا وخطابا هلاميا يتردد في أروقة المؤسسات الدولية دون قرارات حاسمة.. إذ وبرغم الإجماع على أن حجم الكارثة في غزة غير مسبوقة ورغم كل التقارير التي فضحت جرائم الاحتلال وممارساته، ورغم كل الأصوات التي نددت واستنكرت وانتقدت واتهمت كيان احتلال فإن النتيجة واضحة للعيان وهي إننا إزاء قوة احتلال وغطرسة تجد لها في دعم وحصن الحليف الأمريكي ما يدفعها إلى الدوس كل يوم أكثر على الشعب الفلسطيني من غزة إلى الضفة بل وعلى كل الدول والحكومات العربية والإسلامية التي لم تستطع إغاثة أهالي غزة أو كسر الحصار المفروض على القطاع، والتي انساقت بدورها إلى عمليات إسقاط جوي للمساعدات وشرعنت لخيالات الاحتلال إذلال وإنهاك وسلب الفلسطيني إنسانيته ودفعه إلى اللهث وراء مساعدات غذائية كان ثمنها باهضا جدا حينما استهدف رصاص الاحتلال الجائعين وهم يلاحقون رغيف الخبز الملوث بدم الأطفال ...
-طيور الخير.. وخيبة العرب
لا نعرف صراحة كيف ومن أين أطلق هذا الوصف على عمليات الإنزال للمساعدات الغذائية التي أنزلتها طائرات مصرية وأخرى إماراتية على أهالي غزة، ولكن ما نعرف أنه وصف لا يتناسب في شيء مع حجم الكارثة وهذا التردد والتأخر في إغاثة غزة ومنع فتح المعابر للمساعدات إلى غزة التي فقدت كل مقومات الحياة وعادت إلى الحياة البدائية وبات أهلها ينامون في العراء أو تحت خيمة إن أمكن الحصول عليها ويقتاتون من الأعشاب أو علف الحيوانات إن توفر ويطبخون خبزهم على الحطب.. الحقيقة أن إطلاق شعار "طيور الخير" لدعم سكان غزة على أنه عنوان للتضامن العربي والإنساني لمساعدة الشعب الفلسطيني في ظل الظروف الحرجة التي يواجهونها. هو في الواقع محاولة لتبييض الوجه وتجنب الانتقادات والإحراجات مع امتداد الوقفات والمظاهرات الاحتجاجية إلى كل العالم خاصة بعد تواتر الأنباء عن جسر جوي يزود كيان الاحتلال باحتياجاته الغذائية ولم نسمع تكذيبا رسميا في هذا الشأن، وهي أيضا محاولة لا تغيب على ملاحظ لاستباق الخطوة التي أعلنها الرئيس الأمريكي لإقامة مرفأ بحري لإيصال المساعدات إلى غزة انطلاقا من اليونان وهو يعلن بدوره ونقصد الرئيس الأمريكي فشله الذريع أمام حليفه ناتنياهو وقبوله أن يكون شريكا في الجريمة.. واللجوء إلى هذا الخيار إمعان في إنكار حق الفلسطينيين في الحياة, ومعلوم أن غزة مدينة بحرية وكان يمكن أن تكون مرفأ للمبادلات التجارية وأن تكون رئة غزة ومتنفسها نحو العالم ولكن الاحتلال ظل يحاصر غزة برا وجوا وبحرا...واللجوء إلى هذا الخيار اليوم يتنزل في ميزان الحسابات الانتخابية للرئيس بايدن .. بالنظر إلى حجم الانتقادات التي تلاحقه حيث بات يقاطع من طرف الغاضبين والمحتجين حيثما توجه وقد اضطر إلى تأخير خطابه أول أمس حول حالة الاتحاد أكثر بخمسة عشرة دقيقة لأن المحتجين ملؤوا الشوارع ومنعوا موكبه من العبور...وفي كل الحالات فإن اللجوء إلى هذا الحل لا يخفي مهانة الموقف العربي الذي يفتقر لأي تأثير أو قدرة على تغيير الأحداث، قد كان بإمكان هذه الدول وغيرها أيضا وبتوخي الحد الأدنى من التضامن العربي والدولي والدعم السياسي والدبلوماسي والشعبي من دول أوروبية وإفريقية وأمريكا اللاتينية وحتى الشمالية أن تخرج بالحد الأدنى من الكرامة بالاعتماد على القانون الإنساني الدولي والإرادة الشعبية للرأي العام الدولي، أن تفتح المعابر إلى غزة وأن تمنع وقوع المذابح اليومية وأن تمارس الضغط المطلوب الذي كان يمكن أن يفرمل الاحتلال أو يوجه له رسائل تحذيرية بأنه لا يمكن التمادي في قتل الفلسطينيين ...
-غزة على أبواب رمضان..."يا صبر أيوب"
على وقع ما سبق - وما خفي كان أعظم- والأكيد أن ما يأتينا من صور عن مأساة غزة لا يرتقي إلى أوجاع وآلام كل أهالي القطاع الذين يصح القول بأنهم يتساوون في انتظار الموت بعد أن تقطعت بهم السبل ...الرئيس الأمريكي بايدن وبعد أن أعلن إمكانية توقف الحرب قبل رمضان عاد وتراجع معلنا أن الأمر صعب ..والحقيقة إنها ليست المرة الأولى التي يتراجع أو يتنصل فيها بايدن من تصريحات سابقة لأنه وبكل بساطة شريك في اللعبة ويعتبر أنه لا يمكن السماح بإيقاف الحرب في هذه المرحلة لأن في ذلك سيضعف صورة ناتنياهو ومعه صورة جيش الاحتلال الذي تكبد صفعة غير مسبوقة في السابع من اكتوبر الماضي وهي صفعة مشتركة باعتبار أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من تمويل ودعم المؤسسة الأمريكية بالدرجة الأولى ..وفي صمود المقاومة حتى الآن وعدم إلقائها المنديل بعد 15 يوما من الحرب واستمرارها في مواجهة كل القوى التي انضمت لكيان الاحتلال في هذه الحرب الكونية على غزة ما يفسر أيضا سبب عدم قبول إدارة بايدن إيقاف الحرب واستعمال حق الفيتو أربع مرات لإنقاذ اسرائيل ...
-سياسة الأرض المحروقة في غزة
لا خلاف أن ما يقوم به الاحتلال في غزة يتنزل في إطار سياسة الأرض المحروقة وبعد خمسة أشهر من القصف تحولت غزة إلى اثر بعد عين , وما تنقله صور الأقمار الصناعية على جميع مدن قطاع غزة، يؤكد استعمال الاحتلال أسلحة مدمرة وربما يتم اختبارها لأول مرة في غزة ..ما حدث في غزة استهداف لكل مقومات الحياة من أحياء سكنية ومدارس ومستشفيات وجامعات ومساجد وكنائس وكل ما يمكن أن يجمع الذاكرة الإنسانية والتاريخية للقطاع ..ومن هنا أيضا الإصرار على استهداف "الأونروا" والحملات الشرسة لإلغاء وجودها والتنصل من دورها التاريخي في تقديم الخدمات المصيرية وارتباطها بقرار العودة الذي هو الكابوس الذي يزعج الاحتلال ...
الحقيقة التي لا تقبل التشكيك أن عمليات إنزال المساعدات دليل على العجز عن مواجهة التعنت الإسرائيلي ...والأكيد أن كل ما يحدث أيضا يتضمن إصرارا على استهداف إنسانية الإنسان وكسر الإرادة الفلسطينية وتثبيت ثقافة الانتقام ومن هنا أيضا الإصرار على استهداف المرأة الفلسطينية عنوان التكاثر والصمود والثبات والمعركة الديموغرافية ولكن أيضا عنوان البقاء والاختلاط بتراب الأرض التي ترفض التخلي عنها ومن هنا أيضا الإصرار على استهداف الأطفال جيش المستقبل والطريق إلى مواصلة المعركة المتوارثة عبر الأجيال ..
في خضم هذه القتامة وهذه الغطرسة الاسرائيلية باتت معظم القوى تشكك في المسألة وتستخلص الحقائق وبعد كندا التي أعلنت أنها ستواصل دعم "الأونروا" أعلنت أمس السويد إنها ستستأنف المدفوعات المعلقة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وفي ذلك إشارة على عدم صمود السردية الإسرائيلية وقناعتنا أنه كلما ازداد الاحتلال توحشا وكلما افتضح أمام العالم كلما راجعت القوى الدولية مواقفها وسياساتها إن لم يكن انتصارا للقانون الدولي المغيب فسيكون رضوخا للضغط الشعبي وللأحزاب اليسارية الداعمة لغزة في جريمة الإبادة التي لا يمكن لأي كان إنكارها أمام الحجم الهائل من الشهادات والوثائق التي توفرت اليوم للعدل الدولية وقبل ذلك للمحكمة الإنسانية الشعبية التي وقفت شعوب العام على فظاعاتها وانتهاكاتها غير المسبوقة في تاريخ البشرية ...
- وللحديث بقية
في العدوان على غزة يتداخل التاريخ بالجغرافيا ويتداخل الحق بالباطل ولكن الأكيد أن غزة حلقة من حلقات معركة طويلة ومعقدة ..وهي نكبة بكل المعايير ومحطة مصيرية حاسمة في مسار القضية الفلسطينية التي تتأرجح اليوم بين خيارين لا ثالث لهما فإما نكبة ثالثة تكون أم النكبات وإما فرصة لا يمكن التفريط فيها تقود نحو الدولة الفلسطينية وتعزيز أسباب الانتصار لها بين أطراف محكمة الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث الإجماع على الحق وعلى انه الحل الوحيد لتجنب مزيدا من الغرق في الحروب والصراعات وهو حل سيتعين على كل الفلسطينيين ولا نقول الفصائل الانتباه له والتوجه جديا إلى تفادي الفخ القديم الجديد وسياسة التقسيم تصنيف الفلسطينيين.. .فالمعركة اليوم لا تحتمل هذه التصنيفات .
ولا تحتمل تكرر واجترار نفس الأخطاء والتعويل على العرب لن ينفع الفلسطينيين في شيء وقد رأوا بأعينهم عجزهم وقلة حيلتهم في الاستجابة لاستغاثة الأفواه الجائعة في غزة ...
أخيرا وليس آخرا سيتعين أن يتذكر الجميع وفي مقدمتهم أصحاب القضية أن 67 كلمة وجّهها اللورد بلفورعام 1917 وزير الخارجية حينها إلى ليونيل روتشيلد، البريطاني الصهيوني، يدعم فيها «إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين». وهي الوثيقة التي ساهمت في قيام دولة إسرائيل في عام 1948 وتهجير 750 ألف فلسطيني وإلى صراع مستمر منذ سبعة عقود ...فإيقاف العدوان أولى الأولويات وترتيب البيت واستعادة غزة من فكي الاحتلال تبقى أم الاختبارات وأعقدها ...
آسيا العتروس
.
لو كتب للنبي أيوب أن يعود لاستحى من شكواه أمام حال غزة ونسائها وأطفالها وكل ما فيها..
تونس- الصباح
لا شيء في غزة غير أخبار الموت الزاحف، أو الانتظار أن يجرف الموت البطيء بسبب الجوع أو تلوث الماء أو غياب الدواء ألاف الأجساد المنهكة التي لم تعد قادرة على التحمل.. أطفالا تحولوا إلى هياكل عظمية وانطفؤوا تحت أنظار أمهات عاجزات عن توفير ما يسد الرمق ويحفظ الحياة.. حتى الأمس بلغ عدد الموتى جوعا من الأطفال ثلاث وعشرون ولا أحد يدري ما يمكن أن تسجله الساعات الفاصلة بين كتابة ونشر هذه الفقرات.. أما حصيلة الضحايا منذ بداية العدوان، وهي طبعا حصيلة مؤقتة، فهي تقترب بعجلة من عتبة الواحد والثلاثين ألف ضحية دون اعتبار المفقودين تحت الأنقاض ولنحو مائة ألف مصاب لا يجدون الرعاية أو العلاج...
-الموت جوعا أمام الكاميرا
صورة الطفل "يزن الكفارنة" وقبلها جنى قديح ماتوا جوعا ولم يتحرك العالم لانتشالهم مما هم فيه، بعض الأمهات عمدن إلى ربط حجر على بطون أطفالهن لطرد الجوع ...هذا حال غزة على بعد ساعات من حلول شهر رمضان بين مأساة وأخرى يستمرعدّاد الموت في ارتفاعه الجنوني ويستمر في المقابل صمت العالم.. العلاج الوحيد المتوفر في غزة ولكنه غير قابل للصرف في أرصدة البنوك الدولية وأنظمة "البترودولار" هو الصبر ومزيد الصبر ولو كتب للنبي أيوب أن يعود لاستحى من شكواه أمام ما وصل إليه حال نساء غزة وأطفالها وشيوخها ومرضاها وكل ما فيها بعد أن بلغ الاحتلال الإسرائيلي من التوحش درجة لم تعد الكلمات قادرة على نقلها ومعها بلغ تواطؤ وعجز العالم أيضا درجة غير مسبوقة من الانصياع وراء تتار العصر الذي تجاوز بشاعات النازية والفاشية... وفيما يحصد كيان الاحتلال مزيد السلاح العابر للحدود من مختلف مصانع الغرب يواصل الفلسطينيون إحصاء ضحاياهم، يضاف إلى أسباب الموت سبب أخر بعد أن تسببت صناديق المساعدات المسقطة عشوائيا في قتل خمسة فلسطينيين كانوا ينتظرون بعض الطعام.. وهذا طبعا دون أن ننسى المجازر التي اقترفها جيش الاحتلال عندما فتح النار على حشود الجوعى الذين انتظروا طوال الليل للحصول على الغذاء ليختلط الطحين والحليب بالدم...
-كل يوم يمضي دون إيقاف الحرب يعني مزيد المجازر
الحقيقة الوحيدة الواضحة في غزة أن هناك شعب يباد عن بكرة أبيه، وإن كل يوم يمضي دون إيقاف الحرب يعني امتداد حصيلة الضحايا في هذه المجزرة المفتوحة التي تجاوزت بشهادة كل العالم وتحديدا من الهيئات الدولية كل الحروب الكونية السابقة في حجم الخراب والدمار والقتل الممنهج ونزع إنسانية الإنسان، ما يحدث في غزة كشف أبشع ما في هذا النظام الدولي الذي فقد كل مقوماته بعد أن تاهت كل الأهداف التي تأسس لأجلها، والتي باتت اليوم مجرد سرابا وخطابا هلاميا يتردد في أروقة المؤسسات الدولية دون قرارات حاسمة.. إذ وبرغم الإجماع على أن حجم الكارثة في غزة غير مسبوقة ورغم كل التقارير التي فضحت جرائم الاحتلال وممارساته، ورغم كل الأصوات التي نددت واستنكرت وانتقدت واتهمت كيان احتلال فإن النتيجة واضحة للعيان وهي إننا إزاء قوة احتلال وغطرسة تجد لها في دعم وحصن الحليف الأمريكي ما يدفعها إلى الدوس كل يوم أكثر على الشعب الفلسطيني من غزة إلى الضفة بل وعلى كل الدول والحكومات العربية والإسلامية التي لم تستطع إغاثة أهالي غزة أو كسر الحصار المفروض على القطاع، والتي انساقت بدورها إلى عمليات إسقاط جوي للمساعدات وشرعنت لخيالات الاحتلال إذلال وإنهاك وسلب الفلسطيني إنسانيته ودفعه إلى اللهث وراء مساعدات غذائية كان ثمنها باهضا جدا حينما استهدف رصاص الاحتلال الجائعين وهم يلاحقون رغيف الخبز الملوث بدم الأطفال ...
-طيور الخير.. وخيبة العرب
لا نعرف صراحة كيف ومن أين أطلق هذا الوصف على عمليات الإنزال للمساعدات الغذائية التي أنزلتها طائرات مصرية وأخرى إماراتية على أهالي غزة، ولكن ما نعرف أنه وصف لا يتناسب في شيء مع حجم الكارثة وهذا التردد والتأخر في إغاثة غزة ومنع فتح المعابر للمساعدات إلى غزة التي فقدت كل مقومات الحياة وعادت إلى الحياة البدائية وبات أهلها ينامون في العراء أو تحت خيمة إن أمكن الحصول عليها ويقتاتون من الأعشاب أو علف الحيوانات إن توفر ويطبخون خبزهم على الحطب.. الحقيقة أن إطلاق شعار "طيور الخير" لدعم سكان غزة على أنه عنوان للتضامن العربي والإنساني لمساعدة الشعب الفلسطيني في ظل الظروف الحرجة التي يواجهونها. هو في الواقع محاولة لتبييض الوجه وتجنب الانتقادات والإحراجات مع امتداد الوقفات والمظاهرات الاحتجاجية إلى كل العالم خاصة بعد تواتر الأنباء عن جسر جوي يزود كيان الاحتلال باحتياجاته الغذائية ولم نسمع تكذيبا رسميا في هذا الشأن، وهي أيضا محاولة لا تغيب على ملاحظ لاستباق الخطوة التي أعلنها الرئيس الأمريكي لإقامة مرفأ بحري لإيصال المساعدات إلى غزة انطلاقا من اليونان وهو يعلن بدوره ونقصد الرئيس الأمريكي فشله الذريع أمام حليفه ناتنياهو وقبوله أن يكون شريكا في الجريمة.. واللجوء إلى هذا الخيار إمعان في إنكار حق الفلسطينيين في الحياة, ومعلوم أن غزة مدينة بحرية وكان يمكن أن تكون مرفأ للمبادلات التجارية وأن تكون رئة غزة ومتنفسها نحو العالم ولكن الاحتلال ظل يحاصر غزة برا وجوا وبحرا...واللجوء إلى هذا الخيار اليوم يتنزل في ميزان الحسابات الانتخابية للرئيس بايدن .. بالنظر إلى حجم الانتقادات التي تلاحقه حيث بات يقاطع من طرف الغاضبين والمحتجين حيثما توجه وقد اضطر إلى تأخير خطابه أول أمس حول حالة الاتحاد أكثر بخمسة عشرة دقيقة لأن المحتجين ملؤوا الشوارع ومنعوا موكبه من العبور...وفي كل الحالات فإن اللجوء إلى هذا الحل لا يخفي مهانة الموقف العربي الذي يفتقر لأي تأثير أو قدرة على تغيير الأحداث، قد كان بإمكان هذه الدول وغيرها أيضا وبتوخي الحد الأدنى من التضامن العربي والدولي والدعم السياسي والدبلوماسي والشعبي من دول أوروبية وإفريقية وأمريكا اللاتينية وحتى الشمالية أن تخرج بالحد الأدنى من الكرامة بالاعتماد على القانون الإنساني الدولي والإرادة الشعبية للرأي العام الدولي، أن تفتح المعابر إلى غزة وأن تمنع وقوع المذابح اليومية وأن تمارس الضغط المطلوب الذي كان يمكن أن يفرمل الاحتلال أو يوجه له رسائل تحذيرية بأنه لا يمكن التمادي في قتل الفلسطينيين ...
-غزة على أبواب رمضان..."يا صبر أيوب"
على وقع ما سبق - وما خفي كان أعظم- والأكيد أن ما يأتينا من صور عن مأساة غزة لا يرتقي إلى أوجاع وآلام كل أهالي القطاع الذين يصح القول بأنهم يتساوون في انتظار الموت بعد أن تقطعت بهم السبل ...الرئيس الأمريكي بايدن وبعد أن أعلن إمكانية توقف الحرب قبل رمضان عاد وتراجع معلنا أن الأمر صعب ..والحقيقة إنها ليست المرة الأولى التي يتراجع أو يتنصل فيها بايدن من تصريحات سابقة لأنه وبكل بساطة شريك في اللعبة ويعتبر أنه لا يمكن السماح بإيقاف الحرب في هذه المرحلة لأن في ذلك سيضعف صورة ناتنياهو ومعه صورة جيش الاحتلال الذي تكبد صفعة غير مسبوقة في السابع من اكتوبر الماضي وهي صفعة مشتركة باعتبار أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من تمويل ودعم المؤسسة الأمريكية بالدرجة الأولى ..وفي صمود المقاومة حتى الآن وعدم إلقائها المنديل بعد 15 يوما من الحرب واستمرارها في مواجهة كل القوى التي انضمت لكيان الاحتلال في هذه الحرب الكونية على غزة ما يفسر أيضا سبب عدم قبول إدارة بايدن إيقاف الحرب واستعمال حق الفيتو أربع مرات لإنقاذ اسرائيل ...
-سياسة الأرض المحروقة في غزة
لا خلاف أن ما يقوم به الاحتلال في غزة يتنزل في إطار سياسة الأرض المحروقة وبعد خمسة أشهر من القصف تحولت غزة إلى اثر بعد عين , وما تنقله صور الأقمار الصناعية على جميع مدن قطاع غزة، يؤكد استعمال الاحتلال أسلحة مدمرة وربما يتم اختبارها لأول مرة في غزة ..ما حدث في غزة استهداف لكل مقومات الحياة من أحياء سكنية ومدارس ومستشفيات وجامعات ومساجد وكنائس وكل ما يمكن أن يجمع الذاكرة الإنسانية والتاريخية للقطاع ..ومن هنا أيضا الإصرار على استهداف "الأونروا" والحملات الشرسة لإلغاء وجودها والتنصل من دورها التاريخي في تقديم الخدمات المصيرية وارتباطها بقرار العودة الذي هو الكابوس الذي يزعج الاحتلال ...
الحقيقة التي لا تقبل التشكيك أن عمليات إنزال المساعدات دليل على العجز عن مواجهة التعنت الإسرائيلي ...والأكيد أن كل ما يحدث أيضا يتضمن إصرارا على استهداف إنسانية الإنسان وكسر الإرادة الفلسطينية وتثبيت ثقافة الانتقام ومن هنا أيضا الإصرار على استهداف المرأة الفلسطينية عنوان التكاثر والصمود والثبات والمعركة الديموغرافية ولكن أيضا عنوان البقاء والاختلاط بتراب الأرض التي ترفض التخلي عنها ومن هنا أيضا الإصرار على استهداف الأطفال جيش المستقبل والطريق إلى مواصلة المعركة المتوارثة عبر الأجيال ..
في خضم هذه القتامة وهذه الغطرسة الاسرائيلية باتت معظم القوى تشكك في المسألة وتستخلص الحقائق وبعد كندا التي أعلنت أنها ستواصل دعم "الأونروا" أعلنت أمس السويد إنها ستستأنف المدفوعات المعلقة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وفي ذلك إشارة على عدم صمود السردية الإسرائيلية وقناعتنا أنه كلما ازداد الاحتلال توحشا وكلما افتضح أمام العالم كلما راجعت القوى الدولية مواقفها وسياساتها إن لم يكن انتصارا للقانون الدولي المغيب فسيكون رضوخا للضغط الشعبي وللأحزاب اليسارية الداعمة لغزة في جريمة الإبادة التي لا يمكن لأي كان إنكارها أمام الحجم الهائل من الشهادات والوثائق التي توفرت اليوم للعدل الدولية وقبل ذلك للمحكمة الإنسانية الشعبية التي وقفت شعوب العام على فظاعاتها وانتهاكاتها غير المسبوقة في تاريخ البشرية ...
- وللحديث بقية
في العدوان على غزة يتداخل التاريخ بالجغرافيا ويتداخل الحق بالباطل ولكن الأكيد أن غزة حلقة من حلقات معركة طويلة ومعقدة ..وهي نكبة بكل المعايير ومحطة مصيرية حاسمة في مسار القضية الفلسطينية التي تتأرجح اليوم بين خيارين لا ثالث لهما فإما نكبة ثالثة تكون أم النكبات وإما فرصة لا يمكن التفريط فيها تقود نحو الدولة الفلسطينية وتعزيز أسباب الانتصار لها بين أطراف محكمة الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث الإجماع على الحق وعلى انه الحل الوحيد لتجنب مزيدا من الغرق في الحروب والصراعات وهو حل سيتعين على كل الفلسطينيين ولا نقول الفصائل الانتباه له والتوجه جديا إلى تفادي الفخ القديم الجديد وسياسة التقسيم تصنيف الفلسطينيين.. .فالمعركة اليوم لا تحتمل هذه التصنيفات .
ولا تحتمل تكرر واجترار نفس الأخطاء والتعويل على العرب لن ينفع الفلسطينيين في شيء وقد رأوا بأعينهم عجزهم وقلة حيلتهم في الاستجابة لاستغاثة الأفواه الجائعة في غزة ...
أخيرا وليس آخرا سيتعين أن يتذكر الجميع وفي مقدمتهم أصحاب القضية أن 67 كلمة وجّهها اللورد بلفورعام 1917 وزير الخارجية حينها إلى ليونيل روتشيلد، البريطاني الصهيوني، يدعم فيها «إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين». وهي الوثيقة التي ساهمت في قيام دولة إسرائيل في عام 1948 وتهجير 750 ألف فلسطيني وإلى صراع مستمر منذ سبعة عقود ...فإيقاف العدوان أولى الأولويات وترتيب البيت واستعادة غزة من فكي الاحتلال تبقى أم الاختبارات وأعقدها ...