كتبت مرة في نص شعري، قلت فيه ، " ترى ما يحصل في عقل امرأة قررت فجأة أن تقص شعرها بعد منتصف الليل".
لا أدري ما دفعني لابتكار هذه الصورة تحديداً، ربما لأن المرأة حين تكتب عن المرأة ، تختاز زوايا خاصة جدا قد لا تخطر على بال الرجل حتى الرجل الشاعر و الكاتب. المرأة بكل تناقضاتها و جنونها ، واضطراباتها الهرمونية، عالم غاية في التعقيد والتناقض.
خطر كل هذا ببالي وأنا اغلق دفات رواية "سما هبة الله للأرض نساء" للروائية التونسية نجاة دهان، الصادرة عن دار الكتاب التونسية وجاءت الرواية في 296 صفحة، وفي الواقع هذه قراءتي الثانية للرواية ، إذ كنت قد قرأتها إثر صدورها، وتركت في نفسي أثرا خاصا ، و مؤخراً أحسست برغبة كبيرة تدفعني للعودة إليها مجددا، لأنها حسب رأيي رواية تستحق أكثر من قراءة واحدة.
ما يميز الرواية هو العمق الفلسفي والوجودي، الذي تنطوي عليه ، إنها رواية لم تكتب بطريقة كلاسيكية ، وبأحداث نمطية رتيبة ، وإن كانت أحداثها واضحة و يمكن للقارئ تتبع سير الأحداث بيسر، لكنها مع ذلك تنطوي على ذلك الغموض، الذي يدفع القارئ للتفكير و إعمال الرأي وطرح الأسئلة ، والبحث عن إجابات، ليكتشف على إمتداد أحداث الرواية ، أنه يمكننا أن نطرح أكثر من سؤال، وحين نعتقد أننا عثرنا على ايجابات منطقية ، نكتشف أن احتمالات الوصول إلى إجابات أخرى مناقضة تماما للأولى ،ممكنة جدا، حتى ننتهي للاقتناع، أن الأسئلة تبقي أهم بكثير من الأجوبة.
هكذا تأخذك نجاة دهان في دوار عقلي، و فلسفي ممتع، و أنت تضع يدك إلى قلبك، فتتمثل و جع البطلة ٱلامها، هزائمها و انتصاراتها.
ستحس في أحيان كثيرة، أنك تفهم لماذا تصرفت بطلة الرواية "سما" بهذا الشكل ، وقد تعذرها وتتعاطف معها ، وتشعر باوجاعها النفسية ، وفي أحيان أخرى ستتخذ موقفا ضدها و ربما ترى أنها تبالغ .
بكل الأحوال ستوقعك الرواية في فخ نصبته لك الكتابة بإحكام، لأنها اختصرت في بطلتها كل النساء ، فكل إمرأة ستجد في حكاية سما"، جزءا من حكايتها هي.
وقد يبدو عنوان الرواية في الوهلة الأولى غريب أو غير واضح ، لكنك ما أن تتصفح الصفحات الأولى من الرواية ، حتى تفهم أن هذا العنوان، هو فعلا يقدم الرواية و يختصرها على أفضل ما يكون.
ولأن القراءة لنجاة دهان، وتحديداً في هذه الرواية ، لعبة و تمرين للعقل، لحثه على التفكير والتدبر وإعمال العقل.
فأنت يا عزيزي لست مجرد قارئ سلبي أو متلقي بسيط، لأن نجاة، تريدك أن تجلس داخل أحداث الرواية، و تفكر بعمق.
معركة امرأة بعد الطلاق ، في مجتمع يعتبر المطلقة فريسة سهلة ، وتستبطن فيه المرأة المطلقة دور الضحية، فتستسلم للفشل والاكتئاب ، وتصبح على هامش المجتمع.
لكن دهان تقدم لنا صورة مختلفة جدا ، لامرأة قوية ، تخوض معاركها بعد الطّلاق برغبة قوية في استعادة ، ذاتها، وامتلاك حياتها مجدداً بعد الإنفصال الذي يعتبره المجتمع فشلا، وأخذ مصيرها ببدها.
لذلك كان لا بد لها من قطع نهائى مع الماضي.
فغيرت إسمها واختارت اسم "سما" ، بكل ما فيه من رمزية العلو والارتفاع والسمو.
وكانت تطرح أسئلة كثيرة ،تعرّي حقائق المجتمع ، و تحارب جمود التفكير، و الأحكام المسبقة.
تقف ضد كل ما لا يعترف به المجتمع ،و يحارب من يحاول التفكير في التغيير و كسر القواعد.
تغادر مدينتها تتجول في أكثر من مكان و مدينة و قرية ،تتفتح على عوالم مختلفة، وتحيا مع شخصيّات أخرى، صراعات كبيرة ، في مواجهة تفكير يحتمي بالدّين ليسجن النّساء ويقتل كلّ وجوه حضورهنّ.
تمشي في رحلة روحية ، أشبه برحلات الصوفين ، فتتفتح أمامها عوالم ،لا يتم إدراكها بالحس، بل بكل ما هو روحاني و وجداني.
رحلة سما في بعدها الروحي، كانت حجا روحيا نحو ، سماوات أخرى ، تتعانق أرواح هائمة تبحث عن خلاص في رحلة وجودية عميقة.
رحلة تزعزع الثوابت، طيلة رحلة الشّخصيّة الرئيسية " سما" و في علاقتها مع شخوص أخرى ، عاشوا أيضا حروبهم الشخصية ، وانتصروا بشكل ما وأن ظلوا شبه منبوذين من المجتمع.
في النهاية أظن أن رواية سما هبة الله للأرض نساء ، رواية جديرة بالقراءة بما هي تجربة وجودية ، تحارب السائد و المتعارف عليه، وتحطم الصورة النمطية للمرأة في المجتمعات الشرقية بصفة عامة.
بقلم ريم القمري
عندما تكون الكتابة حجا روحيا و وجدانيا.
كتبت مرة في نص شعري، قلت فيه ، " ترى ما يحصل في عقل امرأة قررت فجأة أن تقص شعرها بعد منتصف الليل".
لا أدري ما دفعني لابتكار هذه الصورة تحديداً، ربما لأن المرأة حين تكتب عن المرأة ، تختاز زوايا خاصة جدا قد لا تخطر على بال الرجل حتى الرجل الشاعر و الكاتب. المرأة بكل تناقضاتها و جنونها ، واضطراباتها الهرمونية، عالم غاية في التعقيد والتناقض.
خطر كل هذا ببالي وأنا اغلق دفات رواية "سما هبة الله للأرض نساء" للروائية التونسية نجاة دهان، الصادرة عن دار الكتاب التونسية وجاءت الرواية في 296 صفحة، وفي الواقع هذه قراءتي الثانية للرواية ، إذ كنت قد قرأتها إثر صدورها، وتركت في نفسي أثرا خاصا ، و مؤخراً أحسست برغبة كبيرة تدفعني للعودة إليها مجددا، لأنها حسب رأيي رواية تستحق أكثر من قراءة واحدة.
ما يميز الرواية هو العمق الفلسفي والوجودي، الذي تنطوي عليه ، إنها رواية لم تكتب بطريقة كلاسيكية ، وبأحداث نمطية رتيبة ، وإن كانت أحداثها واضحة و يمكن للقارئ تتبع سير الأحداث بيسر، لكنها مع ذلك تنطوي على ذلك الغموض، الذي يدفع القارئ للتفكير و إعمال الرأي وطرح الأسئلة ، والبحث عن إجابات، ليكتشف على إمتداد أحداث الرواية ، أنه يمكننا أن نطرح أكثر من سؤال، وحين نعتقد أننا عثرنا على ايجابات منطقية ، نكتشف أن احتمالات الوصول إلى إجابات أخرى مناقضة تماما للأولى ،ممكنة جدا، حتى ننتهي للاقتناع، أن الأسئلة تبقي أهم بكثير من الأجوبة.
هكذا تأخذك نجاة دهان في دوار عقلي، و فلسفي ممتع، و أنت تضع يدك إلى قلبك، فتتمثل و جع البطلة ٱلامها، هزائمها و انتصاراتها.
ستحس في أحيان كثيرة، أنك تفهم لماذا تصرفت بطلة الرواية "سما" بهذا الشكل ، وقد تعذرها وتتعاطف معها ، وتشعر باوجاعها النفسية ، وفي أحيان أخرى ستتخذ موقفا ضدها و ربما ترى أنها تبالغ .
بكل الأحوال ستوقعك الرواية في فخ نصبته لك الكتابة بإحكام، لأنها اختصرت في بطلتها كل النساء ، فكل إمرأة ستجد في حكاية سما"، جزءا من حكايتها هي.
وقد يبدو عنوان الرواية في الوهلة الأولى غريب أو غير واضح ، لكنك ما أن تتصفح الصفحات الأولى من الرواية ، حتى تفهم أن هذا العنوان، هو فعلا يقدم الرواية و يختصرها على أفضل ما يكون.
ولأن القراءة لنجاة دهان، وتحديداً في هذه الرواية ، لعبة و تمرين للعقل، لحثه على التفكير والتدبر وإعمال العقل.
فأنت يا عزيزي لست مجرد قارئ سلبي أو متلقي بسيط، لأن نجاة، تريدك أن تجلس داخل أحداث الرواية، و تفكر بعمق.
معركة امرأة بعد الطلاق ، في مجتمع يعتبر المطلقة فريسة سهلة ، وتستبطن فيه المرأة المطلقة دور الضحية، فتستسلم للفشل والاكتئاب ، وتصبح على هامش المجتمع.
لكن دهان تقدم لنا صورة مختلفة جدا ، لامرأة قوية ، تخوض معاركها بعد الطّلاق برغبة قوية في استعادة ، ذاتها، وامتلاك حياتها مجدداً بعد الإنفصال الذي يعتبره المجتمع فشلا، وأخذ مصيرها ببدها.
لذلك كان لا بد لها من قطع نهائى مع الماضي.
فغيرت إسمها واختارت اسم "سما" ، بكل ما فيه من رمزية العلو والارتفاع والسمو.
وكانت تطرح أسئلة كثيرة ،تعرّي حقائق المجتمع ، و تحارب جمود التفكير، و الأحكام المسبقة.
تقف ضد كل ما لا يعترف به المجتمع ،و يحارب من يحاول التفكير في التغيير و كسر القواعد.
تغادر مدينتها تتجول في أكثر من مكان و مدينة و قرية ،تتفتح على عوالم مختلفة، وتحيا مع شخصيّات أخرى، صراعات كبيرة ، في مواجهة تفكير يحتمي بالدّين ليسجن النّساء ويقتل كلّ وجوه حضورهنّ.
تمشي في رحلة روحية ، أشبه برحلات الصوفين ، فتتفتح أمامها عوالم ،لا يتم إدراكها بالحس، بل بكل ما هو روحاني و وجداني.
رحلة سما في بعدها الروحي، كانت حجا روحيا نحو ، سماوات أخرى ، تتعانق أرواح هائمة تبحث عن خلاص في رحلة وجودية عميقة.
رحلة تزعزع الثوابت، طيلة رحلة الشّخصيّة الرئيسية " سما" و في علاقتها مع شخوص أخرى ، عاشوا أيضا حروبهم الشخصية ، وانتصروا بشكل ما وأن ظلوا شبه منبوذين من المجتمع.
في النهاية أظن أن رواية سما هبة الله للأرض نساء ، رواية جديرة بالقراءة بما هي تجربة وجودية ، تحارب السائد و المتعارف عليه، وتحطم الصورة النمطية للمرأة في المجتمعات الشرقية بصفة عامة.