كنّا ثلاثة زملاء، في سيارة أجرة تعود بنا إلى الفندق في عاصمة عربية.
كان السّائق كهلا هنديا، صاحب وقار، مسلم الديانة.
ذكّرني بأولئك الهنود الذين تعرفت عليهم عن قرب في رحلة عمل قمت بها إلى ذلك العالم.
رجال ينكرون الجسد والروح، بالسعي الروحي.
يعيشون مكتفين ذاتيا، بعيدا عن عائلاتهم ولا يملكون شيئا تقريبا.
ما يشدّك في ملامح سائق الأجرة الهندي هذا، تلك الّلحية الرمادية الطويلة نسبيا مع لمسات وقار وهيبة.
تمنح نظرته تأثيرا منوما يمنعك من النظر بعيدا.
لديه ابتسامة غامضة ولكن لا يمكنك التأكد من ذلك لأن لحيته وشاربه يخفيان تعبيره.
إن طابعه المقدّس والغامض يثير فضولك ويبهرك في نفس الوقت.
قال لنا انّه يعمل في هذه المهنة كسائق أجرة منذ 13 سنة بعد مغادرة شركة المقاولات التي التحق بها في بداية حياته العملية، مع رجل أعمال سوري تحيّل عليه، لم يسلًمه أجوره وعاد إلى سوريا.
أضاف انه تعب في البحث عنه، أبلغوه انّه مات في حادث سيارة، لكنّه لم يصدّق هذه الرواية..!
من الواضح أنّ الرجل ثقة، وأمين، لا أدلّ على ذلك أنّه لم يطلب منا عندما سألناه عن تكلفة رحلة العودة إلى الفندق إلا اقلّ من ثلث المبلغ الذي تسلّمه منا سائق عربي آخر، لنفس المسافة لا تزيد ولا تنقص مترا واحدا.
سألت أنا شخصيّا هذا "اللاّشقيق" المتحيّل العربي عن سبب كلّ هذا المبلغ بعد أن تعمّد إخفاء الرقم المكتوب على العدّاد، قال أنًه قام بحساب المسافة بالكيلومترات.
من يسافرون كثيرا يعرفون هذه العصابات التي تترصّد الواصلين في المطارات كما كان يحصل من قبل عندما كانت ميلانو بإيطاليا وجهة تجار الشّنط أو اليوم اسطنبول بتركيا.
كم من عائلة وجدت نفسها في أحد مطارات الوصول ضحيّة عمليّة تحيّل، إذ يتعمّد صاحب السيارة الذي يستغلّ الواصلين المتعبين من المسافرين وبمعسول الكلام بأنه على أتم الاستعداد لخدمتهم ونقل حقائبهم وإيصالهم حتى باب الفندق بمبلغ اقلّ من نصف سعر سيارة أجرة عادية، يتعمّد خلال الرحلة تقديم قطع حلوى أو مشروبات لهم غالبا ما يضع فيها قطرات من منوّم سريع المفعول ليجد المسافرون أنفسهم في سبات عميق، ينزوي السائق المجرم في مكان معزول بعد أن يسرق أموالهم وأحيانا حتى جوازات سفرهم وما خفّ حمله ويتركهم على تلك الحالة ليستفيقوا على مصيبة لم يتخيلوها أبدا.!!
علمتني الحياة شخصيا ألاّ أثق في كل الناس، حتى في نفسي، ولا أعرف كيف أثق بأحد، ولا أعطي أي شخص فرصة ليثبت لي انه محلّ ثقة.!
فالمؤمن لا يَخدع ولا يُخدع.!
خَلف بعض الأقنعة وجوه قذرة تمارس الخدَاع.
للهنود سمة لا يعرفها الكثيرون، عندما تسأل أو تطلب شيئا ما حتى لو كان مستحيلا من مواطن هندي، لن يقول لك كلمة "لا" أبدا، بل سيشرح لك، بكل اقتناع وبتفاصيل مملَة أحيانا عديدة، بلهجة يصعب فهمها، أنه لا يستطيع تلبية طلبك مع ابتسامة لا تفارق محياه.
حكم العرب المسلمون الهند قرابة تسعة قرون، وقد أنهي المحتلّ البريطاني حكمهم عام 1858 على خلفية عزل السلطان بهادر شاه، وكان آخر أباطرة مغول الهند، وبعزله انتهى الحكم الإسلامي.
تُعد الهند ثالث أكبر دولة في عدد المسلمين في العالم وأكبر أقلية مسلمة في العالم.
تأتي في المركز الثالث بعد اندونيسيا وباكستان من حيث عدد السكان المسلمين.
تتعدد الديانات والمعتقدات التي يؤمن بها الهنود، ويقال إن لهم أكثر من 300 ربّ !!
بدا لنا سائق الأجرة الهندي طوال رحلة العودة في حالة ألم شديد بسبب حقّه الذي خسره جراء تحيّل هذا المقاول العربي السوري، لم يكن يريد الإطالة في الحديث كثيرا معنا في هذا الموضوع.. لكن بعد صمت لفترة نطق بجملة قائلا لنا:"كلّهم علي بابا".. دون آن يضيف جملة "الأربعين حرامي الذين كانوا معه"..!
تعلمنا في مسارات حياتنا، انّه في بداية أي علاقة تظهر المشاع، وفي نهايتها تظهر الأخلاق التي غالبا ما تنكشف في ساعة الشِدة.
يرويها: أبو بكر الصغير
كنّا ثلاثة زملاء، في سيارة أجرة تعود بنا إلى الفندق في عاصمة عربية.
كان السّائق كهلا هنديا، صاحب وقار، مسلم الديانة.
ذكّرني بأولئك الهنود الذين تعرفت عليهم عن قرب في رحلة عمل قمت بها إلى ذلك العالم.
رجال ينكرون الجسد والروح، بالسعي الروحي.
يعيشون مكتفين ذاتيا، بعيدا عن عائلاتهم ولا يملكون شيئا تقريبا.
ما يشدّك في ملامح سائق الأجرة الهندي هذا، تلك الّلحية الرمادية الطويلة نسبيا مع لمسات وقار وهيبة.
تمنح نظرته تأثيرا منوما يمنعك من النظر بعيدا.
لديه ابتسامة غامضة ولكن لا يمكنك التأكد من ذلك لأن لحيته وشاربه يخفيان تعبيره.
إن طابعه المقدّس والغامض يثير فضولك ويبهرك في نفس الوقت.
قال لنا انّه يعمل في هذه المهنة كسائق أجرة منذ 13 سنة بعد مغادرة شركة المقاولات التي التحق بها في بداية حياته العملية، مع رجل أعمال سوري تحيّل عليه، لم يسلًمه أجوره وعاد إلى سوريا.
أضاف انه تعب في البحث عنه، أبلغوه انّه مات في حادث سيارة، لكنّه لم يصدّق هذه الرواية..!
من الواضح أنّ الرجل ثقة، وأمين، لا أدلّ على ذلك أنّه لم يطلب منا عندما سألناه عن تكلفة رحلة العودة إلى الفندق إلا اقلّ من ثلث المبلغ الذي تسلّمه منا سائق عربي آخر، لنفس المسافة لا تزيد ولا تنقص مترا واحدا.
سألت أنا شخصيّا هذا "اللاّشقيق" المتحيّل العربي عن سبب كلّ هذا المبلغ بعد أن تعمّد إخفاء الرقم المكتوب على العدّاد، قال أنًه قام بحساب المسافة بالكيلومترات.
من يسافرون كثيرا يعرفون هذه العصابات التي تترصّد الواصلين في المطارات كما كان يحصل من قبل عندما كانت ميلانو بإيطاليا وجهة تجار الشّنط أو اليوم اسطنبول بتركيا.
كم من عائلة وجدت نفسها في أحد مطارات الوصول ضحيّة عمليّة تحيّل، إذ يتعمّد صاحب السيارة الذي يستغلّ الواصلين المتعبين من المسافرين وبمعسول الكلام بأنه على أتم الاستعداد لخدمتهم ونقل حقائبهم وإيصالهم حتى باب الفندق بمبلغ اقلّ من نصف سعر سيارة أجرة عادية، يتعمّد خلال الرحلة تقديم قطع حلوى أو مشروبات لهم غالبا ما يضع فيها قطرات من منوّم سريع المفعول ليجد المسافرون أنفسهم في سبات عميق، ينزوي السائق المجرم في مكان معزول بعد أن يسرق أموالهم وأحيانا حتى جوازات سفرهم وما خفّ حمله ويتركهم على تلك الحالة ليستفيقوا على مصيبة لم يتخيلوها أبدا.!!
علمتني الحياة شخصيا ألاّ أثق في كل الناس، حتى في نفسي، ولا أعرف كيف أثق بأحد، ولا أعطي أي شخص فرصة ليثبت لي انه محلّ ثقة.!
فالمؤمن لا يَخدع ولا يُخدع.!
خَلف بعض الأقنعة وجوه قذرة تمارس الخدَاع.
للهنود سمة لا يعرفها الكثيرون، عندما تسأل أو تطلب شيئا ما حتى لو كان مستحيلا من مواطن هندي، لن يقول لك كلمة "لا" أبدا، بل سيشرح لك، بكل اقتناع وبتفاصيل مملَة أحيانا عديدة، بلهجة يصعب فهمها، أنه لا يستطيع تلبية طلبك مع ابتسامة لا تفارق محياه.
حكم العرب المسلمون الهند قرابة تسعة قرون، وقد أنهي المحتلّ البريطاني حكمهم عام 1858 على خلفية عزل السلطان بهادر شاه، وكان آخر أباطرة مغول الهند، وبعزله انتهى الحكم الإسلامي.
تُعد الهند ثالث أكبر دولة في عدد المسلمين في العالم وأكبر أقلية مسلمة في العالم.
تأتي في المركز الثالث بعد اندونيسيا وباكستان من حيث عدد السكان المسلمين.
تتعدد الديانات والمعتقدات التي يؤمن بها الهنود، ويقال إن لهم أكثر من 300 ربّ !!
بدا لنا سائق الأجرة الهندي طوال رحلة العودة في حالة ألم شديد بسبب حقّه الذي خسره جراء تحيّل هذا المقاول العربي السوري، لم يكن يريد الإطالة في الحديث كثيرا معنا في هذا الموضوع.. لكن بعد صمت لفترة نطق بجملة قائلا لنا:"كلّهم علي بابا".. دون آن يضيف جملة "الأربعين حرامي الذين كانوا معه"..!
تعلمنا في مسارات حياتنا، انّه في بداية أي علاقة تظهر المشاع، وفي نهايتها تظهر الأخلاق التي غالبا ما تنكشف في ساعة الشِدة.