أغلب المنوعات التي تبث وتقدم اليوم على قنواتنا التلفزية تكاد تكون بلا مضامين
بقلم: د. محمود حرشاني(*)
اعتقد انه لم يعد من المقبول اليوم السكوت عن الخطر الذي يتهدد الأجيال الصاعدة والنابتة كما يقول الشاذلي القليبي رحمه الله ويقصد بها الأجيال الجديدة ومن هم في سن الشباب من الذكور والإناث جراء ما أصبحت عليه اغلب المنوعات التي تبث على قنواتنا التلفزية العمومية وخاصة لا فرق بين هذه وتلك وهي منوعات يغلب عليها التسطيح والميوعة وتفتقر إلى المضامين الهادفة... إن اغلب المنوعات التي تبث وتقدم اليوم على قنواتنا التلفزية تكاد تكون منوعات بلا مضامين وأحيانا تتساءل وأنت إذا صادف ووضعك القدر وجها لوجه مع هذه المنوعات هل هناك خيط رابط بين فقرات هذه المنوعة بحيث تقف في النهاية على مضمون فكري واضح يمكن أن يساهم في ترقية الذوق العام ويضيف إلى ثقافة المشاهد.. وتزداد حيرتك عندما تعلم ان أغلب هذه المنوعات التلفزية تغرف من نفس الحوض مع اختلاف طفيف في الألوان وطريقة التقديم.
لقد صادف أن شاهدت في الأسبوع الفارط منوعة قيل عنها انها أفضل ما يبث على قنواتنا التلفزية اليوم وأصدقكم القول انه أصابني الإحباط أمام أمرين على الأقل.
الأمر الأول أن هذه المنوعة التي تدوم أكثر من ثلاث ساعات لم تشذ عن القاعدة العامة لكل المنوعات التلفزيونية التي نشاهدها اليوم.. ميوعة وضحك بلا سبب و"تجلطيم" وهمز ولمز بين الحاضرين وإيحاءات مفضوحة.
والأمر الثاني وهو ما أسفت له حقا هو انخراط بعض الأسماء التي لها مكانتها في المجتمع في هذه اللعبة القذرة من اجل تسطيح عقول الناشئة وقبول دور"الكرونيكور" في هذه المنوعات الضحلة من اجل ما يتقاضونه من أجور ومكافآت مغرية أحيانا لجلب الإشهار و"السبنسور" وإظهار أن الميوعة تحظى بأكبر عدد ممكن من المشاهدات....
أن ينخرط سياسيون ومحامون وكتاب ورياضيون وغيرهم من فئات المجتمع في هذا المسار وأن يكونوا بأسمائهم وتجاربهم المختلفة أركانا في هذه المنوعات فهذا ليس عيبا ومعمول به في أغلب المنوعات التي تبثها القنوات الغربية المشهورة وهو ليس بدعة ولكن أن يتحول هؤلاء في منوعاتنا نحن إلى جزء من الضحالة والتسطيح فهذا غير مقبول ولا يمكن لإنسان يحترم نفسه أن يقبل بان يتحول إلى ركن في منوعة تلفزية فاشلة يضحك أحيانا بسبب وبلا سبب وأحيانا يفتعل الضحك والنكتة الماسطة.
وهناك صنف آخر من المنوعات التي تبث في قنواتنا تحولت الى فضاء للإعلاء من شان المهمشين والنكرات والشواذ جنسيا وأخلاقيا يأتي بهم منشط المنوعة بدعوى أنهم نجوم ويمنحهم الوقت الكافي ويسألهم عن الشقيقة والرقيقة ليقدمهم كنماذج يمكن أن يقتدي بها والحال أن هناك شبهات "تسمسيرة في الوسط" لا يعلمها المشاهد تمت في الخفاء بين المنشط والضيف من أجل استقدامه وتقديمه في المنوعة.
هذا في القنوات الخاصة، والحال لا يختلف كثيرا في أغلب ما يقدم في منوعات باردة ماسطة لا روح فيها وتشعر ان المنشط "يهز من الجابية ويحط في الخابية" لا منهجية عنده ولا تخطيط مسبق لمضمون المنوعة ولا محتوى...
اننا نأسف على زمن كانت فيه المنوعات التلفزية جزءا من مكونات ثقافتنا كتلك التي كان يقدمها نجيب الخطاب وهالة الركبي وصالح جغام وحاتم بن عمارة ووليد التليلي ونجيبة دربال وابتسام المكور من صفاقس وقبل هؤلاء عندما كانت لدينا منوعات على بساطتها تشد المشاهد في زمن الأبيض والأسود..
وخلاصة القول أن منوعاتنا التلفزية اليوم في القنوات الخاصة والعمومية كلها منوعات يغلب عليها التسطيح وتساهم في تبلد الفكر ومنوعات بلا روح في ظل غياب النقد الفني والثقافي في صحافتنا المكتوبة الذي يستطيع أن يوجه أصحاب هذه المنوعات.. ولا يترك الحبل على الغارب...
*كاتب وإعلامي
أغلب المنوعات التي تبث وتقدم اليوم على قنواتنا التلفزية تكاد تكون بلا مضامين
بقلم: د. محمود حرشاني(*)
اعتقد انه لم يعد من المقبول اليوم السكوت عن الخطر الذي يتهدد الأجيال الصاعدة والنابتة كما يقول الشاذلي القليبي رحمه الله ويقصد بها الأجيال الجديدة ومن هم في سن الشباب من الذكور والإناث جراء ما أصبحت عليه اغلب المنوعات التي تبث على قنواتنا التلفزية العمومية وخاصة لا فرق بين هذه وتلك وهي منوعات يغلب عليها التسطيح والميوعة وتفتقر إلى المضامين الهادفة... إن اغلب المنوعات التي تبث وتقدم اليوم على قنواتنا التلفزية تكاد تكون منوعات بلا مضامين وأحيانا تتساءل وأنت إذا صادف ووضعك القدر وجها لوجه مع هذه المنوعات هل هناك خيط رابط بين فقرات هذه المنوعة بحيث تقف في النهاية على مضمون فكري واضح يمكن أن يساهم في ترقية الذوق العام ويضيف إلى ثقافة المشاهد.. وتزداد حيرتك عندما تعلم ان أغلب هذه المنوعات التلفزية تغرف من نفس الحوض مع اختلاف طفيف في الألوان وطريقة التقديم.
لقد صادف أن شاهدت في الأسبوع الفارط منوعة قيل عنها انها أفضل ما يبث على قنواتنا التلفزية اليوم وأصدقكم القول انه أصابني الإحباط أمام أمرين على الأقل.
الأمر الأول أن هذه المنوعة التي تدوم أكثر من ثلاث ساعات لم تشذ عن القاعدة العامة لكل المنوعات التلفزيونية التي نشاهدها اليوم.. ميوعة وضحك بلا سبب و"تجلطيم" وهمز ولمز بين الحاضرين وإيحاءات مفضوحة.
والأمر الثاني وهو ما أسفت له حقا هو انخراط بعض الأسماء التي لها مكانتها في المجتمع في هذه اللعبة القذرة من اجل تسطيح عقول الناشئة وقبول دور"الكرونيكور" في هذه المنوعات الضحلة من اجل ما يتقاضونه من أجور ومكافآت مغرية أحيانا لجلب الإشهار و"السبنسور" وإظهار أن الميوعة تحظى بأكبر عدد ممكن من المشاهدات....
أن ينخرط سياسيون ومحامون وكتاب ورياضيون وغيرهم من فئات المجتمع في هذا المسار وأن يكونوا بأسمائهم وتجاربهم المختلفة أركانا في هذه المنوعات فهذا ليس عيبا ومعمول به في أغلب المنوعات التي تبثها القنوات الغربية المشهورة وهو ليس بدعة ولكن أن يتحول هؤلاء في منوعاتنا نحن إلى جزء من الضحالة والتسطيح فهذا غير مقبول ولا يمكن لإنسان يحترم نفسه أن يقبل بان يتحول إلى ركن في منوعة تلفزية فاشلة يضحك أحيانا بسبب وبلا سبب وأحيانا يفتعل الضحك والنكتة الماسطة.
وهناك صنف آخر من المنوعات التي تبث في قنواتنا تحولت الى فضاء للإعلاء من شان المهمشين والنكرات والشواذ جنسيا وأخلاقيا يأتي بهم منشط المنوعة بدعوى أنهم نجوم ويمنحهم الوقت الكافي ويسألهم عن الشقيقة والرقيقة ليقدمهم كنماذج يمكن أن يقتدي بها والحال أن هناك شبهات "تسمسيرة في الوسط" لا يعلمها المشاهد تمت في الخفاء بين المنشط والضيف من أجل استقدامه وتقديمه في المنوعة.
هذا في القنوات الخاصة، والحال لا يختلف كثيرا في أغلب ما يقدم في منوعات باردة ماسطة لا روح فيها وتشعر ان المنشط "يهز من الجابية ويحط في الخابية" لا منهجية عنده ولا تخطيط مسبق لمضمون المنوعة ولا محتوى...
اننا نأسف على زمن كانت فيه المنوعات التلفزية جزءا من مكونات ثقافتنا كتلك التي كان يقدمها نجيب الخطاب وهالة الركبي وصالح جغام وحاتم بن عمارة ووليد التليلي ونجيبة دربال وابتسام المكور من صفاقس وقبل هؤلاء عندما كانت لدينا منوعات على بساطتها تشد المشاهد في زمن الأبيض والأسود..
وخلاصة القول أن منوعاتنا التلفزية اليوم في القنوات الخاصة والعمومية كلها منوعات يغلب عليها التسطيح وتساهم في تبلد الفكر ومنوعات بلا روح في ظل غياب النقد الفني والثقافي في صحافتنا المكتوبة الذي يستطيع أن يوجه أصحاب هذه المنوعات.. ولا يترك الحبل على الغارب...