أصيل مدينة الحضارة والتاريخ والشعر القيروان , مبدع هادئ عاشق للكلمة العميقة في أهدافها الإنسانية الخالدة , في أشعاره نفس روحاني شفاف في لغته وصوره ,,, القصيد عنده انعتاق من سجن المكان والرتابة و المعتاد للتحليق خارج الجسد وخارج نواميس الواقع المقيدة لإرادة الإنسان
هو الشاعر حسين الجبيلي الذي له في رصيده 3 مجموعات شعرية هي " الرائعون من هنا مروا " و" شرفات للمطر والغياب" و " فاكهة لأشرعة المتعبين " الى جانب قصة للأطفال " سارية وزهرة الجلنار " ولليافعين كتب وأصدر " طائر بلا جناح "
حسين الجبيلي العاشق لجمال الوجود يدعو في هذا الحوار معه الى ضرورة إشراك الشعراء والمفكرين الحقيقين في وضع استراتيجيا المستقبل و الخروج من مركزية الفكر والإنصات الى مختلف الشرائح والجهات من أجل النهوض بواقعنا ومجتمعنا وتخليصه من ثقافة الكبت والعنف
**كيف اكتشفت موهبتك الشعرية وهل كان للظروف دور في اكتشاف هذه الموهبة؟
-لم أشعر البتة إنني اكتشفت موهبتي في كتابة الشعر لأنني أشعر منذ كنت طفلا بأن نظرتي إلى الحياة والى كل ما حولي نظرة تختلف على الأقل عما كان لدى الأطفال. كنت أتوقف عند أدق التفاصيل و أعيشها ناهيك و طفولتي كانت في ريف القيروان في منطقة عبيدة المطلة على وادي زرود .. كان الليل بالنسبة الي كائنا عجيبا يلقي رداءه على الأشجار. ومما أذكر أن والدتي سألتني في أول يوم لي بالمدرسة عن المعلم الذي درسني يومها فقلت لها ..وأنا ابن الست سنوات .. إنها معلمة ضاحكة و طيبة و بيضاء مثل فطائر العسل .. ثم سمعتها تسرد حكايتي لها لوالدي في المساء فكان يقهقه من كثرة الضحك .. و عليه فقد كبرت و انا أفيض بما حولي شعرا ورسما أحيانا .. وقد كنت مولعا بالرسم التشكيلي منذ الصغر لكنني أهملت تلك الهواية وأخذ الشعر جل اهتمامي
**القصيد من وجهة نظرك هل هو حصن للاحتماء من انكسارات الحياة ام نافذة يطل من خلالها على عوالمه السرية والحميمية بالنسبة للشاعر؟
-القصيد نافذة لعالم جديد لا يمكن أن تدركه اللغة المعتادة ولا العقل المحض ولا المنطق المعهود .. عالم القصيد هو عالم يكسر الزمن وتراتبية الزمن و سجن المكان والرتابة و المعتاد .. هو التحليق خارج الجسد وخارج نواميس الواقع التي صنعت في اغلبها لتقييد إرادة الإنسان وتوجيهها إلى أهداف معينة
**تعددت الكتابات الشعرية من قصيد النثر الى قصيد النص وقصيد البيت وقصيد التفعيلة... هل يعني هذا إن القصيد العمودي سيكون من الماضي الذي لن يعود؟
-قضية الأشكال الكتابية اسميها أو مسألة أنماط الكتابة الشعرية ما بين النثر والموزون أراها قضية انحرفت عن مسارها و تاريخيتها الى حقل الاحتراب الأيديولوجي و حتى السياسي .. و أنت ترى أن من يصنفون أنفسهم " حداثيين " ينتصرون إلى قصيد النثر و يردون الشهر الموزون سواء المقفى او شعر التفعيلة إلى ما يسمى باليمين الكلاسيكي أو إلى أدب السلاطين و زمن الاستعباد .. هذا في الظاهر وفي المقابل تجد بعض من يتعصبون إلى الشعر الموزون ينعتون خصومهم من أهل النثر الشعري بالتغريب الأجوف و مسخ العربية و التنكر لتاريخها دون ان يطرقوا وجهات حداثية .. لكن الأصل أن يكون هناك احترام للنص في حد ذاته أي النص الشعري وإخراجه من دوائر التصنيف والاستغلال الأيديولوجي والسياسوي ما بين فئة تكرر الأشكال القديمة دون روح و تسقط فكرها المحافظ و الرافض لثقافة الآخر وفئة أخرى تتصور أن الشعر يمكن أن يكون شبيها بالشعر الغربي ويمكن أن يتشكل في أسطر تائهة تشبه الخاطرة وهم عاجزون عن كتابة بيت شعري واحد موزون .. وعليه حسب رأيي المتواضع فإن شكل النص لا يغني عن مضمونه بمعنى أنك تستطيع أن تكتب نصا عموديا موزونا وتطرق فيه حداثة ناصعة و يعجز شاعر آخر في المقابل بقصيد نثري ولا تجد في ما يكتب اي نفس حداثي .. هذا اذا اعتبرنا إن معنى الحداثة هنا يتلخص في رؤية الكتاب اي الشاعر إلى الكون والحياة والإنسان والقيم الخالدة .. فجوهر النص وصوره و طرافتها وعمقها ... بغض النظر عن شكله هو المقياس الصحيح للحكم على ذلك النص إن كان حداثيا أم لا .. بمعنى إني أقول لك اكتب كما تشاء .. المهم أن تكتب شعرا وتكون فيه محدثا و طريفا وعميقا .. هكذا نترك للشعر نفسه خيار صيرورته و تطوره الذاتي عبر التاريخ الذي هو الفيصل ما بين الرداءة والحسن ..
** كيف تقدم لنا مفهومك للحداثة في الشعر؟
-الحداثة في الشعر وقد وقفت عندها فيما سبق من القول الا أنى أضيف انها تعني أيضا أن يحدث الشاعر صورا مستجدة وروحا لا تكرر المعتاد في تواشج مع رؤيته المتفردة التي ترسم علاقة بالكون وبالله وبالحياة وبالقيم تختلف عن مفهوم العامة ومفهوم المتحذلقين بثقافة العلم المختص وقواعد التبويب والتسلط بعناوين شتى.
**من وجهة نظرك إلى أي حد آنت مع الرأي الذي يرى في تهافت الشعراء على إصدار الدواوين إثبات للذات الشعرية؟
- كثرة إصدارات دواوين الشعر دليل على ما يمكن أن نسميه طفرة ما بعد الثورة .. التي تركت هامشا من حرية التعبير وهو أمر جيد وصحي ننعم به اليوم .. في ظل هذه السلطة التي تحاول الإنصات الى مشاغل الجميع ..و عليه فمن الجيد أن يقبل أصحاب الأقلام على الكتابة مع ضرورة المراجعة و عدم ترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب كي يضيق الطريق على غيره دون جدوى
**ماهي تصوراتك لأفاق المشهد الشعري التونسي في المستقبل في ظل هيمنة التكنولوجيا وتعدد التحديات على أكثر من صعيد؟.
الشعر هو فن اللغة .-سيظل الشعر حيا مادامت اللغة حية .. بل إن اللغة تحيا بالشعر وليس العكس .. فالتكنولوجيا قد تساعد على كتابة النص و تنظيمه او شكله .. لكنها لن تعوض روح المبدع ولا موهبته .. وحتى مع الحديث عما يسمى بالذكاء الاصطناعي .. فلن يكون الأمر إلا نوعا من التمحك على الطبيعي وإنتاج ما يشبه النعجة دولي ابنة الاستنساخ والتي سرعان ماهي ريحها وطواها الزمن لأن العقلاء في العالم يدركون ان خط تدمير الإنسان هو خط ضئيل جدا يقع في أعماقه أي في القضاء على لمسته الروحية
** الشعر والنقد أية علاقة اليوم؟
- قضية الشعر والنقد. فهي قضية شائكة تحتاج ما هو أوسع وأطول مما نحن فيه الآن .. وباختصار يمكن القول .. إن المدونة النقدية في تونس لم تعد مواكبة لكل هذا الكم الهائل من الإصدارات سواء الشعرية او الروائية او غيرها .. فقد انفرط العقد وتناثرت حباته ربما هو أمر إيجابي في أحد أبعاده حين يخرج الإبداع عن سلطة الناقد لكن لا يجب أن يتوه دون ضابط ودون دليل وقيمة في بحار الوهم والغرور وهو ما نعيشه اليوم في كثير من مجالات الكتابة .
حوار: محسن بن احمد
أصيل مدينة الحضارة والتاريخ والشعر القيروان , مبدع هادئ عاشق للكلمة العميقة في أهدافها الإنسانية الخالدة , في أشعاره نفس روحاني شفاف في لغته وصوره ,,, القصيد عنده انعتاق من سجن المكان والرتابة و المعتاد للتحليق خارج الجسد وخارج نواميس الواقع المقيدة لإرادة الإنسان
هو الشاعر حسين الجبيلي الذي له في رصيده 3 مجموعات شعرية هي " الرائعون من هنا مروا " و" شرفات للمطر والغياب" و " فاكهة لأشرعة المتعبين " الى جانب قصة للأطفال " سارية وزهرة الجلنار " ولليافعين كتب وأصدر " طائر بلا جناح "
حسين الجبيلي العاشق لجمال الوجود يدعو في هذا الحوار معه الى ضرورة إشراك الشعراء والمفكرين الحقيقين في وضع استراتيجيا المستقبل و الخروج من مركزية الفكر والإنصات الى مختلف الشرائح والجهات من أجل النهوض بواقعنا ومجتمعنا وتخليصه من ثقافة الكبت والعنف
**كيف اكتشفت موهبتك الشعرية وهل كان للظروف دور في اكتشاف هذه الموهبة؟
-لم أشعر البتة إنني اكتشفت موهبتي في كتابة الشعر لأنني أشعر منذ كنت طفلا بأن نظرتي إلى الحياة والى كل ما حولي نظرة تختلف على الأقل عما كان لدى الأطفال. كنت أتوقف عند أدق التفاصيل و أعيشها ناهيك و طفولتي كانت في ريف القيروان في منطقة عبيدة المطلة على وادي زرود .. كان الليل بالنسبة الي كائنا عجيبا يلقي رداءه على الأشجار. ومما أذكر أن والدتي سألتني في أول يوم لي بالمدرسة عن المعلم الذي درسني يومها فقلت لها ..وأنا ابن الست سنوات .. إنها معلمة ضاحكة و طيبة و بيضاء مثل فطائر العسل .. ثم سمعتها تسرد حكايتي لها لوالدي في المساء فكان يقهقه من كثرة الضحك .. و عليه فقد كبرت و انا أفيض بما حولي شعرا ورسما أحيانا .. وقد كنت مولعا بالرسم التشكيلي منذ الصغر لكنني أهملت تلك الهواية وأخذ الشعر جل اهتمامي
**القصيد من وجهة نظرك هل هو حصن للاحتماء من انكسارات الحياة ام نافذة يطل من خلالها على عوالمه السرية والحميمية بالنسبة للشاعر؟
-القصيد نافذة لعالم جديد لا يمكن أن تدركه اللغة المعتادة ولا العقل المحض ولا المنطق المعهود .. عالم القصيد هو عالم يكسر الزمن وتراتبية الزمن و سجن المكان والرتابة و المعتاد .. هو التحليق خارج الجسد وخارج نواميس الواقع التي صنعت في اغلبها لتقييد إرادة الإنسان وتوجيهها إلى أهداف معينة
**تعددت الكتابات الشعرية من قصيد النثر الى قصيد النص وقصيد البيت وقصيد التفعيلة... هل يعني هذا إن القصيد العمودي سيكون من الماضي الذي لن يعود؟
-قضية الأشكال الكتابية اسميها أو مسألة أنماط الكتابة الشعرية ما بين النثر والموزون أراها قضية انحرفت عن مسارها و تاريخيتها الى حقل الاحتراب الأيديولوجي و حتى السياسي .. و أنت ترى أن من يصنفون أنفسهم " حداثيين " ينتصرون إلى قصيد النثر و يردون الشهر الموزون سواء المقفى او شعر التفعيلة إلى ما يسمى باليمين الكلاسيكي أو إلى أدب السلاطين و زمن الاستعباد .. هذا في الظاهر وفي المقابل تجد بعض من يتعصبون إلى الشعر الموزون ينعتون خصومهم من أهل النثر الشعري بالتغريب الأجوف و مسخ العربية و التنكر لتاريخها دون ان يطرقوا وجهات حداثية .. لكن الأصل أن يكون هناك احترام للنص في حد ذاته أي النص الشعري وإخراجه من دوائر التصنيف والاستغلال الأيديولوجي والسياسوي ما بين فئة تكرر الأشكال القديمة دون روح و تسقط فكرها المحافظ و الرافض لثقافة الآخر وفئة أخرى تتصور أن الشعر يمكن أن يكون شبيها بالشعر الغربي ويمكن أن يتشكل في أسطر تائهة تشبه الخاطرة وهم عاجزون عن كتابة بيت شعري واحد موزون .. وعليه حسب رأيي المتواضع فإن شكل النص لا يغني عن مضمونه بمعنى أنك تستطيع أن تكتب نصا عموديا موزونا وتطرق فيه حداثة ناصعة و يعجز شاعر آخر في المقابل بقصيد نثري ولا تجد في ما يكتب اي نفس حداثي .. هذا اذا اعتبرنا إن معنى الحداثة هنا يتلخص في رؤية الكتاب اي الشاعر إلى الكون والحياة والإنسان والقيم الخالدة .. فجوهر النص وصوره و طرافتها وعمقها ... بغض النظر عن شكله هو المقياس الصحيح للحكم على ذلك النص إن كان حداثيا أم لا .. بمعنى إني أقول لك اكتب كما تشاء .. المهم أن تكتب شعرا وتكون فيه محدثا و طريفا وعميقا .. هكذا نترك للشعر نفسه خيار صيرورته و تطوره الذاتي عبر التاريخ الذي هو الفيصل ما بين الرداءة والحسن ..
** كيف تقدم لنا مفهومك للحداثة في الشعر؟
-الحداثة في الشعر وقد وقفت عندها فيما سبق من القول الا أنى أضيف انها تعني أيضا أن يحدث الشاعر صورا مستجدة وروحا لا تكرر المعتاد في تواشج مع رؤيته المتفردة التي ترسم علاقة بالكون وبالله وبالحياة وبالقيم تختلف عن مفهوم العامة ومفهوم المتحذلقين بثقافة العلم المختص وقواعد التبويب والتسلط بعناوين شتى.
**من وجهة نظرك إلى أي حد آنت مع الرأي الذي يرى في تهافت الشعراء على إصدار الدواوين إثبات للذات الشعرية؟
- كثرة إصدارات دواوين الشعر دليل على ما يمكن أن نسميه طفرة ما بعد الثورة .. التي تركت هامشا من حرية التعبير وهو أمر جيد وصحي ننعم به اليوم .. في ظل هذه السلطة التي تحاول الإنصات الى مشاغل الجميع ..و عليه فمن الجيد أن يقبل أصحاب الأقلام على الكتابة مع ضرورة المراجعة و عدم ترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب كي يضيق الطريق على غيره دون جدوى
**ماهي تصوراتك لأفاق المشهد الشعري التونسي في المستقبل في ظل هيمنة التكنولوجيا وتعدد التحديات على أكثر من صعيد؟.
الشعر هو فن اللغة .-سيظل الشعر حيا مادامت اللغة حية .. بل إن اللغة تحيا بالشعر وليس العكس .. فالتكنولوجيا قد تساعد على كتابة النص و تنظيمه او شكله .. لكنها لن تعوض روح المبدع ولا موهبته .. وحتى مع الحديث عما يسمى بالذكاء الاصطناعي .. فلن يكون الأمر إلا نوعا من التمحك على الطبيعي وإنتاج ما يشبه النعجة دولي ابنة الاستنساخ والتي سرعان ماهي ريحها وطواها الزمن لأن العقلاء في العالم يدركون ان خط تدمير الإنسان هو خط ضئيل جدا يقع في أعماقه أي في القضاء على لمسته الروحية
** الشعر والنقد أية علاقة اليوم؟
- قضية الشعر والنقد. فهي قضية شائكة تحتاج ما هو أوسع وأطول مما نحن فيه الآن .. وباختصار يمكن القول .. إن المدونة النقدية في تونس لم تعد مواكبة لكل هذا الكم الهائل من الإصدارات سواء الشعرية او الروائية او غيرها .. فقد انفرط العقد وتناثرت حباته ربما هو أمر إيجابي في أحد أبعاده حين يخرج الإبداع عن سلطة الناقد لكن لا يجب أن يتوه دون ضابط ودون دليل وقيمة في بحار الوهم والغرور وهو ما نعيشه اليوم في كثير من مجالات الكتابة .