عاد الحديث عن تجميع اليسار التونسي والتداول في شأن القوى والتيارات اليسارية في المشهد العام وتجديد الدعوات إلى وجوب الخروج من حالة التشتت والانقسام والاختلاف غير المسبوقة التي أثرت سلبيا على "وزن" هذه القوى في المشهد السياسي تحديدا وحالت دون قدرته على إدراك مواقع القرار والقوة التي لطالما تعلقت به همم أغلب القيادات والناشطين في التيارات اليسارية. وذلك بتجدد الدعوات إلى توحيد الصفوف وتجميع القوى اليسارية وعودة بعض رموزها إلى التحرك والإصداع بهذا الرأي في العلن وفي الخفاء في هذه الفترة، تزامنا مع إعادة فتح ملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد في ذكرى وفاته الحادية عشرة ومع تلاشي أو شبه غياب الطبقة السياسية عن المشهد العام أو في غيرها من المناسبات الأخرى. إذ تواترت التصريحات والقراءات والدعوات والمبادرات التي تتمحور حول اليسار السياسي بشكل خاص أو ورفض استئصال الأحزاب بشكل عام بما يساهم في تصحيح مسار 25 جويلية على نحو يكرس مطالب واستحقاقات ثورة 2011.
وهي مقاربة جديدة لهذه القوى للعودة إلى مربع ما بعد الثورة في محاولة لاستثمار المرحلة لاسيما بعد عودة كل الأحزاب ومكونات المشهد السياسي والحزبي إلى المربع الصفر بهدف التأسيس لانطلاقة أو مرحلة جديدة والاستفادة من تجارب و"أخطاء الماضي"، خاصة أن تجربة تجميع اليسار في الجبهة الشعبية بقيادة حمة الهمامي التي كان الشهيد بلعيد أحد مهندسيها، أثمرت فوز اليسار بالمركز الرابع من حيث عدد المقاعد في مجلس نواب الشعب في الانتخابات التشريعية 2014 الأمر الذي مكن أبناء هذا التيار من الاضطلاع بدور ريادي في المشهد السياسي والمعارضة.
ودعا عبيد البريكي، أمين عام "حركة تونس إلى الأمام" على هامش تنظيم المؤتمر الأول للحركة، عائلة الوطنيين الديمقراطيين إلى التوحد في حزب أو تنظيم سياسي يكون لبنة لتجميع قوى اليسار الديمقراطي، وهو ما سبق أن أكده في مناسبة سابقة لـ"الصباح"، معتبرا أن أبواب حزبه مفتوحة أمام المؤمنين والمنتصرين للفكر الوطني التقدمي واليسار الهادف. وهو تقريبا ما أكده بعض أبناء هذه الحركة الفتية منذ تأسيسها قبيل انتخابات 2019.
رغم تأكيد أحد أعضاء اللجنة المركزية بالحركة على صعوبة تحقيق هذه المهمة بسبب وصراعات ترسبات "ماضوية" اختزلها في "العامل التونسي" و"الشعلة" لذلك كان التوجه إلى المراهنة على استقطاب الشباب والعمل لتكريس مفاهيم جديدة لتوحيد صفوفه.
من جانبه دعا منجي الرحوي، أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد،(خلال المؤتمر الأول لحركة تونس إلى الأمام) إلى ضرورة استئناف مسار توحيد القوى اليسارية، وهو مسار جدد انطلاقته بعض أبناء التيارات اليسارية والغيورين عليه من رموزه القدامى أو الناشطين في أوساط سياسية ومدنية على اعتبار أن تجميع اليسار في جسم موحد يعد أولوية اليوم في صراع وسباق استشرافي للموازنات السياسية ونزل البعض ذلك في إطار المراجعات وبلورة آلية عمل وتفكير جديدة تمليها ضرورات المرحلة ومساعي بعض أنباء العائلة اليسارية الموسعة للبحث عن مقاربة جديدة تمكنهم من اكتساب القوة لاسيما في الوضع الجديد وللتخلص من تكلسات "الأجسام" والأفكار التقليدية. خاصة أن الرحوي ذهب في أحد تصريحاته حول هذه المسألة، إلى تأكيد وجود قوى داخل العائلة اليسارية تقف حاجزا أمام مسار التوحيد والتجميع.
إذا التداول حول توحيد صفوف اليسار في تنظيم أو "جسم" سياسي جديد بعد أن فشلت بعض المحاولات ومبادرات تكوين جبهات أو قوى يسارية في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021 لعدة أسباب منها انقسام واختلاف المواقف بين داعم ومرحب بالقرارات الرئاسية والمسار وبين رافض ومعارض لها رغم أن "اليسار" كان من بين الجهات التي طالبت ودعت رئيس الجمهورية قيس سعيد في مناسبات عديدة بتطبيق الفضل 80 من الدستور وحل البرلمان في مقترحاتها للخروج من الأزمة السياسية التي خيمت على الوضع العام في الدولة وخلقت حالة من الانسداد والصراع بين مؤسسات الدولة خاصة في مستوى رئاسات الجمهورية والحكومة والبرلمان في نظام حدده دستور 2014 برلماني شبه مختلط، اعتبره اليسار جزءا أو أحد أسباب الأزمة.
ورغم نجاح "النهضة" في تجميع بعض الأحزاب والتنظيمات والجمعيات والقوى المدنية حولها في "جبهة الخلاص" وتوصل الأحزاب الخمسة المتكونة من "التكتل" و"التيار الديمقراطي" و"حزب العمال" و"القطب" و"الحزب الجمهوري" إلى تكوين "تنسيقية القوى الديمقراطية التقدمية"، قبل أن ينسلخ عنها "الحزب الجمهوري" إلا أن اليسار عجز عن تكوين جبهة بل أدت الاختلافات والانقسامات إلى تأزيم الوضع في الأوساط اليسارية بعد أن انقسم "الوطد" إلى شقين أحدهما داعم للمسار بقيادة الرحوي والآخر معارض له بقيادة زياد الأخضر، فيما اختارت بعض الأحزاب الأخرى الدخول في تكتلات وقوى مختلفة بعد انضمام "حزب العمال" إلى أحزاب تقدمية وسطية وانضمام "الحزب الاشتراكي" إلى "تنسيقية القوى الديمقراطية" التي تضم أحزابا وجمعيات وهياكل مدنية من بينها "ائتلاف صمود".
وأثرت هذه التوجهات والخيارات على وضع هذه الأحزاب بعد أن سجلت خلال المرحلة الأخيرة موجة من الاستقالات والانسحابات والابتعاد وتجميد النشاط.
ويرى متابعون للشأن السياسي في تونس أن طرح مسألة توحيد اليسار في هذه الفترة إنما يتنزل في سياق التحضير والاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة، على اعتبار أن ذلك يعد ضرورة ملحة لتلافي أخطاء الماضي من ناحية ولضمان حظوظ أوفر لليسار في الصعود إلى مواقع القرار والسلطة بعد أن ظل يراوح مكانه لعدة قعود في وقع المعارضة.
فيما يرى البعض الآخر أن تحقيق هذا لمطلب مسألة ممكنة التحقيق لكن إذا ما تم التخلي عن "معضلة الزعاماتية" التي لطالما شكلت عامل ضعف ووهن في جسم العائلة اليسارية ولا يتحقق ذلك إلا ضمن مشروع أو مبادرة متكاملة تضع في الاعتبار نقاط التقاطع حول أهمية وجدوى ووجوب تكوين وبناء أحزاب سياسية قوية قادرة على القيام بدورها في المرحلة القادمة وليس الاكتفاء بدور مكمل للمشهد.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
عاد الحديث عن تجميع اليسار التونسي والتداول في شأن القوى والتيارات اليسارية في المشهد العام وتجديد الدعوات إلى وجوب الخروج من حالة التشتت والانقسام والاختلاف غير المسبوقة التي أثرت سلبيا على "وزن" هذه القوى في المشهد السياسي تحديدا وحالت دون قدرته على إدراك مواقع القرار والقوة التي لطالما تعلقت به همم أغلب القيادات والناشطين في التيارات اليسارية. وذلك بتجدد الدعوات إلى توحيد الصفوف وتجميع القوى اليسارية وعودة بعض رموزها إلى التحرك والإصداع بهذا الرأي في العلن وفي الخفاء في هذه الفترة، تزامنا مع إعادة فتح ملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد في ذكرى وفاته الحادية عشرة ومع تلاشي أو شبه غياب الطبقة السياسية عن المشهد العام أو في غيرها من المناسبات الأخرى. إذ تواترت التصريحات والقراءات والدعوات والمبادرات التي تتمحور حول اليسار السياسي بشكل خاص أو ورفض استئصال الأحزاب بشكل عام بما يساهم في تصحيح مسار 25 جويلية على نحو يكرس مطالب واستحقاقات ثورة 2011.
وهي مقاربة جديدة لهذه القوى للعودة إلى مربع ما بعد الثورة في محاولة لاستثمار المرحلة لاسيما بعد عودة كل الأحزاب ومكونات المشهد السياسي والحزبي إلى المربع الصفر بهدف التأسيس لانطلاقة أو مرحلة جديدة والاستفادة من تجارب و"أخطاء الماضي"، خاصة أن تجربة تجميع اليسار في الجبهة الشعبية بقيادة حمة الهمامي التي كان الشهيد بلعيد أحد مهندسيها، أثمرت فوز اليسار بالمركز الرابع من حيث عدد المقاعد في مجلس نواب الشعب في الانتخابات التشريعية 2014 الأمر الذي مكن أبناء هذا التيار من الاضطلاع بدور ريادي في المشهد السياسي والمعارضة.
ودعا عبيد البريكي، أمين عام "حركة تونس إلى الأمام" على هامش تنظيم المؤتمر الأول للحركة، عائلة الوطنيين الديمقراطيين إلى التوحد في حزب أو تنظيم سياسي يكون لبنة لتجميع قوى اليسار الديمقراطي، وهو ما سبق أن أكده في مناسبة سابقة لـ"الصباح"، معتبرا أن أبواب حزبه مفتوحة أمام المؤمنين والمنتصرين للفكر الوطني التقدمي واليسار الهادف. وهو تقريبا ما أكده بعض أبناء هذه الحركة الفتية منذ تأسيسها قبيل انتخابات 2019.
رغم تأكيد أحد أعضاء اللجنة المركزية بالحركة على صعوبة تحقيق هذه المهمة بسبب وصراعات ترسبات "ماضوية" اختزلها في "العامل التونسي" و"الشعلة" لذلك كان التوجه إلى المراهنة على استقطاب الشباب والعمل لتكريس مفاهيم جديدة لتوحيد صفوفه.
من جانبه دعا منجي الرحوي، أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد،(خلال المؤتمر الأول لحركة تونس إلى الأمام) إلى ضرورة استئناف مسار توحيد القوى اليسارية، وهو مسار جدد انطلاقته بعض أبناء التيارات اليسارية والغيورين عليه من رموزه القدامى أو الناشطين في أوساط سياسية ومدنية على اعتبار أن تجميع اليسار في جسم موحد يعد أولوية اليوم في صراع وسباق استشرافي للموازنات السياسية ونزل البعض ذلك في إطار المراجعات وبلورة آلية عمل وتفكير جديدة تمليها ضرورات المرحلة ومساعي بعض أنباء العائلة اليسارية الموسعة للبحث عن مقاربة جديدة تمكنهم من اكتساب القوة لاسيما في الوضع الجديد وللتخلص من تكلسات "الأجسام" والأفكار التقليدية. خاصة أن الرحوي ذهب في أحد تصريحاته حول هذه المسألة، إلى تأكيد وجود قوى داخل العائلة اليسارية تقف حاجزا أمام مسار التوحيد والتجميع.
إذا التداول حول توحيد صفوف اليسار في تنظيم أو "جسم" سياسي جديد بعد أن فشلت بعض المحاولات ومبادرات تكوين جبهات أو قوى يسارية في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021 لعدة أسباب منها انقسام واختلاف المواقف بين داعم ومرحب بالقرارات الرئاسية والمسار وبين رافض ومعارض لها رغم أن "اليسار" كان من بين الجهات التي طالبت ودعت رئيس الجمهورية قيس سعيد في مناسبات عديدة بتطبيق الفضل 80 من الدستور وحل البرلمان في مقترحاتها للخروج من الأزمة السياسية التي خيمت على الوضع العام في الدولة وخلقت حالة من الانسداد والصراع بين مؤسسات الدولة خاصة في مستوى رئاسات الجمهورية والحكومة والبرلمان في نظام حدده دستور 2014 برلماني شبه مختلط، اعتبره اليسار جزءا أو أحد أسباب الأزمة.
ورغم نجاح "النهضة" في تجميع بعض الأحزاب والتنظيمات والجمعيات والقوى المدنية حولها في "جبهة الخلاص" وتوصل الأحزاب الخمسة المتكونة من "التكتل" و"التيار الديمقراطي" و"حزب العمال" و"القطب" و"الحزب الجمهوري" إلى تكوين "تنسيقية القوى الديمقراطية التقدمية"، قبل أن ينسلخ عنها "الحزب الجمهوري" إلا أن اليسار عجز عن تكوين جبهة بل أدت الاختلافات والانقسامات إلى تأزيم الوضع في الأوساط اليسارية بعد أن انقسم "الوطد" إلى شقين أحدهما داعم للمسار بقيادة الرحوي والآخر معارض له بقيادة زياد الأخضر، فيما اختارت بعض الأحزاب الأخرى الدخول في تكتلات وقوى مختلفة بعد انضمام "حزب العمال" إلى أحزاب تقدمية وسطية وانضمام "الحزب الاشتراكي" إلى "تنسيقية القوى الديمقراطية" التي تضم أحزابا وجمعيات وهياكل مدنية من بينها "ائتلاف صمود".
وأثرت هذه التوجهات والخيارات على وضع هذه الأحزاب بعد أن سجلت خلال المرحلة الأخيرة موجة من الاستقالات والانسحابات والابتعاد وتجميد النشاط.
ويرى متابعون للشأن السياسي في تونس أن طرح مسألة توحيد اليسار في هذه الفترة إنما يتنزل في سياق التحضير والاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة، على اعتبار أن ذلك يعد ضرورة ملحة لتلافي أخطاء الماضي من ناحية ولضمان حظوظ أوفر لليسار في الصعود إلى مواقع القرار والسلطة بعد أن ظل يراوح مكانه لعدة قعود في وقع المعارضة.
فيما يرى البعض الآخر أن تحقيق هذا لمطلب مسألة ممكنة التحقيق لكن إذا ما تم التخلي عن "معضلة الزعاماتية" التي لطالما شكلت عامل ضعف ووهن في جسم العائلة اليسارية ولا يتحقق ذلك إلا ضمن مشروع أو مبادرة متكاملة تضع في الاعتبار نقاط التقاطع حول أهمية وجدوى ووجوب تكوين وبناء أحزاب سياسية قوية قادرة على القيام بدورها في المرحلة القادمة وليس الاكتفاء بدور مكمل للمشهد.