شيعت تونس أول أمس الإثنين علما من أعلام الدبلوماسية التونسية، ومناضلا وطنيا مرموقا هو السفير فوق العادة قاسم بوسنينة، الذي وافته المنية عن عمر يناهز الثانية والتسعين، بعد صراع مع المرض استمر عشر سنوات.
ولد قاسم بوسنينة في تونس العاصمة سنة 1932 ودرس بجامع الزيتونة، قبل ابتعاثه لدراسة التاريخ في جامعة بيروت العربية، وتخرج منها مُجازا في مطلع الستينات. وتولى عدة مسؤوليات في السبعينات والثمانينات إذ كان واليا على صفاقس ثم على نابل، وواليا على تونس الكبرى قبل تقسيمها إلى أربع ولايات، وانتُخب في 1979 عضوا في مجلس الأمة.
كما كان أول من شغل منصب كاتب دولة للشؤون الدينية بعد إحداث كتابة الدولة في 1988. وانضم إلى السلك الدبلوماسي بتعيينه سفيرا لدى المملكة العربية السعودية، وقد أمضى في هذا المنصب أحد عشر سنة، من 1978 إلى 1989 في فترة أولى، وثلاث سنوات في الثانية من 1991 إلى 1994. وكان في الوقت نفسه مُعتمدا كسفير فوق العادة لدى كل من اليمن والسودان وعُمان مع الإقامة في الرياض. وقد طُلب منه العودة إلى السعودية مُجددا، بعد حرب الخليج الثانية ليؤدي رسالة ثقيلة وصعبة، تتمثل في تجاوز الأزمة بين تونس والمملكة، فأبلى البلاء الحسن في إصلاح ذات البين بين الشقيقتين، تونس والسعودية.
ووظف معرفته الشخصية بأصحاب القرار من الأمراء وتقديرهم له، من أجل خدمة تونس والحصول على الدعم اللازم لإنجاز المشاريع التنموية، مثل مشروع استصلاح وتهيئة بحيرة تونس. ومن بصماته التي لا يمكن أن تُمحى أيضا دوره المحوري في إقامة معرض الحرمين الشريفين في تونس، وقد كان حدثا اقتصاديا وسياسيا بارزا، فقد دشنه الملك سلمان بن عبد العزيز، وكان إذاك أمير الرياض، بمعية بن علي رئيس الجمهورية وقتئذ.
ومن علامات النجاح الذي حققه في السعودية اختيارُه عميدا للسلك الدبلوماسي بالرياض، وهي مهمة أنجزها بكل اقتدار، مُستخدما سياسة الانفتاح على جميع الأوساط، بكل حرفية وسلاسة. ولا يمكن أن نتعرض لمساره سفيرا في السعودية، من دون الإشارة إلى إشرافه شخصيا على بناء إقامة سفير تونس بالرياض، فأتت صُنعا تونسيا خالصا، إذ استخدم فيها المواد التونسية المُميزة، وكانت في عهده حقا دارا لكل التونسيين.
من أهم خصال قاسم بوسنينة الوفاء والصدق، بالرغم من الصعوبات التي قد يتعرض لها بسبب وفائه، ففي 1978 زار وزير الخارجية المستقيل الحبيب الشطي الرياض، فدعاه قاسم إلى العشاء، مما أثار غضب الحكومة عليه، وكان الشطي استقال مع خمسة وزراء في سياق تداعيات أحداث 26 جانفي 1978، وصار من "المغضوب عليهم".
وبالرغم من تقاعده في سنة 1994 واصل قاسم حركته الدؤوبة في خدمة الوطن، بتشجيع المستثمرين ومرافقة رجال الأعمال التونسيين في البحث عن تمويلات لمشاريعهم من منطقة الخليج. ومن ميزات الراحل تشبثه بالهوية العربية الإسلامية ودفاعه عن اللغة العربية.
ولعل أكبر إنجاز حققه بعد التقاعد هو تأسيس جمعية البرلمانيين التونسيين، التي تولى رئاستها إلى حين مرضه، وقد منحها معظم وقته وجهده، سواء من خلال الندوات الهامة التي نظمها في إطارها، مثل الندوة الدولية عن حوار الحضارات، التي أصدر أعمالها في كتاب بثلاث لغات، أو من خلال لقاءاته وجلساته مع أعضاء الجمعية.
لقد خدم قاسم بوسنينة الوطن في جميع المواقع التي شغلها، وتستحق مسيرته الخصيبة أن تكون مثلا يُحتذى من ديبلوماسيينا الشبان.
رشيد خشانة
شيعت تونس أول أمس الإثنين علما من أعلام الدبلوماسية التونسية، ومناضلا وطنيا مرموقا هو السفير فوق العادة قاسم بوسنينة، الذي وافته المنية عن عمر يناهز الثانية والتسعين، بعد صراع مع المرض استمر عشر سنوات.
ولد قاسم بوسنينة في تونس العاصمة سنة 1932 ودرس بجامع الزيتونة، قبل ابتعاثه لدراسة التاريخ في جامعة بيروت العربية، وتخرج منها مُجازا في مطلع الستينات. وتولى عدة مسؤوليات في السبعينات والثمانينات إذ كان واليا على صفاقس ثم على نابل، وواليا على تونس الكبرى قبل تقسيمها إلى أربع ولايات، وانتُخب في 1979 عضوا في مجلس الأمة.
كما كان أول من شغل منصب كاتب دولة للشؤون الدينية بعد إحداث كتابة الدولة في 1988. وانضم إلى السلك الدبلوماسي بتعيينه سفيرا لدى المملكة العربية السعودية، وقد أمضى في هذا المنصب أحد عشر سنة، من 1978 إلى 1989 في فترة أولى، وثلاث سنوات في الثانية من 1991 إلى 1994. وكان في الوقت نفسه مُعتمدا كسفير فوق العادة لدى كل من اليمن والسودان وعُمان مع الإقامة في الرياض. وقد طُلب منه العودة إلى السعودية مُجددا، بعد حرب الخليج الثانية ليؤدي رسالة ثقيلة وصعبة، تتمثل في تجاوز الأزمة بين تونس والمملكة، فأبلى البلاء الحسن في إصلاح ذات البين بين الشقيقتين، تونس والسعودية.
ووظف معرفته الشخصية بأصحاب القرار من الأمراء وتقديرهم له، من أجل خدمة تونس والحصول على الدعم اللازم لإنجاز المشاريع التنموية، مثل مشروع استصلاح وتهيئة بحيرة تونس. ومن بصماته التي لا يمكن أن تُمحى أيضا دوره المحوري في إقامة معرض الحرمين الشريفين في تونس، وقد كان حدثا اقتصاديا وسياسيا بارزا، فقد دشنه الملك سلمان بن عبد العزيز، وكان إذاك أمير الرياض، بمعية بن علي رئيس الجمهورية وقتئذ.
ومن علامات النجاح الذي حققه في السعودية اختيارُه عميدا للسلك الدبلوماسي بالرياض، وهي مهمة أنجزها بكل اقتدار، مُستخدما سياسة الانفتاح على جميع الأوساط، بكل حرفية وسلاسة. ولا يمكن أن نتعرض لمساره سفيرا في السعودية، من دون الإشارة إلى إشرافه شخصيا على بناء إقامة سفير تونس بالرياض، فأتت صُنعا تونسيا خالصا، إذ استخدم فيها المواد التونسية المُميزة، وكانت في عهده حقا دارا لكل التونسيين.
من أهم خصال قاسم بوسنينة الوفاء والصدق، بالرغم من الصعوبات التي قد يتعرض لها بسبب وفائه، ففي 1978 زار وزير الخارجية المستقيل الحبيب الشطي الرياض، فدعاه قاسم إلى العشاء، مما أثار غضب الحكومة عليه، وكان الشطي استقال مع خمسة وزراء في سياق تداعيات أحداث 26 جانفي 1978، وصار من "المغضوب عليهم".
وبالرغم من تقاعده في سنة 1994 واصل قاسم حركته الدؤوبة في خدمة الوطن، بتشجيع المستثمرين ومرافقة رجال الأعمال التونسيين في البحث عن تمويلات لمشاريعهم من منطقة الخليج. ومن ميزات الراحل تشبثه بالهوية العربية الإسلامية ودفاعه عن اللغة العربية.
ولعل أكبر إنجاز حققه بعد التقاعد هو تأسيس جمعية البرلمانيين التونسيين، التي تولى رئاستها إلى حين مرضه، وقد منحها معظم وقته وجهده، سواء من خلال الندوات الهامة التي نظمها في إطارها، مثل الندوة الدولية عن حوار الحضارات، التي أصدر أعمالها في كتاب بثلاث لغات، أو من خلال لقاءاته وجلساته مع أعضاء الجمعية.
لقد خدم قاسم بوسنينة الوطن في جميع المواقع التي شغلها، وتستحق مسيرته الخصيبة أن تكون مثلا يُحتذى من ديبلوماسيينا الشبان.