لاشك أن فلسفة والتشريعات انشاء المؤسسات وسنّ المشاريع تتمثل في خدمة الإنسان وحمايته من الآخر الذي يشاركه نفس الفضاء ويمكن استغلال عدم توازن القوى لفرض ارادته واستغلال الاخر.
وتصبح الحاجة الى ذلك أكثر والتشريعات أشد تشددا اذا ما تعلق الأمر بحماية الأطفال ومراعاة مصالحهم داخل الأسرة وفي الشارع وفي الفضاءات التربوية.
ويقاس مدى هذه المؤسسات والتشريعات بمدى نجاحها في ما ضعت من أجله ومدى قدرتها على خلق جيل متوازن ذو شخصية قوية.
كما يقاس بنسب الاعتداءات على الأطفال والحوادث التي يتعرضون لها ونسب التمدرس والانقطاع عن الدراسة.
واذا لم تنجح فالخلل فيها وليس في الأطفال وبالتالي لابد من تغييرها بتشريعات أفضل ومؤسسات أكثر صلابة وملائمة لروح العصر.
فهل نجحت مجلة الطفل ووزارة المرأة و الاسرة والطفل وكبار السن فيما كنا بصدد ذكره وهل نجحت مندوبيات حماية الطفولة ومراكز ايواء القصر في مهامها؟
عام سيء وشهر درامي!!
التشريعات والمؤسسات التي ذكرنا نضيف اليها الفرقة المركزية بالبحث في جرائم العنف ضدّ المرأة و الطّفل و مرصد الإعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل ووزارة التربية لم تفلح عموما في حماية الأطفال لأسباب عديدة سنعود لها بالتفصيل وهذا ما جعل من 2023 العام الأخطر والأسوأ على الأطفال بتسجيله لأرقام قياسية في الاعتداء الأسري والمجتمع والتربوي على الأطفال. فضلا عن عدد الحوادث الكبير الناتج عن الإهمال أو التنمر أو الاستغلال الجسدي.
نذكر منها على سبيل الحصر:
-تسجيل 8 حالات انتحار في صفوف الأطفال بمعدل حالتين شهريّا و102 محاولات انتحار بمعدل 26 محاولة شهريّا خلال الأشهر الأربعة الأولى فقط من 2023.
-المكاتب الجهوية لمندوبي حماية الطفولة تلقت خلال الفترة الممتدة بين 25 أفريل و25 ماي، 2540 إشعاراً حول تهديد مصلحة الطفل الفضلى.
- حالات التهديد، تمثلت في تسجيل 679 حالة تقصير بيّن ومتواصل في التربية والرعاية، و782 حالةً من اعتياد سوء المعاملة، و162 حالة إهمال وتشرد، و68 حالة فقدان سند عائلي. وبلغت حالات الاستغلال الجنسي، حسب البيان نفسه، 196 حالةً، و18 حالة استغلال في الإجرام المنظم، و33 حالةً من الاستغلال الاقتصادي والتعريض للتسول، و602 حالة عجز عن الإحاطة والتربية.
- كشفت إحصائيات المرصد الوطني لسلامة المرور لسنة 2023 التابع لوزارة الداخلية، أن الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ14 سنة يمثلون 13 بالمائة من قتلى المترجلين بسبب حوادث الطرقات.
أما شهر جانفي الجاري فقد كان مخيفا وخطيرا وينبأ بسنة كارثية على الطفولة ما لم تسارع السلط المعنية في مزيد ايجاد الاليات الحمائية للأطفال.
حيث تم تسجيل عدد غير مسبوق من الحوادث في حوالي 25 يوما فقط تؤكد اهتراء المنظومة الحمائية الحالية للطفولة.
ففي هذه الفترة الوجيزة سجلنا ثلاث حالات وفاة نتيجة الإهمال.نذكر منها :
*وفاة تلميذ في اعدادية بتطاوين بسبب سقوط عارضة مهترئة على رأسه خلال حصة الرياضة.
*وفاة تلميذة بمعتمدية فوشانة من ولاية القصرين دهستها حافلة نقل مدرسي.
*اقدام تلميذ يدرس بالمعهد النموذجي بالقيروان على الانتحار بسبب عدم احساسه بالأمان وفق ما كتبه قبيل انتحاره.
-وفاة طفلين من أصل 4 أطفال أعمارهم بين 16و17سنة بسبب التجمد بعد تسللهم لحاوية تبريد ومحاولتهم الهجرة سرا الى أحد الدول الأوروبية.وهي حادثة أليمة تترجم حالة الإهمال العائلي للأبناء التي أصبحت تحكم العلاقات الأسرية بتونس ويؤكّد ضعف الرقابة على تصرفات هذه الفئة والفشل في إيجاد آليات لاحتوائها وحمايتهم من إيذاء أنفسهم و إيذاء الاخرين ..وفي أغلب الأحيان تكون الأٍسرة طرفا في هذه الإذاية بمدّهم بأموال هجرة الموت هذه..وعلى الأولياء أن يدركوا بأنهم مسؤولون أخلاقيا ويجب أن يكونوا مسؤولون قانونيا على تصرفات أبنائهم فهم ليسوا ملكيات خاصة يتصرفون فيها كيفما يشاؤون ويصنعون منها قنابل موقوتة تنفجر في الشوارع اجراما وبراكاجات وغيرها.
أطفالنا بحاجة الى تشريعات حمائية جديدة تساير مجريات الواقع وتنظّم العلاقة بينهم وبين أوليائهم وبينهم وبين المجتمع الذي يعيشون فيه.
والحادثة الأخطر هو اقدام ثلاث تلميذات أعمارهن بين 14و15 سنة في الحامة من ولاية قابس على الانتحار الجماعي في ظروف غامضة.
مرصد وطني للطفولة
في ظل العجز الحاصل عن حماية الفئة الأكثر هشاشة في مجتمعنا والتي تمثل مستقبل هذا البلد. وفي ظل عدم التناغم الواضح بين مختلف مؤسسات حماية الطفولة و تشتت جهودها. ومع الاخطار التي ذكرنا باتت الحاجة ملحة الى انشاء هيكل جديد بآليات جديدة ورؤية مستقبلية وعلمية.
فتشتت هذه الآليات على اكثر من جهة واكثر من وزارة كما قلنا يجعل مسألة النجاعة في التصدي للمخاطر المهددة للأطفال ضعيفة .
هذا الهيكل يجب أن يكون في شكل مرصد وطني للطفولة يعتني بالتقصي وبالاستشعار وتطبيق القانون ويعمل في تناغم مع كل الفضاءات التي يتواجد فيها الأطفال ويكون له قوة القانون للنفاذ اليها .ويكون اشرافه مباشرا على حوالي 3 ملايين طفل لم يعد ممكنا ولا ناجعا حشرهم في وزارة متعددة الاختصاصات فمعلوم انّ كل الهياكل التي ذكرنا تقتصر مهمتها على تلقي الاشعارات ونادرا ما تقوم بالتدخل التلقائي السريع أو الدور الرقابي .
كما توكل له مهمة التقييم والاستشراف والتخطيط لواقع الطفولة ومستقبلها وتطوير التشريعات الخاصة بها.
ويجب أن يكون تحت اشراف مباشر من رئاسة الحكومة ويتسم عمله بالاستقلالية والنجاعة. ومن المهم تواجد فروع له في كل الجهات ويضم خيرة الكفاءات المختصة في الطفولة والقانون وعلم الاجتماع والنفس .اضافة الى انفتاحه وشراكته مع المنظمات والجمعيات ذات الصلة بالطفولة والتي يجب أن تكون ممثلة فيه.
والأهم من كل هذا أن تمنح له سلطة الولوج الغير مشروط حتى داخل الأسر للتثبت والتمحيص والتدقيق في وضعية الأطفال التي تحوم حولهم شكوك بتعرضهم للاعتداءات أو سوء المعاملة .
فيجب القطع مع عقلية اعتبار الأبناء ملكية خاصة يفعل بها الآباء ما يشاؤون.
*رئيسة المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط
بقلم: ريم بالخذيري(*)
لاشك أن فلسفة والتشريعات انشاء المؤسسات وسنّ المشاريع تتمثل في خدمة الإنسان وحمايته من الآخر الذي يشاركه نفس الفضاء ويمكن استغلال عدم توازن القوى لفرض ارادته واستغلال الاخر.
وتصبح الحاجة الى ذلك أكثر والتشريعات أشد تشددا اذا ما تعلق الأمر بحماية الأطفال ومراعاة مصالحهم داخل الأسرة وفي الشارع وفي الفضاءات التربوية.
ويقاس مدى هذه المؤسسات والتشريعات بمدى نجاحها في ما ضعت من أجله ومدى قدرتها على خلق جيل متوازن ذو شخصية قوية.
كما يقاس بنسب الاعتداءات على الأطفال والحوادث التي يتعرضون لها ونسب التمدرس والانقطاع عن الدراسة.
واذا لم تنجح فالخلل فيها وليس في الأطفال وبالتالي لابد من تغييرها بتشريعات أفضل ومؤسسات أكثر صلابة وملائمة لروح العصر.
فهل نجحت مجلة الطفل ووزارة المرأة و الاسرة والطفل وكبار السن فيما كنا بصدد ذكره وهل نجحت مندوبيات حماية الطفولة ومراكز ايواء القصر في مهامها؟
عام سيء وشهر درامي!!
التشريعات والمؤسسات التي ذكرنا نضيف اليها الفرقة المركزية بالبحث في جرائم العنف ضدّ المرأة و الطّفل و مرصد الإعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل ووزارة التربية لم تفلح عموما في حماية الأطفال لأسباب عديدة سنعود لها بالتفصيل وهذا ما جعل من 2023 العام الأخطر والأسوأ على الأطفال بتسجيله لأرقام قياسية في الاعتداء الأسري والمجتمع والتربوي على الأطفال. فضلا عن عدد الحوادث الكبير الناتج عن الإهمال أو التنمر أو الاستغلال الجسدي.
نذكر منها على سبيل الحصر:
-تسجيل 8 حالات انتحار في صفوف الأطفال بمعدل حالتين شهريّا و102 محاولات انتحار بمعدل 26 محاولة شهريّا خلال الأشهر الأربعة الأولى فقط من 2023.
-المكاتب الجهوية لمندوبي حماية الطفولة تلقت خلال الفترة الممتدة بين 25 أفريل و25 ماي، 2540 إشعاراً حول تهديد مصلحة الطفل الفضلى.
- حالات التهديد، تمثلت في تسجيل 679 حالة تقصير بيّن ومتواصل في التربية والرعاية، و782 حالةً من اعتياد سوء المعاملة، و162 حالة إهمال وتشرد، و68 حالة فقدان سند عائلي. وبلغت حالات الاستغلال الجنسي، حسب البيان نفسه، 196 حالةً، و18 حالة استغلال في الإجرام المنظم، و33 حالةً من الاستغلال الاقتصادي والتعريض للتسول، و602 حالة عجز عن الإحاطة والتربية.
- كشفت إحصائيات المرصد الوطني لسلامة المرور لسنة 2023 التابع لوزارة الداخلية، أن الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ14 سنة يمثلون 13 بالمائة من قتلى المترجلين بسبب حوادث الطرقات.
أما شهر جانفي الجاري فقد كان مخيفا وخطيرا وينبأ بسنة كارثية على الطفولة ما لم تسارع السلط المعنية في مزيد ايجاد الاليات الحمائية للأطفال.
حيث تم تسجيل عدد غير مسبوق من الحوادث في حوالي 25 يوما فقط تؤكد اهتراء المنظومة الحمائية الحالية للطفولة.
ففي هذه الفترة الوجيزة سجلنا ثلاث حالات وفاة نتيجة الإهمال.نذكر منها :
*وفاة تلميذ في اعدادية بتطاوين بسبب سقوط عارضة مهترئة على رأسه خلال حصة الرياضة.
*وفاة تلميذة بمعتمدية فوشانة من ولاية القصرين دهستها حافلة نقل مدرسي.
*اقدام تلميذ يدرس بالمعهد النموذجي بالقيروان على الانتحار بسبب عدم احساسه بالأمان وفق ما كتبه قبيل انتحاره.
-وفاة طفلين من أصل 4 أطفال أعمارهم بين 16و17سنة بسبب التجمد بعد تسللهم لحاوية تبريد ومحاولتهم الهجرة سرا الى أحد الدول الأوروبية.وهي حادثة أليمة تترجم حالة الإهمال العائلي للأبناء التي أصبحت تحكم العلاقات الأسرية بتونس ويؤكّد ضعف الرقابة على تصرفات هذه الفئة والفشل في إيجاد آليات لاحتوائها وحمايتهم من إيذاء أنفسهم و إيذاء الاخرين ..وفي أغلب الأحيان تكون الأٍسرة طرفا في هذه الإذاية بمدّهم بأموال هجرة الموت هذه..وعلى الأولياء أن يدركوا بأنهم مسؤولون أخلاقيا ويجب أن يكونوا مسؤولون قانونيا على تصرفات أبنائهم فهم ليسوا ملكيات خاصة يتصرفون فيها كيفما يشاؤون ويصنعون منها قنابل موقوتة تنفجر في الشوارع اجراما وبراكاجات وغيرها.
أطفالنا بحاجة الى تشريعات حمائية جديدة تساير مجريات الواقع وتنظّم العلاقة بينهم وبين أوليائهم وبينهم وبين المجتمع الذي يعيشون فيه.
والحادثة الأخطر هو اقدام ثلاث تلميذات أعمارهن بين 14و15 سنة في الحامة من ولاية قابس على الانتحار الجماعي في ظروف غامضة.
مرصد وطني للطفولة
في ظل العجز الحاصل عن حماية الفئة الأكثر هشاشة في مجتمعنا والتي تمثل مستقبل هذا البلد. وفي ظل عدم التناغم الواضح بين مختلف مؤسسات حماية الطفولة و تشتت جهودها. ومع الاخطار التي ذكرنا باتت الحاجة ملحة الى انشاء هيكل جديد بآليات جديدة ورؤية مستقبلية وعلمية.
فتشتت هذه الآليات على اكثر من جهة واكثر من وزارة كما قلنا يجعل مسألة النجاعة في التصدي للمخاطر المهددة للأطفال ضعيفة .
هذا الهيكل يجب أن يكون في شكل مرصد وطني للطفولة يعتني بالتقصي وبالاستشعار وتطبيق القانون ويعمل في تناغم مع كل الفضاءات التي يتواجد فيها الأطفال ويكون له قوة القانون للنفاذ اليها .ويكون اشرافه مباشرا على حوالي 3 ملايين طفل لم يعد ممكنا ولا ناجعا حشرهم في وزارة متعددة الاختصاصات فمعلوم انّ كل الهياكل التي ذكرنا تقتصر مهمتها على تلقي الاشعارات ونادرا ما تقوم بالتدخل التلقائي السريع أو الدور الرقابي .
كما توكل له مهمة التقييم والاستشراف والتخطيط لواقع الطفولة ومستقبلها وتطوير التشريعات الخاصة بها.
ويجب أن يكون تحت اشراف مباشر من رئاسة الحكومة ويتسم عمله بالاستقلالية والنجاعة. ومن المهم تواجد فروع له في كل الجهات ويضم خيرة الكفاءات المختصة في الطفولة والقانون وعلم الاجتماع والنفس .اضافة الى انفتاحه وشراكته مع المنظمات والجمعيات ذات الصلة بالطفولة والتي يجب أن تكون ممثلة فيه.
والأهم من كل هذا أن تمنح له سلطة الولوج الغير مشروط حتى داخل الأسر للتثبت والتمحيص والتدقيق في وضعية الأطفال التي تحوم حولهم شكوك بتعرضهم للاعتداءات أو سوء المعاملة .
فيجب القطع مع عقلية اعتبار الأبناء ملكية خاصة يفعل بها الآباء ما يشاؤون.