إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الفلاحون غاضبون في عدة بلدان أوروبية.. الحرب على أوكرانيا والإجراءات الحمائية البيئية تهدد استقرار الأمن الغذائي في أوروبا وشظاياها تصل بلداننا

 

النزاعات المسلحة تؤثر سلبا  الفلاحة في العالم لكن غياب السياسيات الفلاحية الجدية في بلداننا تدمر فلاحتنا أصلا

إلى أي مدى يمكن لبلداننا أن تفكر في المستقبل وخبزها رهين ما تورده من قمح من الخارج ؟

تونس- الصباح

يتحرك هذه الأيام الفلاحون في العديد من البلدان الأوروبية وخاصة في فرنسا وألمانيا  احتجاجا على الإجراءات التي يعتبرونها تضييقية على عملهم وآخرها الإجراء الأوروبي الجديد الذي  تم تبينه في إطار ما يسمى بالميثاق الأخضر وذلك سعيا إلى تكييف السياسات الفلاحية مع متطلبات حماية البيئة. فقد فرض الاتحاد الأوروبي خطة تقوم على جعل كل فلاح يتخلى عن نسبة من أرضه تقدر بـ4 بالمائة يتركه دون حرث أو زرع.

حياة السايب

وقد أججت هذه الإجراءات الجديدة التي تضاف إلى سابقاتها منها ما يتعلق بالتسميد وحجم المياه المستعملة للزراعة وغيرها، الغضب بحدة في فرنسا بالخصوص حيث يخوض الفلاحون في جهات داخلية نضالا حماسيا ويهددون باقتحام العاصمة باريس إن أصرت الدولة على تطبيق قرارات بروكسيل، وإن لم يقم القطاع العام بـ"تحمل مسؤولياته إزاء الفلاحة والفلاحين"، والتخفيف بالخصوص من القوانين الصارمة وفق إعلان النقابات الممثلة التي تقود الحملات الاحتجاجية. ورغم وعد الحكومة الفرنسية الجديدة برئاسة غابريال اتال بالإعلان عن إجراءات وصفت بأنها تهدف لتبسيط الأمور وحل التعقيدات التي تواجه عمل الفلاحين، فإن حركة الغضب متواصلة بل يتوقع أن يكون هناك تصعيد بانضمام قطاعات فلاحية أخرى وجهات أخرى إذا لم يقع احتواء الأزمة بسرعة.

وإذ يعتبر قرار فرض خصم بـ4 بالمائة من كل ارض فلاحية، إجراء يرمي إلى حماية البيئة، فإنه اعتبر قرارا مجحفا في حق الفلاحين الذين يعانون أصلا من مشاكل كبيرة ومن بينها ما هو ناجم عن الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في الترفيع في أسعار الإنتاج بشكل كبير.  فالحرب التي أعلنتها روسيا على أوكرانيا منذ 22 فيفري من العام الماضي مست أوروبا بشكل كبير ووصلت شظاياها إلى بلداننا.

فقد تسبب هذه الحرب التي يتواجه فيها بلدان يعتبران من أهم البلدان المصدرة للحبوب في العالم إلى ارتفاع كبير في أسعار هذه المادة قدره البنك الإفريقي في الأشهر الأولى التي تلت اندلاع الحرب بنسبة 45 بالمائة.

وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تأتي في المرتبة الأولى لمصدري القمح (صدرت في موسم 2022- 2023  ما لا يقل عن 46 مليون طن من القمح أي ما يعادل ربع تجارة القمح في العالم وفق أرقام رسمية) وكانت أوكرانيا قبل انطلاق الحرب ثالث دولة مصدرة للقمح في العالم، مع العلم أن الصين تعتبر أكبر منتج للقمح لكن حجم الاستهلاك الكبير يجعل منها دولة موردة وهناك دول أخرى مسيطرة على السوق من بينها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا في غياب أي منافسة جدية من بلداننا العربية والإفريقية التي تعول كثيرا في غذائها على مادة الحبوب.

 وقد تسببت الحرب كما ذكرنا في ارتفاع صاروخي لأسعار الحبوب وقد زاد قرار روسيا في جويلية الفارط بإيقاف العمل باتفاق الحبوب مع أوكرانيا الذي كان يمكّن هذه الأخيرة من تصدير حبوبها عبر البحر الأسود، في  اضطرابات اكبر في السوق العالمية للحبوب. وللتذكير فإن روسيا استعملت هذا الاتفاق للضغط على الغرب كي يرفع العقوبات على صادراتها وقد فرضت البلدان الغربية عقوبات على روسيا تسعى من خلالها إلى التضييق على صادراتها وخاصة من الحبوب والنفط وهو ما اثر بطبيعة الحال على الأسعار في السوق العالمية.

فقد سجلت أسعار المحروقات في العالم اضطرابات كبيرة طيلة الأشهر الأخيرة رغم محاولات منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبيك) الضغط على الإنتاج في محاولة للتخفيف من تداعيات العقوبات المفروضة على النفط الروسي من بينها فرض سقف على أسعار التصدير  كما عمدت أوروبا إلى تخفيض حجم استيرادها للنفط الروسي إلى أدنى مستوياته، وقد اتخذت هذه العقوبات في  إطار محاولة الغرب التصدي للتوسع الروسي ورفضه للحرب على أوكرانيا.

لكن تأثيرات هذه الحرب السلبية لا تقف عند أبواب أوروبا وأمريكا وكندا التي تتهافت على تقديم الدعم العسكري واللوجستي لأوكرانيا بالتوازي مع محاولة إضعاف الاقتصاد الروسي من خلال العقوبات الاقتصادية بالخصوص،  وإنما تشمل مناطق العالم وخاصة  البلدان النامية يعني العديد من البلدان في إفريقيا وآسيا.

ففي تونس مثلا، تعاني الأسواق منذ أشهر طويلة من ندرة مواد أساسية مثل الدقيق والسميد والحليب وتواجه بلادنا اضطرابات كبرى في التوزيع وإذا ما عرفنا أن تونس كانت تستورد ما لا يقل عن 65 بالمائة من حاجياتها من القمح من أوكرانيا وأنها كانت تستورد نسبة هامة أيضا من القمح من روسيا، فإننا نفهم سبب اضطرابات التوزيع وندرة مادتي السميد والدقيق وما ينتج عنها باستمرار من مشاكل في إنتاج الخبز. صحيح تعلن الدولة منذ فترة الحرب على الاحتكار الذي تعتبره سببا جوهريا وراء ندرة العديد من المواد الغذائية الأساسية التي تعول فيها بلادنا على الواردات بنسبة هامة، لكن يبقى للحرب الروسية الأوكرانية تأثيرها الواضح وهي تعد،إن تمادى الطرف الروسي في حربه  غير مذعن بذلك لإرادة  مجموعة السبع وكل البلدان الغربية المعادية التي تكتلت من اجل دعم أوكرانيا في هذه الحرب، بأن تزيد في تضييق عيش الكثيرين في العالم.

وما الغضب الذي نلاحظه هذه الأيام  لدى الفلاحين في أوروبا إلا دليلا على أن الأمور قد أخذت أبعادا خطيرة خاصة أن المتحدثين باسم الفلاحين الغاضبين في العديد من البلدان الأوروبية يتحدثون عن ملايين من البشر في العالم سيعانون من الجوع ومن سوء التغذية إذا ما استمر العمل بالسياسات الفلاحية الحالية.

وإذا ما عرفنا أن الفلاحة في أوروبا تقوم على استغلال الفلاحين لأراضي صغيرة نسبية فإننا نفهم مدى حساسية القرار الأوروبي الذي يفرض على الفلاح ترك 4 بالمائة من أرضه دون استغلال ويفرض عليه العديد من القيود. فهي بالنسبة له تعني ضياع نسبة عالية من المردودية ونشير إلى أنه وفق أرقام تعود لسنة 2020، فإن ثلثي الأراضي الفلاحية المستغلة في أوروبا مساحتها أقل من 5 هكتارات. ثم إن نسبة كبيرة من الفلاحة في الاتحاد الأوروبي تقوم على الزراعة (ما لا يقل عن 38 بالمائة من إجمالي الأراضي الفلاحية وفق أرقام 2020 استخدمت في الزراعة). وبالتالي من الصعب على الفلاح الذي يعاني من ارتفاع أسعار الإنتاج نتيجة المتغيرات العالمية والنزاعات المسلحة أن يقبل بإجراءات تهدف إلى حماية البيئة. لكن في المقابل لقد ثبت وفق الخبراء أن الزراعة المكثفة تعتبر احد أسباب انجراف التربة وهي تهدد التنوع البيولوجي الذي يعتبر احد أسباب تماسك الطبيعة.  إننا إذن أمام معادلة صعبة فمن جهة ضمان الأمن الغذائي ومن جهة أخرى حماية المحيط وهي تؤكد مرة أخرى أن مشاكل التنمية المستدامة وقضايا الحفاظ على البيئة والمحيط وحق الأجيال القادمة في بيئة سليمة، ليست مجرد إجراءات وقرارات تفرض فرضا حتى إن كانت النوايا طيبة وإنما تتطلب واقعية في التعامل مع الأوضاع.

والواقع يقول كيف يمكن للفلاحين الذين يؤمنون نسبة مهمة من غذاء الإنسان أن يواصلوا عملهم في ظل كل ما هو مفروض عليهم من قيود وفي ظل ما هو مطلوب منهم من مراعاة البيئة وتحمل تكاليف الحروب والنزاعات وغلاء أسعار المحروقات والبذور والماء وغيرها. هذا فيما يهم الفلاحة المتقدمة في بلدان تعتبر قد قطعت أشواطا في تطوير فلاحتها، فما بالك بفلاحتنا في ظل الافتقار الواضح  لسياسات فلاحية حقيقية. ويستمر الوضع على حاله رغم كل التقلبات التي يشهدها العالم التي تؤكد على ضرورة التعويل على الذات، ورغم تأكيد أهل الذكر على انه لا مستقبل لنا إلا من خلال فلاحتنا، ومع ذلك تظل بلداننا  تعول على ما ينتجه الآخرون  لغذائها.

فهل من الطبيعي مثلا أن تظل كل دول إفريقيا تعول على أوكرانيا لتزويدها بحاجتها من الحبوب؟ إلى متى تقبل  بلداننا أن تكون رهينة هذا الطرف أو ذاك وأن تكون جزءا من لعبة سياسية يقودها كبار العالم ولو على حساب قوتها؟ الواضح اليوم أن العالم الفلاحي في أزمة نتيجة اعتبارات عديدة  من بينها طبعا النزاعات المسلحة التي تؤثر سلبا على حجم الإنتاج وتكلفته، ولكن بالخصوص نتيجة حسابات الكبار في العالم الذين يدفعون نحو مزيد من الاضطرابات من اجل أجندات خاصة تزيد من حجم المفقرين والجائعين في العالم وخاصة منهم  بالبلدان الأكثر ارتباطا بالخارج  حتى في خبزهم ومنهم بلداننا الإفريقية طبعا.

 حياة السايب

الفلاحون غاضبون في عدة بلدان أوروبية..   الحرب على أوكرانيا والإجراءات الحمائية البيئية  تهدد استقرار الأمن الغذائي في أوروبا وشظاياها تصل بلداننا

 

النزاعات المسلحة تؤثر سلبا  الفلاحة في العالم لكن غياب السياسيات الفلاحية الجدية في بلداننا تدمر فلاحتنا أصلا

إلى أي مدى يمكن لبلداننا أن تفكر في المستقبل وخبزها رهين ما تورده من قمح من الخارج ؟

تونس- الصباح

يتحرك هذه الأيام الفلاحون في العديد من البلدان الأوروبية وخاصة في فرنسا وألمانيا  احتجاجا على الإجراءات التي يعتبرونها تضييقية على عملهم وآخرها الإجراء الأوروبي الجديد الذي  تم تبينه في إطار ما يسمى بالميثاق الأخضر وذلك سعيا إلى تكييف السياسات الفلاحية مع متطلبات حماية البيئة. فقد فرض الاتحاد الأوروبي خطة تقوم على جعل كل فلاح يتخلى عن نسبة من أرضه تقدر بـ4 بالمائة يتركه دون حرث أو زرع.

حياة السايب

وقد أججت هذه الإجراءات الجديدة التي تضاف إلى سابقاتها منها ما يتعلق بالتسميد وحجم المياه المستعملة للزراعة وغيرها، الغضب بحدة في فرنسا بالخصوص حيث يخوض الفلاحون في جهات داخلية نضالا حماسيا ويهددون باقتحام العاصمة باريس إن أصرت الدولة على تطبيق قرارات بروكسيل، وإن لم يقم القطاع العام بـ"تحمل مسؤولياته إزاء الفلاحة والفلاحين"، والتخفيف بالخصوص من القوانين الصارمة وفق إعلان النقابات الممثلة التي تقود الحملات الاحتجاجية. ورغم وعد الحكومة الفرنسية الجديدة برئاسة غابريال اتال بالإعلان عن إجراءات وصفت بأنها تهدف لتبسيط الأمور وحل التعقيدات التي تواجه عمل الفلاحين، فإن حركة الغضب متواصلة بل يتوقع أن يكون هناك تصعيد بانضمام قطاعات فلاحية أخرى وجهات أخرى إذا لم يقع احتواء الأزمة بسرعة.

وإذ يعتبر قرار فرض خصم بـ4 بالمائة من كل ارض فلاحية، إجراء يرمي إلى حماية البيئة، فإنه اعتبر قرارا مجحفا في حق الفلاحين الذين يعانون أصلا من مشاكل كبيرة ومن بينها ما هو ناجم عن الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في الترفيع في أسعار الإنتاج بشكل كبير.  فالحرب التي أعلنتها روسيا على أوكرانيا منذ 22 فيفري من العام الماضي مست أوروبا بشكل كبير ووصلت شظاياها إلى بلداننا.

فقد تسبب هذه الحرب التي يتواجه فيها بلدان يعتبران من أهم البلدان المصدرة للحبوب في العالم إلى ارتفاع كبير في أسعار هذه المادة قدره البنك الإفريقي في الأشهر الأولى التي تلت اندلاع الحرب بنسبة 45 بالمائة.

وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تأتي في المرتبة الأولى لمصدري القمح (صدرت في موسم 2022- 2023  ما لا يقل عن 46 مليون طن من القمح أي ما يعادل ربع تجارة القمح في العالم وفق أرقام رسمية) وكانت أوكرانيا قبل انطلاق الحرب ثالث دولة مصدرة للقمح في العالم، مع العلم أن الصين تعتبر أكبر منتج للقمح لكن حجم الاستهلاك الكبير يجعل منها دولة موردة وهناك دول أخرى مسيطرة على السوق من بينها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا في غياب أي منافسة جدية من بلداننا العربية والإفريقية التي تعول كثيرا في غذائها على مادة الحبوب.

 وقد تسببت الحرب كما ذكرنا في ارتفاع صاروخي لأسعار الحبوب وقد زاد قرار روسيا في جويلية الفارط بإيقاف العمل باتفاق الحبوب مع أوكرانيا الذي كان يمكّن هذه الأخيرة من تصدير حبوبها عبر البحر الأسود، في  اضطرابات اكبر في السوق العالمية للحبوب. وللتذكير فإن روسيا استعملت هذا الاتفاق للضغط على الغرب كي يرفع العقوبات على صادراتها وقد فرضت البلدان الغربية عقوبات على روسيا تسعى من خلالها إلى التضييق على صادراتها وخاصة من الحبوب والنفط وهو ما اثر بطبيعة الحال على الأسعار في السوق العالمية.

فقد سجلت أسعار المحروقات في العالم اضطرابات كبيرة طيلة الأشهر الأخيرة رغم محاولات منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبيك) الضغط على الإنتاج في محاولة للتخفيف من تداعيات العقوبات المفروضة على النفط الروسي من بينها فرض سقف على أسعار التصدير  كما عمدت أوروبا إلى تخفيض حجم استيرادها للنفط الروسي إلى أدنى مستوياته، وقد اتخذت هذه العقوبات في  إطار محاولة الغرب التصدي للتوسع الروسي ورفضه للحرب على أوكرانيا.

لكن تأثيرات هذه الحرب السلبية لا تقف عند أبواب أوروبا وأمريكا وكندا التي تتهافت على تقديم الدعم العسكري واللوجستي لأوكرانيا بالتوازي مع محاولة إضعاف الاقتصاد الروسي من خلال العقوبات الاقتصادية بالخصوص،  وإنما تشمل مناطق العالم وخاصة  البلدان النامية يعني العديد من البلدان في إفريقيا وآسيا.

ففي تونس مثلا، تعاني الأسواق منذ أشهر طويلة من ندرة مواد أساسية مثل الدقيق والسميد والحليب وتواجه بلادنا اضطرابات كبرى في التوزيع وإذا ما عرفنا أن تونس كانت تستورد ما لا يقل عن 65 بالمائة من حاجياتها من القمح من أوكرانيا وأنها كانت تستورد نسبة هامة أيضا من القمح من روسيا، فإننا نفهم سبب اضطرابات التوزيع وندرة مادتي السميد والدقيق وما ينتج عنها باستمرار من مشاكل في إنتاج الخبز. صحيح تعلن الدولة منذ فترة الحرب على الاحتكار الذي تعتبره سببا جوهريا وراء ندرة العديد من المواد الغذائية الأساسية التي تعول فيها بلادنا على الواردات بنسبة هامة، لكن يبقى للحرب الروسية الأوكرانية تأثيرها الواضح وهي تعد،إن تمادى الطرف الروسي في حربه  غير مذعن بذلك لإرادة  مجموعة السبع وكل البلدان الغربية المعادية التي تكتلت من اجل دعم أوكرانيا في هذه الحرب، بأن تزيد في تضييق عيش الكثيرين في العالم.

وما الغضب الذي نلاحظه هذه الأيام  لدى الفلاحين في أوروبا إلا دليلا على أن الأمور قد أخذت أبعادا خطيرة خاصة أن المتحدثين باسم الفلاحين الغاضبين في العديد من البلدان الأوروبية يتحدثون عن ملايين من البشر في العالم سيعانون من الجوع ومن سوء التغذية إذا ما استمر العمل بالسياسات الفلاحية الحالية.

وإذا ما عرفنا أن الفلاحة في أوروبا تقوم على استغلال الفلاحين لأراضي صغيرة نسبية فإننا نفهم مدى حساسية القرار الأوروبي الذي يفرض على الفلاح ترك 4 بالمائة من أرضه دون استغلال ويفرض عليه العديد من القيود. فهي بالنسبة له تعني ضياع نسبة عالية من المردودية ونشير إلى أنه وفق أرقام تعود لسنة 2020، فإن ثلثي الأراضي الفلاحية المستغلة في أوروبا مساحتها أقل من 5 هكتارات. ثم إن نسبة كبيرة من الفلاحة في الاتحاد الأوروبي تقوم على الزراعة (ما لا يقل عن 38 بالمائة من إجمالي الأراضي الفلاحية وفق أرقام 2020 استخدمت في الزراعة). وبالتالي من الصعب على الفلاح الذي يعاني من ارتفاع أسعار الإنتاج نتيجة المتغيرات العالمية والنزاعات المسلحة أن يقبل بإجراءات تهدف إلى حماية البيئة. لكن في المقابل لقد ثبت وفق الخبراء أن الزراعة المكثفة تعتبر احد أسباب انجراف التربة وهي تهدد التنوع البيولوجي الذي يعتبر احد أسباب تماسك الطبيعة.  إننا إذن أمام معادلة صعبة فمن جهة ضمان الأمن الغذائي ومن جهة أخرى حماية المحيط وهي تؤكد مرة أخرى أن مشاكل التنمية المستدامة وقضايا الحفاظ على البيئة والمحيط وحق الأجيال القادمة في بيئة سليمة، ليست مجرد إجراءات وقرارات تفرض فرضا حتى إن كانت النوايا طيبة وإنما تتطلب واقعية في التعامل مع الأوضاع.

والواقع يقول كيف يمكن للفلاحين الذين يؤمنون نسبة مهمة من غذاء الإنسان أن يواصلوا عملهم في ظل كل ما هو مفروض عليهم من قيود وفي ظل ما هو مطلوب منهم من مراعاة البيئة وتحمل تكاليف الحروب والنزاعات وغلاء أسعار المحروقات والبذور والماء وغيرها. هذا فيما يهم الفلاحة المتقدمة في بلدان تعتبر قد قطعت أشواطا في تطوير فلاحتها، فما بالك بفلاحتنا في ظل الافتقار الواضح  لسياسات فلاحية حقيقية. ويستمر الوضع على حاله رغم كل التقلبات التي يشهدها العالم التي تؤكد على ضرورة التعويل على الذات، ورغم تأكيد أهل الذكر على انه لا مستقبل لنا إلا من خلال فلاحتنا، ومع ذلك تظل بلداننا  تعول على ما ينتجه الآخرون  لغذائها.

فهل من الطبيعي مثلا أن تظل كل دول إفريقيا تعول على أوكرانيا لتزويدها بحاجتها من الحبوب؟ إلى متى تقبل  بلداننا أن تكون رهينة هذا الطرف أو ذاك وأن تكون جزءا من لعبة سياسية يقودها كبار العالم ولو على حساب قوتها؟ الواضح اليوم أن العالم الفلاحي في أزمة نتيجة اعتبارات عديدة  من بينها طبعا النزاعات المسلحة التي تؤثر سلبا على حجم الإنتاج وتكلفته، ولكن بالخصوص نتيجة حسابات الكبار في العالم الذين يدفعون نحو مزيد من الاضطرابات من اجل أجندات خاصة تزيد من حجم المفقرين والجائعين في العالم وخاصة منهم  بالبلدان الأكثر ارتباطا بالخارج  حتى في خبزهم ومنهم بلداننا الإفريقية طبعا.

 حياة السايب