"هناك عشرين أو ثلاثين رجلاً عارياً وقُتلوا جوعًا قمت بالزيارة عن عمد من أجل أن أكون في وضع يسمح لي بتقديم أدلة مباشرة على هذه الأشياء إن وجدت في المستقبل.."، هذه التصريحات الصادمة قد تبدو للوهلة الأولى وكأنها تتعلق بما يجري في غزة من إبادة جماعية يواصل ارتكابها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من أربعة أشهر.. ولكنها في الحقيقة ليست كذلك وهي تنسب لجورج مارشال وزير الخارجية الأمريكي في إدارة الرئيس أيزنهاور خلال الحرب العالمية الثانية وهي موثقة وتأتي استجابة لطلب الرئيس الأمريكي آنذاك لتدوين وتوثيق ما أمكن توثيقه من الجرائم التي ارتبطت بالمحرقة اليهودية بعد أن أمر أيزنهاور بالتقاط جميع الصور الممكنة عبر المخيمات حتى يتم دفن الموتى. طبعا نحن لا نعتقد أن الرئيس بايدن ولا أي رئيس في "العالم الحر" اليوم سيدعو إلى توثيق ما يجري في حق غزة وأطفالها و نسائها وأطبائها وفنانيها ومؤسساتها ولكننا نعتقد انه سيتعين على من ينتصر للإنسانية اليوم أن يتجه إلى تسجيل وتوثيق وتصوير وتدوين كل ما يتعلق بالمحرقة التي تقترف في حق المستضعفين في غزة وأن صفة المحرقة لا يمكن أن تظل حكرا على المعتدي الإسرائيلي وعنوانا للحصانة بدعوى عقدة الذنب ..
وبالعودة إلى الحرب العالمية الثانية يمضي مارشال إلى القول الجنرال جورج باتون وهو أحد قادة جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية رفض مرافقته لمعاينة الجثث المتراكمة لأنه لن يتحمل ذلك.. ولا شك أن مقارنة بين المقابر الجماعية لأهالي غزة وأشلاء الضحايا المتناثرة في المستشفيات وعلى الطرقات وصرخات المستغيثين الذين لم تتمكن فرق الإغاثة من الوصول إليهم تحت الأنقاض تؤكد أننا إزاء استنساخ لجريمة ضد الإنسانية كان بالإمكان منع وقوعها ..
...نقول هذا الكلام ونحن نتابع بارتياب توجه الكنيست الإسرائيلي لإقرار مشروع قانون يقضي بتجريم ومحاكمة كل من ينكر ما سمتها "مذبحة 7 أكتوبر. تماما كما هو الحال بشأن تجريم إنكار المحرقة أو التشكيك فيها والتمهيد لملاحقة ومحاكمة كل من يقلل أو يدعو إلى مراجعة الأرقام التي ارتبطت بها ...
مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عوديد فورير من حزب إسرائيل بيتنا اليميني المتطرف يقضي بفرض عقوبة السجن لمدة 5 سنوات على أي شخص ينشر منشورا أو تصريحا يفضي إلى إنكار ما سميت "مذبحة 7 أكتوبر" أو يعبر عن تمجيده أو تأييده لها،هذا المشروع يأتي بعد أيام فقط على تصويت الكنيست الإسرائيلي بعزل عضو حزب "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" النائب عوفر كاسيف لمدة 45 يوما بسبب تأييده الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة.. الملاحظة الأولى التي وجب التوقف عندها في خضم انصراف الأنظار إلى متابعة أطوار الحرب الفظيعة على غزة أنه سيتعين الانتباه إلى خطورة هذه الخطوة التي تسعى فيها حكومة ناتنياهو إلى استباق الأحداث وربما الالتفاف على الأدلة والقرائن المرتبطة بالعدوان المستمرة ضد أهالي غزة ومحاولة الاستثمار في المحرقة للحصول على تضامن ودعم حلفائها ولكن أيضا للتنصل من الجرائم التي ترتكبها واعتبارها لا توجب العقاب وهي سياسة الحكومات الإسرائيلية منذ نشأة الكيان للهروب من المساءلة.. الملاحظة التالية ولا نخالها تغيب على أعين أي مراقب أنه لا احد حتى هذه اللحظة يمكنه أن يحدد تفاصيل ما حدث في السابع من أكتوبر وما إذا كانت عملية "طوفان الأقصى" فعلا أدت إلى مقتل ألف ومائتي إسرائيلي أو اقل أو أكثر من ذلك بعد أن تراجعت السلطات الإسرائيلية عن الرقم الذي نشر لأول مرة من ألفين إلى ألف ومائتين علما وأنه لم يتم نقل عمليات دفن أو تأبين لهؤلاء ولم تنقل الصحافة الإسرائيلية ذاك أيضا ولم يعلن عن أسباب هذا التكتم عن وثيقة بهذه الأهمية.. وعلينا ألا نسقط من الأذهان التحقيق الذي نشرته صحيفة "هارتس" الإسرائيلية بناء على معطيات واعترافات عسكرية إسرائيلية من أن ما حدث من قتل أو حرق للمستوطنات والسيارات لا يمكن أن يكون بسلاح حماس بل نتيجة قصف جوي بالطائرات العسكرية وهو ما لا تملكه حماس وذهبت الصحيفة إلى أن الجيش الإسرائيلي وفي غمرة الصدمة والارتباك قصف المشاركين في الحفل الموسيقي دون أن يدري وانه قد يكون أيضا عمد إلى منع وقوع عدد كبير من المستوطنين رهائن في قبضة حماس.. وحتى عندما تحدث الرئيس الأمريكي عن قطع رؤوس أطفال واغتصاب نساء لم يتم تقديم ما يفيد بوقوع ذلك وقد اضطرت لاحقا الصحفية التي نقلت الخبر في قناة "سي آن آن" للاعتذار عن ذلك... ما نريده وبعد مائة وستة وعشرين يوما على جرائم الإبادة هو تسليط الأنظار على أن هناك في غزة محرقة وأنه لا يمكن لكل القوانين والقيود الإسرائيلية أن تنفي ذلك وأنه سيتعين على المنظمات الحقوقية والإنسانية عدم التراجع أمام هذه المحاولات لهرسلة من يسعون لمقاضاة الاحتلال على جرائمه... ومحاولات توجيه العالم بمؤسساته الأممية والقانونية والإعلامية للتعاطي مع "طوفان الأقصى" على أنه غير مسبوق في التاريخ الحديث وهذا فخ يتعين الانتباه له..والأكيد أن ما حدث في السابع من أكتوبر لم يكن من فراغ وقد سبق للامين العام للأمم المتحدة أن صرح بان ما حدث نتيجة حتمية لسبعة عقود من الاحتلال وأن الرد الإسرائيلي لا يبرر ما حدث وقد استحق غوتيريس لعنة حكومة ناتنياهو التي أطلقت حملة ضارية وطالبت بإقالته.. نعم كل القوانين والقيود الإسرائيلية لا يمكن أن تلغي أو تسحق المحرقة الحاصلة في حق غزة ...
اسيا العتروس
"هناك عشرين أو ثلاثين رجلاً عارياً وقُتلوا جوعًا قمت بالزيارة عن عمد من أجل أن أكون في وضع يسمح لي بتقديم أدلة مباشرة على هذه الأشياء إن وجدت في المستقبل.."، هذه التصريحات الصادمة قد تبدو للوهلة الأولى وكأنها تتعلق بما يجري في غزة من إبادة جماعية يواصل ارتكابها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من أربعة أشهر.. ولكنها في الحقيقة ليست كذلك وهي تنسب لجورج مارشال وزير الخارجية الأمريكي في إدارة الرئيس أيزنهاور خلال الحرب العالمية الثانية وهي موثقة وتأتي استجابة لطلب الرئيس الأمريكي آنذاك لتدوين وتوثيق ما أمكن توثيقه من الجرائم التي ارتبطت بالمحرقة اليهودية بعد أن أمر أيزنهاور بالتقاط جميع الصور الممكنة عبر المخيمات حتى يتم دفن الموتى. طبعا نحن لا نعتقد أن الرئيس بايدن ولا أي رئيس في "العالم الحر" اليوم سيدعو إلى توثيق ما يجري في حق غزة وأطفالها و نسائها وأطبائها وفنانيها ومؤسساتها ولكننا نعتقد انه سيتعين على من ينتصر للإنسانية اليوم أن يتجه إلى تسجيل وتوثيق وتصوير وتدوين كل ما يتعلق بالمحرقة التي تقترف في حق المستضعفين في غزة وأن صفة المحرقة لا يمكن أن تظل حكرا على المعتدي الإسرائيلي وعنوانا للحصانة بدعوى عقدة الذنب ..
وبالعودة إلى الحرب العالمية الثانية يمضي مارشال إلى القول الجنرال جورج باتون وهو أحد قادة جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية رفض مرافقته لمعاينة الجثث المتراكمة لأنه لن يتحمل ذلك.. ولا شك أن مقارنة بين المقابر الجماعية لأهالي غزة وأشلاء الضحايا المتناثرة في المستشفيات وعلى الطرقات وصرخات المستغيثين الذين لم تتمكن فرق الإغاثة من الوصول إليهم تحت الأنقاض تؤكد أننا إزاء استنساخ لجريمة ضد الإنسانية كان بالإمكان منع وقوعها ..
...نقول هذا الكلام ونحن نتابع بارتياب توجه الكنيست الإسرائيلي لإقرار مشروع قانون يقضي بتجريم ومحاكمة كل من ينكر ما سمتها "مذبحة 7 أكتوبر. تماما كما هو الحال بشأن تجريم إنكار المحرقة أو التشكيك فيها والتمهيد لملاحقة ومحاكمة كل من يقلل أو يدعو إلى مراجعة الأرقام التي ارتبطت بها ...
مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عوديد فورير من حزب إسرائيل بيتنا اليميني المتطرف يقضي بفرض عقوبة السجن لمدة 5 سنوات على أي شخص ينشر منشورا أو تصريحا يفضي إلى إنكار ما سميت "مذبحة 7 أكتوبر" أو يعبر عن تمجيده أو تأييده لها،هذا المشروع يأتي بعد أيام فقط على تصويت الكنيست الإسرائيلي بعزل عضو حزب "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" النائب عوفر كاسيف لمدة 45 يوما بسبب تأييده الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة.. الملاحظة الأولى التي وجب التوقف عندها في خضم انصراف الأنظار إلى متابعة أطوار الحرب الفظيعة على غزة أنه سيتعين الانتباه إلى خطورة هذه الخطوة التي تسعى فيها حكومة ناتنياهو إلى استباق الأحداث وربما الالتفاف على الأدلة والقرائن المرتبطة بالعدوان المستمرة ضد أهالي غزة ومحاولة الاستثمار في المحرقة للحصول على تضامن ودعم حلفائها ولكن أيضا للتنصل من الجرائم التي ترتكبها واعتبارها لا توجب العقاب وهي سياسة الحكومات الإسرائيلية منذ نشأة الكيان للهروب من المساءلة.. الملاحظة التالية ولا نخالها تغيب على أعين أي مراقب أنه لا احد حتى هذه اللحظة يمكنه أن يحدد تفاصيل ما حدث في السابع من أكتوبر وما إذا كانت عملية "طوفان الأقصى" فعلا أدت إلى مقتل ألف ومائتي إسرائيلي أو اقل أو أكثر من ذلك بعد أن تراجعت السلطات الإسرائيلية عن الرقم الذي نشر لأول مرة من ألفين إلى ألف ومائتين علما وأنه لم يتم نقل عمليات دفن أو تأبين لهؤلاء ولم تنقل الصحافة الإسرائيلية ذاك أيضا ولم يعلن عن أسباب هذا التكتم عن وثيقة بهذه الأهمية.. وعلينا ألا نسقط من الأذهان التحقيق الذي نشرته صحيفة "هارتس" الإسرائيلية بناء على معطيات واعترافات عسكرية إسرائيلية من أن ما حدث من قتل أو حرق للمستوطنات والسيارات لا يمكن أن يكون بسلاح حماس بل نتيجة قصف جوي بالطائرات العسكرية وهو ما لا تملكه حماس وذهبت الصحيفة إلى أن الجيش الإسرائيلي وفي غمرة الصدمة والارتباك قصف المشاركين في الحفل الموسيقي دون أن يدري وانه قد يكون أيضا عمد إلى منع وقوع عدد كبير من المستوطنين رهائن في قبضة حماس.. وحتى عندما تحدث الرئيس الأمريكي عن قطع رؤوس أطفال واغتصاب نساء لم يتم تقديم ما يفيد بوقوع ذلك وقد اضطرت لاحقا الصحفية التي نقلت الخبر في قناة "سي آن آن" للاعتذار عن ذلك... ما نريده وبعد مائة وستة وعشرين يوما على جرائم الإبادة هو تسليط الأنظار على أن هناك في غزة محرقة وأنه لا يمكن لكل القوانين والقيود الإسرائيلية أن تنفي ذلك وأنه سيتعين على المنظمات الحقوقية والإنسانية عدم التراجع أمام هذه المحاولات لهرسلة من يسعون لمقاضاة الاحتلال على جرائمه... ومحاولات توجيه العالم بمؤسساته الأممية والقانونية والإعلامية للتعاطي مع "طوفان الأقصى" على أنه غير مسبوق في التاريخ الحديث وهذا فخ يتعين الانتباه له..والأكيد أن ما حدث في السابع من أكتوبر لم يكن من فراغ وقد سبق للامين العام للأمم المتحدة أن صرح بان ما حدث نتيجة حتمية لسبعة عقود من الاحتلال وأن الرد الإسرائيلي لا يبرر ما حدث وقد استحق غوتيريس لعنة حكومة ناتنياهو التي أطلقت حملة ضارية وطالبت بإقالته.. نعم كل القوانين والقيود الإسرائيلية لا يمكن أن تلغي أو تسحق المحرقة الحاصلة في حق غزة ...