إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي.. إنقاذ الدور الإسرائيلي على حسب الدور السعودي

 

بقلم: هاني مبارك(*)

لم تعد مساحة الشك على قدر من الاتساع الذي يسمح بالتكهن فيما إذا كانت الولايات المتحدة تسعى الآن وبصورة محمومة لمحاولة إنقاذ وترميم الدور الإقليمي لإسرائيل، بعدما أطاح بهيبته هجوم السابع من أكتوبر الماضي وكشف مستويات غير معهودة في هشاشته من جانب وأدى إلى بروز للدور الإيراني كدور مقرر وحاسم في نوعية واتجاهات تفاعلات الإقليم المستقبلية من جانب آخر، وبين أن توسع هذا الدور أكثر، يعني وضع أسس جديدة لبناء هوية جديدة للإقليم ستكون مغايرة لما كانت عليه سابقا بقدر سيلحق أضرارا بالغة في الإستراتيجية الأمريكية على مستوى النظام الدولي وانه لابد من تدارك ذلك قبل فوات الأوان.

والواضح حتى هذه اللحظات أن هناك إصرارا أمريكيا على أن يكون إنقاذ هذا الدور الإسرائيلي على حساب الدور السعودي الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانفراد في التموضع على قمة قيادة النظام العربي التي تشترط من بين أشياء أخرى عودة تماهي النظام مع انشغالات الشارع العربي الذي استعاد فلسطين على سلم أولوياته، حيث تسعى واشنطن من خلال الضغط الكبير على مختلف الأطراف لإنجاز ما تسمى بصفقة إقليمية جوهرها الأساس القبول السعودي بالتطبيع مع إسرائيل وظاهرها ليس دولة فلسطينية حتى دون تحديد ماهيتها بل وعد بإقامة هذه الدولة.

فالولايات المتحدة التي لا تستطيع أو لا ترغب في الضغط الصادق على إسرائيل للقبول بحل الدولتين تستغل اليوم ما يروج له على انه استنتاجات سعودية خاطئة تعتبر أن ضعف الرئيس بايدن وتدحرج شعبيته ووقوعه تحت ضغط الزمن الانتخابي سيتيح لها فرصة الحصول منه على اتفاقية دفاع مشترك وان تتحول إلى حليف استراتيجيي لأمريكا إلى جانب حصولها على التكنولوجيا النووية، وأخيرا التخلص النهائي من كابوس حماية أمنها القومي الذي تشكل طهران مصدر التهديد الرئيسي له، وربما العراق لاحقا وفق بعض القراءات، تستغل كل ذلك والتلويح به كإمكانية واردة من اجل توريط السعودية بالقبول بالتطبيع مقابل وعد بحل الدولتين.

وعلى هذا المستوى بالذات فانه والحق يقال أن المملكة لا زالت تصر على إقامة الدولة الفلسطينية كشرط للتطبيع،وان رد وزارة الخارجية السعودية على تهويمات جون كيربي بشأن الموقف السعودي جاء خلال اقل من 24 ساعة وأكد أن السعودية أبلغت الولايات المتحدة موقفها بأنه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها، وتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ولكن أيضا هناك العديد من التسريبات الإعلامية والدبلوماسية التي لا زالت  تؤكد أن السعودية ربما تكتفي بمجرد وعد بإقامة الدولة الفلسطينية للتوقيع على اتفاقات التطبيع. وان كان ذلك مستبعدا ولا يغيب عن عقل الدولة السعودية ووعيها، ولا يتسق ومواقفها المعلنة، ولكنه إن وقع وحدث لا قدر الله فان الولايات المتحدة وإسرائيل ستحققان عدة أهداف دفعة واحدة، خاصة وانه لا مقدمات للاطمئنان على أن إسرائيل تنوي القبول بهذه الدولة كما لا مؤشرات على عزم الولايات المتحدة للضغط عليها من اجل ذلك.

وهذا يعني ببساطة الإبقاء على كل عوامل التوتير في المنطقة وتفاقم الأزمة قائمة، وتصعيد أسباب الاستقطابات المتبادلة، ونقل خطوط المواجهة الإيرانية مع إسرائيل - كمنافس وحيد لها في الإشراف على تفاعلات الإقليم، بعد أن يكون قد تم  إلحاق الدور السعودي بالدور الإسرائيلي والاتجاه بتركيا مجددا نحو أوروبا - من غزة وجنوب لبنان وسوريا إلى منطقة الخليج حيث حلفاء إسرائيل الجدد والأكثر خطورة على الأمن القومي الإيراني الذي لطالما تذرعت به سببا لعدم تخليها عن جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى، بالإضافة إلى كل ذلك ستدخل المنطقة في سباق تسلح غير مسبوق سيستنزف مواردها، ورهن أمنها وربطه بمتطلبات امن ومصالح الدول الراعية لهذا المشروع، وفي ذات الوقت وحيث أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فان ذلك سيدفع نحو ولادة قوى أخرى قادرة على المنافسة لقيادة النظام العربي، وكل ذلك سوف يسبب مزيدا من الصداع للسعودية واستنزافها لخلق ظروف مناسبة ومريحة لاستمرار السيطرة الإسرائيلية، وأخيرا وليس آخرا فان الإستراتيجية الأمريكية المعتمدة منذ انهيار الثنائية القطبية من اجل السيطرة على قيادة النظام الدولي، في خلق توازنات نشطة بين مكونات الأقاليم الفرعية، فإن انحصار التنافس على التأثير في تفاعلات النظام بين إيران وإسرائيل سيدعوها إلى الاعتراف بالدور الإقليمي لإيران ولو دون إعلان رسمي في مقابل الدور الإسرائيلي، وان الدور السعودي سيلحق كتابع للدور الإسرائيلي.

قد تبدو الصورة بهذا الشكل على قدر كبير من التمثلات الخيالية لصيرورة المستقبل، ولكن هذه هي الحقيقة التي ستكون عليها ديناميات الأحداث المقبلة إن تجاوزت العربية السعودية الثابت الفلسطيني وأخطأت في تقدير أهمية المتغيرات المؤقتة، على حساب أهمية هذا الثابت لسببين بديهيين وهما أن إسرائيل لا تسعى لتكون شريكا في حياة المنطقة بسلام بقدر ما تسعى للسيطرة عليها والتحكم بمقدراتها وفقا لمصالح القوى الراعية لاستمرار وجودها، والثانية أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بان يبقى الوحيد بين شعوب الأرض دون دولة، وأن قناعاته بقدراته على تحقيق ذلك قد تضاعف هذه المرة عدة أضعاف.

* أستاذ الإعلام في جامعة منوبة

رأي..   إنقاذ الدور الإسرائيلي على حسب الدور السعودي

 

بقلم: هاني مبارك(*)

لم تعد مساحة الشك على قدر من الاتساع الذي يسمح بالتكهن فيما إذا كانت الولايات المتحدة تسعى الآن وبصورة محمومة لمحاولة إنقاذ وترميم الدور الإقليمي لإسرائيل، بعدما أطاح بهيبته هجوم السابع من أكتوبر الماضي وكشف مستويات غير معهودة في هشاشته من جانب وأدى إلى بروز للدور الإيراني كدور مقرر وحاسم في نوعية واتجاهات تفاعلات الإقليم المستقبلية من جانب آخر، وبين أن توسع هذا الدور أكثر، يعني وضع أسس جديدة لبناء هوية جديدة للإقليم ستكون مغايرة لما كانت عليه سابقا بقدر سيلحق أضرارا بالغة في الإستراتيجية الأمريكية على مستوى النظام الدولي وانه لابد من تدارك ذلك قبل فوات الأوان.

والواضح حتى هذه اللحظات أن هناك إصرارا أمريكيا على أن يكون إنقاذ هذا الدور الإسرائيلي على حساب الدور السعودي الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانفراد في التموضع على قمة قيادة النظام العربي التي تشترط من بين أشياء أخرى عودة تماهي النظام مع انشغالات الشارع العربي الذي استعاد فلسطين على سلم أولوياته، حيث تسعى واشنطن من خلال الضغط الكبير على مختلف الأطراف لإنجاز ما تسمى بصفقة إقليمية جوهرها الأساس القبول السعودي بالتطبيع مع إسرائيل وظاهرها ليس دولة فلسطينية حتى دون تحديد ماهيتها بل وعد بإقامة هذه الدولة.

فالولايات المتحدة التي لا تستطيع أو لا ترغب في الضغط الصادق على إسرائيل للقبول بحل الدولتين تستغل اليوم ما يروج له على انه استنتاجات سعودية خاطئة تعتبر أن ضعف الرئيس بايدن وتدحرج شعبيته ووقوعه تحت ضغط الزمن الانتخابي سيتيح لها فرصة الحصول منه على اتفاقية دفاع مشترك وان تتحول إلى حليف استراتيجيي لأمريكا إلى جانب حصولها على التكنولوجيا النووية، وأخيرا التخلص النهائي من كابوس حماية أمنها القومي الذي تشكل طهران مصدر التهديد الرئيسي له، وربما العراق لاحقا وفق بعض القراءات، تستغل كل ذلك والتلويح به كإمكانية واردة من اجل توريط السعودية بالقبول بالتطبيع مقابل وعد بحل الدولتين.

وعلى هذا المستوى بالذات فانه والحق يقال أن المملكة لا زالت تصر على إقامة الدولة الفلسطينية كشرط للتطبيع،وان رد وزارة الخارجية السعودية على تهويمات جون كيربي بشأن الموقف السعودي جاء خلال اقل من 24 ساعة وأكد أن السعودية أبلغت الولايات المتحدة موقفها بأنه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها، وتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ولكن أيضا هناك العديد من التسريبات الإعلامية والدبلوماسية التي لا زالت  تؤكد أن السعودية ربما تكتفي بمجرد وعد بإقامة الدولة الفلسطينية للتوقيع على اتفاقات التطبيع. وان كان ذلك مستبعدا ولا يغيب عن عقل الدولة السعودية ووعيها، ولا يتسق ومواقفها المعلنة، ولكنه إن وقع وحدث لا قدر الله فان الولايات المتحدة وإسرائيل ستحققان عدة أهداف دفعة واحدة، خاصة وانه لا مقدمات للاطمئنان على أن إسرائيل تنوي القبول بهذه الدولة كما لا مؤشرات على عزم الولايات المتحدة للضغط عليها من اجل ذلك.

وهذا يعني ببساطة الإبقاء على كل عوامل التوتير في المنطقة وتفاقم الأزمة قائمة، وتصعيد أسباب الاستقطابات المتبادلة، ونقل خطوط المواجهة الإيرانية مع إسرائيل - كمنافس وحيد لها في الإشراف على تفاعلات الإقليم، بعد أن يكون قد تم  إلحاق الدور السعودي بالدور الإسرائيلي والاتجاه بتركيا مجددا نحو أوروبا - من غزة وجنوب لبنان وسوريا إلى منطقة الخليج حيث حلفاء إسرائيل الجدد والأكثر خطورة على الأمن القومي الإيراني الذي لطالما تذرعت به سببا لعدم تخليها عن جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى، بالإضافة إلى كل ذلك ستدخل المنطقة في سباق تسلح غير مسبوق سيستنزف مواردها، ورهن أمنها وربطه بمتطلبات امن ومصالح الدول الراعية لهذا المشروع، وفي ذات الوقت وحيث أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فان ذلك سيدفع نحو ولادة قوى أخرى قادرة على المنافسة لقيادة النظام العربي، وكل ذلك سوف يسبب مزيدا من الصداع للسعودية واستنزافها لخلق ظروف مناسبة ومريحة لاستمرار السيطرة الإسرائيلية، وأخيرا وليس آخرا فان الإستراتيجية الأمريكية المعتمدة منذ انهيار الثنائية القطبية من اجل السيطرة على قيادة النظام الدولي، في خلق توازنات نشطة بين مكونات الأقاليم الفرعية، فإن انحصار التنافس على التأثير في تفاعلات النظام بين إيران وإسرائيل سيدعوها إلى الاعتراف بالدور الإقليمي لإيران ولو دون إعلان رسمي في مقابل الدور الإسرائيلي، وان الدور السعودي سيلحق كتابع للدور الإسرائيلي.

قد تبدو الصورة بهذا الشكل على قدر كبير من التمثلات الخيالية لصيرورة المستقبل، ولكن هذه هي الحقيقة التي ستكون عليها ديناميات الأحداث المقبلة إن تجاوزت العربية السعودية الثابت الفلسطيني وأخطأت في تقدير أهمية المتغيرات المؤقتة، على حساب أهمية هذا الثابت لسببين بديهيين وهما أن إسرائيل لا تسعى لتكون شريكا في حياة المنطقة بسلام بقدر ما تسعى للسيطرة عليها والتحكم بمقدراتها وفقا لمصالح القوى الراعية لاستمرار وجودها، والثانية أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بان يبقى الوحيد بين شعوب الأرض دون دولة، وأن قناعاته بقدراته على تحقيق ذلك قد تضاعف هذه المرة عدة أضعاف.

* أستاذ الإعلام في جامعة منوبة