- شهادات للمديرة العامة للمدرسة الوطنية للإدارة ومديرة الشركة المستغلة لمطاري النفيضة والمنستير الدوليين ومديرة مركزية ببنك خاص ومديرة لمجلة متخصصة
تونس- الصباح
دعا المعهد الفرنسي بتونس صباح يوم الأربعاء المنقضي مجموعة من النساء اللواتي نجحن في الوصول الى مواقع القرار في عملهن سواء بالقطاع العمومي أو القطاع الخاص لتقديم شهادات حول تجربتهن المهنية، وقد مثل اللقاء فرصة لطرح بعض الإشكاليات ومن بينها الأسباب التي تجعل المرأة عموما اقل حضورا في المواقع القيادية بالعمل مقارنة بالرجل الذي يبقى وجوده مهيمنا رغم تسجيل بعض التحسن على مستوى الأرقام.
وقد حضرت اللقاء كل من المديرة العامة للمدرسة الوطنية للإدارة خولة العبيدي ومديرة الشركة المستغلة لمطاري النفيضة والحمامات الدوليين "TAV Tunisie" ميلاني ليفافر"Mélanie Lefebvre" ومديرة مركزية بالبنك الدولي العربي لتونس "BIAT" حنان الفقي بن عياد والمديرة التنفيذية لمجلة "Managers" سحر مشري وهي مسؤولة عن برنامج للتكوين موجه للنساء صاحبات الأعمال بتونس.
جميع المتدخلات شددن على أن المرأة عادة ما تثبت جدارتها ومكانتها عندما تجد نفسها في موقع المسؤولية كما لاحظن تحسنا طفيفا لنسبة وجود المرأة في مناصب عليا بالإدارة، غير اننا لم نبلغ بعد مرحلة تكافؤ الفرص في مجال الوصول الى مناصب إدارية عليا وذلك لصالح زملائهن الرجال.
عدم تكافؤ الفرص
صحيح لقد بلغت نسبة حضور المرأة في مواقع المسؤولية بتونس حوالي 38 بالمائة وفق آخر الاحصائيات الرسمية، لكن تبقى النسبة ضعيفة خاصة اذا ما علمنا أن ثلثي خريجي الجامعات في تونس في السنوات الأخيرة من الفتيات، وبالتالي يطرح السؤال لماذا تبقى المرأة عموما في الصفوف الخلفية في العمل في حين تكون فرص الرجل حتى بتكوين علمي اقل وربما بكفاءة اقل أحيانا، اكبر للظفر بمنصب في مؤسسته؟
وفي محاولة للإجابة عن هذا السؤال وعن غيره من الأسئلة المتفرعة عنه وابرزها المعوقات التي تقف في وجه المرأة في وتحول دون تطور مسيرتها المهنية، كما وكيفا، شددت المتدخلات على أن الأسباب هي ذاتية وموضوعية وأنه أحيانا يتدخل الذاتي بالموضوعي. فالمرأة هي التي تنجب الأولاد مثلا، لكن هل أن الأولاد هم مسؤوليتها لوحدها ام مسؤولية الزوج والزوجة معا والاسرة عموما؟ ثم لماذا تعاقب المرأة مهنيا بسبب الانجاب بحرمانها من الترقيات للتغيب مثلا وكأن تأسيس عائلة هو شأن المرأة لوحدها وليس مسؤولية مجتمعية يتحملها الجميع؟
ميلاني لوفافر مديرة الشركة المستغلة لمطاري النفيضة والمنستير الدوليين، قالت مثلا أنها تعمل في موقع قيادي في مجال مهني يعتبر عادة حكرا على الرجال، لكنها وفق شهادتها لم تشعر بانها اقل من هذا المنصب ولم تعان وفق تصريحها لأنها نشأت في عائلة لا تميز بين الولد والبنت كما انها مارست طويلا رياضة قالت انها بدورها تعتبر رجالية بامتياز وتعني رياضة التجديف مما جعلها تحظى بتكوين بدني جيد مكنها بدوره من دعم ثقتها بنفسها وهي تقول في هذا السياق انه من المهم ان يكون للمرأة مؤهلات بدنية تفرض هيبتها خاصة في مجالات مهنية يحرص الرجل على ان تبقى مغلقة في وجوه النساء. لكن رغم ذلك، فإن نفس المتحدثة تقول بان الامر ليس بالهين وأنه تطلب منها برمجة حياتها بشكل يجعلها تتطور في مهنتها وفي نفس الوقت تتحمل مسؤوليتها كأم ومسؤولة عن عائلة. طبعا تقول محدثتنا، انها من حسن حظها ان تعيش مع شريك متفهم لطبيعة عملها ويتقاسم معها مسؤولية العناية بالبيت والأولاد، لكن هذا لا يمثل هذا القاعدة ومازال هناك من يستغرب من مشاركة الرجل في أمور ترتيب البيت وفق ما تحدثت فيه المتدخلات وطرح أيضا في حصة النقاش.
إرادة المرأة شرط أساسي
المسألة مسألة إرادة بدرجة أولى بالنسبة للمديرة العامة للمدرسة الوطنية للإدارة خولة العبيدي التي تمكنت بحكم اشتغالها بالإدارة التونسية بالإشراف على دراسات علمية حول وصول المرأة لمواقع القرار لفائدة الدولة (الوزارة الأولى ثم رئاسة الحكومة) من تحديد ابرز المعوقات التي تعيق عملية ارتقاء المرأة الى مناصب عليا وتعتبر ان شخصية المرأة عامل مهم في قضية الحال. فالمرأة ورغم بعض التطور الملاحظ مازلت تحمل عبء العائلة وهي قليلا ما يكون لها تصور دقيق حول مستقبلها المهني. المرأة وفق نفس المتحدثة مازالت تحبذ عدم البروز وتتردد كثيرا في اخذ الكلمة امام الجمهور وهو يتطلب دربة على التواصل والتخاطب. وإذ تشدد المديرة العامة للمدرسة الوطنية للإدارة التي ذكرت بالمناسبة بانها ثاني امرأة تاريخيا تصل إلى هذا المنصب منذ بعث المدرسة في 1948، على أهمية التكوين والتربصات بالخارج التي يمكن ان تدعم ملف المرأة وسيرتها الذاتية، عندما تترشح لمنصب قيادي، فإنها تقر بأن المرأة مازالت لا تقبل بكثافة على التكوين خاصة اذا تطلب السفر للخارج، وهي تتعلل بالأسرة في حين يمكن للمرأة بكل موضوعية تنظيم حياتها بشكل يتيح لها استغلال كل الفرص لتطوير مسيرتها المهنية.
وعن تجربتها الخاصة تقول المتحدثة انها عثرت على المعادلة الضرورية بفرض تشاركية في البيت تجعل الجميع، الاب والأم والابناء (هي ام لولدين) يقوم بالدور الموكول اليه، الأمر الذي تعتبره كل المتحدثات، وكلهن لديهن عائلات واولاد، مسألة ضرورية حتى تتمكن المرأة من التحرر قليلا من أعباء البيت التي ظلت طويلا حكرا عليها بسبب الموروث الثقافي والاجتماعي الذي مازال مؤثرا في المجتمع التونسي، غير ان الإصرار والإرادة يمكن برأيهن، أن تكون كفيلة بالتخلص من المكبلات دون ان تتضرر العائلة.
من جهتها تعتبر حنان الفقي بن عياد المديرة بالبنك العربي الدولي لتونس، ان المرأة مهما تسلحت بالشهادات العلمية والكفاءة المهنية فإنها لا تتجاسر على التقدم لمنصب اداري قيادي الا بعد تفكير طويل وتأن شديد في حين ان الرجل يملك جرأة كبيرة وهو لا يتردد في التقدم للمنصب حتى ان كان يملك نصف كفاءة المرأة. لماذا؟ لان المرأة ببساطة مترددة واكثر حذر وتنقصها الثقة في النفس. صحيح يمكن وفق المتحدثة ان يكون التأني شيئا جيدا لكن التردد وقلة الثقة في النفس خاصة اذا كانت كل المواصفات المطلوبة للفوز بالمنصب متوفرة، يمكن ان يقضي على مسيرة مهنية كان من الممكن ان تكون جيدة جدا.
الإعلام : المرأة كمسوؤلة وكموضوع إعلامي
مجال الاعلام يختلف كثيرا بالنسبة لسحر المشري المديرة التنفيذية للمجلة الاقتصادية "Managers" فالمرأة يمكن ان تتحكم في ساعات العمل كما ان القطاع هو أصلا مؤنث بشكل كبير لكن يبقى حضور المرأة ضعيفا في مواقع المسؤولية لعدم رغبة المرأة في التقيد بساعات عمل إضافية تفرضها المسؤولية وعدم رغبتها في ان تكون في الواجهة بسبب الخوف من عدم التمكن من تحقيق التوافق بين متطلبات المنصب ومتطلبات المسؤولية العائلية خاصة عندما يكون الأولاد في سن الطفولة أو الخوف بكل بساطة من الفشل. المتحدثة تحدثت بالمناسبة كامرأة مسؤولة في قطاع الاعلام وأيضا عن المرأة كموضوع اعلامي حيث تدير مجلتها حوارات مع النساء من مجالات مهنية متعددة، وقالت ان المرأة في تونس عموما لا تحبذ كثيرا ان تظهر للعموم وهي بالأحرى تحبذ ان تكون متكتمة وغير بارزة للعيان كثيرا.
ومن الواضح ان اهم إشكالية تعترض المرأة في مجال العمل هي التوفيق بين الحياة الاسرية والمهنة وجميع المتدخلات شددن على ان القضية ليست قضية قوانين وانما هي قضية إرادة بالأساس. لماذا لا يفكر الرجل مثلا في مشكل الأولاد وترتيب البيت والمطبخ ويقفز على اول فرصة تتاح له، في حين تفكر المرأة آليا في كل هذه الأمور عندما تجد نفسها امام فرصة لتطوير مسيرتها المهنية وبلوغ اعلى المناصب؟
ليست القضية في القوانين
إن القوانين مهمة وفق المتدخلات ومن الجيد ان تقوم الدولة بتوفير مناخ يساعد المرأة على التطور في العمل لكن الأهم من ذلك هو تطوير العقلية ففي تونس وفق شهادات المتدخلات وبعض الحضور، مازال موضوع مشاركة الرجل في أمور البيت يثير السخرية والمجتمع التونسي مازال يرفض فكرة مشاركة الرجل في الشؤون المنزلية، لكن لا مفر وفق ما تم التشديد عليه بنفس المناسبة على الاشتغال على هذا الموضوع. فالتشاركية التي يعتمد عليها في العمل من خلال توزيع المهام على الموظفين، يمكن الاعتماد عليها أيضا في البيت بتحمل الجميع للمسؤولية في البيت.
والقضية هي بالتأكيد ليست قضية قوانين. فلا يوجد في تونس مثلا عدم مساواة في الأجور في القطاع العام بين النساء والرجال منصوص عليها في القوانين على غرار ما هو موجود في بلدان عربية واجنبية، لكن الترقيات المهنية التي تكون مرفوقة بمنح وحوافز مالية هي التي تصنع الفوارق، هذا ما اشارت اليه المديرة العامة للمدرسة الوطنية عند التطرق لمحور التمييز بين النساء والرجال على مستوى الأجور. وقد دعت المتحدثة النساء بالمناسبة الى الاقبال اكثر على التكوين وعلى التربصات والى تحسين قدراتهن في مجال الاتصال والتعبير لأنها تكون حاسمة عند النظر في ملفات المترشحين للمناصب كما شددت على أهمية تحسين القدرات في مجال الاتصال وأيضا في مواجهة الجمهور. فهي أيضا مهمة وعوامل مساعدة على الارتقاء المهني.
فوارق بين المدن الكبرى والمناطق الداخلية
أما بالنسبة للقطاع الخاص، فقد أفادت حنان الفقي بن عياد المديرة بالبنك الدولي العربي لتونس أن الفوارق في التأجير تلاحظ بالخصوص بين المدن الكبرى والمناطق الداخلية وفي بعض القطاعات مثل القطاع الفلاحي (غير المقنن بالخصوص) اذ تحصل النساء المشتغلات في القطاع الفلاحي على أجور ضعيفة ويعملن في ظروف قاسية لكن سلم التأجير في البنوك واضح وهو ينطبق على الكفاءات الرجالية والنسائية، لكن حضور المرأة في موقع المسؤولية في القطاع وان تحسن، اذ نجد اليوم نساء في مجالس الإدارة بالبنوك، فإنه يبقى قليلا مقارنة بعدد الكفاءات النسائية في المجال.
ورفضت كل المتدخلات فكرة نظام الحصصQuotas لفرض حضور المرأة في مواقع المسؤولية. جميعهن اعتبرن ان القضية قضية كفاءة وليست قضية عدالة وانه من الأفضل ان تصل نساء اكفاء للمناصب لان وجود نساء غير اكفاء في مواقع المسؤولية من شأنه أن يضر بالمرأة أكثر مما ينفعها. في المقابل تمت الإشارة بإلحاح سواء على لسان المتحدثات او خلال حصص النقاش على ضرورة تغيير العقليات. احدى الحاضرات تحدثت مثلا عن دور المدرسة في تغيير هذه العقلية. واستشهدت بمثال اعتبرته لا يخدم "القضية" فقالت ان احدى المدرسات لما علمت ان والدة احد التلاميذ وهي مسؤولة على رأس مؤسسة مهمة تسافر في مهام للخارج وزوجها يتولى في غيابها رعاية الأولاد، عبرت عن استغراب شديد اثار بدوره فضول التلميذ المعني بالأمر. وهذا السلوك وفق المتحدثة يزيد في ترسيخ التقاليد السلبية الموروثة والتي هي ليست قدرا محتما وانما حولتها الممارسات الاجتماعية المتوارثة جيلا عن جيل إلى قاعدة، بل الى قانون.
تغيير نسبي واشكاليات بلا حل
ولنا ان نشير إلى أن نفس الإشكاليات ونفس العوائق التي تحول دون وصول المرأة إلى موقع المسؤولية في تونس وفي تجارب مماثلة بالخارج مازالت قائمة. يتغير الزمن لكن الواقع لا يتغير الا نسبيا من خلال بعض الأرقام الإيجابية فقد أصبحت المرأة تسجل حضورها في موقع المسؤولية في العديد من المجالات بما في ذلك في الحكومة حيث تمسك نساء بعدد من الحقائب الوزارية (صناعة، مالية، مرأة، ثقافة...) لكن يبقى الحضور في العموم ضعيفا لصالح الرجل، لكن وبما ان المرأة جبلت على المقاومة، فإنها قد تهتدي يوما الى الوصفة السحرية أو المثالية التي تم الحديث عنها في اللقاء الذي أقيم ببادرة من المعهد الفرنسي بتونس وادارت النقاش الصحفية ليليا بلازLilia Blaiseوافتتحته مساعدة مدير المعهد لوريان دوفوازLauriane Devoize. تتمثل الوصفة وإضافة الى التحصيل العلمي (للجميع طبعا نساء ورجال) في ضرورة توفر الإرادة والثقة في النفس والمقدرة على التواصل ومواجهة الجمهور والايمان بالذات وقبول التنافس وعدم القبول بالأمر الواقع الذي يفرض على المرأة ان تتحمل لوحدها أعباء البيت وكلمة السر في ذلك هي التشاركية. المرأة يمكنها مثلا ان تتخلى عن بعض المهام في البيت دون ان تعتبر نفسها مقصرة أو مذنبة. يمكنها ان تعول على الزوج في بعض المهام. الزوج بدوره من حقه ومن واجبه وفق المشاركات في النقاش الحصول على إجازة طويلة مثلا عندما يولد له طفل، وهي قاعدة معمول بها في عدة بلدان أجنبية، فهو بذلك يساهم فعلا في تأسيس عائلة حقيقية وكلاهما، المرأة والرجل يمكنها خاصة مع التخلي عن الاحكام المسبقة، المساعدة على تغيير العقلية وهو الشرط الضروري لتغيير المجتمعات.
حياة السايب
- شهادات للمديرة العامة للمدرسة الوطنية للإدارة ومديرة الشركة المستغلة لمطاري النفيضة والمنستير الدوليين ومديرة مركزية ببنك خاص ومديرة لمجلة متخصصة
تونس- الصباح
دعا المعهد الفرنسي بتونس صباح يوم الأربعاء المنقضي مجموعة من النساء اللواتي نجحن في الوصول الى مواقع القرار في عملهن سواء بالقطاع العمومي أو القطاع الخاص لتقديم شهادات حول تجربتهن المهنية، وقد مثل اللقاء فرصة لطرح بعض الإشكاليات ومن بينها الأسباب التي تجعل المرأة عموما اقل حضورا في المواقع القيادية بالعمل مقارنة بالرجل الذي يبقى وجوده مهيمنا رغم تسجيل بعض التحسن على مستوى الأرقام.
وقد حضرت اللقاء كل من المديرة العامة للمدرسة الوطنية للإدارة خولة العبيدي ومديرة الشركة المستغلة لمطاري النفيضة والحمامات الدوليين "TAV Tunisie" ميلاني ليفافر"Mélanie Lefebvre" ومديرة مركزية بالبنك الدولي العربي لتونس "BIAT" حنان الفقي بن عياد والمديرة التنفيذية لمجلة "Managers" سحر مشري وهي مسؤولة عن برنامج للتكوين موجه للنساء صاحبات الأعمال بتونس.
جميع المتدخلات شددن على أن المرأة عادة ما تثبت جدارتها ومكانتها عندما تجد نفسها في موقع المسؤولية كما لاحظن تحسنا طفيفا لنسبة وجود المرأة في مناصب عليا بالإدارة، غير اننا لم نبلغ بعد مرحلة تكافؤ الفرص في مجال الوصول الى مناصب إدارية عليا وذلك لصالح زملائهن الرجال.
عدم تكافؤ الفرص
صحيح لقد بلغت نسبة حضور المرأة في مواقع المسؤولية بتونس حوالي 38 بالمائة وفق آخر الاحصائيات الرسمية، لكن تبقى النسبة ضعيفة خاصة اذا ما علمنا أن ثلثي خريجي الجامعات في تونس في السنوات الأخيرة من الفتيات، وبالتالي يطرح السؤال لماذا تبقى المرأة عموما في الصفوف الخلفية في العمل في حين تكون فرص الرجل حتى بتكوين علمي اقل وربما بكفاءة اقل أحيانا، اكبر للظفر بمنصب في مؤسسته؟
وفي محاولة للإجابة عن هذا السؤال وعن غيره من الأسئلة المتفرعة عنه وابرزها المعوقات التي تقف في وجه المرأة في وتحول دون تطور مسيرتها المهنية، كما وكيفا، شددت المتدخلات على أن الأسباب هي ذاتية وموضوعية وأنه أحيانا يتدخل الذاتي بالموضوعي. فالمرأة هي التي تنجب الأولاد مثلا، لكن هل أن الأولاد هم مسؤوليتها لوحدها ام مسؤولية الزوج والزوجة معا والاسرة عموما؟ ثم لماذا تعاقب المرأة مهنيا بسبب الانجاب بحرمانها من الترقيات للتغيب مثلا وكأن تأسيس عائلة هو شأن المرأة لوحدها وليس مسؤولية مجتمعية يتحملها الجميع؟
ميلاني لوفافر مديرة الشركة المستغلة لمطاري النفيضة والمنستير الدوليين، قالت مثلا أنها تعمل في موقع قيادي في مجال مهني يعتبر عادة حكرا على الرجال، لكنها وفق شهادتها لم تشعر بانها اقل من هذا المنصب ولم تعان وفق تصريحها لأنها نشأت في عائلة لا تميز بين الولد والبنت كما انها مارست طويلا رياضة قالت انها بدورها تعتبر رجالية بامتياز وتعني رياضة التجديف مما جعلها تحظى بتكوين بدني جيد مكنها بدوره من دعم ثقتها بنفسها وهي تقول في هذا السياق انه من المهم ان يكون للمرأة مؤهلات بدنية تفرض هيبتها خاصة في مجالات مهنية يحرص الرجل على ان تبقى مغلقة في وجوه النساء. لكن رغم ذلك، فإن نفس المتحدثة تقول بان الامر ليس بالهين وأنه تطلب منها برمجة حياتها بشكل يجعلها تتطور في مهنتها وفي نفس الوقت تتحمل مسؤوليتها كأم ومسؤولة عن عائلة. طبعا تقول محدثتنا، انها من حسن حظها ان تعيش مع شريك متفهم لطبيعة عملها ويتقاسم معها مسؤولية العناية بالبيت والأولاد، لكن هذا لا يمثل هذا القاعدة ومازال هناك من يستغرب من مشاركة الرجل في أمور ترتيب البيت وفق ما تحدثت فيه المتدخلات وطرح أيضا في حصة النقاش.
إرادة المرأة شرط أساسي
المسألة مسألة إرادة بدرجة أولى بالنسبة للمديرة العامة للمدرسة الوطنية للإدارة خولة العبيدي التي تمكنت بحكم اشتغالها بالإدارة التونسية بالإشراف على دراسات علمية حول وصول المرأة لمواقع القرار لفائدة الدولة (الوزارة الأولى ثم رئاسة الحكومة) من تحديد ابرز المعوقات التي تعيق عملية ارتقاء المرأة الى مناصب عليا وتعتبر ان شخصية المرأة عامل مهم في قضية الحال. فالمرأة ورغم بعض التطور الملاحظ مازلت تحمل عبء العائلة وهي قليلا ما يكون لها تصور دقيق حول مستقبلها المهني. المرأة وفق نفس المتحدثة مازالت تحبذ عدم البروز وتتردد كثيرا في اخذ الكلمة امام الجمهور وهو يتطلب دربة على التواصل والتخاطب. وإذ تشدد المديرة العامة للمدرسة الوطنية للإدارة التي ذكرت بالمناسبة بانها ثاني امرأة تاريخيا تصل إلى هذا المنصب منذ بعث المدرسة في 1948، على أهمية التكوين والتربصات بالخارج التي يمكن ان تدعم ملف المرأة وسيرتها الذاتية، عندما تترشح لمنصب قيادي، فإنها تقر بأن المرأة مازالت لا تقبل بكثافة على التكوين خاصة اذا تطلب السفر للخارج، وهي تتعلل بالأسرة في حين يمكن للمرأة بكل موضوعية تنظيم حياتها بشكل يتيح لها استغلال كل الفرص لتطوير مسيرتها المهنية.
وعن تجربتها الخاصة تقول المتحدثة انها عثرت على المعادلة الضرورية بفرض تشاركية في البيت تجعل الجميع، الاب والأم والابناء (هي ام لولدين) يقوم بالدور الموكول اليه، الأمر الذي تعتبره كل المتحدثات، وكلهن لديهن عائلات واولاد، مسألة ضرورية حتى تتمكن المرأة من التحرر قليلا من أعباء البيت التي ظلت طويلا حكرا عليها بسبب الموروث الثقافي والاجتماعي الذي مازال مؤثرا في المجتمع التونسي، غير ان الإصرار والإرادة يمكن برأيهن، أن تكون كفيلة بالتخلص من المكبلات دون ان تتضرر العائلة.
من جهتها تعتبر حنان الفقي بن عياد المديرة بالبنك العربي الدولي لتونس، ان المرأة مهما تسلحت بالشهادات العلمية والكفاءة المهنية فإنها لا تتجاسر على التقدم لمنصب اداري قيادي الا بعد تفكير طويل وتأن شديد في حين ان الرجل يملك جرأة كبيرة وهو لا يتردد في التقدم للمنصب حتى ان كان يملك نصف كفاءة المرأة. لماذا؟ لان المرأة ببساطة مترددة واكثر حذر وتنقصها الثقة في النفس. صحيح يمكن وفق المتحدثة ان يكون التأني شيئا جيدا لكن التردد وقلة الثقة في النفس خاصة اذا كانت كل المواصفات المطلوبة للفوز بالمنصب متوفرة، يمكن ان يقضي على مسيرة مهنية كان من الممكن ان تكون جيدة جدا.
الإعلام : المرأة كمسوؤلة وكموضوع إعلامي
مجال الاعلام يختلف كثيرا بالنسبة لسحر المشري المديرة التنفيذية للمجلة الاقتصادية "Managers" فالمرأة يمكن ان تتحكم في ساعات العمل كما ان القطاع هو أصلا مؤنث بشكل كبير لكن يبقى حضور المرأة ضعيفا في مواقع المسؤولية لعدم رغبة المرأة في التقيد بساعات عمل إضافية تفرضها المسؤولية وعدم رغبتها في ان تكون في الواجهة بسبب الخوف من عدم التمكن من تحقيق التوافق بين متطلبات المنصب ومتطلبات المسؤولية العائلية خاصة عندما يكون الأولاد في سن الطفولة أو الخوف بكل بساطة من الفشل. المتحدثة تحدثت بالمناسبة كامرأة مسؤولة في قطاع الاعلام وأيضا عن المرأة كموضوع اعلامي حيث تدير مجلتها حوارات مع النساء من مجالات مهنية متعددة، وقالت ان المرأة في تونس عموما لا تحبذ كثيرا ان تظهر للعموم وهي بالأحرى تحبذ ان تكون متكتمة وغير بارزة للعيان كثيرا.
ومن الواضح ان اهم إشكالية تعترض المرأة في مجال العمل هي التوفيق بين الحياة الاسرية والمهنة وجميع المتدخلات شددن على ان القضية ليست قضية قوانين وانما هي قضية إرادة بالأساس. لماذا لا يفكر الرجل مثلا في مشكل الأولاد وترتيب البيت والمطبخ ويقفز على اول فرصة تتاح له، في حين تفكر المرأة آليا في كل هذه الأمور عندما تجد نفسها امام فرصة لتطوير مسيرتها المهنية وبلوغ اعلى المناصب؟
ليست القضية في القوانين
إن القوانين مهمة وفق المتدخلات ومن الجيد ان تقوم الدولة بتوفير مناخ يساعد المرأة على التطور في العمل لكن الأهم من ذلك هو تطوير العقلية ففي تونس وفق شهادات المتدخلات وبعض الحضور، مازال موضوع مشاركة الرجل في أمور البيت يثير السخرية والمجتمع التونسي مازال يرفض فكرة مشاركة الرجل في الشؤون المنزلية، لكن لا مفر وفق ما تم التشديد عليه بنفس المناسبة على الاشتغال على هذا الموضوع. فالتشاركية التي يعتمد عليها في العمل من خلال توزيع المهام على الموظفين، يمكن الاعتماد عليها أيضا في البيت بتحمل الجميع للمسؤولية في البيت.
والقضية هي بالتأكيد ليست قضية قوانين. فلا يوجد في تونس مثلا عدم مساواة في الأجور في القطاع العام بين النساء والرجال منصوص عليها في القوانين على غرار ما هو موجود في بلدان عربية واجنبية، لكن الترقيات المهنية التي تكون مرفوقة بمنح وحوافز مالية هي التي تصنع الفوارق، هذا ما اشارت اليه المديرة العامة للمدرسة الوطنية عند التطرق لمحور التمييز بين النساء والرجال على مستوى الأجور. وقد دعت المتحدثة النساء بالمناسبة الى الاقبال اكثر على التكوين وعلى التربصات والى تحسين قدراتهن في مجال الاتصال والتعبير لأنها تكون حاسمة عند النظر في ملفات المترشحين للمناصب كما شددت على أهمية تحسين القدرات في مجال الاتصال وأيضا في مواجهة الجمهور. فهي أيضا مهمة وعوامل مساعدة على الارتقاء المهني.
فوارق بين المدن الكبرى والمناطق الداخلية
أما بالنسبة للقطاع الخاص، فقد أفادت حنان الفقي بن عياد المديرة بالبنك الدولي العربي لتونس أن الفوارق في التأجير تلاحظ بالخصوص بين المدن الكبرى والمناطق الداخلية وفي بعض القطاعات مثل القطاع الفلاحي (غير المقنن بالخصوص) اذ تحصل النساء المشتغلات في القطاع الفلاحي على أجور ضعيفة ويعملن في ظروف قاسية لكن سلم التأجير في البنوك واضح وهو ينطبق على الكفاءات الرجالية والنسائية، لكن حضور المرأة في موقع المسؤولية في القطاع وان تحسن، اذ نجد اليوم نساء في مجالس الإدارة بالبنوك، فإنه يبقى قليلا مقارنة بعدد الكفاءات النسائية في المجال.
ورفضت كل المتدخلات فكرة نظام الحصصQuotas لفرض حضور المرأة في مواقع المسؤولية. جميعهن اعتبرن ان القضية قضية كفاءة وليست قضية عدالة وانه من الأفضل ان تصل نساء اكفاء للمناصب لان وجود نساء غير اكفاء في مواقع المسؤولية من شأنه أن يضر بالمرأة أكثر مما ينفعها. في المقابل تمت الإشارة بإلحاح سواء على لسان المتحدثات او خلال حصص النقاش على ضرورة تغيير العقليات. احدى الحاضرات تحدثت مثلا عن دور المدرسة في تغيير هذه العقلية. واستشهدت بمثال اعتبرته لا يخدم "القضية" فقالت ان احدى المدرسات لما علمت ان والدة احد التلاميذ وهي مسؤولة على رأس مؤسسة مهمة تسافر في مهام للخارج وزوجها يتولى في غيابها رعاية الأولاد، عبرت عن استغراب شديد اثار بدوره فضول التلميذ المعني بالأمر. وهذا السلوك وفق المتحدثة يزيد في ترسيخ التقاليد السلبية الموروثة والتي هي ليست قدرا محتما وانما حولتها الممارسات الاجتماعية المتوارثة جيلا عن جيل إلى قاعدة، بل الى قانون.
تغيير نسبي واشكاليات بلا حل
ولنا ان نشير إلى أن نفس الإشكاليات ونفس العوائق التي تحول دون وصول المرأة إلى موقع المسؤولية في تونس وفي تجارب مماثلة بالخارج مازالت قائمة. يتغير الزمن لكن الواقع لا يتغير الا نسبيا من خلال بعض الأرقام الإيجابية فقد أصبحت المرأة تسجل حضورها في موقع المسؤولية في العديد من المجالات بما في ذلك في الحكومة حيث تمسك نساء بعدد من الحقائب الوزارية (صناعة، مالية، مرأة، ثقافة...) لكن يبقى الحضور في العموم ضعيفا لصالح الرجل، لكن وبما ان المرأة جبلت على المقاومة، فإنها قد تهتدي يوما الى الوصفة السحرية أو المثالية التي تم الحديث عنها في اللقاء الذي أقيم ببادرة من المعهد الفرنسي بتونس وادارت النقاش الصحفية ليليا بلازLilia Blaiseوافتتحته مساعدة مدير المعهد لوريان دوفوازLauriane Devoize. تتمثل الوصفة وإضافة الى التحصيل العلمي (للجميع طبعا نساء ورجال) في ضرورة توفر الإرادة والثقة في النفس والمقدرة على التواصل ومواجهة الجمهور والايمان بالذات وقبول التنافس وعدم القبول بالأمر الواقع الذي يفرض على المرأة ان تتحمل لوحدها أعباء البيت وكلمة السر في ذلك هي التشاركية. المرأة يمكنها مثلا ان تتخلى عن بعض المهام في البيت دون ان تعتبر نفسها مقصرة أو مذنبة. يمكنها ان تعول على الزوج في بعض المهام. الزوج بدوره من حقه ومن واجبه وفق المشاركات في النقاش الحصول على إجازة طويلة مثلا عندما يولد له طفل، وهي قاعدة معمول بها في عدة بلدان أجنبية، فهو بذلك يساهم فعلا في تأسيس عائلة حقيقية وكلاهما، المرأة والرجل يمكنها خاصة مع التخلي عن الاحكام المسبقة، المساعدة على تغيير العقلية وهو الشرط الضروري لتغيير المجتمعات.