الناطق الرسمي للاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لـ"الصباح": يجب التوقف عن الحديث عن "عملية السلام" والحديث عن "عملية تنفيذ حل الدولتين"
حذر الناطق الرسمي للاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من وقف تمويل «الأونروا» معتبرا انه رد فعل غير متناسب وخطير. وقال لويس ميغال بيونو انه لا يمكن الاستغناء عن«الأونروا» . ونفى محدثنا ان يكون الاتحاد الأوروبي عاجزا إلا انه استدرك قائلا: "إن الاتحاد الأوروبي ليس دولة وإنما مجموعة من27 دولة، ولكل دولة سياستها الخارجية. ولا يمكن بالتالي الحديث عن سياسة خارجية للاتحاد الأوروبي إلا عندما تتخذ القرارات بالإجماع". وأضاف محدثنا في هذا الحوار الذي خص به "الصباح" "أنه في قضية الشرق الأوسط فانه للأسف، لم نستطع الوصول إلى هذه النقطة. وأضاف المسؤول الأوروبي أن الاتحاد الأوروبي مؤيد لمحكمة العدل الدولية وأنه يتوقع تنفيذ قراراتها بالكامل وبشكل فوري وفعال... وخلص إلى انه من السابق لأوانه الحديث عن إعادة الإعمار، وأن الأولوية الآن هي وقف الحرب. يذكر أن الاتحاد الأوروبي قام ومنذ 2021 بتعيين أول ناطق رسمي باللغة العربية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ويأتي هذا الحوار بالتزامن مع التطورات الخطيرة والمعقدة مع استمرار جرائم الإبادة اليومية في حق أهالي غزة، وفيما يلي نص الحديث .
حوار: آسيا العتروس
لو طلبت منك تقييم العلاقات الأوروبية العربية اليوم ومستقبل الشراكة بين دول الشمال والجنوب في منطقة المتوسط في خضم الأزمات والصراعات من أوكرانيا إلى فلسطين المحتلة مرورا بقضية الهجرة غير الشرعية والمناخ وغيرها ما هو حال هذه العلاقات وهي في أزمة ثقة صراحة؟
-يواصل الاتحاد الأوروبي بناء شراكته مع بلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط. تقوم هذه الشراكة على الاحترام المتبادل وهدفها هو تعزيز المصالح المشتركة. عقدنا مؤخرا اجتماعات وزارية مع مصر والأردن. نعد اجتماعات رفيعة المستوى مع الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد من أجل المتوسط. تجري زيارات عالية المستوى مع الجزائر وعمان.
شارك الرئيس والعديد من المفوضين في COP28 دبي. ننظم حوارات حول الهجرة مع العديد من الشركاء في البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك مع تونس. في هذا السياق، زارت رئيسة المفوضية ورئيس وزراء إسبانيا موريتانيا هذا الأسبوع. ولكن أفضل مثال على قدرة الاتحاد الأوروبي لعقد اجتماعات على الصعيد المنطقة هو آخر اجتماع وزراء خارجية في بروكسل، والذي شارك فيه كل من وزراء خارجية إسرائيل فلسطين والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية والأمين العام للجامعة العربية لمناقشة الوضع في غزة. بالإضافة إلى ذلك أجرى الممثل الأعلى جوزيب بوريل أربع زيارات إلى المنطقة في الأشهر الأخيرة لمناقشة الوضع في غزة مع شركائنا وكيفية المضي قدما في اتجاه حل مستدام لهذا الصراع. أصبح هذا الأمر أولوية مطلقة للسيد بوريل والاتحاد الأوروبي في هذه المنطقة.
يمر اليوم 125 يوما على العدوان الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة المنكوب أين يقف الاتحاد الأوروبي مما يحدث ولماذا غاب صوت أوروبا، ألا يعد الصمت الأوروبي تواطؤا وضوءا اخضر لناتنياهو لمواصلة الحرب و تدمير غزة تدميرا كاملا؟
-لا أعتقد أن أوروبا كانت صامتة. على العكس، كان السيد بوريل، الذي يمثل الاتحاد الأوروبي كمسؤول عن السياسة الخارجية، واضح جدا في تصريحاته. وقال انه لا ينبغي لسكان غزة أن يدفعوا ثمن القتال ضد «حماس». قال أيضا انه يجب ألا تخضع المساعدات الإنسانية للمفاوضات السياسية.
أولويتنا هي إنهاء الصراع في غزة، ووضع حد للوضع الإنساني المخيف والقتل وأزمة الرهائن والقصف والهجمات الصاروخية. أولويتنا أيضاً توفير الغذاء والمأوى والدواء للجميع، ثم تجنب حرب إقليمية.
لا توجد كلمات لوصف الصور الفظيعة لمعاناة المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في غزة، وخاصة الأطفال. كانت هجمات السابع من أكتوبر رعبا. لكن رعبا لا يبرر رعبا آخر في غزة. مع تدمير 60% من المساكن والبنية التحتية، تصف الجهات الفاعلة الإنسانية غزة بأنها مكان غير صالح للعيش فيه. هناك حاجة إلى هدنة إنسانية جديدة الآن. ويزداد الوضع سوءاً يوماً بعد يوم حيث أصبح 85% من السكان نازحين، ويعيشون غالباً في العراء ويواجهون خطر المجاعة والمرض.
يقوم الاتحاد الأوروبي بدوره للمساهمة في تخفيف الأزمة الإنسانية بأكثر من 100 مليون يورو من المساعدات الإنسانية في عام 2023. لقد كانت هناك بعض الخطوات الإيجابية مثل فتح معبر "كرم سالم"، ولكن من الواضح أن هناك حاجة إلى المزيد. ويجب زيادة المساعدات الإنسانية وإمكانية الوصول بشكل كبير.
كما قال الممثل الأعلى جوزيب بوريل، فان المزيد من القتلى المدنيين والدمار والمعاناة للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية لا يمكن أن يساعد في هزيمة «حماس» وتحقيق المزيد من الأمن لإسرائيل. هناك ضرورة ملحة لوقف القتال في غزة ولتجنب المزيد من الخسائر في صفوف المدنيين ولتقديم المساعدات الإنسانية الكافية وللإفراج عن الرهائن.
شعرنا بصدمة عميقة من نتائج التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي في غزة. تشير التقديرات الأممية إلى أن 100% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. نعتقد أن هذا الأمر بمثابة دعوة للاستيقاظ للعالم أجمع للعمل الآن لمنع وقوع كارثة إنسانية مميتة.
يجب حماية المدنيين دائمًا - وهذا مطلوب من قبل الإنسانية أيضًا بموجب القانون الدولي، وبشكل أكثر دقة: القانون الإنساني الدولي – أي، القواعد الأساسية للحرب التي تنطبق دائمًا على الجميع بالتساوي، بدون استثناءات. هذه هي الرسالة التي نقلها الممثل الأعلى خلال زيارته الرابعة والأخيرة إلى المنطقة. وكان السيد بوريل واضح، حيث شدد على أن الاتحاد الأوروبي يرفض أي تهجير قسري للشعب الفلسطيني من غزة إلى دول أخرى. كما أنه لا يمكن تقليص أراضي غزة، ويجب ألا يكون هناك إعادة احتلال من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية، ولا عودة لحكم «حماس» لغزة. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن فصل غزة عن بقية القضية الفلسطينية: فحل غزة يجب أن يندرج في إطار حل القضية الفلسطينية برمتها.
لماذا فقدت أوروبا تأثيرها في القضايا الإقليمية والدولية، ولماذا ترفض أوروبا ممارسة أي نوع من الضغط على الاحتلال الإسرائيلي ورفع المعاناة عن غزة وإيقاف العقاب الجماعي والتجويع كما أجمعت في تعاطيها مع الحرب الروسية في أوكرانيا؟
-من قال أن الاتحاد الأوروبي فقد تأثيره؟، إجابتي السابقة تثبت أن هذا غير صحيح. ما يجب فهمه هو أن الاتحاد الأوروبي لديه قدرة محدودة لإحلال السلام في المنطقة. في الواقع، لا يوجد طرف واحد يمكنه القيام بذلك بمفرده. علينا ألا ننسى أن القضية الفلسطينية ليست قضية إقليمية فقط وإنما هي قضية دولية. لذلك يتعيَّن على الأسرة الدولية العمل من أجل إحداث تغيير في الشرق الأوسط. فلا يمكننا الاستمرار في السجل المؤسف للعام الماضي، أو العقود الماضية. ولا يمكننا الاستمرار في مشاهدة المعاناة التي لا تُحتمل للنساء والأطفال الأبرياء والمدنيين الآخرين في غزة. ولا يمكننا مشاهدة العنف المتزايد من جانب المستوطنين ضد المدنيين في الضفة الغربية. علينا التحرك نحو هدنة إنسانية أخرى لرؤية نهاية لمعاناة المدنيين في غزة وإطلاق سراح الرهائن. وبمجرد التوصل إلى هذا الأمر، علينا تحويله إلى وقف دائم. كما يتعين علينا تنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي 2712 و2720.
أما بالنسبة للضغط على إسرائيل، دعا الاتحاد الأوروبي إسرائيل مرارًا وتكرارًا إلى احترام القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وتجنب سقوط المدنيين وحمايتهم. قام السيد بوريل بزيارة إسرائيل ونقل هذه الرسائل إلى جميع مستويات الحكومة. ناشدنا في آخر اجتماع مع حكومة إسرائيل وزير الخارجية الإسرائيلي لبذل المزيد من الجهد لضمان حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والبنية التحتية، بما في ذلك تلك التابعة لـ"الأونروا"، وفتح نقاط عبور جديدة وتسريع إجراءات تفتيش الشاحنات.
الحل معروف للجميع، وهو حل الدولتين. وبالفعل هناك إجماع واضح بين الدول الأعضاء حول هذا الأمر. يدعم الاتحاد الأوروبي المبادرة العربية للسلام كمرجعية أساسية لإنهاء الصراع.
هل عجزت أوروبا عن التخلص من عقدة الذنب التي تلاحقها بسبب المحرقة النازية وكيف تسمح أوروبا بتكرار ما اتفق العالم على عدم القبول به؟
-لا أعتقد أنه يمكن الحديث عن "الذنب الأوروبي" حول هذا الموضوع. كانت المحرقة هي الإبادة المخطط لها لأكثر من ستة ملايين يهودي من قبل ألمانيا النازية. تركت المحرقة تأثيرا عميقا في تاريخ أوروبا. لكن الاتحاد الأوروبي لم يكن موجودًا في ذلك الوقت. وأغلبية دول الاتحاد الأوروبي لا تتحمل أي مسؤولية تاريخية في هذا الصدد. المشكلة هنا تتعلق بكيفية عمل الاتحاد الأوروبي في السياسة الخارجية. يجب اتخاذ أي قرار بالإجماع.
واضح أن المزيد من القتلى المدنيين والدمار والمعاناة للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية لا يمكن أن يساعد في هزيمة «حماس» وتحقيق المزيد من الأمن لإسرائيل.
ما هو تقييمك لأداء الإعلام الغربي إزاء ما يحدث في غزة ولماذا غاب الحياد والمهنية والموضوعية في التعاطي الإعلامي مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية عموما؟
-ليس من اختصاصي الحكم على أداء وسائل الإعلام. يجب أن يأتي هذا التحليل من المنظمات المختصة ومن الجمهور. الموقف الأوروبي يتم صنعه داخل مجلس الاتحاد الأوروبي ولا يعكس ما تنقله وسائل الإعلام عن ما يحدث في غزة، وإنما هو عبارة عن مفاوضات بين دول.
*كيف يمكن تفسير التناقض الحاصل في الاتحاد الأوروبي بين مواقف رئيسة المفوضية ومسؤول العلاقات الخارجية بوريل إزاء الاحتلال الإسرائيلي والموقف من حل الدولتين؟
- لا يوجد تناقض. كما قال السيد بوريل، فان رئيسة المفوضية ليست لديها الاختصاص لتمثيل الاتحاد الأوروبي في السياسة الخارجية. هذا من اختصاص مجلس الاتحاد الأوروبي والممثل الأعلى. وموقف المجلس واضح كما قلت. في الحقيقة، موقف الاتحاد الأوروبي منذ 40 سنة واضح في شأن رؤيتنا للحل التي يقوم على أساس دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل، والقدس عاصمة للدولتين وهو حل عملي وعادل للاجئين. والكثير من مواقفنا متوافقة مع قرارات الأمم المتحدة، واتفاقات دولية عدة، وبعضها وارد في المبادرة العربية التي أطلقت في بيروت قبل 22 سنة.
يجب أن نتوقف عن الحديث عن "عملية السلام" وأن نتحدث عن "عملية تنفيذ حل الدولتين". أظهرت الأحداث الأخيرة أنه لن يكون بالإمكان الحفاظ على سلام دائم دون تنفيذ حل الدولتين الذي يدعو إليه المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي منذ عقود. لا يمكن لأطراف النزاع وحدها تحقيق هذه النتيجة.
تبقى سياسة المكيالين التي اتضحت بشكل مفضوح بعد الحرب الروسية في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية الراهنة في قطاع غزة من الأسباب الأساسية في التأثير على صورة ومصداقية أوروبا كيف يمكن قراءة ذلك مستقبلا..؟
-الاتحاد الأوروبي ليس دولة وإنما مجموعة من الدول، تحديدا 27 دولة، ولكل دولة سياستها الخارجية. لا يمكن الحديث عن سياسة خارجية للاتحاد الأوروبي إلا عندما تتخذ القرارات بالإجماع. على الممثل الأعلى للشؤون الخارجية مسؤولية بناء هذا الإجماع من أجل اتخاذ موقف موحد. للأسف، في هذه القضية، لم نستطع الوصول إلى هذه النقطة. كما تعلمون، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة موقفا واضحا لصالح وقف إطلاق النار الإنساني الفوري في غزة. وصوتت 153 دولة، من بينها 17 دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي، لصالح القرار.
ندرك تمامًا أن هناك اتهامات لدول الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن. لكن يجب شرح طبيعة الاتحاد الأوروبي لكي نفهم الخطوات التي نقوم بها. دعونا نأخذ أوكرانيا كمثال. أوكرانيا مجاورة لأربع دول في الاتحاد الأوروبي. تأثير الحرب على أوكرانيا هائل لدرجة أن الأوروبيين يعتقدون أنها تشكل تهديدًا وجوديًا لهم وأن مستقبل المشروع الأوروبي على المحك. قد ساعد ذلك في بناء توافق في الآراء بين الدول الأعضاء، التي توصلت إلى سياسة موحدة في وقت سريع. سمح ذلك برد فعل قوي وموحد للاتحاد الأوروبي. فيما يتعلق بالحرب على غزة، فدول الاتحاد الأوروبي ليست موحدة بنفس الطريقة. دعت بعض الدول إلى وقف إطلاق النار وعارضته دول أخرى. النتيجة هي موقف أضعف للاتحاد الأوروبي كتكتل.
ماذا عن الحملة المنظمة "الاونروا" والحال أن إسرائيل تحصل مسبقا على قائمة الموظفين في الوكالة ولم يسبق أن أبدت تحفظا على احد وهل هذه الحملة مرتبطة بقرارات العدل الدولية؟
-وقف تمويل «الأونروا» سيكون رد فعل غير متناسب وخطير. فهي تقدّم مساعدات منقذة للحياة للفلسطينيين ولا يمكن الاستغناء عنها. واضح أن وقف خدمات «الأونروا» أو الحد منها، وهو ما قد يحدث في وقت مبكر من نهاية شهر فيفري، سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير. حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين، ليس فقط في غزة، معرضة للخطر. كما أن زوال «الأونروا» من شأنه أن يشكل خطرًا جديًا على الاستقرار الإقليمي. علينا ألا ننسى أن استمرار وجود «الأونروا»، منذ إنشائها في عام 1949، هو نتيجة مباشرة لحقيقة مفادها أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يتم حله أبدا. صحيح، بعض الأعضاء البارزين في الحكومة الإسرائيلية الحالية يريدون رؤية «الأونروا» مغلقة، وقد أعربوا عن ذلك علنا مرارا وتكرارا. وقد جادلوا بأن «الأونروا» تساهم في إدامة قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال منح وضع اللاجئ عبر الأجيال، على الرغم من أن هذا النهج يتوافق مع القانون الدولي.
يوفر الاتحاد الأوروبي تمويلًا يبلغ حوالي 90 مليون يورو كل سنة للوكالة. كان آخر إعلان عن تمويل بقيمة 83 مليون يورو للعام 2023. في نفس الوقت، حشد الاتحاد الأوروبي 125 مليون يورو كمخصص أولي للتمويل الإنساني لعام 2024 لصالح الفلسطينيين. يأتي هذا بالإضافة إلى التمويل المخصص في عام 2023 بقيمة 103 مليون يورو. منذ عام 2000، قدم الاتحاد الأوروبي أكثر من 1.08 مليار يورو مساعدة إنسانية للمساعدة في تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان الفلسطينيين.
سبق لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الإقرار بان المجتمع الدولي أخفق "سياسيا وأخلاقيا" في التوصل إلى تسوية دائمة للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين وأن الوقت قد حان للتوصل إلى حل الدولتين. فهل يمكن لأوروبا التدارك، وهل يمكن أن تخرج عن خط السياسة الخارجية الأمريكية؟
-لا حل إلا حل الدولتين، ولا يمكن إنهاء النزاع إلا إذا كان للفلسطينيين دولة مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيلية آمنة ومعترف بها ومندمجة في المنطقة وتقيم علاقات ايجابية ودافئة مع لبنان والسعودية والدول الأخرى كلها في تلك المنطقة. هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق السلام.
نتحدث عن هندسة عكسية للسلام. لا مزيد من خرائط طريق تتألف من خطوات نعرف سلفاً أنها لن تتحق. لنبدأ من النقطة النهائية التي تنص على سلام إقليمي شامل. كيف يمكن أن يكون ذلك؟ ماذا يعني سلام كهذا إلى جانب سلام فلسطيني-إسرائيلي؟ ماذا يترتب على ذلك بشأن الأمن الإقليمي، والتكامل الاقتصادي الإقليمي، واتفاقيات المياه والطاقة وتغير المناخ، وتكامل منطقة الشرق الأوسط، وأيضاً مع أوروبا والأميركيين؟. لا شك أننا نحتاج إلى الأميركيين والإسرائيليين وكثيرين آخرين، ولكن إذا كان طرف أو أكثر غير مستعد بعد للانخراط، فهذا لا يعني أننا لسنا مسؤولين عن الإعداد لذلك السلام. خطتنا هي اقتراح نقاش مع أصدقائنا وشركائنا. لا نقول هنا إن الاتحاد الأوروبي وجد حلاً وسيخبر الجميع به. نريد أن نعمل بشكل وثيق مع شركائنا وأصدقائنا كاللبنانيين والسعوديين والمصريين والأردنيين وآخرين. لن يكون مؤتمراً كبيراً ندعي بأننا سنحل فيه كل شيء في أيام قليلة. المؤتمر يهدف إلى تحضير الأمور، ووضع خطة عمل واضحة عن الأمور التي ذكرتها سابقاً.
لماذا لا تلتزم دول الاتحاد الأوروبي بما وعدت به وتعترف بالدولة الفلسطينية على حدود الـ67؟
-أولا، لا يمكننا التعامل مع غزة بمعزل عن الضفة الغربية والقدس الشرقية، فغزة جزء من "المسألة الفلسطينية" الأوسع. إنَّ غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، ويجب أن تكون غزة جزءاً من الدولة الفلسطينية المستقبلية. وتتفق الأسرة الدولية بأسرها على حل الدولتين باعتباره الحل الوحيد القابل للتطبيق الذي يمكن أن يجلب السلام والأمن لإسرائيل وفلسطين.
أشار بوريل إلى أنه يجب أن نضاعف جهودنا لإعادة إطلاق عملية السلام. لقد أعلنت إسرائيل عن هدف للقضاء على «حماس» . ويجب أن تكون هناك طريقة أخرى للقضاء على «حماس»؛ طريقة أخرى لا تؤدي إلى مقتل هذا العدد الكبير من الأبرياء.
من واجب المجتمع الدولي أن يشارك بنشاط في هذه العملية وأن يضع إطارا واضحا يتطلب من الإسرائيليين والفلسطينيين التفاوض نحو النتيجة المتفق عليها. ناقشنا مع شركائنا العرب إمكانية عقد مؤتمر دولي للسلام في الأشهر المقبلة.
هل سيكون لأوروبا دور في مرحلة ما بعد الحرب على غزة و كيف؟
-في سبتمبر الماضي، أطلقنا ما سميناه مبادرة يوم السلام في الأمم المتحدة في نيويورك بالتعاون مع السعودية ومصر والأردن ودول عربية أخرى والصين والأوروبيين والباكستانيين والأمين العام لجامعة الدول العربية. وقلنا معاً لنحضر كل شيء ممكن للسلام. ولكن كان علينا أن نغير خططنا، وأن نكون طموحين أكثر وعمليين أكثر ونفكر بطريقة أكثر شمولاً. هل سننجح؟ الأمر صعب ولكننا سنحاول. ندين لجميع الضحايا والضحايا المحتملين في المستقبل بالقيام بكل شيء للإعداد للسلام.
وهل سيقتصر الدور الأوروبي على إعادة اعمار وبناء ما يهدمه الاحتلال دون ضمانات لمنع تكرار ما حدث؟
-من السابق لأوانه الحديث عن إعادة الإعمار. الأولوية الآن هي وقف الحرب. سيدعم الاتحاد الأوروبي السلطة الفلسطينية في غزة. في عام 2021، عندما اندلعت دورة العنف الأخيرة في غزة، قلناها بالفعل بوضوح: لا يمكن للمجتمع الدولي أن يعيد إعمار غزة كل سنتين. نحن بحاجة إلى حل دائم. والحل الوحيد هو إنشاء دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
لا يمكن أن يتحقق الأمن الحقيقي لإسرائيل وفلسطين إلا من خلال سلام حقيقي وحل سياسي وتفاوضي حقيقي. إن غياب أي تقدم نحو حل الدولتين، الذي أيده المجتمع الدولي منذ فترة طويلة، هو الذي أدى في النهاية إلى اندلاع موجة العنف الأخيرة.
فهناك فرق مهم بين شكل قصير المدى للأمن يتم تحقيقه بشكل رئيسي من خلال الوسائل العسكرية والتكنولوجية، والسلام المستدام النابع من الاتفاق. وعلى أي حال، إن فرض الأمن بدون سلام أساسي يأتي بثمن باهظ وغير مستدام. يرفض الاتحاد الأوروبي أي تهجير قسري للشعب الفلسطيني من غزة إلى دول أخرى. لا يمكن تقليص أراضي غزة، ويجب ألا يكون هناك إعادة احتلال من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية، ولا عودة لحكم «حماس» لغزة. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن فصل غزة عن بقية القضية الفلسطينية: فحل غزة يجب أن يندرج في إطار حل المشكلة الفلسطينية برمتها.
-هل مازال بالإمكان التعويل على العدالة الدولية الراهنة وهل نحن إزاء نظام دولي جديد عنوانه البقاء للأقوى، وهل يمكن لمحكمة العدل الدولية تصحيح المشهد والحد من الظلم الحاصل في حق الشعب الفلسطيني و كيف؟
-الاتحاد الأوروبي مؤيد قوي لمحكمة العدل الدولية، وهو يؤكد دعمه المستمر لمحكمة العدل الدولية، الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة.
وأوامر محكمة العدل الدولية ملزمة للطرفين ويجب عليهما الامتثال لها. ويتوقع الاتحاد الأوروبي تنفيذها الكامل والفوري والفعال.
تونس الصباح
حذر الناطق الرسمي للاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من وقف تمويل «الأونروا» معتبرا انه رد فعل غير متناسب وخطير. وقال لويس ميغال بيونو انه لا يمكن الاستغناء عن«الأونروا» . ونفى محدثنا ان يكون الاتحاد الأوروبي عاجزا إلا انه استدرك قائلا: "إن الاتحاد الأوروبي ليس دولة وإنما مجموعة من27 دولة، ولكل دولة سياستها الخارجية. ولا يمكن بالتالي الحديث عن سياسة خارجية للاتحاد الأوروبي إلا عندما تتخذ القرارات بالإجماع". وأضاف محدثنا في هذا الحوار الذي خص به "الصباح" "أنه في قضية الشرق الأوسط فانه للأسف، لم نستطع الوصول إلى هذه النقطة. وأضاف المسؤول الأوروبي أن الاتحاد الأوروبي مؤيد لمحكمة العدل الدولية وأنه يتوقع تنفيذ قراراتها بالكامل وبشكل فوري وفعال... وخلص إلى انه من السابق لأوانه الحديث عن إعادة الإعمار، وأن الأولوية الآن هي وقف الحرب. يذكر أن الاتحاد الأوروبي قام ومنذ 2021 بتعيين أول ناطق رسمي باللغة العربية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ويأتي هذا الحوار بالتزامن مع التطورات الخطيرة والمعقدة مع استمرار جرائم الإبادة اليومية في حق أهالي غزة، وفيما يلي نص الحديث .
حوار: آسيا العتروس
لو طلبت منك تقييم العلاقات الأوروبية العربية اليوم ومستقبل الشراكة بين دول الشمال والجنوب في منطقة المتوسط في خضم الأزمات والصراعات من أوكرانيا إلى فلسطين المحتلة مرورا بقضية الهجرة غير الشرعية والمناخ وغيرها ما هو حال هذه العلاقات وهي في أزمة ثقة صراحة؟
-يواصل الاتحاد الأوروبي بناء شراكته مع بلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط. تقوم هذه الشراكة على الاحترام المتبادل وهدفها هو تعزيز المصالح المشتركة. عقدنا مؤخرا اجتماعات وزارية مع مصر والأردن. نعد اجتماعات رفيعة المستوى مع الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد من أجل المتوسط. تجري زيارات عالية المستوى مع الجزائر وعمان.
شارك الرئيس والعديد من المفوضين في COP28 دبي. ننظم حوارات حول الهجرة مع العديد من الشركاء في البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك مع تونس. في هذا السياق، زارت رئيسة المفوضية ورئيس وزراء إسبانيا موريتانيا هذا الأسبوع. ولكن أفضل مثال على قدرة الاتحاد الأوروبي لعقد اجتماعات على الصعيد المنطقة هو آخر اجتماع وزراء خارجية في بروكسل، والذي شارك فيه كل من وزراء خارجية إسرائيل فلسطين والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية والأمين العام للجامعة العربية لمناقشة الوضع في غزة. بالإضافة إلى ذلك أجرى الممثل الأعلى جوزيب بوريل أربع زيارات إلى المنطقة في الأشهر الأخيرة لمناقشة الوضع في غزة مع شركائنا وكيفية المضي قدما في اتجاه حل مستدام لهذا الصراع. أصبح هذا الأمر أولوية مطلقة للسيد بوريل والاتحاد الأوروبي في هذه المنطقة.
يمر اليوم 125 يوما على العدوان الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة المنكوب أين يقف الاتحاد الأوروبي مما يحدث ولماذا غاب صوت أوروبا، ألا يعد الصمت الأوروبي تواطؤا وضوءا اخضر لناتنياهو لمواصلة الحرب و تدمير غزة تدميرا كاملا؟
-لا أعتقد أن أوروبا كانت صامتة. على العكس، كان السيد بوريل، الذي يمثل الاتحاد الأوروبي كمسؤول عن السياسة الخارجية، واضح جدا في تصريحاته. وقال انه لا ينبغي لسكان غزة أن يدفعوا ثمن القتال ضد «حماس». قال أيضا انه يجب ألا تخضع المساعدات الإنسانية للمفاوضات السياسية.
أولويتنا هي إنهاء الصراع في غزة، ووضع حد للوضع الإنساني المخيف والقتل وأزمة الرهائن والقصف والهجمات الصاروخية. أولويتنا أيضاً توفير الغذاء والمأوى والدواء للجميع، ثم تجنب حرب إقليمية.
لا توجد كلمات لوصف الصور الفظيعة لمعاناة المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في غزة، وخاصة الأطفال. كانت هجمات السابع من أكتوبر رعبا. لكن رعبا لا يبرر رعبا آخر في غزة. مع تدمير 60% من المساكن والبنية التحتية، تصف الجهات الفاعلة الإنسانية غزة بأنها مكان غير صالح للعيش فيه. هناك حاجة إلى هدنة إنسانية جديدة الآن. ويزداد الوضع سوءاً يوماً بعد يوم حيث أصبح 85% من السكان نازحين، ويعيشون غالباً في العراء ويواجهون خطر المجاعة والمرض.
يقوم الاتحاد الأوروبي بدوره للمساهمة في تخفيف الأزمة الإنسانية بأكثر من 100 مليون يورو من المساعدات الإنسانية في عام 2023. لقد كانت هناك بعض الخطوات الإيجابية مثل فتح معبر "كرم سالم"، ولكن من الواضح أن هناك حاجة إلى المزيد. ويجب زيادة المساعدات الإنسانية وإمكانية الوصول بشكل كبير.
كما قال الممثل الأعلى جوزيب بوريل، فان المزيد من القتلى المدنيين والدمار والمعاناة للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية لا يمكن أن يساعد في هزيمة «حماس» وتحقيق المزيد من الأمن لإسرائيل. هناك ضرورة ملحة لوقف القتال في غزة ولتجنب المزيد من الخسائر في صفوف المدنيين ولتقديم المساعدات الإنسانية الكافية وللإفراج عن الرهائن.
شعرنا بصدمة عميقة من نتائج التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي في غزة. تشير التقديرات الأممية إلى أن 100% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. نعتقد أن هذا الأمر بمثابة دعوة للاستيقاظ للعالم أجمع للعمل الآن لمنع وقوع كارثة إنسانية مميتة.
يجب حماية المدنيين دائمًا - وهذا مطلوب من قبل الإنسانية أيضًا بموجب القانون الدولي، وبشكل أكثر دقة: القانون الإنساني الدولي – أي، القواعد الأساسية للحرب التي تنطبق دائمًا على الجميع بالتساوي، بدون استثناءات. هذه هي الرسالة التي نقلها الممثل الأعلى خلال زيارته الرابعة والأخيرة إلى المنطقة. وكان السيد بوريل واضح، حيث شدد على أن الاتحاد الأوروبي يرفض أي تهجير قسري للشعب الفلسطيني من غزة إلى دول أخرى. كما أنه لا يمكن تقليص أراضي غزة، ويجب ألا يكون هناك إعادة احتلال من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية، ولا عودة لحكم «حماس» لغزة. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن فصل غزة عن بقية القضية الفلسطينية: فحل غزة يجب أن يندرج في إطار حل القضية الفلسطينية برمتها.
لماذا فقدت أوروبا تأثيرها في القضايا الإقليمية والدولية، ولماذا ترفض أوروبا ممارسة أي نوع من الضغط على الاحتلال الإسرائيلي ورفع المعاناة عن غزة وإيقاف العقاب الجماعي والتجويع كما أجمعت في تعاطيها مع الحرب الروسية في أوكرانيا؟
-من قال أن الاتحاد الأوروبي فقد تأثيره؟، إجابتي السابقة تثبت أن هذا غير صحيح. ما يجب فهمه هو أن الاتحاد الأوروبي لديه قدرة محدودة لإحلال السلام في المنطقة. في الواقع، لا يوجد طرف واحد يمكنه القيام بذلك بمفرده. علينا ألا ننسى أن القضية الفلسطينية ليست قضية إقليمية فقط وإنما هي قضية دولية. لذلك يتعيَّن على الأسرة الدولية العمل من أجل إحداث تغيير في الشرق الأوسط. فلا يمكننا الاستمرار في السجل المؤسف للعام الماضي، أو العقود الماضية. ولا يمكننا الاستمرار في مشاهدة المعاناة التي لا تُحتمل للنساء والأطفال الأبرياء والمدنيين الآخرين في غزة. ولا يمكننا مشاهدة العنف المتزايد من جانب المستوطنين ضد المدنيين في الضفة الغربية. علينا التحرك نحو هدنة إنسانية أخرى لرؤية نهاية لمعاناة المدنيين في غزة وإطلاق سراح الرهائن. وبمجرد التوصل إلى هذا الأمر، علينا تحويله إلى وقف دائم. كما يتعين علينا تنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي 2712 و2720.
أما بالنسبة للضغط على إسرائيل، دعا الاتحاد الأوروبي إسرائيل مرارًا وتكرارًا إلى احترام القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وتجنب سقوط المدنيين وحمايتهم. قام السيد بوريل بزيارة إسرائيل ونقل هذه الرسائل إلى جميع مستويات الحكومة. ناشدنا في آخر اجتماع مع حكومة إسرائيل وزير الخارجية الإسرائيلي لبذل المزيد من الجهد لضمان حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والبنية التحتية، بما في ذلك تلك التابعة لـ"الأونروا"، وفتح نقاط عبور جديدة وتسريع إجراءات تفتيش الشاحنات.
الحل معروف للجميع، وهو حل الدولتين. وبالفعل هناك إجماع واضح بين الدول الأعضاء حول هذا الأمر. يدعم الاتحاد الأوروبي المبادرة العربية للسلام كمرجعية أساسية لإنهاء الصراع.
هل عجزت أوروبا عن التخلص من عقدة الذنب التي تلاحقها بسبب المحرقة النازية وكيف تسمح أوروبا بتكرار ما اتفق العالم على عدم القبول به؟
-لا أعتقد أنه يمكن الحديث عن "الذنب الأوروبي" حول هذا الموضوع. كانت المحرقة هي الإبادة المخطط لها لأكثر من ستة ملايين يهودي من قبل ألمانيا النازية. تركت المحرقة تأثيرا عميقا في تاريخ أوروبا. لكن الاتحاد الأوروبي لم يكن موجودًا في ذلك الوقت. وأغلبية دول الاتحاد الأوروبي لا تتحمل أي مسؤولية تاريخية في هذا الصدد. المشكلة هنا تتعلق بكيفية عمل الاتحاد الأوروبي في السياسة الخارجية. يجب اتخاذ أي قرار بالإجماع.
واضح أن المزيد من القتلى المدنيين والدمار والمعاناة للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية لا يمكن أن يساعد في هزيمة «حماس» وتحقيق المزيد من الأمن لإسرائيل.
ما هو تقييمك لأداء الإعلام الغربي إزاء ما يحدث في غزة ولماذا غاب الحياد والمهنية والموضوعية في التعاطي الإعلامي مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية عموما؟
-ليس من اختصاصي الحكم على أداء وسائل الإعلام. يجب أن يأتي هذا التحليل من المنظمات المختصة ومن الجمهور. الموقف الأوروبي يتم صنعه داخل مجلس الاتحاد الأوروبي ولا يعكس ما تنقله وسائل الإعلام عن ما يحدث في غزة، وإنما هو عبارة عن مفاوضات بين دول.
*كيف يمكن تفسير التناقض الحاصل في الاتحاد الأوروبي بين مواقف رئيسة المفوضية ومسؤول العلاقات الخارجية بوريل إزاء الاحتلال الإسرائيلي والموقف من حل الدولتين؟
- لا يوجد تناقض. كما قال السيد بوريل، فان رئيسة المفوضية ليست لديها الاختصاص لتمثيل الاتحاد الأوروبي في السياسة الخارجية. هذا من اختصاص مجلس الاتحاد الأوروبي والممثل الأعلى. وموقف المجلس واضح كما قلت. في الحقيقة، موقف الاتحاد الأوروبي منذ 40 سنة واضح في شأن رؤيتنا للحل التي يقوم على أساس دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل، والقدس عاصمة للدولتين وهو حل عملي وعادل للاجئين. والكثير من مواقفنا متوافقة مع قرارات الأمم المتحدة، واتفاقات دولية عدة، وبعضها وارد في المبادرة العربية التي أطلقت في بيروت قبل 22 سنة.
يجب أن نتوقف عن الحديث عن "عملية السلام" وأن نتحدث عن "عملية تنفيذ حل الدولتين". أظهرت الأحداث الأخيرة أنه لن يكون بالإمكان الحفاظ على سلام دائم دون تنفيذ حل الدولتين الذي يدعو إليه المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي منذ عقود. لا يمكن لأطراف النزاع وحدها تحقيق هذه النتيجة.
تبقى سياسة المكيالين التي اتضحت بشكل مفضوح بعد الحرب الروسية في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية الراهنة في قطاع غزة من الأسباب الأساسية في التأثير على صورة ومصداقية أوروبا كيف يمكن قراءة ذلك مستقبلا..؟
-الاتحاد الأوروبي ليس دولة وإنما مجموعة من الدول، تحديدا 27 دولة، ولكل دولة سياستها الخارجية. لا يمكن الحديث عن سياسة خارجية للاتحاد الأوروبي إلا عندما تتخذ القرارات بالإجماع. على الممثل الأعلى للشؤون الخارجية مسؤولية بناء هذا الإجماع من أجل اتخاذ موقف موحد. للأسف، في هذه القضية، لم نستطع الوصول إلى هذه النقطة. كما تعلمون، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة موقفا واضحا لصالح وقف إطلاق النار الإنساني الفوري في غزة. وصوتت 153 دولة، من بينها 17 دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي، لصالح القرار.
ندرك تمامًا أن هناك اتهامات لدول الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن. لكن يجب شرح طبيعة الاتحاد الأوروبي لكي نفهم الخطوات التي نقوم بها. دعونا نأخذ أوكرانيا كمثال. أوكرانيا مجاورة لأربع دول في الاتحاد الأوروبي. تأثير الحرب على أوكرانيا هائل لدرجة أن الأوروبيين يعتقدون أنها تشكل تهديدًا وجوديًا لهم وأن مستقبل المشروع الأوروبي على المحك. قد ساعد ذلك في بناء توافق في الآراء بين الدول الأعضاء، التي توصلت إلى سياسة موحدة في وقت سريع. سمح ذلك برد فعل قوي وموحد للاتحاد الأوروبي. فيما يتعلق بالحرب على غزة، فدول الاتحاد الأوروبي ليست موحدة بنفس الطريقة. دعت بعض الدول إلى وقف إطلاق النار وعارضته دول أخرى. النتيجة هي موقف أضعف للاتحاد الأوروبي كتكتل.
ماذا عن الحملة المنظمة "الاونروا" والحال أن إسرائيل تحصل مسبقا على قائمة الموظفين في الوكالة ولم يسبق أن أبدت تحفظا على احد وهل هذه الحملة مرتبطة بقرارات العدل الدولية؟
-وقف تمويل «الأونروا» سيكون رد فعل غير متناسب وخطير. فهي تقدّم مساعدات منقذة للحياة للفلسطينيين ولا يمكن الاستغناء عنها. واضح أن وقف خدمات «الأونروا» أو الحد منها، وهو ما قد يحدث في وقت مبكر من نهاية شهر فيفري، سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير. حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين، ليس فقط في غزة، معرضة للخطر. كما أن زوال «الأونروا» من شأنه أن يشكل خطرًا جديًا على الاستقرار الإقليمي. علينا ألا ننسى أن استمرار وجود «الأونروا»، منذ إنشائها في عام 1949، هو نتيجة مباشرة لحقيقة مفادها أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يتم حله أبدا. صحيح، بعض الأعضاء البارزين في الحكومة الإسرائيلية الحالية يريدون رؤية «الأونروا» مغلقة، وقد أعربوا عن ذلك علنا مرارا وتكرارا. وقد جادلوا بأن «الأونروا» تساهم في إدامة قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال منح وضع اللاجئ عبر الأجيال، على الرغم من أن هذا النهج يتوافق مع القانون الدولي.
يوفر الاتحاد الأوروبي تمويلًا يبلغ حوالي 90 مليون يورو كل سنة للوكالة. كان آخر إعلان عن تمويل بقيمة 83 مليون يورو للعام 2023. في نفس الوقت، حشد الاتحاد الأوروبي 125 مليون يورو كمخصص أولي للتمويل الإنساني لعام 2024 لصالح الفلسطينيين. يأتي هذا بالإضافة إلى التمويل المخصص في عام 2023 بقيمة 103 مليون يورو. منذ عام 2000، قدم الاتحاد الأوروبي أكثر من 1.08 مليار يورو مساعدة إنسانية للمساعدة في تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان الفلسطينيين.
سبق لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الإقرار بان المجتمع الدولي أخفق "سياسيا وأخلاقيا" في التوصل إلى تسوية دائمة للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين وأن الوقت قد حان للتوصل إلى حل الدولتين. فهل يمكن لأوروبا التدارك، وهل يمكن أن تخرج عن خط السياسة الخارجية الأمريكية؟
-لا حل إلا حل الدولتين، ولا يمكن إنهاء النزاع إلا إذا كان للفلسطينيين دولة مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيلية آمنة ومعترف بها ومندمجة في المنطقة وتقيم علاقات ايجابية ودافئة مع لبنان والسعودية والدول الأخرى كلها في تلك المنطقة. هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق السلام.
نتحدث عن هندسة عكسية للسلام. لا مزيد من خرائط طريق تتألف من خطوات نعرف سلفاً أنها لن تتحق. لنبدأ من النقطة النهائية التي تنص على سلام إقليمي شامل. كيف يمكن أن يكون ذلك؟ ماذا يعني سلام كهذا إلى جانب سلام فلسطيني-إسرائيلي؟ ماذا يترتب على ذلك بشأن الأمن الإقليمي، والتكامل الاقتصادي الإقليمي، واتفاقيات المياه والطاقة وتغير المناخ، وتكامل منطقة الشرق الأوسط، وأيضاً مع أوروبا والأميركيين؟. لا شك أننا نحتاج إلى الأميركيين والإسرائيليين وكثيرين آخرين، ولكن إذا كان طرف أو أكثر غير مستعد بعد للانخراط، فهذا لا يعني أننا لسنا مسؤولين عن الإعداد لذلك السلام. خطتنا هي اقتراح نقاش مع أصدقائنا وشركائنا. لا نقول هنا إن الاتحاد الأوروبي وجد حلاً وسيخبر الجميع به. نريد أن نعمل بشكل وثيق مع شركائنا وأصدقائنا كاللبنانيين والسعوديين والمصريين والأردنيين وآخرين. لن يكون مؤتمراً كبيراً ندعي بأننا سنحل فيه كل شيء في أيام قليلة. المؤتمر يهدف إلى تحضير الأمور، ووضع خطة عمل واضحة عن الأمور التي ذكرتها سابقاً.
لماذا لا تلتزم دول الاتحاد الأوروبي بما وعدت به وتعترف بالدولة الفلسطينية على حدود الـ67؟
-أولا، لا يمكننا التعامل مع غزة بمعزل عن الضفة الغربية والقدس الشرقية، فغزة جزء من "المسألة الفلسطينية" الأوسع. إنَّ غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، ويجب أن تكون غزة جزءاً من الدولة الفلسطينية المستقبلية. وتتفق الأسرة الدولية بأسرها على حل الدولتين باعتباره الحل الوحيد القابل للتطبيق الذي يمكن أن يجلب السلام والأمن لإسرائيل وفلسطين.
أشار بوريل إلى أنه يجب أن نضاعف جهودنا لإعادة إطلاق عملية السلام. لقد أعلنت إسرائيل عن هدف للقضاء على «حماس» . ويجب أن تكون هناك طريقة أخرى للقضاء على «حماس»؛ طريقة أخرى لا تؤدي إلى مقتل هذا العدد الكبير من الأبرياء.
من واجب المجتمع الدولي أن يشارك بنشاط في هذه العملية وأن يضع إطارا واضحا يتطلب من الإسرائيليين والفلسطينيين التفاوض نحو النتيجة المتفق عليها. ناقشنا مع شركائنا العرب إمكانية عقد مؤتمر دولي للسلام في الأشهر المقبلة.
هل سيكون لأوروبا دور في مرحلة ما بعد الحرب على غزة و كيف؟
-في سبتمبر الماضي، أطلقنا ما سميناه مبادرة يوم السلام في الأمم المتحدة في نيويورك بالتعاون مع السعودية ومصر والأردن ودول عربية أخرى والصين والأوروبيين والباكستانيين والأمين العام لجامعة الدول العربية. وقلنا معاً لنحضر كل شيء ممكن للسلام. ولكن كان علينا أن نغير خططنا، وأن نكون طموحين أكثر وعمليين أكثر ونفكر بطريقة أكثر شمولاً. هل سننجح؟ الأمر صعب ولكننا سنحاول. ندين لجميع الضحايا والضحايا المحتملين في المستقبل بالقيام بكل شيء للإعداد للسلام.
وهل سيقتصر الدور الأوروبي على إعادة اعمار وبناء ما يهدمه الاحتلال دون ضمانات لمنع تكرار ما حدث؟
-من السابق لأوانه الحديث عن إعادة الإعمار. الأولوية الآن هي وقف الحرب. سيدعم الاتحاد الأوروبي السلطة الفلسطينية في غزة. في عام 2021، عندما اندلعت دورة العنف الأخيرة في غزة، قلناها بالفعل بوضوح: لا يمكن للمجتمع الدولي أن يعيد إعمار غزة كل سنتين. نحن بحاجة إلى حل دائم. والحل الوحيد هو إنشاء دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
لا يمكن أن يتحقق الأمن الحقيقي لإسرائيل وفلسطين إلا من خلال سلام حقيقي وحل سياسي وتفاوضي حقيقي. إن غياب أي تقدم نحو حل الدولتين، الذي أيده المجتمع الدولي منذ فترة طويلة، هو الذي أدى في النهاية إلى اندلاع موجة العنف الأخيرة.
فهناك فرق مهم بين شكل قصير المدى للأمن يتم تحقيقه بشكل رئيسي من خلال الوسائل العسكرية والتكنولوجية، والسلام المستدام النابع من الاتفاق. وعلى أي حال، إن فرض الأمن بدون سلام أساسي يأتي بثمن باهظ وغير مستدام. يرفض الاتحاد الأوروبي أي تهجير قسري للشعب الفلسطيني من غزة إلى دول أخرى. لا يمكن تقليص أراضي غزة، ويجب ألا يكون هناك إعادة احتلال من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية، ولا عودة لحكم «حماس» لغزة. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن فصل غزة عن بقية القضية الفلسطينية: فحل غزة يجب أن يندرج في إطار حل المشكلة الفلسطينية برمتها.
-هل مازال بالإمكان التعويل على العدالة الدولية الراهنة وهل نحن إزاء نظام دولي جديد عنوانه البقاء للأقوى، وهل يمكن لمحكمة العدل الدولية تصحيح المشهد والحد من الظلم الحاصل في حق الشعب الفلسطيني و كيف؟
-الاتحاد الأوروبي مؤيد قوي لمحكمة العدل الدولية، وهو يؤكد دعمه المستمر لمحكمة العدل الدولية، الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة.
وأوامر محكمة العدل الدولية ملزمة للطرفين ويجب عليهما الامتثال لها. ويتوقع الاتحاد الأوروبي تنفيذها الكامل والفوري والفعال.