وكما اسلفنا بالذكر فقد كانت مسيرة سي بلحسن ثرية متنوعة نظم خلالها عشرات الأغاني النابعة من وجدانه المعبرة عن عواطفه ومشاعره المرهفة وخياله الخصب، اعتنى بتلحينها كبار الملحنين وادّاها اشهر المطربين نذكر منهم: أبوبكر المولدي (أحبك- آه مالعينين- لغة الزهور- من أول يوم) -الناصر زغندة ( شفت الهناء- ساعة الغروب- (سكاتش) طاح راح السماح- طل القمر وبان- يا سابحين في الصحراء- يا نسمة بين الشجرة)-احمد الصباحي (اسأل عليك- الا يدري في الأيدي- يا قلبي يكفيك ارتاح)-حسن الغربي ( نبعثلك شعري- انشودة الفلك)- سلتام يوسف (اضحك يا حبيبي- غني يا بلبل)- محمد احمد (شغلوني – وحدي في الليل- بالليالي الحب)- الشاذلي أنور (خلي الغرام على طول- لحظة- الساعة دقت وانا قلبي دق معاها)- يوسف التميمي(اللي غاب على العين)- مصطفى كمال (في ليلة قمر)- احمد السلاّمي (سوا سوا أحنا الاثنين- حبيبي هجرني ليه- كيف غابت- أحلامي) محمد التريكي (كل البنات تغني)- الفرجاني نوّالي (ركبت معايا في التوموبيل)- احمد حمزة (وردات خدودك رماني...)-الهادي الجويني (الحب جنة-الدنيا جنة-"سلامات سلامات" التي نظمها وغنتها فتحية خيري بمناسبة مرور الرئيس الحبيب بورقيبة بأزمة صحية -يا شاغلني...)-علي الرياحي (الحب والفن-ارقصي وقولي ياباي- يا رياض الحب- يا ظالمني- يا طالبين البخت- كلمة لو تفهم...)علي السريتي (ياللي انت غايب عن عيني...)-صالح المهدي (بنت العرب-ياللي جمالك ساحر-ياليل-يا ألف فرحة)-محمد ساسي (آه مالخلخال-عيونك تسحر يا بدوية- إملأ الكؤوس شربات- اسعد اعياد- دقت طبول الفرح- فرحة وفرجة- اطلع يا فجر الهناء- بنت العرب يا عين- يا ليالي الربيع- محلى الهوى- يا ساقي في الافراح- زين العرب يا غالي)-الفرجاني إسماعيل (اسهر معايا وغنّيلي-بين المودة- دايا الشجن- ها الشاي يا جهرية- محتارة يا قلبي- ماشية وتجري- مشغول وهايم- يا قلبي ما اعطيتو لغيري- تعالوا تعالوا يا صبايا- طال الجفا عليك يا قلبي- يا سمرة يا زهوة بالي- تعذّب فيّا). وقد تولى اشهر المطربين أداء هذه الأغاني علاوة على علي الرياحي والهادي الجويني والشاذلي أنورو محمد أحمد، فتحية خيري وعلية ونعمة وغيرهم محققين بها الشهرة والغزوات الفنية، وطافوا بها في كل بلدان المغرب والمشرق وبقية بلدان العالم، وبثتها اكبر الإذاعات مثل صوت العرب وإذاعة القاهرة واذاعة لندن الناطقة بالعربية والإذاعة الفرنسية وغيرها من اذاعات وتلفزات بلدان المغرب العربي...
الإذاعة والتلفزة المغربية على الخط
كان صالح المهدي اسما بارزا في سماء الفن والموسيقى. وكانت له صولات وجولات وصاحب نفوذ في المجال الثقافي. إذ يرجع له الفضل في المساهمة في تأسيس العديد من المؤسسات الموسيقية والفنية والنهوض بها، كتوليه سنة 1949 الاشراف على فرقة الجمعية الرشيدية للموسيقى وعين سنة 1957 رئيس مصلحة الفنون المستظرفة بكتابة الدولة للمعارف علاوة على توليه بعد الاستقلال العديد من المسؤوليات بوزارة الثقافة وخاصة ادارة الموسيقى والفنون الشعبية. كما تتلمذ على يديه العديد من كبار الملحنين والمطربين التونسيين. لكن علاقاته توترت بعد فترة من التعامل مع الشاعر بلحسن العبدلي لدواعي ظلت مجهولة، سببت لهذا الأخير العديد من المشاكل والعراقيل، خاصة وان ما سمي وقتها بـ " لجنة رقابة الكلمات" مارست عليه ضغوطات وتضييقات ورفضت تزكية اشعاره الغنائية في عدة مناسبات بتعلة ان اشعاره ذات منحى شرقي ...حتى وان لحنها تونسيون بارزون! ما حدّ من انتشارها وحدا ببعض الملحنين والمطربين الى تجنّب التعامل مع قصائده خوفا من رفض "اللجنة" لمشاريعهم الغنائية - وقد عانى عدد منهم نتيجة هذه التصرفات- ما حمل شاعرنا سنة 1965 على مراسلة المدير العام للإذاعة والتلفزة المغربية الأستاذ عبد الوهاب بن منصور مقترحا التعامل مع المؤسسة المذكورة. وقد استجاب الاخير لطلبه ولقي بلحسن العبدلي منه كل الترحاب. وهو ما اكتشفناه من خلال مراسلة رسمية وجهها له بتاريخ 23/11/1965.
فارس الكلمة يترجل
أصيب بلحسن العبدلي بمرض خطير الزمه الفراش ثم نقل الى مسشفى شارل نيكول. وقبل ان يفارق الحياة القى على مسامع صديقيه يحي محمد ومحمد بن يعيش خلال زيارتهما له القى على مسامعهما أخر اغنية نظمها: " آخر ذكرى بيني وبينك كانت زهرة***لمسة إيدك نظرة عينك آخر مرة" التي غناها مطرب الشباب محمد أحمد.
بعد أسبوعين من مكوثه بالمستشفى ترجّل فقيد الاغنية التونسية بلحسن العبدلي يوم 5 افريل 1974. واقيمت الاربعينية بدار الثقافة ابن رشيق حضرها ثلة من المثقفين والأصدقاء وكان من ضمنهم أصدقاؤه: المنجي بن يعيش وعبد المجيد بوديدح ويحي محمد ومحمد منصور ومحمد السقانجي وسيّد شطا ومحمد التريكي والمنصف شرف الدين وجمع غفير من محبيه.
كما دأب هؤلاء على احياء ذكراه سنويا في عدد من النوادي ودور الثقافة كنادي شعبة العدلية يوم 10 نوفمبر 1969 بإشراف المناضل محمد الصالح بلحاج، وبدار الثقافة ابن رشيق (1974)، تولى خلالها البعض من المطربين مثل حسيبة رشدي والشاذلي أنور ومحمد احمد ومحمد الفرشيشي (كحلاوي تونس) وغيرهم أداء بعض الأغاني التي نظمها الفقيد. وانتظمت لقاءات بباب العسل (افريل 1975)، وابن خلدون وابن رشيق (1980) وبـنادي الحدائق بـ 31 شارع فلسطين أشرفت عليها اللجنة الثقافية. ونظّم النادي الثقافي علي البلهوان احتفالا يوم 19 افريل 1981 احياء لذكراه السادسة. كما نشرت بعض المقالات في عدد من الجرائد تناول فيها اصحابها مثل الطاهر المليجي ويحي محمد ومحسن بن أحمد مسيرته الإبداعية مؤكدين على خصاله الإنسانية والفنية.
والجدير بالذكر أنه في رسالة مؤرخة في شهر افريل 1985 التمس أبناؤه فيها من إدارة الإذاعة والتلفزة التونسية تكريم هذا الشاعر الفذ، والاهتمام به وبآثاره والتذكير بأعماله وتضحياته من اجل الاغنية التونسية ومعاملته مثلما عومل العديد من الفنانين المشارقة الذين حظوا بالتكريمات خلال العديد من البرامج الاذاعية والتلفزية. لكن رغم توصيات مدير المؤسسة في ذلك الوقت الأستاذ عبد العزيز قاسم بضرورة التذكير بفطاحل الادب والفنون وتخصيص حصص لإبراز مناقبهم، فانه وقع تناسي كاتب "يا شاغلة بالي" و" الحب والفن" و"يااللي ظالمني" و" على ضوء القميرة ونورها" و"آه مالعينين" و"الساعة دقّت" و" شغلوني اثنين بيضاء وسمراء" و"وردات خدودك رماني وعيونك تجرح دخلاني" و"ڨدك يسحر يا مسمية" والاغنية الفكاهية التي اداها رائد الفن الساخر محمد الحداد "طاح راح السماح يزي بربي فك ها المرا قداش خرنانة تشكي ليل ونهار"وغيرها من الأغاني الخالدة التي طرب لها التونسي والمغاربي والمشرقي على حد سواء.
وقد حضي الفقيد باهتمام الإذاعي القدير الحبيب جغام الذي خصّه بحصة إذاعية تكريمية بتاريخ 23/5/2005 حاور خلالها كل من يحي محمد والمنصف شرف الدين وابنة الفقيد هناء العبدلي للحديث عن خصاله والتعريف بمسيرته وانتاجاته الأدبية والفنية الزاخرة.
***
لم يكن بلحسن العبدلي مهتما بالمال ...كان متيّما بالعبارة المعبّرة التونسية لحما ودما. ولم يقتصر في اشعاره وقصائده على التغني بالحب والجمال والعاطفة فقط، بل إضافة لذلك فقد اعتنى بوضع أشعار وطنية مناصرة للكفاح التحريري التونسي وجلاء المستعمر مثل "نشيد الجلاء عن بنزرت" وتلك التي ناصر في الشعب الفلسطيني في مقاومته للصهيونية مثل قصيدته "هدّم واحرق يا طيّار..." و " ابن العرب ياغالي..." وغيرها من القصائد الملتزمة.
كان شاعرنا يمتاز بسرعة البديهة آخذا من كل شيء بطرف، منتقيا كلمات اشعاره العاطفية العذبة والوطنية بدقة ورويّة وواقعية مهذّبة رصينة، مستأنسا بأصدقائه الخلّص كالهادي العبيدي واحمد خير الدين في انتقائها وتجويد عباراتها.
كان غيورا على اللغة العربية الفصحى واللهجة التونسية، وعبقريا في المزج بينهما ...في سباق شريف متواصل محمود مع شاعر الشباب الموهوب محمود بورقيبة... يتنافس معه بكل حب واحترام من اجل الارتقاء بالشعر الغنائي التونسي والتعريف به.
عند التقائي بأسرة شاعرنا الفذ، اكتشفت بسرور وانشراح انها تملك مجموعة من الأغاني التي لم تلحن الى يومنا هذا، ومجموعة محترمة من الوثائق التي لم تر النور الى حد الساعة والتي يمكن استغلالها لو توفرت الظروف الملائمة لإعداد كتيّب يلخص المسيرة الزاخرة المتميّزة لهذا الهرم الشعري الغنائي الذي وهب نفسه وحياته للثقافة والفن.
بقلم: فاخر الرويسي
وكما اسلفنا بالذكر فقد كانت مسيرة سي بلحسن ثرية متنوعة نظم خلالها عشرات الأغاني النابعة من وجدانه المعبرة عن عواطفه ومشاعره المرهفة وخياله الخصب، اعتنى بتلحينها كبار الملحنين وادّاها اشهر المطربين نذكر منهم: أبوبكر المولدي (أحبك- آه مالعينين- لغة الزهور- من أول يوم) -الناصر زغندة ( شفت الهناء- ساعة الغروب- (سكاتش) طاح راح السماح- طل القمر وبان- يا سابحين في الصحراء- يا نسمة بين الشجرة)-احمد الصباحي (اسأل عليك- الا يدري في الأيدي- يا قلبي يكفيك ارتاح)-حسن الغربي ( نبعثلك شعري- انشودة الفلك)- سلتام يوسف (اضحك يا حبيبي- غني يا بلبل)- محمد احمد (شغلوني – وحدي في الليل- بالليالي الحب)- الشاذلي أنور (خلي الغرام على طول- لحظة- الساعة دقت وانا قلبي دق معاها)- يوسف التميمي(اللي غاب على العين)- مصطفى كمال (في ليلة قمر)- احمد السلاّمي (سوا سوا أحنا الاثنين- حبيبي هجرني ليه- كيف غابت- أحلامي) محمد التريكي (كل البنات تغني)- الفرجاني نوّالي (ركبت معايا في التوموبيل)- احمد حمزة (وردات خدودك رماني...)-الهادي الجويني (الحب جنة-الدنيا جنة-"سلامات سلامات" التي نظمها وغنتها فتحية خيري بمناسبة مرور الرئيس الحبيب بورقيبة بأزمة صحية -يا شاغلني...)-علي الرياحي (الحب والفن-ارقصي وقولي ياباي- يا رياض الحب- يا ظالمني- يا طالبين البخت- كلمة لو تفهم...)علي السريتي (ياللي انت غايب عن عيني...)-صالح المهدي (بنت العرب-ياللي جمالك ساحر-ياليل-يا ألف فرحة)-محمد ساسي (آه مالخلخال-عيونك تسحر يا بدوية- إملأ الكؤوس شربات- اسعد اعياد- دقت طبول الفرح- فرحة وفرجة- اطلع يا فجر الهناء- بنت العرب يا عين- يا ليالي الربيع- محلى الهوى- يا ساقي في الافراح- زين العرب يا غالي)-الفرجاني إسماعيل (اسهر معايا وغنّيلي-بين المودة- دايا الشجن- ها الشاي يا جهرية- محتارة يا قلبي- ماشية وتجري- مشغول وهايم- يا قلبي ما اعطيتو لغيري- تعالوا تعالوا يا صبايا- طال الجفا عليك يا قلبي- يا سمرة يا زهوة بالي- تعذّب فيّا). وقد تولى اشهر المطربين أداء هذه الأغاني علاوة على علي الرياحي والهادي الجويني والشاذلي أنورو محمد أحمد، فتحية خيري وعلية ونعمة وغيرهم محققين بها الشهرة والغزوات الفنية، وطافوا بها في كل بلدان المغرب والمشرق وبقية بلدان العالم، وبثتها اكبر الإذاعات مثل صوت العرب وإذاعة القاهرة واذاعة لندن الناطقة بالعربية والإذاعة الفرنسية وغيرها من اذاعات وتلفزات بلدان المغرب العربي...
الإذاعة والتلفزة المغربية على الخط
كان صالح المهدي اسما بارزا في سماء الفن والموسيقى. وكانت له صولات وجولات وصاحب نفوذ في المجال الثقافي. إذ يرجع له الفضل في المساهمة في تأسيس العديد من المؤسسات الموسيقية والفنية والنهوض بها، كتوليه سنة 1949 الاشراف على فرقة الجمعية الرشيدية للموسيقى وعين سنة 1957 رئيس مصلحة الفنون المستظرفة بكتابة الدولة للمعارف علاوة على توليه بعد الاستقلال العديد من المسؤوليات بوزارة الثقافة وخاصة ادارة الموسيقى والفنون الشعبية. كما تتلمذ على يديه العديد من كبار الملحنين والمطربين التونسيين. لكن علاقاته توترت بعد فترة من التعامل مع الشاعر بلحسن العبدلي لدواعي ظلت مجهولة، سببت لهذا الأخير العديد من المشاكل والعراقيل، خاصة وان ما سمي وقتها بـ " لجنة رقابة الكلمات" مارست عليه ضغوطات وتضييقات ورفضت تزكية اشعاره الغنائية في عدة مناسبات بتعلة ان اشعاره ذات منحى شرقي ...حتى وان لحنها تونسيون بارزون! ما حدّ من انتشارها وحدا ببعض الملحنين والمطربين الى تجنّب التعامل مع قصائده خوفا من رفض "اللجنة" لمشاريعهم الغنائية - وقد عانى عدد منهم نتيجة هذه التصرفات- ما حمل شاعرنا سنة 1965 على مراسلة المدير العام للإذاعة والتلفزة المغربية الأستاذ عبد الوهاب بن منصور مقترحا التعامل مع المؤسسة المذكورة. وقد استجاب الاخير لطلبه ولقي بلحسن العبدلي منه كل الترحاب. وهو ما اكتشفناه من خلال مراسلة رسمية وجهها له بتاريخ 23/11/1965.
فارس الكلمة يترجل
أصيب بلحسن العبدلي بمرض خطير الزمه الفراش ثم نقل الى مسشفى شارل نيكول. وقبل ان يفارق الحياة القى على مسامع صديقيه يحي محمد ومحمد بن يعيش خلال زيارتهما له القى على مسامعهما أخر اغنية نظمها: " آخر ذكرى بيني وبينك كانت زهرة***لمسة إيدك نظرة عينك آخر مرة" التي غناها مطرب الشباب محمد أحمد.
بعد أسبوعين من مكوثه بالمستشفى ترجّل فقيد الاغنية التونسية بلحسن العبدلي يوم 5 افريل 1974. واقيمت الاربعينية بدار الثقافة ابن رشيق حضرها ثلة من المثقفين والأصدقاء وكان من ضمنهم أصدقاؤه: المنجي بن يعيش وعبد المجيد بوديدح ويحي محمد ومحمد منصور ومحمد السقانجي وسيّد شطا ومحمد التريكي والمنصف شرف الدين وجمع غفير من محبيه.
كما دأب هؤلاء على احياء ذكراه سنويا في عدد من النوادي ودور الثقافة كنادي شعبة العدلية يوم 10 نوفمبر 1969 بإشراف المناضل محمد الصالح بلحاج، وبدار الثقافة ابن رشيق (1974)، تولى خلالها البعض من المطربين مثل حسيبة رشدي والشاذلي أنور ومحمد احمد ومحمد الفرشيشي (كحلاوي تونس) وغيرهم أداء بعض الأغاني التي نظمها الفقيد. وانتظمت لقاءات بباب العسل (افريل 1975)، وابن خلدون وابن رشيق (1980) وبـنادي الحدائق بـ 31 شارع فلسطين أشرفت عليها اللجنة الثقافية. ونظّم النادي الثقافي علي البلهوان احتفالا يوم 19 افريل 1981 احياء لذكراه السادسة. كما نشرت بعض المقالات في عدد من الجرائد تناول فيها اصحابها مثل الطاهر المليجي ويحي محمد ومحسن بن أحمد مسيرته الإبداعية مؤكدين على خصاله الإنسانية والفنية.
والجدير بالذكر أنه في رسالة مؤرخة في شهر افريل 1985 التمس أبناؤه فيها من إدارة الإذاعة والتلفزة التونسية تكريم هذا الشاعر الفذ، والاهتمام به وبآثاره والتذكير بأعماله وتضحياته من اجل الاغنية التونسية ومعاملته مثلما عومل العديد من الفنانين المشارقة الذين حظوا بالتكريمات خلال العديد من البرامج الاذاعية والتلفزية. لكن رغم توصيات مدير المؤسسة في ذلك الوقت الأستاذ عبد العزيز قاسم بضرورة التذكير بفطاحل الادب والفنون وتخصيص حصص لإبراز مناقبهم، فانه وقع تناسي كاتب "يا شاغلة بالي" و" الحب والفن" و"يااللي ظالمني" و" على ضوء القميرة ونورها" و"آه مالعينين" و"الساعة دقّت" و" شغلوني اثنين بيضاء وسمراء" و"وردات خدودك رماني وعيونك تجرح دخلاني" و"ڨدك يسحر يا مسمية" والاغنية الفكاهية التي اداها رائد الفن الساخر محمد الحداد "طاح راح السماح يزي بربي فك ها المرا قداش خرنانة تشكي ليل ونهار"وغيرها من الأغاني الخالدة التي طرب لها التونسي والمغاربي والمشرقي على حد سواء.
وقد حضي الفقيد باهتمام الإذاعي القدير الحبيب جغام الذي خصّه بحصة إذاعية تكريمية بتاريخ 23/5/2005 حاور خلالها كل من يحي محمد والمنصف شرف الدين وابنة الفقيد هناء العبدلي للحديث عن خصاله والتعريف بمسيرته وانتاجاته الأدبية والفنية الزاخرة.
***
لم يكن بلحسن العبدلي مهتما بالمال ...كان متيّما بالعبارة المعبّرة التونسية لحما ودما. ولم يقتصر في اشعاره وقصائده على التغني بالحب والجمال والعاطفة فقط، بل إضافة لذلك فقد اعتنى بوضع أشعار وطنية مناصرة للكفاح التحريري التونسي وجلاء المستعمر مثل "نشيد الجلاء عن بنزرت" وتلك التي ناصر في الشعب الفلسطيني في مقاومته للصهيونية مثل قصيدته "هدّم واحرق يا طيّار..." و " ابن العرب ياغالي..." وغيرها من القصائد الملتزمة.
كان شاعرنا يمتاز بسرعة البديهة آخذا من كل شيء بطرف، منتقيا كلمات اشعاره العاطفية العذبة والوطنية بدقة ورويّة وواقعية مهذّبة رصينة، مستأنسا بأصدقائه الخلّص كالهادي العبيدي واحمد خير الدين في انتقائها وتجويد عباراتها.
كان غيورا على اللغة العربية الفصحى واللهجة التونسية، وعبقريا في المزج بينهما ...في سباق شريف متواصل محمود مع شاعر الشباب الموهوب محمود بورقيبة... يتنافس معه بكل حب واحترام من اجل الارتقاء بالشعر الغنائي التونسي والتعريف به.
عند التقائي بأسرة شاعرنا الفذ، اكتشفت بسرور وانشراح انها تملك مجموعة من الأغاني التي لم تلحن الى يومنا هذا، ومجموعة محترمة من الوثائق التي لم تر النور الى حد الساعة والتي يمكن استغلالها لو توفرت الظروف الملائمة لإعداد كتيّب يلخص المسيرة الزاخرة المتميّزة لهذا الهرم الشعري الغنائي الذي وهب نفسه وحياته للثقافة والفن.